ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
منتدى اسلامي تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد يوجد هنا تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد منتدى اسلامي, قران, خطب الجمعة, اذكار,

فساتين العيد


 
قديم   #1

مجاهدة فى سبيل الله

:: كاتبة مقتدره ::

الملف الشخصي
رقم العضوية: 77857
تاريخ التسجيـل: Aug 2009
مجموع المشاركات: 328 
رصيد النقاط : 0

قلم تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد


تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد



(حلقة المقدمة)

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم وكل عام وأنتم بخير، ربنا يتقبل منا ومنكم رمضان ويفتح علينا وعليكم، سنبدأ سوياً بإذن الله ثلاثين حلقة في رمضان نتكلم عن برنامج يحكي عن أسماء الله الحسنى، برنامج باسمك نحيا.



خصوصية المكان :

خصوصية المكان وعلاقته بأسماء الله الحسنى، وأنا مستشعر جلال وهيبة فهو معنى رائع جداً أنك تتحدث عن الله سبحانه وتعالى من أمام بيت الله، وفوق الكعبة في السماء السابعة البيت المعمور تطوف به الملائكة، وفوقه عرش الرحمن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة )، وأتخيل أن الملايين الذين يرونا الآن بداخلهم شوق عجيب تدمع أعينهم، يتمنوا وجودهم هنا وطوافهم هنا، أتعرفون الآية : ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً...))(125) البقرة، مثابة : هو كل ما تبعد عنه تشتاق له أكثر وترغب في العودة إليه، وأمن : تدخل تستريح وتطمئن.



وليست فقط هيبة المكان أستشعرها الآن، بل والذكريات تراودني ونحن نسجل عن أسماء الله الحسنى من هنا، أتذكر جدنا سيدنا إبراهيم وهو قادم لهذا المكان والله يأمره ببناء الكعبة، هو وسيدنا إسماعيل تخيل عند سماعك الآية، ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))(127) البقرة، تخيل سيدنا إبراهيم والله يأمره : ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً...)) (27) الحج، وتخيله وهو يقول : يا رب وأنى يبلغ صوتي ! ويقول له الله : يا إبراهيم، عليك الآذان وعلينا البلاغ، ويقف سيدنا إبراهيم يقول : يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تحجوا فحجوا، ويصلنا نحن الآذان، فيأتي الملايين اليوم ونحن معهم وتمتلئ مكة، وكلنا نقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، هذا المكان كان يطوف به النبي صلى الله عليه وسلم، وأسرى منه النبي مع سيدنا جبريل في رحلة الإسراء والمعراج، ووقف به النبي صلى الله عليه وسلم ووضع الحجر الأسود بيده.



خصوصية الزمان :

أما تجليات الزمان فنحن في رمضان، الذي يتجلى فيه الله تعالى على الناس برحمته وكرمه وعفوه، تتجلى أسماء الله الحسنى : العفو الكريم الغفور اللطيف الرحيم، أترون كيف نحن محاطين بأسماء الله الحسنى في الشهر الكريم ! وبرحمات من الله في أسمائه الحسنى !



موضوعنا :

سنحيا معاً وكل يوم من رمضان مع اسم من أسماء الله الحسنى، اخترنا ثلاثين اسم وكلهم أسماء وردت في القرآن، نحكي عنهم ونحيا معهم ونرى آثاره في حياتنا وفي مجتمعاتنا وتجلياته علينا، وربما من شدة تأثرك بالاسم تحيا به، حلقة اليوم هي مقدمة لن نتحدث فيها عن اسم معين، بل عن كل الأسماء، وستكون مكونة من أربع محاور :



المحور الأول : هدف البرنامج وأهمية موضوع أسماء الله الحسنى.

المحور الثاني : كيف يدلل الله على أسماءه الحسنى لتعرفه بها ؟

المحور الثالث : لماذا سمينا البرنامج ( باسمك نحيا ) ؟

المحور الرابع : ملاحظات عامة سنتفق عليها.



هدف البرنامج :



ببساطة شديدة : هدف أسماء الله الحسنى كلمة واحدة فقط وهي معرفة الله، لو عرفته لأحببته وأطعته وتمنيت رضاه واشتقت لجنته ولدمعت عيناك شوقاً لها، و ستخاف كل الناس الموت وأنت تشتاق للقائه ! لو عرفته لذبت شوقاً إليه ! لو عرفته لما أغضبته أبداً !، لن تشد على نفسك في رمضان بالعبادة والذكر والقرآن والصدقات والخشوع إلا لو عرفته، لن تمتنع عن معصيته إلا لو عرفته، حتى وإن كانت سهلة ولا يراك أحد لن تغضبه لأنك عرفته.



" إذا عرفت الآمر سَهُلَت الأوامر " أحياناً تعصاه وأنت غير مدرك من عصيت وأغضبت ! وتعتقد أن ذنبك صغير ! انظر إلى من عصيت ولا تنظر إلى حجم الذنب، كلما عرفته استسلمت وكلما عرفته رضيت بقضاؤه، وربما يكون مصاب شديد أحل بك لكن تتذكره فتهدأ وتستسلم، إذا عرفته رأيت حكمة ما بعدها حكمة وعلم لا ينتهي إليه أي علم ووجدت ود ولطف ورحمة وشفقة، ولدي كلمة من وجهة نظري ربما تكون خاطئة وهي : أن الدين يتلخص في ثلاث كلمات : معرفة تؤدي إلى طاعة تؤدي إلى سعادة، ولذلك في سورة طه : ((طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8))) طه، فكل الآيات تعريف بالله، فهذا الدين ليس للشقاء بل للسعادة، والسورة تقول أنك لن تشقى إذا مشيت مع الأسماء الحسنى.



أما بقية سورة طه فتحكي أن السعادة مع موسى والشقاء مع فرعون، وموسى عرف فأطاع فسعد وفرعون لم يعرف فعصى فشقي، هل فكر أحد في كلمة حسنى؟ كلها جمال وكمال وجلال ترفعك لأعلى، وهدف البرنامج أن نعرف الله من خلال أسمائه الحسنى وكلما عرفته ازددت حباً واستسلام وبذل، وإليك هذا المثل : سيدنا عبد الله بن حذافة كان قبل الإسلام لا يبذل في شيء أما بعد الإسلام فأسره ملك الروم ليقتله وقال له: اترك دينك وأعطيك من المال كذا وكذا، قال : والله لو أعطيتني كل مالك على أن اترك ديني ما تركته، قال : تتركك دينك وأشاركك معي في ملكي، قال: والله ملك الدنيا لا يساوى عندي شيء، فقال: إذن أقتلك، فقال : افعل ما شئت، فقال: صوبوا إليه السهام ولا تقتلوه لتؤذوه.. اضربوا السهام على يديه، فبدءوا على يديه، توجعه، يقول: تترك دينك؟ يقول: لا والله.. قال: اضربوا السهام على قدميه، تترك دينك؟ لا والله، فقال: خذوا اثنين من أصحابه وائتوا بإناء ضخم جدا فيه ماء مغلي.. زيت مغلي وألقوهم في الزيت المغلي، فرموا اثنين من المسلمين الذين معه في الزيت المغلي..تترك دينك؟ لا والله..خذوه فألقوه في الزيت..وهم آخذيه ليلقوه فبكى.. فقال لهم: أحضروه، فعاد سيدنا عبد الله بن حذافة، فقال ملك الروم: بلغني أنك قد بكيت، قال: نعم، قال: إذن تترك دينك؟ قال: لا والله، قال: فلم بكيت؟ قال: بكيت لأن لي نفساً واحدة ستخرج في سبيل الله، وكنت أتمنى أن يكون لي بعدد شعر جسدي أنفس تخرج واحدة بعد الواحدة في سبيل الله.



الخنساء قبل الإسلام، مات لها أخوها صخر فملأت الجزيرة العربية بكاء. بعد الإسلام عرفت الله ومات أربع من أولادها، قالت: الحمد لله الذي شرفني أنهم ماتوا شهداء ! عرفت ربها الخنساء فلما عرفته استسلمت لقضائه ورضيت بقضائه.



ولمن يقولون : نحن نعرف الله، أقول لهم : لا أنا لا أتكلم عن المعرفة السطحية، أنا أتكلم عن معرفة متغلغلة في خلايا جسمك، معرفة إذا مُنِعت عنك تموت، معرفة تجعلك تقول : هذه التي ماتت تذكرني باسم الله كذا، والموقف الذي حدث لي من مديري يذكرني باسم الله كذا، وابنتي الصغيرة التي ابتسمت في وجهي تذكرني باسم كذا.



لقد خلق الماء لهدفين: هدف صغير وهدف كبير، الهدف الصغير كي ترتوي وتعيش، لو شربت الماء وارتويت وقفت عند الهدف الصغير، ولكن لو شربت الماء وانطلق عقلك إلى الرزاق وقلت لنفسك سبحان من عَلَّق رزقي في سحابة مارة في السماء، تكون بهذا قد انتقلت إلى الهدف الكبير من خلق الماء وهو معرفة الله وباسمه الرزاق.



أتعرفون الحديث عندما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكل الصحابة جالسين وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال النبي: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداُ رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فحدثني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. هل انتبهت لترتيب أسئلة سيدنا جبريل: إسلام..إيمان..إحسان، ولماذا سأل عنهم مع الإحسان؟! لأن تطبيقك للإسلام والإيمان بدون أن تستشعر معرفة الله يجعل الإيمان والإسلام أجوف بلا إحساس..



أتعرف الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، كحديث سيدنا حارثة وهو18 سنة.. يذهب له النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقاً يا رسول الله، فقال النبي: يا حارثة إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ قال: أصبحت وكأني أرى عرش ربي بارزاً –كأني أرى عرش الله- وكأني أرى أهل الجنة يتنعمون في الجنة، وكأني أرى أهل النار يصطرخون في النار، فعزفت نفسي عن الدنيا – سوف يطبق الإسلام- فأسهرت ليلي بالقيام وأظمأت نهاري بالصيام، أنظر ماذا سيقول له النبي: قال يا حارثة عرفته فألزمه.. هذه هي المعرفة التي جئت أتكلم عنها.



أتعرفون الحديث الذي نحفظه جميعا: (( لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة )) والكثير من الناس يتوهمون أن الإحصاء هو العد والحفظ وتسميع الأسماء، ولكن حتى علمياً فالإحصاء غير العد وكذلك قرآنيا حيث تقول الآية: (( لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا )) (94)مريم، عندما أقول لك لقد استوعبت ما فيهم وحللتهم فهذا يعد إحصاء.



أتذكرون النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه ابن عمر يقول: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) يقول ابن عمر: "فرأيت النبي يرفع صوته ويقول: (يمجد الله تعالى نفسه – النبي يريد أن يقول لنا عش مع أسماء الله الحسنى- يقول: أنا الملك أنا الجبار أنا العزيز أنا المهيمن" يقول ابن عمر:" فرأيت المنبر يرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد اهتز الخشب يا إخوة للجلال، يقول: " فتحركت خشية أن يقع النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر".



كيف يدلل الله على أسماءه الحسنى لتعرفه بها ؟



لقد جعل الله وسيلتين لتتعرف على الله سبحانه وتعالى وأسماءه الحسنى وهما: كتاب يقرأ، وكتاب يُنظر.. القرآن والنظر إلى الكون.. مدار القرآن هو توحيد الله تبارك وتعالى وأسماء الله تبارك وتعالى ولنرى ذلك:



1. أول آية نزلت من القرآن تقول: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))(1) العلق، وانظر إلى كل سورة في القرآن فإنها تبدأ بـ : بسم الله الرحمن الرحيم، وكأن الله يريد أن يقول لنا ابدءوا كل عمل بها..

2. انظر لسورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن فكلها أسماء الله الحسنى: (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )) (الفاتحة:1-4) ولابد أن تقرأها في كل صلاة..

3. كذلك أعظم آية في القرآن آية الكرسي وهي تحتوي على ست أسماء في آية واحدة: (( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ..)) ثم يشرح لك دلائل الحي القيوم: ((.. لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ٌ..)) إلى آخر الآية، إن آية الكرسي أعظم آية في القرآن لأنها تعرفك بالله سبحانه وتعالى وأسماءه الحسنى، ونكمل إلى آخر الآية: ((..وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا..)) وختامها: ((..وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة:255)، هل لي أن أسألك وأنت تقرأ آية الكرسي وجميعنا نحفظها ونحبها ونختم بها الصلاة حتى الكثير من غير المتدينين يحفظونها فهل فكرت في العلي العظيم مرة أو تحرك قلبك وأنت تقرأها منذ سنين؟ هل اهتز قلبك مرة وأنت راكع وتقول سبحان ربي العظيم؟!

