ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > قصص و روايات > روايات مكتملة
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
روايات مكتملة ديمي .. حب أول .. يوجد هنا ديمي .. حب أول .. هنا تنقل الروايات المكتملة فقط

فساتين العيد


 
قديم   #1

الأوركيده

عضوة شرفية

الملف الشخصي
رقم العضوية: 71618
تاريخ التسجيـل: Jul 2009
مجموع المشاركات: 4,976 
رصيد النقاط : 0

قلب جديد ديمي .. حب أول ..


ديمي .. حب أول ..

ديمي.. حب أول..


الكاتب: محمد الحضيف - يوم: 16 مارس, 2008

كنا قد فرغنا لتونا من إحدى فقرات المؤتمر ، وبقى على موعد صلاة الظهر أقل من الساعة . اقترحت عليه أن نتناول كوبين من القهوة بالحليب ، مع قطعة من الكيك ، لنضع عن كاهلينا شيئا من العناء ، الذي فرضه ضغط البرنامج ، الذي بدأ مع ساعات الصباح الأولى . استحسن الفكرة ، فتوجهنا إلى الفندق ، حيث مقر إقامتنا .
في البهو الأرضي أخذنا زاوية قصية ، منحنا انعزالها بعض الخصوصية ، و كثيرا من الهدوء الذي نحتاجه . كنت قد تعرفت على مصعب في مؤتمر سابق ، فاستمرت العلاقة بيننا ، رغم بعد المسافة ، وقويت ، لتتحول إلى صداقة حميمة .
مصعب في العشرينات ، برونزي الون ، شعره أسود فاحم ، و يكسو وجهه لحية خفيفة ، تضفي عليه مسحة من السكينة والوقار ، رغم صغر سنه . في ظلال عينيه يتوارى حزن لا يفصح عن نفسه ، ويمنع من السؤال عنه حياء ، جعل من مصعب قليل الحديث ، وجعل من يعرفه يتردد في الدخول في مغامرة لاستكشاف دخيلتة .
لم نتكلم كثيرا ، لكن مذاق القهوة الساخنة اللذيذ ، وهدوء المكان ، جعلاني أبادر (مصعب) ، عندما رأيت في محياه علامات الاسترخاء ، والاستغراق في لحظات تأمل عميقة ، لأسأله عن أصعب موقف مر به خلال السنوات الخمس ، التي مضت على وجوده هنا ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، كشاب نشط في حقل الدعوة إلى الله .
خيل إلى ، حينما صعد نظره في ، كأنما قد سألته عن أمر كان يفكر فيه ، لحظة السؤال .. فقال ، و كأنه يدفع عن نفسه تهمة :
عفا الله عنك ، وأي مواقف تستحق أن تسجل لشاب صغير مثلي ، إلا أن يكون سؤالك استفهاما عن شئ بلغك عني .
كانت عيناه تقولان شيئا قطعا ، وأحسست بالحرج من الطريقة التي رد بها علي ، ومن نظرته إلي فسكت . مرت لحظات من الصمت بيننا ، تشاغلت فيها بتحريك الملعقة داخل كوب القهوة ، الذي بقي فيه نصفه ، وتلهى هو ، بصف مكعبات السكر فوق بعضها في الطبق الذي أمامه . ثم فجأة قال لي :
كأني لم أكن لطيفا في الرد على سؤالك ..؟
لا .. لكن يبدو أني لم احسن طريقة صياغة السؤال ، أو ربما أني أقحمت نفسي في شأن خاص .
لا … ليس أي منهما ، لكن .. و ( تردد لحظة ) أسألك بالله هل بلغك شئ عني..؟
لا والله ، أنت عندي فوق الشبهات ..
أطرق قليلا ، ورأيت سحابة داكنة تظل وجهه ، ثم رفع رأسه وقال :
أنت تعرف مكانتك عندي ، وسأحدثك حديثا من أعجب ما مر بي .. :
في العام الماضي مررت بتجربة .. كان الفصل الدراسي يلفظ أنفاسه أو يكاد . هذه هي المحاضرة الأخيرة … قبل الامتحان النهائي ، وكان أستاذ المادة ، ” مناهج البحث ” ، قد وعدنا أن يستكمل في هذه المحاضرة ما بدأه في المحاضرة السابقة ، من شرح لأهم عناصر المادة . وكما تعلم ، نحن الذين نتحدث الإنجليزية لغة ثانية ، يهمنا جدا ، مثل هذه المحاضرات المركزة ، رغم وطأتها الثقيلة على الذهن .
كنت مستغرقا تماما في الاستماع للدكتور ، والكلمات تخرج تباعا من فمه ، مثلما يقذف بركان حممه . في هذه الحظة ، وصل (طالب) متأخر – لم ألق له بالا – وصار يخترق الصفوف ، حتى أخذ مقعدا بجانبي . لم أره ، لكني لمحت خيالا ، وسمعت صوت تحريك الكرسي . تأكدت أنه جلس في الكرسي المجاور ، حينما طلب الدفتر الذي أسجل فيه ملاحظاتي . أعطيته إياه ، دون أن أنظر إليه ، أو حتى أسأله ، لماذا .. ، لأني كنت منشغلا بتدوين ما يقوله الدكتور .
كان الدكتور قد أنهى كلامه ، حينما سمعت (الطالب) الذي جلس بجواري يقول :