4. وكذلك السورة التي تعدل ثلث القرآن: (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) انظر ماذا تقول: (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ)) (الإخلاص:1-2).. منذ كم سنة وأنت تقرأها وتصلي بها سريعا؟! هل في يوم من الأيام أحسست بالصمد ؟ أتعرف معنى اسم الله الصمد ؟ الصمد هو الذي يُلجأ إليه عند الشدائد,, لمَ ؟ لأنه أحد لا يوجد غيره ولذلك يقول الدعاء يا صمد من لا صمد له.. يا سند من لا سند له. إن النبي يقول عن هذه السورة أنها تساوي ثلث القرآن لأنك عرفت بها أن لا إله إلا الله وعرفت أنه صمد وبالتالي لن تلجأ لغيره وبالتالي لن تخاف من غيره وبالتالي لن تذل نفسك لأحد وبالتالي هو الرزاق هو المعطي هو الذي يخرجك من المصائب لأنه الصمد، ألست حزينا على عمرك الذي مضى ولم تعرف الصمد ؟



5. ومن إعجاز القرآن أن يفصل لك الأمور ويشرح عدد من الآيات ثم يختمها بأسماء الله الحسنى، ومن الأمثلة على ما قلنا هذه الآية الطويلة: (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا )) إنها قصة، وانظر لختام الآية: ((..وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) (260) البقرة.



يا جماعة اقرءوا القرآن هذا العام لتعرفوا الله وأسماءه الحسنى، ولن تجد صفحة واحدة ليس فيها ختام الآيات بأسماء الله الحسنى كي يخبر أن الذي فات هو تفصيل يجمل، فسبحان من بسط بدائع صنعه ثم طواها في أسماءه الحسنى، وسبحان الذي يفصل ويجمل، وسبحان الذي يعرض عليك الكون: (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) (38) يس.. ثم تأتي بضع آيات يتكلم فيها عن الكون وقدرته في الكون ثم تختم بـ : ((..لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )) (12) الطلاق. هل من الممكن أن نقرأ القرآن على هذه الصورة هذه السنة ونحن نبحث عن أسماء الله الحسنى.



وبدون أن أقصد فتحت الآية التي تقول : ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) )) النور. أرأيت كيف يعرفك الله على أسماءه الحسنى في كتابه المقروء القرآن، وكيف يحببك في أسماؤه ويطلب منك ويأمرك أن تدعوه بها ! (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا...))(180) الأعراف. توسل إلى الله بأسمائه الحسنى أثناء الدعاء ليستجاب لك، ولتكن التي لها علاقة بموضوعك.



سوف نفيدك فائدة قبل أن يستجاب دعاءك ! هي أن تعرف أسماء الله الحسنى، فلتدعو بالأسماء التي لها علاقة بموضوعك : لديك مشكلة مادية ؟ ادع باسم...الرزاق...الفتاح...الوها ب، الأمة مقهورة ؟ فلتدع بالعزيز الجبار القوى، تريد أن تثبت بعد رمضان ؟ فلتدع بالهادي الحافظ، تريد أن يفتح الله عليك بالعبادة في رمضان ؟ فلتدع بالفتاح. أرأيت كيف يعلمك القرآن التعامل مع أسماء الله الحسنى، ولو كنت تسمع الشمس والجبال والقمر والبحار، لسمعتها تقول : لا اله إلا الله ! ((...وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ...))(44) الإسراء، لكن بإحساسك تستطيع الشعور بذلك.. الألوان والطيور تنادى على البديع ! أصابع المذنبين تشير إلى الغفار، الميت كل يوم يشير إلى الحي الذي لا يموت، الغريق ينادى على المغيث، الكون كله يسبح.



تخيل لو أحدهم لم ير من قبل معجزة الليل والنهار، والله لسجد لله سبحانه وتعالى (( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ...))(6) الحديد، لو لم ير أحدهم شروق الشمس ثم أشرقت عليه لقال : لا إله إلا الله ! من كثرة ما يسبح الكون الله تشعر وكأنه يرسل لك رسائل، قائلاً : اعرف الله، فالمطر أثناء نزوله يقول لك : اعرف الرزاق، الناس وهم يموتون ونصلى عليهم، يقولون : اعرف الحي الذي لا يموت، أتعلمون بما أشعر ؟ أن الكون مسجد كبير، تعرف منه أسماء الله الحسنى، (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ))(44) الإسراء، صحيح لن تفقه لكن الإحساس موجود.



لماذا سمينا البرنامج ( باسمك نحيا ) ؟



لأن الكثيرين يتعاملون مع أسماء الله الحسنى من أجل التبرك بها في المناسبات فقط، والكثيرون يحفظونها لكنهم غير متخيلين أن كل دقيقة في حياتنا لها علاقة بأسماء الله الحسنى، نريد أن نقول لهؤلاء : أن حياتنا كلها دائرة مع أسماء الله الحسنى، والكون كله يدور معها.



أتعلمون ما هي أكثر سورة جاءت بها أسماء الله الحسنى متوالية ؟ سورة الحشر ((هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) ))، وسورة الحشر تتكلم في الأصل عن معركة بين المسلمين واليهود انتصر فيها المسلمين، لكن لماذا بهذه الكثرة ؟ لكي نتعلم شيء مهم جداً وهو : أن أسماء الله الحسنى عملية لانتصار الأمة، وهي ليست بعيدة عن حياتكم.

 
قديم   #2

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up إسم الله ( التواب )


تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد



(اسم الله التواب)



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. في الحقيقة لقد ذكر لي بعض الشباب أنهم خائفين من أنه يتم ذكر اسم جديد كل يوم فيؤدي ذلك إلى نسيان الأسماء السابقة ولكن في النهاية فإن أسماء الله الحسنى تعرفك بالله فحتى لو نسيت الاسم وتعريفه فالمحصلة الأخيرة أن هذا البرنامج يتفق معك على منهجية تفكير وهي كيف تتعرف على الله وأنت تجتهد وسيفتح الله عليك.



دعوة ربانية..

اسم اليوم هو دعوة ربانية تجدد الأمل في حياتك، دعوة ربانية للمجتمع كله وللناس جميعا، اسم اليوم هو اسم الله التواب. لنتب في بداية رمضان، لنتب كي نعتق وكي يقبلنا، فلو كنا نحن من نرجوه أن يقبل التوبة لكان الأمر فيه بعض الصعوبة ولكنه سبحانه وتعالى هو من يعرض.



معنى الاسم..

معنى تاب أي رجع، وتاب وثاب وآب هم بنفس المعنى، فالله التواب يقبل كل من رجع إليه ولا يرده، وهذا هو ملخص الحلقة! يقول الله تبارك وتعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ..)) (الشورى:25) وهذه الآية جميلة جداً فمن الممكن أن تعتذر لإنسان ولا يقبل اعتذارك لأن حجم خطأك غير محتمل، أما الله سبحانه وتعالى فمتى ذهبت إليه قبلك، وهناك أمر آخر فمن الممكن أن تخاف من الاعتذار خوفاً من عدم قبول الاعتذار ومن الإحراج ولله المثل الأعلى، أما الله سبحانه وتعالى فيقول لك بهذه الآية لا تُحرج فسوف تُقبل.



ودائماً ما نجد كلمة القبول مع كلمة التوبة في القرآن كما في الآية السابقة وأيضا ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ..)) (غافر:3)، والآية الجميلة: ((أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ..)) (التوبة:104).. فالله لن يردك أبداً ويا لها من آية جميلة تذوقوها، وبعد ما قلناه الآن فهل تتوب أم أن الذنب متغلغل في قلبك بشدة ولا تستطيع التخلص منه؟







لمن التوبة؟

من هو المخاطب بالتوبة واسم الله التواب إنهم ليسوا فقط العصاة والمجرمين والغافلين عن الله والمترددين بين الذنوب والطاعات بل وحتى المؤمنين.. فكلنا مخاطبون، تقول الآية: ((..وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (النور:31) إن التوبة لأصحاب الكبائر.. للزناة، وما أكثر الزنا في بلادنا مؤخراً ! تقول الآية: ((..وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَنْ تَابَ..)) (الفرقان:68-70)، التوبة أيضاً للعاق لأبيه وأمه، التوبة من الرشوة التي انتشرت في بلادنا فالراشي والمرتشي في النار، التوبة من شرب الخمور فقد لعن الله شاربها وحاملها وساقيها وبائعها، للقنوات الفضائية وما يُعرض فيها من أشياء تشيع الفاحشة. وممن تجب عليهم التوبة أيضاً تاركي الصلاة فهناك باب في جهنم يسمى سقر لتاركي الصلاة، وكذلك ليس ترك الصلاة بالكلية فقط بل ترك صلاة الفجر وهي خمس الفريضة، وكذلك الأغنياء وأصحاب الملاين ألا تحتاج أموالكم التي لا تنفقونها إلى توبة، وأيضاً من أهان زوجته لأنها ضعيفة ألا يعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن الأمر يحتاج إلى توبة؟ وضابط الشرطة الذي آذى الناس وأهانهم ألا يعلم أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم للناس عذاباً في الدنيا.. ألا يحتاج إلى توبة؟ من أكل أموال الناس واليتامى.. ألا يحتاج إلى توبة؟



وإذا تركنا أمر الكبائر أفلا تحتاج آلاف الصغائر التي تقترف في اليوم إلى توبة؟ وكذلك الغافل عن الله فهو يرى نفسه إنسان محترم وهو بالفعل كذلك ولكنه غافل عن الله، وأحياناً تكون توبته أصعب من توبة العاصي؛ لأن العاصي بعد فترة يشمئز من المعصية أما الغافل فالشيطان يظل يقول لك أنت إنسان ممتاز ولتظل ساه عن الله.. فمتى يفيق هذا الغافل؟ ((أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ..)) (المائدة:74) أتشعر بالحنان في الآية؟ كذلك الشباب المتدين الذي لا يفعل شيئاً للدين وهو كله قوة وحيوية.. ألا يحتاج إلى توبة؟ وكذلك العمر الذي مضى في البعد عن الله، والنعم التي ينعم الله بها عليك ولم تشكر الله عليها.. ألا تحتاج إلى توبة؟



يقول سفيان الثوري وهو من قمم التابعين: جلست يوماً أعد ذنوبي فعددتها فإذا هي 21000 ذنب، فقلت لنفسي تلقى الله يا سفيان بواحد وعشرين ألف ذنب، يسألك عن ذنب ذنب، تقف بينك وبين الله ليس بينك وبينه ترجمان يسألك عن ذنب ذنب؟! يقول: فجلست أعد وأتوب أعد وأتوب أعد وأتوب. وقد حكيت في مرة هذه القصة لصديق لي فقال أنه قد فعل هذا الأمر ويحلف لي أنه بعد أن فعل هذا الأمر شعر أنه في قمة الحيوية والنشاط وفرحة تملأ قلبه.



لقد أعطت سورة التوبة التوبة لكل أصناف الناس حتى المشركين وقد ذكرت فيها التوبة سبع عشرة مرة، فيقول الله تبارك وتعالى عن المشركين: ((لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ * فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ..)) (التوبة:10-11)، ثم يتكلم بعد ذلك عن الناس التي خلطت عملاً صالحاً وآخر سيئاً: ((وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ..)) (التوبة:102)، وحتى للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ..)) (التوبة:117) فالتوبة مفتوحة لكل الناس.



التوبة في القرآن والسنة:

سنذكر الآيات والأحاديث التي تتكلم عن التوبة لعل القلوب تتحرك بعد هذه البداية الشديدة. يقول رب البيت العتيق: ((قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)) وهذه الآية تشعر منها أنها تلملم الجراح، فهل من دعوة أكثر من هذه الآية للتوبة؟ فكأنه يقول لك مهما بلغت ذنوبك وبعدت أو شردت فإن أتيت له تقول تبت إليك يقول لك لبيك عبدي، وانظروا للطف الآية فهو يقول يا عبادي ولم يقل يا مجرمين أو يا عصاة، كما أنه قال يا من أسرفوا على أنفسهم ولم يقل ذنباً بعينه ويفضحهم، وبقية الآية يجعلك تهتز بشدة: ((وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ - تعالوا بسرعة - وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ)) (الزمر:54-55)، ثم ينتقل إلى مشهد يوم القيامة: ((أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي - لقد عرض عليك التوبة!- لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً - لو أن هناك فرصة فأتوب - فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) (الزمر:56-58).. إنني أخاف أن تسمع هذه الآية يوم القيامة.. ((بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)) (الزمر:59-60).



يقول الله تعالى وهو يبين لك أنه يغفر لك ويحبك أيضاً: ((..إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) (البقرة:222)، وإرادة الله منا هي: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) (النساء:27) فكل المذنبين مخاطبين بهذا الآية، فأنتم لن تتحملوا يوم القيامة ((أَفَلاَ يَتُوبُونَ..)) (المائدة:74)، ويقول الله تعالى: ((وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (الحجرات:11) فقد قسم الناس لتائب أو ظالم لنفسه فلا ثالث لهم.


يقول النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم من الخطأ: ((يا أيها الناس استغفروا الله فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة))، ألم تقل في مرة تبت يا رب عن ما مضى من ذنوب توبة شاملة وأبدأ معك صفحة جديدة من رمضان حتى ولو كنت متديناً وغفلت عن ربنا، إن التوبة هي أول منازل العبودبة وآخر منازلها، بداية التدين ونهاية الحياة، ولهذا ختمت حياة النبي بسورة التوبة، وآخر آياته بسورة النصر: ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ... فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ...)).



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق باباً يوم خلق السماوات والأرض تركه مفتوحا، الباب من قبل المغرب، مسيرة الباب مسيرة الراكب سبعين عاما لا يقطعه، يسير الراكب في عرضه سبعين عاما لا يقطعه)) فقال النبي: ((أتدرون ما الباب؟)) قالوا: ((لا يا رسول الله)) قال: ((الباب التوبة)) إن الباب واسع ومفتوح وأكبر من ذنوبك ((فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق)) ولهذا هو من قبل المغرب.. أفلا تتوب؟!



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يذنب ذنباً فيقوم إلى الله فيتوضأ ويصلي ركعتين ثم يجلس يستغفر الله إلا غفر الله له ذلك الذنب)) رواه الإمام أحمد، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد أحب إليه العذر من الله)) ولله المثل الأعلى فعندما تعتذر للناس بعد قليل يقولون لك أعذارك سخيفة كفى أما الله سبحانه وتعالى فيحب الأعذار وأن تعتذر له، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئوا النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئوا الليل)) 24 ساعة يقبل التوبة، ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة، أشكر اليسير من العمل وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي وحلمي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بكم من الأم الشفيقة بولدها، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم)).



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يتنزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل كل ليلة ينادي من يدعوني فأستجب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟))، يقول الله تعالى لداود: ((يا داود لو يعلم المدبرون عني شوقي لعودتهم ورغبتي في توبتهم لذابوا شوقاً إليَّ، يا داود هذه رغبتي بالمدبرين عني فكيف محبتي للمقبلين علي))، ويقول تعالى في الحديث: ((إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتودد إليهم برحمتي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليَّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليَّ، أهل ذكري أهل مجالستي، أهل طاعتي أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم وإن أبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب أقول له أين تذهب ألك رب سواي؟))، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لللّهُ أرحم بكم من الأم الشفيقة بولدها))



معاني هامة..

· يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جميل جداً: ((إن الله يفرح بتوبة عبده)) ثم يضرب النبي مثلاً على هذه الفرحة فهي أكثر من فرحة رجل يمشي في الصحراء ومعه ناقته عليها طعامه وشرابه وفي وسط الصحراء جرت منه، فأيقن الرجل بالهلاك والموت بينما هو كذلك حفر لنفسه حفرة وقرر أن ينام فيها من شدة اليأس.. تخيل حالة اليأس التي هو فيها.. حالة اليأس التي يكون فيها العاصي والذنوب قد ملأت حياته، فبينما هو كذلك إذا بالناقة فوق رأسه عليها طعامه وشرابه، فمن شدة فرحته يريد أن يشكر الله فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! فقد أخطأ من شدة الفرح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فالله أفرح بتوبة أحدكم إذا تاب من هذا الرجل)) فرحة ليست كفرحة البشر.. سبحانه وتعالى ((..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (الشورى:11)، إن فرحة الله بتوبتك هي أكبر من فرحتك أنت بتوبتك، ولله المثل الأعلى لأنك عندما تتصدق بمال تكون فرحتك أكثر من فرحة من تصدقت عليه لانشغاله بما أخذ منك ولا يدرك فرحتك أنت به، وكذلك فعند التوبة يكون هناك في القلب انكسارة خجل وألم.. فلا شيء أحب إلى الله من هذه الانكسارة في قلب التائب لأنها حققت قمة العبودية لله سبحانه وتعالى.



· إن التوبة تنقلك إلى أعلى درجات القرب من الله ففي اللحظة التي تتوب فيها تكون حبيبا للرحمن، وهناك أمر يشجعك على التوبة فإبليس اللعين عندما رفض أن يسجد لآدم وطرد من الجنة قال: وعزتك وجلالك لأغوينهم مادامت أرواحهم في أجسادهم، فقال له الله: ((وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما داموا يستغفرونني)).. فلتتوبوا له.



· لماذا يتوب الله علينا كل هذه التوبة؟ وذلك لأنه سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان خلقه للإصلاح في الأرض ((..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..)) (البقرة:30)، فماذا لو لم تكن هناك توبة؟ سرق أحد أو أكل مال الناس وندم ولكن لا توجد توبة فسوف يسرق مرة أخرى فتفسد الأرض، كم أتمنى أن أسمع عن حاكم أو رئيس جمهورية أو شخص في مصلحة يجمع الناس ويعلمهم التوبة ويقول لهم غداً يوم التوبة من الرشوة أو الكسل أو المحسوبية.. والله سوف ينتجون إنتاجاً؛ لأن التوبة تقوم على فكرة إصلاح المجتمع، فليت بلادنا تصلح نفسها بأسماء الله الحسنى.. باسمك نحيا.



· إن التواب يطلب منك تقليل نقاط الضعف في حياتك وإصلاحها والشكور يُعظم فيك نقاط القوة، وللتوبة دور آخر ففي اللحظة التي تتوب فيها تكون قد عرفت الله سبحانه وتعالى فلن تتوب إلا وقد عرفت أنه عظيم وأنه منتقم وأنه رحيم وأنه غفور فقد عرفته بأسماءه الحسنى كلها في اللحظة التي تتوب فيها.



· ومن الممكن أن تسأل لِمَ لمْ يعصمنا الله من البداية؟! إن الرب هو الذي يربي عباده، الرب سبحانه وتعالى خبير بك فلو أن حياتك بلا ذنوب وكلها طاعة فسوف تصاب بالعُجب ورؤية الذات كما حدث مع إبليس فكفر، فالله سبحانه وتعالى برحمته لم يعصمك من الذنوب. يحكي ابن القيم في أثر جميل كي تفهم لماذا لم يعصمنا الله. وهو عندما أكل آدم من الشجرة ونزل من الجنة وكان يبكي فقال له ربنا: ((يا آدم.. إذا عصمتك وعصمت بنيك فعلى من أجود برحمتي ومغفرتي وعفوي وحلمي وأنا التواب الرحيم، يا آدم.. كنت تدخل علينا في الجنة دخول الملوك على الملوك والآن تدخل علينا دخول العبيد على الملوك وذلك أحب إلينا، يا آدم.. ذنب تتذلل به إلينا أحب إلينا من طاعة ترائي بها علينا، يا آدم.. أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائين، يا آدم.. لا تحزن أنني قلت لك اخرج فلك خلقتها ولكن انزل إلى الدنيا وابذر بذر التقوى وأصلح في أرضي حتى إذا اشتقت إلى الجنة تعالى لأدخلك إياها)).



· هناك معنى آخر جميل جداً يحببك في التوبة أكثر وأكثر، فاسم الله التواب له علاقة باسم الله الرحيم، فالتوبة دائماً تذكر مع الرحمة، وقبل ذكر العلاقة فبماذا تحب أن يعاملك الله؟ بعدله أم برحمته؟ إن كان بعدله فسيتركك تعمل ما تشاء في الدنيا ويوم القيامة يواجهك بخطأك ويرميك إلى النار ولكن برحمته يهديك إلى التوبة.. وقد يكون ذلك بإشارة خفيفة أو بمصيبة أو ابتلاء إن لم تكن سريع الفهم، اسمع هذه الجملة واحفظها: إما أن تذهب إلى الله راكضاً أو يأتي بك راقداً. كل هذا كي أربط التواب بالرحيم، وهو يبدأ معك بأن يحببك في التوبة وأنا لي صديق طبيب ومتدين يحكي لي أنه قد ذهب ليفحص مريضة سكر وبعد انتهاءه أصرت أن يوصله ابنها، وفي الطريق بدأ يسأل الابن عن صلاته وعن بعض الأمور الدينية فرد عليه بأن الصلاة هي كلام فارغ! فقال له الطبيب ألا تخاف من النار؟! فأجابه أن أهل النار هم أحسن ناس!! فغادر الطبيب السيارة، وبعد عام ذهب صديقي مرة أخرى ليفحص المريضة بعد أن طلبت منه ذلك فذهب إليها وعند مغادرته طلبت منه أن ينتظر كي يوصله ابنها فرفض ذلك بشدة فقالت له إنه يصلي العشاء بالمسجد وسيأتي فورا! فقرر أن ينتظره وفي الطريق سأله ما الذي حدث؟ فقال له أنه عمل في شركة سياحة تنظم رحلات حج وعمرة وقد كان مع أحد الأفواج وقد ذهبوا هم ليعتمروا وظل هو بالفندق وحده وكلما أقدم على فعل أي حرام لم يجد الفرصة فقرر أن يذهب كي يرى الكعبة لأول مرة في حياته وكان اليوم هو الأول من شعبان في الصباح الباكر وهو يوم غسل الكعبة وفتح بابها، وهو يقف يتفرج فجاءه واحد من آل شيبة وهم أناس كرام عندهم مفتاح الكعبة وقال له أتحب أن تصلي داخل الكعبة؟! فمن الذي فعل هذا؟! فأحرج منه الشاب ودخل داخل الكعبة يقول: كأني أغسل من جديد وأخلق من جديد، يقول دخلت فاسق جاحد خرجت مؤمن موحد أقول تبت يا رب تبت يا رب.. أرأيت كيف أتى به؟



بعد كل هذا الكلام هل تريد أن تتوب؟ هناك آيتين جميلتين جداً، آية تقول: ((..ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا..)) (التوبة:118) فقد سبقت توبة الله توبة العبد، والآية الثانية: ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ..)) (البقرة:160).. فالآية الأولى وُفق للتوبة فتابوا والآية الثانية قبل التوبة.. فمنه وإليه، فهو يحملك على التوبة فتتوب فيقبل التوبة.. ولكن هو من وفق لها بداية مثل ما حدث مع آدم فعندما أكل آدم من الشجرة كان يجري في الجنة ولم يكن قد تعرف على الله التواب ولا يعرف كيف يسامحه، تقول الآية: ((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ..)) (البقرة:37) قال له قل يا آدم: ((..رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) (الأعراف:23) فقالها فقال له: تبت عليك.. فهو الموفق للتوبة أولا والقابل لها ثانياً.



شروط التوبة:

للتوبة بينك وبين الله ثلاثة شروط وتستطيع فعلهم وأنت جالس الآن بقلبك:

1. الندم، يقول النبي: ((التوبة الندم)).. فبدون الندم لا تقبل التوبة.

2. التوقف عن الذنب.

3. العزم على عدم العودة.. لا يمكن أن أبيع دنيتي بآخرتي، إن الدنيا كفقاعة صابون بجوار جوهرة ثمينة، أو كمن في جيبه عشرة ريالات ويعرض عليك شيك مفتوح مكتوب عليه ((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) (ق:35). لقد وردت قصة لطيفة في الأثر عن موسى عليه السلام فقد ظل سبعون ألفا من بني إسرائيل في القحط الشديد ولا ينزل المطر ويكادون أن يموتون من العطش والبهائم كذلك، فوقف موسى يدعو وقال لهم نخرج للاستسقاء وصلوا صلاة الاستسقاء، وظل يدعو ويدعو والمطر لا ينزل، فقال: يا رب عودتني الإجابة فلم ينزل المطر، فأوحى إليه الله: يا موسى لن ينزل المطر لأن بينكم عبد يعصاني منذ أربعين سنة وهو يعصاني فبشؤم معصيته منعتم المطر من السماء.. هل عرفتم مصائبنا وأحوال بلادنا ما سببها؟.. فقال موسى: يا رب فماذا نفعل؟ قال: أخرجوه من بينكم لينزل المطر، فقال موسى لبني إسرائيل: بيننا رجل يعصي الله أربعين سنة، فأخرجوه من بينكم لينزل المطر. إن الرجل يعرف نفسه فقال يا رب: أنا إن خرجت فضحت وإن بقيت منعنا من المطر ومتنا، ماذا أفعل؟ ليس لدي غير أني أتوب إليك وأعاهدك ألا أعود فاسترني وأنزل المطر.. فنزل المطر من السماء، فقال موسى: يا رب نزل المطر ولم يخرج أحد! فأوحى إليه الله: يا موسى نزل المطر لفرحتي بتوبة عبدي الذي يعصاني منذ أربعين سنة، فقال موسى: يا رب دلني عليه لأفرح به، فقال له الله تبارك وتعالى: يا موسى يعصاني أربعين سنة وأستره، أيوم يتوب إليَّ أفضحه؟!.



هناك شرط رابع للتوبة: وهو إن كنت قد أكلت حقاً من حقوق الناس فلابد أن تُعيده، ومهما تبكي فلابد من إعادة حقوق الناس، ولكن عند الغيبة لا تخبروا الأشخاص الذين اغتبتموهم.. ادعوا لهم كي لا يتغيروا من ناحيتكم.



أحلى يوم في حياتك..

لقد تخلف سيدنا كعب بن مالك عن جيش المسلمين في تبوك وأمر النبي بخصامه خمسين يوماً واشتد تعبه، وبعد الخمسين يوم نزلت آيات التوبة في سورة التوبة بتوبة الله عليه، فخرجت الناس تنادي عليه: يا كعب أبشر.. تاب الله عليك، يقول: فخرجت من بيتي يتلقاني الناس في الطريق أفواجاً يقولون لي مبروك توبة الله عليك يا كعب، حتى دخلت المسجد فرأيت النبي فاستنار وجهه من الفرحة بي كأنه قطعة قمر وقال لي: تعال، فذهبت أمشي بين يديه وأنا خجلان، فقال: اجلس فجلست، فقال لي: أبشر يا كعب بخير يوم طلع عليك منذ ولدتك أمك.. تاب الله عليك.



وأخيرا.. ماذا لو عدت للذنب؟ يقبلك إن تبت مرة أخرى وثانية وثالثة، ((أذنب عبد ذنبا فقال: يا رب أذنبت فاغفره لي، فقال الله: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي، ثم عاد فأذنب ذنباً فقال الله: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي، ثم عاد فأذنب ذنباً فقال الله تبارك وتعالى فليفعل عبدي ما شاء مادام يستغفرني ويتوب إليَّ)). ولكن أحياناً عندما تذنب مرات عديدة تشعر بحاجز وأنك تستطيع التوبة وتشعر بالخجل فيقول لك التواب اعمل حسنة كي تكسر حاجز الخجل ((..إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ..)) (هود:114) و ((أتبع السيئة الحسنة تمحها)) ولهذا كان شهر رمضان كي تعمل الحسنات وتكسر الحاجز فتتوب.. إن رمضان شهر توبة، وأقسمت عليكم أن تعبدوا التواب الليلة فهذه الحلقة حجة عليَّ وعليكم يوم القيامة.

 
قديم   #3

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up إسم الله ( الجبار )


تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد



(اسم الله الجبار)



بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وأهلاً بكم، ومعاً سوياً مع "باسمك نحيا".

أتمنى أن يضيف هذا البرنامج لكل من يشاهده تَعَلُم كيفية أن يحيا رمضان مع أسماء الله الحسنى. لقد أطلقنا على البرنامج اسم "باسمك نحيا" كي تنصلح أمور حياتنا بأسماء الله الحسنى فلا نكتفي بالبكاء عند سماعها والتأثر بها فحسب.



اسم الله "الجبار":

اسم اليوم في منتهى الرحمة والرقة والعطف واللطف والرأفة والحنين؛ اسم اليوم هو "الجبار". قد يتخيل البعض أن أسماء مثل "الجبار" و"المنتقم" و"القهار" هي أسماء لقصم الظالمين والانتقام من الجبابرة. المشكلة هي أنك قد تكون عشت عمراً طويلاً ولكنك لم تشعر أبداً بأسماء الله الحسنى، كمثل قرآءتك ل"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"(1) سورة الإخلاص، لسنوات عدة دون أن تشعر بها أو تتذوق معنى اسم "الصمد" وتحيا معه.

ورد اسم الله "الجبار" في القرآن مرة واحدة فقط في "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" سورة الحشر الآية رقم 23.



"الجبار" هو الذي يجبر المنكسرين. هذا الاسم يراد به الحزانى، لمن ظُلِم، لليتامى، لكل من أُهين أو كُسر وهو مظلوم. "الجبار" هو الذي يجبرك عندما تلجأ إليه بكسرِك فهو الذي يُجبِر المنكسرين. وأصل كلمة "الجبار" هو كلمة "جبيرة" وهي التي يستخدمها من كُسِرَت يداه لتصليح الكسر. يا سيدة يا من ظُلِمتي، يا فتاة يا من تَقَوَّل عليك البعض بكلامٍ وأنتِ مظلومة وبريئة منه، من لك سوى "الجبار"؟ يا يتيم يا من أنهكتك الدنيا، يا أرملة، يا مطلقة يا من تنكر لك الكل حتى جيرانك، من لك سوى "الجبار"؟ يا شريك يا من شاركت شخصاً ما في شركة ثم خدعك واستولى على مالك، من لك سوى "الجبار"؟ يا من ظلمها زوجها ظلم شديد وألحق بها الأذى، من لها سوى "الجبار"؟ اليتامى، الحزانى، كل من ظُلِم في هذة الدنيا، من لهم سوى "الجبار"؟ لن تلجأ إليه بكسرِك إلا وينصرك لأنه سمى نفسه بـ "الجبار". إذا انكسرت، الجأ إليه وتذلل بين يديه وابكي له وقل له، "أنا كُسِرت. فلان كَسَرَني". هذا الاسم يقصد به للمنكسرين، للحزانى، للضعفاء، للمقهورين.



هناك نوعان من الكسر: كسر للأبدان وكسر للقلوب. وإذا كان الأطباء يُجبرون كسر الأبدان فإن الله سبحانه وتعالى يُجبر كسر القلوب. بل حتى إن كسر الأبدان يُجبره "الجبار"! إذا كسِرت يداك، فما على الطبيب إلا إنه يعيد العظم المكسور إلى مكانه ثم يضع الجبيرة ولكن يلتئم العظم ب"الجبار" حيث يأمر الخلايا العظمية بالنشاط بعد أن كانت قد سكنت حتى يلتئم الكسر ثم يأمرها الله بالسكون مجدداً. هذا مثل "الجبار" في الأبدان، فما بالك ب"الجبار" في القلوب؟



من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، "يا جابر كل كسير". وحديث النبي: "الضعفاء والخائفين في كنف الله عز وجل". ولذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم)، "اللهم ارزقني حب المساكين" لأنهم في كنف الجبار. يقول المثل الشعبي، "جبر الخواطر على الله". الجأ إليه إذا كُسِرت وقل له، "يا رب، اجبر بخاطري". يا حسرة على ما فات ما عمرك دون أن تعرف الجبار! إذا طلب شخص من أحدٍ ما شيئاً فيقول له: "لأجل خاطري،..." وتلين له كي يلين لك. نحن نفعل هذا الفعل مع البشر، فما بالك بأكرم الأكرمين؟



"جابر" أم "جبار"؟

والفرق بينهما هو أن "الجابر" قد يُجبرك مرة أو مرتان ولكن "الجبار" يُجبرك كلما لجأت إليه. وقد يسمى شخص بـ "جابر" ولكن لا أحد يسمى بـ "الجبار" إلا الله سبحانه وتعالى. من صور جبر الله لك أن يُنسيك الإساءة التي تعرضت لها من أحد الأشخاص مثلاً. بعد هذا، أتلجأ للجبار أم لغيره؟ أنلجأ للناس طالبين منهم أن يُجبروا بخواطرنا والجبار يعرض علينا أن يُجبر هو بنا؟! إن اسم "الجبار" اقتضى أن يكون هناك منكسِراً، كما اقتضى اسم "الرزاق" مرزوقاً، واقتضى اسم "الرحيم" مرحوماً، واقتضى اسم "التواب" مذنباً. لذلك، لن يحول الأمر بك إلا أن تكون منكسراً في الدنيا حتى تلجأ "للجبار" وحينها ستشعر بحلاوة عبادة لم تشعر بها من قبل مثل أن تصلي ركعتين وأنت منكسراً للجبار. أما الكارثة الحقيقية فهي أن تنكسِر ولا تلجأ للجبار! سوف يوسوس لك الشيطان بأنك منافق إذا لجأت للجبار في حينها، وبأن تلجأ إليه بعد حل مشكلتك، وذلك لأن الشيطان على علم بأنك سوف تشعر بأحلى لحظة عبودية عندما تلجأ إليه منكسراً وهي منتهى القرب ومنتهى الحنان من الله سبحانه تعالى.







قاعدة يجب أن تعتقد فيها:

"إذا انكسرت ولجأت لله، فلن يُرجِعَك". قد يؤخر الله الجبر لحكمة يعلمها، لكنه لن يرجعك. ومثال على ذلك أن تعرض أحد الأشخاص لمشكلة ما في بلده واضطر إلى مغادرته وكان ذلك في شهر رمضان، فخرج هائم على وجهه لا يدري وجهته أو البلد التي سوف يقيم به وقد جآءته فرصة أداء مناسك العمرة مع انتهاء تأشيرة العمرة في اليوم الثلاثون من رمضان. فكان يمشي بين الناس عند الحرم المكي دون أن يراهم من هول الكارثة التي لحقت به. وفي اليوم السابع والعشرون من هذا الشهر، بدأ الطواف بالبيت وبالرغم من درايته بالكثير من الأدعية إلا أن لسانه قد انعقد ولم يقل أثناء طوافه بالبيت سوى، "يا رب، اجبر بخاطرى! يا رب، أجبر بخاطرى!" وكأن الله قد أنطقه بهذة الكلمة. وفي شوط من الأشواط أوقفه شخص قائلاً له أنه يبحث عنه منذ ثلاثة أيام ليبلغه أنه قد رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في رؤيا في المنام قائلاً له أن يبلغ فلان أنه على الحق وأن يصبر قليلاً، فسوف يُنهك لمدة عام ثم يفتح الله عليه. فأصبح يبكي الرجل من سرعة جبر الله له وحنانه عليه وإرسال هذه البشرى له. ثم يخرج من الحرم ليتلقى اتصالاً تليفونياً من رجل فاضل يبشره بحصوله على تأشيرة إقامة في بلد ما. لن تلجأ إلى الجبار منكسراً طالبا منه أن يَجبر بخاطرك، فيُضيعك.



ومثال آخر، وهو مثال أم سيدنا موسى. فقد كان فرعون يقتل الذكور من المواليد، وقد وضعت أم موسى سيدنا موسى وأوحى الله لها: "...أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ..." وبعدها قال الله تعالى: "...وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ" سورة القصص الآية رقم 7. وقد وردت هذة القصة بعد ذكر قصة فرعون وبني إسرائيل (قضية أُمة) أي أن الله ذكر قصة سيدة ما كُسِر قلبها بعد هذة القضية الكبيرة. كم أن قلباً مكسوراً مثل هذا غالٍ عند الله! ثم يقول الله تعالى، "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ..." سورة القصص الآية رقم 13. يا مكسورين، يا حزانى، يا ضعفاء، يا يتامى، يا أُمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، يا أهلنا في العراق، يا أهلنا في لبنان، يا أهلنا في فلسطين، "إذا كنا مكسورين، فليس لنا إلا "الجبار". "...وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" سورة القصص الآية رقم 13، "لن يُرجعك الجبار أبداً".



لجوء النبي (صلى الله عليه وسلم) للجبار:

ضُرِبَ النبي بالحجارة يوم الطائف وقد كان يبلغ من العمر خمسون عاماً، وكان يبحث عن مكان يأوي إليه مع زيد بن حارثة، فدعى النبي شاكياً إلى الله دون أن يطلب منه شيئاً قائلاً، "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟ - حال الأُمة حالياً - أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي". تعلموا من نبيكم (صلى الله عليه وسلم) كيف تلجأوا إلى الله. ثم يأتي طفل صغير يسمى عدَّاس يقدم عنب للنبي ويجري حوار معه يعرف منه أنه رسول الله، فينزل عدَّاس مُقبِلاً قدما النبي. لابد أن يجبُرك! قد يجبُرك الله تدريجياً لحكمةٍ يعلمها، ولكن لابد وأن يُجبر خاطرك ولو بإشارة. ثم يأتي الجبر الكامل وهي رحلة الإسراء والمعراج. وبالنسبة لأمتنا، فهذا هو أنسب وقت تحتاج الأمة فيه إلى أن يجبُرنا الجبار!



كي يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك:

يقصم الله من ظلمك، ليُجبرك. فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين. إذا كنت منكسراً، ومن كسرك لم يتب ومُصِراً على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك. لاحظ أن كلمة "جبار" في حياة الناس هي كلمة مذمومة، لكن "الجبار" سبحانه وتعالى هي كلمة كلها خير ومصلحة لأنه يرد للظالمين حقوقهم. فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين. لابد أن يقصم الله من ظلمك. وكأن اسم الله "جبار" له شقان: شق إذا كان ظالم وشق إذا كان مظلوم.



الفرق بين "الجبار" و"المنتقم":

"المنتقم" علاقة بالظالمين فقط ولكن "الجبار" الأصل فيها للمظلومين، لكن ليتم حق المظلومين فلابد أن يُؤخذ من الظالمين. ونتعلم من هذا الآتي: "إياك أن تنام ليلتك وأنت ظالم". هناك مثل عامي نَصُّه، "يا بخت من بات مظلوم، ولم يبت ظالم". يا من ظلمتم الناس، احذروا! يا من ظلمت وتحترق شوقاً لتنتقم ممن ظلمك، احذر فإن الله معك في اللحظة التي ظُلِمت فيها. أنت في كنف الجبار.



فإياكِ وظلم خادمتك، فقد تلجأ للجبار ليلاً باكية له من ظُلمِك. إياك يا صاحب العمل وقهر أو ظلم موظف أو ساعي بسيط عندك، فقد يلجأ إلى الله ليلاً باكياً له من ظلمك وطالباً منه أن يجبر بخاطره، فيقصمك الله من أجل هذا البسيط. إن أنت حييت باسماء الله الحسنى، فما بالك بإصلاح الأرض؟ يا من تقومون بتعيين أشحاص في مناصب بالمحسوبية ويكون غيرهم أحق بهذة المناصب، فيلجأ كل من هو أحق بالمنصب مقهوراً إلى الجبار شاكياً له أنه كان مؤهلاً لهذا المنصب ولكن المحسوبية فَضَلَت فلان! إياك وأن تقوم بتعيين أحد بالمحسوبية فالجبار يقصمك من أجل هذا المظلوم الذي فُقِد مكانه. هل لاحظت كم أن هذا الاسم متوغل في حياتنا؟



يجعل ما قصمت به نعمة:

أحياناً تظلم شخصاً ما فيقصمك الله لأنك ظالم وليُجبر هذا المنكسِر، فتتوجع وتبكي وتلجأ للجبار، فيجعل ما قصمك به نعمة تفرح بها وتنصلح بها حياتك، أي يُحوِّل ما كُسِرت به إلى نعمة. ومثال على ذلك، عندما وكز سيدنا موسى الرجل فقضى عليه فقتله وكان نتيجة ذلك أن خرج من مصر، وهذة كَسرَة شديدة تحولت إلى قمة النعمة، حيث أن العشر سنوات تلك هي التي أهلته للنبوة. ومثال آخر، أنه كان هناك رجلاً ليس متديناً وله من الأولاد اثنان، وكانت تملأ حياته السخرية من الناس والضحك والنكات والهزار. كان يذهب لعمله وكان يحب أولاده ولكنه لم يكن مهتماً بهم إلى درجة كبيرة. وذات يوم وجد رجلاً كفيفاً يمشي في الشارع، فسخر منه وسار بجانبه يقلده لِيُضحِكَ الناس عليه. من المؤكد أن هذا الكفيف قد كُسِر. وبعد عدة أشهر من هذا الموقف، أنجب طفلاً كفيفاً وكُسِر هذا الرجل! يُجبر الله كَسر من ظلمته، فيقصمك وربما بنفس ما اقترفت! ولاحظ أنه قد يتحول إلى نعمة! بعدما أنجب هذا الرجل الطفل الكفيف، اكتئب لشهورٍ عدة، ثم انتهت علاقته بهذا الطفل! اهتم بطفلاه الآخران وترك تربية هذا الطفل الكفيف لأمه مع إعطائها نفقاته، فلم يرد أن يشغل باله به ولكنه كان يشعر بالإنكسار داخله وأن هذا الطفل بمثابة عذاب بالنسبة له، فكان يتجاهل هذا الأمر. ومع نمو الطفل، لم يرد الرجل الإحتكاك به وأصبح بينهما حاجز نفسي شديد حتى بلغ الطفل ست سنوات.



وفي يوم من الأيام، خرجت الأم مع أبنائها الكبار ووجد الأب نفسه وحده بالبيت مع هذا الطفل الكفيف. وقال الطفل لأبيه، "يا أبي، اليوم هو يوم الجمعة. هلا اصطحبتني إلى المسجد؟"

اندهش الرجل عندما علم أن ابنه ذو الست سنوات يصلي ويريد أن يذهب إلى المسجد. فقال له الرجل، "من أخبرك أن عليك الذهاب إلى المسجد؟ "قال له الولد، "أمي تصحبني أحياناً إلى هناك". فقد كانت أمه سيدة متدينة. وأخذ الأب الطفل قال الرجل لابنه، "سأصطحبك إلى المسجد". شعر الرجل أن معه شيخ كبير يعلمه. قال الطفل لأبيه، "يا أبي، سأتلو عليك سورة الكهف". فبدأ الولد في القرآءة وبدأ الأب في البكاء فعرف الله! فتحول ما كُسِر به إلى قمة النعمة. تَظلم فيقصمك فتنكسِر فتلجأ إليه فيحول ما كُسِرت به إلى نعمة.



دعاء:

يقول أحدهم: "يا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يخاف من عبادك وأنت الجبار؟! ويا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يُخيف عبادك وأنت الجبار؟!" لو كُسِرت، اسجد بين يديه وقل له: "يا جبار، أجبر بخاطري". ولو ظَلِمت، اطلب السماح ممن ظلمته واطلب منه ألا يدعو عليك واجبر بخاطره.



الجبار يوم القيامة:

أصعب موقف يوم القيامة هو يوم ينادى على البشر للعرض على الله سبحانه وتعالى. تخيل أنه ينادى على كل شخص يومئذٍ: "فلان بن فلان" وأن الملائكة ستأخذك الآن وأنك ستقف بين يدي الله، ليس بينك وبينه ترجمان وستتعرف عليك الملائكة من شدة قلقك وخوفك، وينادى، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" ينادى باسم الله "الجبار" هنا لأنك في الدنيا كنت إما منكسِر أو ظالم. وتخيل وقفتك بين يدي الله وحقوق الناس! يا من ظلمتم الناس، هل سوف تستطيعون الخلود إلى النوم الليلة؟ يا من ظلمتِ سيدة ما وشهرتِ بها، يا من تضربين خادمتِك كل يوم، يا من استوليت على حق فلان، هل سوف تستطيع الخلود إلى النوم الليلة؟ أريدك أن تتذكر ورأسك على الوسادة اليوم، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" وتخيل أنك تقول لله، "يا رب، كما جبرت بخاطري في الدنيا، اجبر بخاطري في الجنة، اجبر بخاطري يوم القيامة" فيجبرك، أو تقول له، "يا رب، لقد ظلمت في الدنيا ولكنني علمت أنك الجبار فذهبت يوم السادس من رمضان وجبرت بخاطر فلان، اجبر بخاطري اليوم يا رب".



نوع آخر من الجبر:

وهو "جبر العُبَّاد" أي أن يكون شخص متحمس للعبادة في رمضان مثلاً وينوي ختم القرآن مرتين وأداء صلاة التراويح في صلاة الجماعة في الصف الأول، وفجأة يثقل بعمله أو يصاب بمرض، فيحزن ويبكي ولكن يجبر الله بخاطره ويعوضه. ومثال آخر، حيث قال سيدنا موسى، "...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" سورة الأعراف رقم الآيات 143، فقد طلب سيدنا موسى نوع من العبودية ولكنه لم ينفذ. وتليها الآية، "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ" الآية رقم 144. إن لم تحصل على هذا الطلب فسوف تحصل على شيء آخر وهو أن تكون "كليم الرحمن". إن حُرمت من عبادة، فسوف يجبر الله العُبَّاد بمنحهم عبادة أخرى.







أكثر الناس جبراً لخواطرهم من الله:

هم الوالدين، فإياك أن تكسِر بخاطر أبيك أو أمك أو تدمع أعينهم أو تحمر وجوههم أو تنكسِر قلوبهم! ولذلك وردت كلمة "جبار" مرتين في القرآن على الوالدين على الحذر من أن تكون جباراً عليهم؛ مرة على لسان سيدنا يحيى في قوله، "وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً" سورة مريم الآية رقم 14، ومرة على لسان سيدنا عيسى في قوله، "وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً" سورة مريم الآية رقم 32. إياك أن تشعر بالعار من أبيك أو أمك أو تَكسِر بخواطرهم مثل ألا تريدهم أن يظهروا أمام أصدقاءك!



صور عديدة لجبر الله لخاطرك:

يجبُر بخاطرك بأن يقبل توبتك، يجبر بسنن الصلوات عن النقص في الفرائض، يجبر عثرات المؤمنين عندما يخطئوا فيسامحهم ويعفوا عنهم لسابق إحسانهم، يجبر بخاطر الأمة عندما كسرها التتار ويدخل التتار في الإسلام، يجبر بخاطر العبيد ويجعل كل شخص يخطىء يُحَرِر عبد حتى يتحرر العبيد، يُجبر بخاطر الخدم فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أطعموهم مما تطعمون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون"، يجبر بخاطر المرآة: "رفقاً بالقوارير" ويجعل لهن نصيب في الميراث لم يكن لهن إياه قبل الإسلام، يُجبر بخاطر اليتامى: "إخوانكم في الدين"، ويُجبر بخاطر من يُجبر بخاطر اليتامى ويقول النبي: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة".



الواجب العملي:

1. إذا كنت مظلوماً، الجأ للجبار واسجد بين يديه وقل له، "اجبر بخاطري يا رب". عهد على كل من سمع هذة الحلقة أن يرويها لغيره. اجعلوا الناس يتعرفون على الله.

2. إذا كنت ظالماً، أقسمت عليك أن تذهب الليلة لمن ظلمته حتى يرضى عنك قبل أن يقصمك الله سبحانه وتعالى سواء كان خادم أو ساعي أو زوجة.

اجبر بخاطر شخص حتى يوم غد، ابحث عن مسكين أو اذهب لملجأ أو مستشفى، اجلب معك هدية، ابن خالك محتاج رعاية، ابتسم في وجه فقير، امسح على رأس يتيم، إلخ... لكي تقول لله يوم القيامة، "جبرت بخاطر فلان، فاجبر بخاطري" ولكي يعرف كل الناس أن هذا الدين لإصلاح الدنيا وليس عبارة عن روحانيات فقط.

 
قديم   #4

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up إسم الله ( الحق )


تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد



(اسم الله الحق)



بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. اسم اليوم عندما أتحدث عنه أشعر بالهيبة الشديدة، لأن به تنصلح الأرض، بل الكون كله، حياتنا الاجتماعية جميعها مرتبطة بهذا الاسم.... اسم اليوم إذا غاب تطبيقه بين الناس في حياتهم تكون النتيجه فساد الأرض، وضياعها، وانهيارها، وحياة إجتماعية مليئة بالتعاسة، والكآبة، والانهيار، والظلم، والضياع.....اسم اليوم هو اسم الله الحق.



(الحق) كلمة حروفها قليلة جداً، ولكنها تزن السماء والأرض، وعليها قامت السموات والأرض قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ... )(التغابن:3)، كل شئ في كونه قائم بالحق، وقد أنزلنا الأرض وقال لنا عيشوا بالحق، وأكملوا في هذا الكون الصغير المسمى بالأرض بالحق.



إنه حقاً اسمٌ عظيمٌ،.... قال تعالى: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ... )(يونس: 32)، قال تعالى: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ... )(المؤمنون:116)، قال تعالى:(... فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ...)(يونس:32)، قال تعالى: (..ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ... )(الحج:6)، قال تعالى: (...وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ... )(يونس:30)، اسم الله الحق ذكر في القرآن سبع مرات، وكلمة الحق جاءت في القرآن مئتان وثماني وسبعون مرة، ولاتأتي كلمة الحق في القرآن إلا مع عظائم الأمور، مثل ماذكرت لك في قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ... )(التغابن:3)، أي أنه كون قائم على الحق.



*هدف الحلقه:

باسمك يا حق نحيا، هدفنا أن نحيا بالحق، ونقول الحق، ولانكتم الحق، ونموت على الحق، وإياك أن تضع منفعتك الشخصية في كفة, والحق في كفة ثم ترجح كفة منفعتك الشخصية، هدف الحلقة أيضاً أن تحب الحق؛ والحق صعب على النفس الإنسانية، ولذلك لابد أن تحبه لأن الله تبارك وتعالى هو الحق، ولأنك لو أحببت الحق كأنك أحببت الله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى جعل من أسمائه الحسنى ((الحق)).



هل أنت تحب الحق؟ هل أنت تقول الحق؟ هل أنت تحيا بالحق؟،، أم إنك تحيا بالزيف والباطل، فإذا كنت تحيا كذلك فإنك تحيا بعيداً عن الحق سبحانه وتعالى، اعتمر كما تريد، وابكي كما تريد، واحفظ القرآن كما تريد،...أنت تخدع نفسك إذا قلت أُحب الله، لأنك على هذه الحالة لاتعرف الحق سبحانه وتعالى.



ربما لاتسطيع أن تنام ليلاً، إذ لم تكن في طريق الحق سبحانه وتعالى، لأن اسمه (الحق) وأنت حياتك باطل، إذن كيف تعيش؟؟... هذا الاسم يجعل الصعب سهلاً، الحق صعب علينا جميعاً، هو سبحانه يجعله سهلاً، لأنك في طريقه، وتلقاه يوم القيامة وتقول له باسمك يا حق حييت.



حلقة اليوم تنقسم إلى محاور رئيسية، المحور الأول هو "معنى الحق وماهو الفرق بين الحق والعدل"، والمحور الثاني "حقائق كبرى في حياتنا إذا حييت بها وأحسست بها إذن فأنت تحيا مع الحق وهم ثماني حقائق"، المحور الثالث "نماذج من عاشوا بالحق ولوعلى أنفسهم، المحور الرابع والأخير "الحق منتصر لامحالة".



*معنى الحق والفرق بينه وبين العدل:

الحق نقيض لكلمة الباطل، وبضدها تعرف الأشياء، وهو ماتيقنت منه يقيناً دامغاً تاماً فثبت في يقينك مئه بالمئه أنه موجود وأنه ثابت وأنه حقيقة...وبالتالي فإنه لابد أن يكون من أسماءه الحسنى (الحق) لأنه هو أول الحقائق، وأعظم الحقائق هي وجود الله تعالى، لأن أمره حق، ونهيه حق، وفعله حق. انظر إلى قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي...)(يونس:35)، بمعنى إذا كان هو الحق، وقوله حق، ويهدي إلى الحق فكيف تبحث على الحق عند غيره، إذن الحقائق الكاملة في كتابه، وقوله، ووعوده، ولقائه، وجنته، وأن تكون مع الحق سبحانه وتعالى...



أصعب شئ في الحياة، أن تسير عكس اتجاه الكون، ويحدث تصادم، وإياكم أن تصطدموا بقوانين الكون، لأن الكون يسير بالحق، وأنت تسير بعكس الأتجاه، فالنتيجه أنك ستصطدم، فتتعب، وتموت، وتحيا تعيس، وتحيا بدون إستقرار، هذا الكلام كلام بديهي وعقلي. إذن ماهو الفرق بين الحق والعدل، العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، إذن فإن العدل هو تطبيق للحق، أي إن الحق قيمة والعدل تنفيذها، وإثباتاً لذلك تجده في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ...)(النحل:90)، ولكن الله تعالى سمى نفسه الحق، لأن الحق أعظم.



إذا تخيلنا أنه لم يكن في الكون اسم الله (الحق)، ما الذي كان سوف يحدث؟؟، ما الذي كان سيحدث للحياة؟؟، دعونا نتخيل أن هناك شخص ما يريد أن تشرق الشمس الآن...ويمنع المطر في بلد معين، لأنه غاضب منها... أو يمنع الهواء في بلد معين...قال تعالى على غرار ذلك: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ...)(المؤمنون:71)، الله سبحانه وتعالى هو الحق الذي لايفضل جنس عن جنس، ولا أمة على أمة، ولا بلد على بلد، ولا شعب على شعب، ولا لون على لون، ولا رجل على امرأه، كله بالحق، ولذلك انظروا إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الجميل يقول فيه: (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه)، لأن الحق صعب والشيطان دوره أن يغمي عليك الحق بمعنى أن يريك الباطل حق والحق باطل، وقد ذكر رسول الله في هذا الدعاء اللهم ارزقنا أتباعه، لأنه رزق، لأنك ممكن ان ترى الحق ولا تتبعه، أو ترى الباطل ولا تجتنبه.



الحق يخاطب أُناس كثيريين، يخاطب رجل الأعمال الذي فضل منفعته الشخصية، على احتياجات وطنه، يخاطب الزوج الذي فضل أن يقضي الوقت مع أصدقائه، ويرجح منفعته الشخصيه على حساب أبناؤه، وزوجته، وبيته، يخاطب الطالب الذي يغش في الامتحان، ويأخذ حق غيره، يخاطب الغرب الذين وضعوا مصالحهم الشخصية في كفة، والعراق في كفة، واختاروا مصلحتهم الشخصية، تخاطب المنتج السينمائي، الذي يفضل مكسبه المادي على ما يراه، أبنائنا وشبابنا في التلفاز, وفي الفاضائيات، تخاطب المرأه التي تُحَرِض زوجها على أكل مال الغير، وهي تعلم أنه حرام، تخاطب الرجل الذي وظف شخصاً في عمل ما وهناك من هو أكفأ منه، وهذه كفاءات علمية وأُخذ حقها، فإذن ستسافر وتهاجر إلى الغرب، وتكون النتيجة هم يزدادوا كفاءة ويستفيدوا من شبابنا وأولادنا، ونحن نزداد ضعف لأن الحق ليس موجود، تخاطب وتخاطب ملايين القصص...



أقول هذا الكلام لأن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض بميزان دقيق، وأنزلنا للأرض، وقال لنا نحن المسؤلون عن الأرض، ورسم لنا فيها كيف نحيا بالحق، وأرسل لنا الأنبياء، وأرسل لنا الكتب، وقال هذا هو الحق، وقال لنا عمروا الأرض بالحق...إذن عندما تخالفوا الحق فإنكم تخالفوا قوانين الله في الكون.



*كيف إذا ضاع الحق ضاعت الأرض:

سأضرب لكم مثلين صغريين يوضح هذا المعنى..



*المثال الأول: كان هناك حي في غاية الجمال يسمى "المهندسين" هذا الحي كانت منازله مبنية على أربع طوابق لأن بنيته التحتية مناسبة للأربع طوابق، وسكانه كانوا سعداء بذلك كثيراً، ورغم أن القانون يمنع الزيادة في عدد الطوابق، جاء هناك من زاد في عدد الطوابق من أجل منفعته الشخصية، فأصبح عشرون وثلاثون طابقاً، ففسدت الحياة في الحي وترك الناس الحي.



*المثال الثاني: الطالب الذي يغش في الإمتحان ويأخذ حق شخص أخر، انظروا إلى هذا الحديث، بينما رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يحدث الصحابة، جاء رجل فقال: (يا رسول الله متى الساعة؟) –قاطع النبي وهو يتحدث-فلم يرد عليه وأكمل النبي حديثه، فقال بعضنا "سمعه ولم يعجبه ما قال" وقال بعضنا " بل لم يسمعه" فلما انتهى النبي "صلى الله عليه وسلم" من حديثه قال: (من السائل عن الساعة؟)، فقال: (أنا يارسول الله)، فقال له النبي: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، فقال: (وما ضياعها يا رسول الله؟)، قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).



*أشكال الناس مع الحق:

للناس أشكال شتى مع الحق، منهم من يكتمه، ومنهم من يخشى على نفسه أن يقوله، ومنهم من يلبسه على الباطل، كما في قوله تعالى: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42) ، ومنهم من لايعرف أين الحق وأين الباطل، ومنهم من يعلم الحق وهو على باطل ويصر على الباطل، وأنت أيضاً يوجد في حياتك أشياء مثل ذلك، وتقول لنفسك، هل أنا كنت على حق في الموقف كذا، هل موقفي كذا كان على حق أم على باطل؟؟؟



*الحقائق الثمانية الكبرى:

انظر إلى حبيبك "صلى الله عليه وسلم"، أعطى لك ثماني حقائق، إذا حييت بهم سوف تحل لك كل الألغاز الأخرى في حياتك وبالإضافة إلى ذلك أنه "عليه الصلاة والسلام" علمنا أن ندعوا بهذا الدعاء كل ليلة، وهو كان يفعل ذلك "صلى الله عليه وسلم" في قيام الليل، كان يبكي ويبتهل بها إلى الله عز وجل، بعيداً عن مشاكل الحياة، والضوضاء، والحقائق مستقرة وهادئة، ولو هذه الحقائق استقرت في ذهنك، سوف تكون هذه نقطة البداية لترتيب وتوضيح الحقائق الغير واضحة في حياتك، ولكن بقلبك ووجدانك، وأعماقك، وإذا تعرض لك الباطل أمامك، بكل ألوانه وصوره، من مال، من دنيا.....لاتخف أبدأ لأنك على الحق، والحق يريد منك شجاعه ورؤية، في كل الأحيان.



أما عن هؤلاء الحقائق الثمانية فهي، كان صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (( اللهم لك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، وقولك حق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد "صلى الله عليه وسلم" حق، اللهم بك خاصمت، وإليك حاكمت، وعليك توكلت..)) وهؤلاء الثمانية ليست بالقول فحسب، ولكن بالقلب والوجدان، والدليل على ذلك، حديث النبي "صلى الله عليه وسلم" عندما ذهب إليه حارثة فقال له النبي: (كيف أصبحت يا حارثة؟)، قال: (أصبحت مؤمناً حقاً يارسول الله)،قال له النبي: (لكل قول حقيقه فما حقيقة إيمانك؟)، قال: (أصبحت وكأن عرش ربي بارزاً-اللهم أنت الحق-وكأني أرى أهل الجنه يتنعمون في الجنة-الجنة حق-وكأني أرى أهل النار يصطرخون في النار-النار حق-فعزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري) فقال له النبي: (ياحارثه عرفت فالزم)، إن هذا الحديث يبتن كيف أن الحقائق استقرت في قلب حارثة، وأنت أيضاً إذا أحييت هذه الحقوق سوف يفتح عليك في حقوق أخرى.



ترتيب الحقائق الثمانية:

الحقيقه الأولى تقول أن الله حق، إذن وبكل تأكيد أن قوله حق، وإذا كان قوله حق فبكل تأكيد أن لقاؤه حق، وإذا كان لقاؤه حق وبكل تأكيد إذن فالجنه حق، وإذا كانت الجنة حق فالنار حق، إذن فالذي دل على هذا وهم النبيون فهم حق، وإذا النبيون حق، فإن النبي "صلى الله عليه وسلم" حق، والإضافه التي كانت في أخر الدعاء تدل على أن بعدما استقرت هذه الحقائق في ذهني، أنا على أتم أستعداد لكي أدخل غمار الحياه،، وقد فرشت لك البنية الأساسية التي تنطلق منها لكي تخاصم وتحاكم، وتتعامل، وتتوكل، وتُعامل الناس، لذلك لاتخشى شيء إذا اغترست تلك الحقائق في نفسك.







تحليل الثماني حقائق:

الأولى: اللهم أنت الحق...

انظر إلى قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان:29)، الذي فعل كل هذا لابد أن يكون حق، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...)(فصلت:53). قال تعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ...)(التغابن:3). تعني أن الله يريد أن تحيوا في الأرض بالحق، ويقول لكم انظروا في كل شئ من حولكم ستجدونها تسير بميزان دقيق، مثلاً الفصول الأربعة وكمية الأمطار التي تمطر وعدد الثمار التي تخرج من الأرض خلقت كلها لحقوق الكائنات في الحق. أيضاً بُعد مسافة الشمس عن الأرض.. إذا اقتربت بمقدار ملم واحد تتحول الأرض إلى كتلة من النار، وإذا بعدت ملم واحد تجمدت الأرض، وهذا معنى الآية السابقة. إن رأيت الحق فلتسير فيه واعلم أنك ستكون قريباً من الله الحق، أما إذا بعدت عنه فإن الأرض سوف تُدمر لأنك تسير في الباطل.

الثانية: وقولك حق...

الذي هو كلام الله تبارك وتعالى.. قال تعالى: (... وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب: من الآية4). هل من الممكن أن تحيا مع قراءة القرآن؟ أن كل كلمة تقرؤها في كتاب الله حق مثل قوله تعالى: (... وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ )(الأعراف: من الآية85) حق.. لا يمكن أن أفعل ذلك لأن ذلك سوف يكون عكس الحق. مثال أخر: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(المطففين:1) حق.. فالذي يطفف في علاقته مع زوجته، أو الذي يطفف في تجارته وفي الميزان، والذي يطفف في الحقوق، وكيف أن القرآن هو قوله الحق وأنا أحيا بعكسه؟؟

الثالثة: ووعدك حق...

كل وعود الله تبارك وتعالى حق كما قال في قوله تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ... )(القصص: من الآية13). ومن وعود الله أيضاً أنه قال من أجل الإسلام: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً... )(النور: من الآية55). ووعد أخر كما في قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ...)(الذريات:22/23) إذاً لم أنت خائف على رزقك؟ وكيف يكون وعدني بهذه الوعود وأنا لست بمصدقه وأكون على غير هذه الوعود؟



رابعاً: لقاءك حق...

أي أنك إذا حييت بالباطل تذكر أنه لقائه حق كما قال في قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا...)(الأنعام: من الآية30). قال تعالى: (الْحَاقَّةُ *مَا الْحَاقَّةُ)(الحاقة:1/2)، سميت القيامة هنا الحاقة أي أنها حق وسوف تقع وسيحق فيها الحق ويظهر فيها الباطل، تخيل قوله تعالى: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ...)(النبأ: من الآية39) ماذا تفعل يومئذ يا من تحيا بالباطل؟ إنها دنيا قصيرة.

خامساً: والجنة حق...

أي حق وقد انتهى، يا أيها المشتاقون للجنة أحيوا من أجل الحق، انظروا إلى قول الله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(لأعراف:44)، وجاءت "نادى" فعل ماضي لأنه حق وانتهى.. والظالمين هنا الذين غشوا وسرقوا وزوروا وضيعوا الحقوق.

سادسا: النار حق...

عندمنا قال إبليس (... فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(صّ: من الآية82) انظر ماذا قال الله تعالى له: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ )( ص: 84/ 85). انظر إلى قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ...)(الأحقاف: 34).

سابعاً: والنبيون حق...

عيسى حق، وإبراهيم حق، وموسى حق، وسليمان حق، وآدم حق.. عليهم السلام كانت رسالتهم إظهار الحق على الباطل؛ لذلك وضع النبيون في الدعاء.

ثامناً: ومحمد صلى الله عليه وسلم حق...

(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)(الفتح:8). ثلاثة وعشرون عاماً ورسالته كلها هي إحقاق الحق، وقريش كانت لا تريد أن تؤمن لأن تجارتها مع الأصنام التي حول الكعبة، وأبو لهب كان لا يريد الوقوف بجانب ابن أخيه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يخشى على ماله من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)(المسد: 1/2). ونرى أيضاً الكلمة التي دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم مكه عند فتحها وبعد 23 عاماً من فراقها فلقد قال وهو يطوف بالكعبة: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(الاسراء:81).



لماذا خُلقت؟

إذا ايقنت تمام اليقين بالثماني حقائق التي ذكرناها سابقاً سوف تظهر لك حقيقة جديدة وهى لماذا خُلقت؛ لأن أنت المطلوب منك أن تقوم برسالة حق.. أن تصلح وتُعمِر في الأرض بالحق، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ...) (المؤمنون: 115/ 116). وقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ...) (الدخان:38/39). انظر إلى قوله تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ*وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً)(صّ:26 /27). أتدرون لمَ ربط الله سبحانه وتعالى ما قاله لداوود في الآية الأولى بالآية الثانية التي تتحدث عن السماء والأرض؟ لأنه لا يوجد إلا حق واحد كبير في الكون كله، وأنت تؤدي جزء من هذا الحق لأنه سبحانه وتعالى أكمل الحق في باقي الكون وطلب منك أن تكمله أنت في جزء من هذا الكون الذي يسمى بالأرض. قال تعالى: (...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...)(البقرة: من الآية30) لذلك كان لابد أن يُذكر سيدنا داوود بأنه خلق السماوات والأرض بالحق.



الحق عريق.. الحق أصيل.. الحق في صميم الكون.. هذا لا يدل على أن إذا نسى المسلمون الحق في هذه الأرض أن الحق غير موجود، إذا كنتِ أنتِ على الحق وباقي المسلمين باعوا الحق فأنت قريبة من الحق عز وجل والباقي باطل، يا رجال الأعمال.. يا ربات البيوت.. يا شباب.. يا بنات أرجوكم أحيوا بالحق.



نماذج عاشت بالحق:

سوف أسرد لكم نماذج عاشت بالحق ولو على أنفسهم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا...)(النساء: من الآية135). وقوله تعالى: (... وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ – خلاف أو غضب مع قوم- قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...)(المائدة: من الآية8).



النموذج الأول: النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق عندما سُرق درع سيدنا قتادة وحامت الشبهات حول أحد الأنصار قام هذا الأنصاري وهو السارق الحقيقي بالتخلص من الدرع وإلقاؤه في بيت اليهودي ليُتهم بدلاً منه. وعندما وجد المسلمون الدرع المسروق في بيت اليهودي برأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأنصاري إلى أن نزل قول الله الحق (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً*وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)(النساء:105/106/107)، فعاد النبي وأعلن براءة اليهودي مما نُسب إليه.

النموذج الثاني: عندما فتح جيش المسلمين سمرقند في عهد عمر بن عبد العزيز بعث له قائد سمرقند وقال له أن جيشك لم ينفذ ما قاله نبيكم، ودخلوا دون إنتهاء المهلة وهي ثلاثة أيام، فأمر عمر بن عبد العزيز أن يخرج الجيش كله من سمرقند، وهذا أمر شاق على أي قائد ولكن الحق أقوى، فعندما أمر عمر بن العزيز جيشه بالخروج أثر ذلك في نفوس أهل سمرقند ودخلوا في الإسلام، وخرج منهم العلماء المسلمين.. وكل هذا من أجل كلمه حق.

النموذج الثالث: عندما سرقت امرأه مخزومية بعثوا للنبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة لكي لا تُقطع يدها لأنها شريفة، احمر وجه النبي غضباً حتى تمنى زيد أنه لم يسلم قبل هذه اللحظة، وقال له النبي: (والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، إنما أهلك من كان قبلكم، إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

النموذج الرابع: عندما طلب أبو طالب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك الدعوة من أجل قريش قال له: (والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت في سبيله).

النموذج الخامس: عندما أوذي أحمد ابن حنبل في قضية ظلم وهو على الحق، أخذوه إلى السجن وكان يخشى فتنة السوط ولكن الله ثبته على الحق، باللص الذي قال له: (يا إمام اثبت على الحق فإن عشت عشت سعيداً، وإن مت مت شهيداً)، فقال أبن حنبل: (فكأنها بُعث في نفسي روح من جديد).

النموذج السادس: تشرشل في الحرب العالمية كانت انجلترا دماراً وخراباً، وكان يسأل الوزراء عن أخبار كل مجال بها، ولكن دون جدوى، لا يوجد ماهو جيد لكي يقال عليه، إلا أن سأل وزير العدل فقال له: (العدل بخير) فأجابه تشرشل: (إذن سننتصر)، وقد انتصروا.



الحق منتصر:

لأن الله تبارك وتعالى هو الحق وأوكل إلينا إصلاح الأرض بالحق، أرأيتم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر عندما قال للمشركين القتلى :(ياعتبة ابن ربيعة، ياشيبة ابن ربيعة، ياوليد، ياعمرو ابن هشام، أنا قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟؟)، قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ...)(الانبياء:18). ضرب الله تعالى لنا مثلين في القرآن الكريم عن الحق، أحداهما ناري، والأخر مادي، وكلامها يؤدي إلى نفس الاتجاه قال تعالى: ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً-الماء وهو رمز الخير والحق- فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ-الحق يسير ثم يأتي القش على وجه المياه، وهذا القش رمز الباطل، ومما يوقدون أي إذا كنت تريد الذهب خالصاً لابد أن يتخلص من الشوائب العالقة به وهي أيضاً تظهر على السطح- كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد:17)، أتدرون أن هذه الآية الكريمة وضحت لنا مدى قيمة الحق، وأنه لن يزول حتى وإن كان ضعيفاً، ومختفياً، ويظن البعض أنه ميتاً، والباطل قوياً، ومتفشياً،....ولو زال الحق تقوم القيامة، والحق باقٍ إلا أن تقوم الساعة لأن هناك حساب يوم القيامة.

الاتفاق الأخير:

نتفق على ماقد أخبرتكم به في أول الحلقة وهو أن تحبوا الحق، وتعيشوا بالحق، وتقولوا الحق، ولاتكتموا الحق، وتموتوا على الحق، احيوا باسمك ياحق نحيا، أحبوا الحق من كل قلوبكم، لأن الحق هو الله، وأرجوكم يا من تعيشوا في هذه الأرض لا تفسدوا فيها، ويا من تعيشوا على الحق فإنكم منتصرين منتصرين لامحالة، قال تعالى: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) (سـبأ:49) .

 
قديم   #5

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up إسم الله ( الحميد )


تفريع حلقات بإسمك نحيا أ:/ عمرو خالد


(اسم الله الحميد)



بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طلب خاص قبل أن تكمل قراءة المحاضرة، أطلب منك إحضار ورقه وقلم فستحتاج لهما لتحقق الإستفاده الحقة من قراءتك لهذه المحاضرة.

وسنعيش في السطور القادمة مع اسم الله الحميــد.



معنى اسم الله الحميد:

"الحميد" كلمه مشتقه من مادة الحمد، وهو مضاد الذم، فالكامل يُحمد والناقص يُذم، والكامل المطلق هو الله سبحانه وتعالى، فالحميد في أفعاله، في خلقه، في شرعه، في أقواله، هو الله سبحانه وتعالى. فلا حميد في هذا الكون إلا الله سبحانه وتعالى. وكلمة الحمد تطلق للثناء على الكامل.



الفرق بين الشكر والحمد:

- الشكر مرتبه أدنى من الحمد، فأنت تشكر الناس، ولا تحمد إلا الله سبحانه وتعالى.

- الحمد أعم من الشكر، فالحمد أن تثني عليه سبحانه لذاته، وعظمته، وكماله، وجلاله، لكمال عطائه، ولكن الشكر لا يكون إلا مقابل لنعمه بعينها.



و الآن لنعيش سويا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله سبحانه وتعالى، وأستشعر هذه الكلمات وأنت تتذكر كيف أمطر الله تعالى عليك نعمه:

- "اللهم لك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق."

- " يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء يا ربنا ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك."

- "يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك."

- "يا رب كنّا ضعفاء فقويتنا، فلك الحمد. كنا أذله فأعززتنا فلك الحمد. كنا فقراء فأغنيتنا، فلك الحمد. لك الحمد بالإسلام، لك الحمد بالإيمان، لك الحمد بالقرآن، لك الحمد بنعمة الأهل والولد والمال، يا رب لك الحمد كله ولك الشكر كله ولك الملك كله وإليك يرجع الأمر كله."

ونشعر حين سماع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نفس وكل قطرة دم فينا وكل حضن لأولادنا وكل قرش في جيوبنا وكل نظرة عين وكل حركة لسان تريد أن تنطق بحمد الله سبحانه، " ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..." (النحل: 53)، فاللهم لك الحمد عدد الأمطار وورق الأشجار، وعدد من أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، الحمد لله الحميد الذي يُحمد في كل خلقه على ما كل ما فعل.



ولتحضر الآن الورقة والقلم، ولا يهم إذا كانت الورقة صغيره أم كبيره: "وإن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا... " (النحل: 18) فالنعمة الواحدة إن فكرت في أثرها وفضلها فستملأ منها صفحات وصفحات.

ولتكتب الآن في منتصف السطر:

اسم الله الحميــد

" ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..." (النحل: 53)

ولتستشعر معنى " ومَا بِكُم " فلا شئ في كيانك، في وجودك، حولك إلا وهو نعمه من الله. وسأساعدك في الكتابة بأن أعطيك بعض النقاط التي تذكرك بنعم الله عليك:

§ نعمة الملبس: حين نعيد هذا الملبس الفخم إلى أصله نجد أنه من الله فهو قطن أو صوف أو جلد أو كتان وكل هذا ما آتى إلا من عند الله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يرتدي ملابسه يقول: "الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به بين خلقه." فبدون هذا الملبس أنت عاري، فالحميد هو الذي كسانا، وله سبحانه الحمد.

§ أثاث منزلك: فمهما كان فخما فهو أصله خشب، وأصل الخشب بذره وأمطار من السماء.

§ بيتك وجدرانه: ما هو إلا معادن خرجت من باطن الأرض ليأويك الله الحميد بها.

§ مأكلك: وأصل طعامك هو بذره في الأرض" فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَباً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَباً (27) وعِنَباً وقَضْباً (28) وزَيْتُوناً ونَخْلاً (29) وحَدَائِقَ غُلْباً ( عبس: 24-30 )



§ مشربك: ماذا عن نقطة المياه، فمصر هبة النيل كما يقولون، والنيل هبة من؟؟! النيل هبة الحميد سبحانه وتعالى. هناك قصه تُحكى أن شخص ضل في الصحراء ومن العطش كان يبحث عن الماء وإذا به فجأة يجد كيس معلق على شجره يلمع، فظن أنه الماء فحين أتاه، وجد أن ما به كان ذهباً، فقال: يا مصيبتي هذا ذهب وليس ماء! فما قيمة الذهب بدون الماء، فمن يموت في الصحراء جوعا، يجدونه وقد جرح وجهه عطشاً. فالحمد لله على نعمة الماء.

§ خروج نقطة الماء من جسدك: وهذه نعمه كبيره تستحق الحمد فتخيل أن نقطة الماء التي تدخل جسدك لا تخرج!!!! أتى هارون الرشيد واعظه ابن السماك، فقال له هارون الرشيد عِظني. فقال له: يا أمير المؤمنين كم تدفع من ملكك لو حبست عنك هذا الكوب من الماء؟ فقال له: أدفع نصف ملكي. فقال له ابن السماك: فإن أعطيتك هذا الماء فشربته فحُبس فيك، كم تدفع ليخرج منك؟ فقال له: أدفع نصف ملكي.فقال له: يا أمير المؤمنين، إن ملكاً لا يساوي شربة ماء وخروجها، لملك هين "أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَذِي تَشْرَبُونَ " (الواقعة: 68)



§ الحراسة: يقول الناس: العين عليها حارس. نعم نحن علينا حراسة من الله، ألم تقرأ قوله تعالى: " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ .."(الرعد:11). فهناك ملائكة وظيفتها حمايتك بأمر الله، فإذا جاء قدر الله خلّوا بينك وبين قدر الله، فكم تعرضنا لحوادث كادت لو حدثت أن تقضي علينا!

§ نفسك: أنظر إلى نفسك وأحمد الحميد، وأكتب نعم الله عليك، فكم من نعمه فيك أنت، أنت تبصر وغيرك لا يبصر، أنت تسمع وغيرك أصم، أنت عاقل وغيرك مجنون، أنت تشعر وغيرك لا يشعر، أنت تحب وتُحب وغيرك قاسي. تخيل لو أن الله سبحانه لم يعطينا أعضائنا وترك لنا مهمة شرائها من الكون، فلكنت تذهب لتشتري لولدك أجهزة جسده بعد ولادته، فكم تساوي الكلى والعين لو كنت لتشتريهما؟!

اقرأ قول الله تعالى:" أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) ولِسَاناً وشَفَتَيْنِ (9) وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"

(البلد: 8-10)

§ التنفس: أكتب نعمة التنفس، وتخيل لو جعل الله تعالى مهمة تنفس الرئة لك فأنت من يحركها لتلتقط الأنفاس!! لو كان ذاك يحدث، لكان عملنا الوحيد في حياتنا هو تشغيل رئتنا وتحريكها لالتقاط الأنفاس. أكتب أن الحميد هو الذي يجعل رئتك تتنفس الآن.

§ الروح: أكتب في ورقتك أن الله أنعم عليك بنعمة الروح فما الفرق بينك وبين التماثيل سوى هذه الروح التي أعطاك إياها الحميد سبحانه وتعالى.

§ الإسلام: هل نسيت أن تكتب أعظم نعمه وهي أنك مسلماً؟!

§ رمضان: أليست بنعمه أنك قد بلغت رمضان.

§ السجود لله تعالى.

§ الجنة: هل نسيت أن تكتب الجنة؟! تمر السحابة على أهل الجنة وتقول لهم أرسلني إليكم الحميد سبحانه وتعالى، بأي شئ تحبون أن أمطركم يا أهل الجنة؟



فالحميد هو الذي كسانا وآوانا وأطمعنا وله سبحانه وتعالى الحمد. وتذكر نعم الله الحميد إليك واكتب واكتب واكتب وأملأ الصفحات والصفحات، ولتقل الحمد لله من داخلك بمشاعرك وإحساسك ودموع عينيك وروحك فلا ترددها فقط بلسانك. قل معي الآن الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.

ولتردد معي: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت يا ربنا من شئ بعد، الحمد لله الذي خلقنا وسوانا، الحمد لله الذي أنعم علينا إذ هدانا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي يقول في كتابه سبحانه: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ ولَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً "( الكهف: 1)، الحمد لله الذي يقول في كتابه سبحانه: " الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ..." (فاطر:1) الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات فيستجيب الدعاء لا يشغله سمع عن سمع، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.



وإليك هذا الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم." فاللهــم لك الحمــد.



أخي أما تستحي من شكرك للبشر إذا قدم إليك معروفاً؟! وهذا ليس خطأ، "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، ولكن أما تستحي أن تعطي للخلق مالا تعطي للخالق الحميد سبحانه وتعالى؟!

ولنرى كلمات سيدنا موسى عليه السلام للحميد: فيقول موسى له سبحانه: "يا رب كيف أشكرك وشكري لك نعمه تستحق الشكر؟! فأوحى له الله تعالى أن يا موسى إذا عرفت ذلك فقد شكرتني."

أما تستحي أن الكون كله يسبحه سبحانه وتعالى: " وإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ..." (الإسراء: 44) والجن إخواني حين سمعوا" فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" (الرحمن:13) قالوا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: "لما لا تقولوا كما قالت الجن؟" قالوا فماذا قالت الجن يا رسول الله؟، قال: لا بشئ من نعمك ربنا نكذب." فالكون كله يسبح حتى الرمال، والجماد والكائنات، وإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ..." (الإسراء: 44) أما تستحي من هذه الآية:" إنَّ الإنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وإنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ "(العاديات: 6-7) " فهو يعدد على الله المصائب ولا يذكر النعم.

أما يؤثر فيك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة:" أيها الناس أحبوا الله من كل قلوبكم، أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم." وأوحى الله إلى داوود:" يا داوود حدث الناس بإنعامي وإحساني فإن القلوب جُبٍلَت على حب من أحسن إليها."، والحمد هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن، فغير المؤمن يقف حبيس النعمة فيتمتع بها، أما المؤمن فينتقل من النعمة إلى المُنعم سبحانه وتعالى فيعيش مع الحميد.



ولتنظر: أول مفتاح القرآن: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ" (الفاتحة: 2)، "...ولا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ... " (الزمر: 7) إن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة يحمده عليها، ويشرب الشَربة، فيحمده عليها." والحمد العبادة الوحيدة التي أُمرت بإعلانها:" وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " (الضحى: 11)

وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة تبدأ بالحمد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه للشفاعة:" أسجد تحت العرش وأحمد الله بمحامد لم يحمده بها أحداً من قبل." فلما يحمد الله يقول له الله تعالى:" أرفع رأسك وسل تُعطى وأشفع تُشفع." فيقول: "يا رب إإذن أن يبدأ الحساب". وأول سؤال سيقوله لك سبحانه وتعالى حين تقف بين يديه وحدك فيقول لك سبحانه: "يا فلان ألم أُنعم عليك؟!" فأول الحساب عتاب بالنعم، فتخيل لو كنت تحمد الله على هذه النعم وقلت له سبحانه: يا رب كنت أحمدك، فيقول لك سبحانه: صدقت عبدي.

أخواني الحمد هو المانع من العذاب، ألم تسمع قوله تعالى: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إن شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ وكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ( النساء: 147). والحمد إخواني هو ختام الحساب" وتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ..." (الزمر: 75) والحمد لله عند دخول الجنة: " وقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي صَدَقَنَا وعْدَهُ وأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ "( الزمر: 74) ويقال يوم القيامة:" أين الحامدون؟، فيقوم أُناس، فيرفع لهم لواء مكتوب عليه لواء الحمد، فيدخلون الجنة يُشار إليهم هؤلاء الحامدون."



ماذا يعطيك الحميد إذا أكثرت من حمده بلسانك وقلبك؟

"... لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..." (إبراهيم: 7) فحينما تقول أنت الآن الحمد لله تستجلب بها الآن نعمة، ولتلاحظ هنا أن الله تعالى لا يطلب منك أن تشكره لأنه يحتاج لشكرك وإنما ليعطيك المزيد، " مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ( الذاريات: 57) فالله تعالى يدعونا إلى الطموح في الزيادة والطمع فيما عند الله تعالى. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما قال عبد قط الحمد لله إلا وجبت له بها نعمة". يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الحمد لله تملأ الميزان" وذلك يوم "... فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ ( الزلزلة: 7-8)

وذلك يوم يُلقي الكافر نفسه في الميزان ليثُقله، فلا يزن عند الله جناح بعوضه، " فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وزْناً (105) ولكن كلمة الحمد لله تملأ الميزان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن عبدا قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. فعظُمت للملكين، فقال لهم الله تبارك وتعالى: أكتبوها كما قال عبدي وأنا أجزيه بها يوم القيامة."

ولا تنسى في رمضان أن تشكره بالعبادة وقراءة القرآن وعمل الخير، فإن شكرته سبحانه ليزيدك، فقد يزيدك بليلة القدر! أو العتق!



ما أثر تجاهل الحمد؟

عدم حمد الله تعالى على نعمته ينتج عنه التالي:

- قد يسلب النعمة كلياً.

- قد يُضيع حلاوتها

- قد تتحول لنقمة (فيصبح ولدك أو أموالك سبب لتعاستك)

- قد تحدث لك مصيبة تغلب مرارتها على حلاوة النعمة.



كان العرب يطلقون على الشكر كلمة الحافظ، أي الحافظ للنعمة، فالنعمة قيدها الشكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة أحفظي نعم الله، أحسني جوار نعم الله، فإنها قلما كانت عند أهل بيت وتركتهم ثم تعود إليهم."، ولتقرأ قول الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ( إبراهيم: 28) ، وقوله تعالى "ومَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ "( البقرة: 211) فالله إذا أنعم عليك واستخدمت النعمة في المعصية ولم تحمده عليها فالجزاء هو العذاب.

فسلاح إبليس ألا يجعلنا شاكرين:"... ولا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف: 17) يجعلك الشيطان تبدل النعمة، وتطمع في نعمه ليس في يدك ويجعلك لا تشكر.



ولنرى نماذج ممن عرفوا الحميد سبحانه:

- النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه وكان يراوح بين القدمين، ويقول لعائشة: أفلا أكون عبدا شكورا؟!"، وكان يقول كل ليله "اللهم لك الحمد، أنت مَلك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّـوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق ولقـاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيـون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق."

- علي بن أبي طالب، وذلك حين قال له شخص كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أصبحت متقلبا في النعم عاجزا عن الشكر.

- يسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخص في الطريق فيقول له كيف أصبحت؟ فيقول له: أصبحت بخير، فيقول له عمر: كيف أصبحت؟ فيقول: بخير، فيكرر عمر السؤال حتى قال له الرجل: أصبحت بخير والحمد لله، فيقول له عمر: هذا ما أردت. فكان يسأل الناس عن أحوالهم ليستنطق الشكر من أفواههم.

- ويقول تعالى عن نوح عليه السلام:" ...إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً " (الإسراء: 3).

- ويقول تعالى عن إبراهيم عليه السلام " شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وهَدَاهُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(النحل: 121)

كيف تحمد الحميد؟

- أولا: بشكر النعمة باطناً.

- ثانيا: أن تحمد الله باطنا وظاهراُ وهذه درجه أعلى في الحمد، " وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " (الضحى: 11)

ثالثا: أن تشكر الله على نعمه باستخدامها في صلاح الأرض،" اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا " (سبأ: 13) وذلك بتصريف النعم في مرضاة الله، وهذا هو المستوى الأعلى والأحب إلى الله في الحمد.

أعدتها: هدى أحمد

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 09:19 AM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0