أريد أن استعير دفترك .. بالمناسبة أنت مسلم ..؟
ألتفت إلى مصدر السؤال ، الذي كان مفاجئا لي ، لتصطدم عيناي بمفاجأة أكبر . لقد كان الذي جلس بجواري ، وطلب دفتري ، فتاة في غاية الجمال . كانت تقلب بين يديها لاصق من ذلك النوع الذي يوضع على مؤخرة السيارة ، والذي يحمل عبارات مثل :
” اقرأ القرآن .. آخر وحي نزل من السماء ” ، أو ” الإسلام آخر الديانات السماوية .. تعرف عليه ” .
كان اللاصق ، مع أوراق أخرى عن الإسلام ، موجود ضمن دفتر محاضراتي ، الذي طلبت الاطلاع عليه . قلت لها ، وأنا أحاول ترتيب دفتري :
نعم أنا مسلم .
كان الدكتور يجمع أوراقه ليغادر القاعة ، حينما بادرتني بسؤال آخر قائلة :
بالمناسبة ما هو الإسلام ..؟
كنت مرتبكا ، مشت الذهن ، بين الإجابة على سؤالها ، والدخول معها في حوار ، رغم ما وقع في قلبي منها ، وبين شعوري ، من جهة أخرى بالمسئولية ، بتبيان ما هو الإسلام لها .
كانت المفاجأة التي شلت قدرتي على التفكير ، هي أني لم أتوقع موقفا كهذا . فأنا رغم مرور ثلاثة أشهر على الفصل الدراسي ، لم أر هذه الزميلة مرة واحدة ، لأني آتى آخر الناس ، قبل موعد المحاضرة بلحظات ، وأقبع في آخر مقعد في القاعة ، واخرج أول الناس لحظة انتهاء الوقت المخصص للمحاضرة ، دون أن أنظر في وجوه الطلاب الذين يشاركوني المكان . بين هذين الوقتين ، أكون مشغولا بتسجيل ما يقوله الدكتور ، أو التفكير بشأن من شئوني الخاصة خارج الجامعة .
كانت تنتظر إجابتي على سؤالها ، وهي واقفة على رأسي ، وقد خلا المكان ، إلا مني ومنها . قلت وأنا أحاول أن أتخلص من الموقف الذي وضعتني فيه :
الموضوع يحتاج إلى وقت ، لكني أستطيع أن أعطيك بعض المنشورات التي تجيب على بعض تساؤلاتك .
ردت بسرعة ، قائلة بأن لديها الوقت لتسمع مني ، إن لم يكن لدي مانع . أسقط في يدي ، فقلت :
نعم .. لا بأس ..
فأسرعت تقول :
ما رأيك لو نجلس في الكافتيريا ، وأدعوك إلى كوب من القهوة ..؟
شعرت بحرج شديد ، وتساءلت في نفسي : ماذا لو رآك أحد ، و أنت مع هذه ؟ من سيصدق أنك تعرض عليها الإسلام ..؟ ومن سيصدق أنها هي التي ابتدأتك بالسؤال ..؟
لم تنتظر ردي ، وظنت أن صمتي علامة الرضا والموافقة ، فقالت :
أشكرك على قبول الدعوة .
سرنا إلى الكافتيريا و أخذنا مكانا نائيا ، بعد أن طلبنا قهوتنا . وشرعت أحدثها عن الإسلام . أثناءها كنت أتوقف لحظات عن الحديث ، لأتيح لها فرصة السؤال عن نقاط محددة . كانت تسأل .. و كانت أسئلتها تدور حول قضايا لا علاقة لها مباشرة بالموضوع ، وأقرب ما تكون استجلاء لطبيعة شخصيتي ، وطريقتي في التفكير . لاحظت كذلك ، أنها تدون كل ما أقول .
عند هذا الحد أنهيت الحديث ، واعتذرت ، متعللا بارتباطي بموعد سابق .
حين هممت بالانصراف قالت :
كيف أعيد لك أوراقك ..؟ لقد نسيت أن تخبرني بعنوانك …
في واقع الأمر لم أنس ، ولكني لم أشأ أن تعرف أين أسكن . قلت :
أنا لا أبقى في البيت كثيرا .. سأكون غدا في المكتبة ، وباستطاعتك أن تتركيها لدى الموظف في قسم الإعارة .
حملت نفسي ، وأنا أنوء ، ليس بذلك الحشد من الكتب ، التي تزدحم بها حقيبتي ، بل بوجع صرت أحسه يجثم على قلبي .
صرت معذب بين قلبي وضميري ، يتجاذبني أمران : هواي الذي يزين لي الحديث مع هذه الفتاة باسم الدعوة ، وعقلي الذي تصيح به نفسي الوامة :
أنظر ما تصنع أنت تحوم حول الحمى توشك أن ترتع فيه .. ألا إن حمى الله محارمه .. ألا إن حمى الله محارمه …
كنت قد وصلت سيارتي ، فألقيت بجسدي على المقعد ، و وضعت رأسي على المقود . أحسست أني أتنفس بصعوبة . احتقنت عيناي بالدموع ، لكني لم أبك . وضعت المفاتيح ، وبدأت بتشغيل السيارة .
في هذه الحظة انطلق صوت القرآن نديا من جهاز التسجيل ، الذي كان في وضع التشغيل . يا الله ذاك الجفاف الذي كاد يخنقني ، وحاصر الدمع في عيني ، يتبد على صدى النداء الخالد ، كلام الحق سبحانه ، فتدفق الدمع من محاجري حارا ، وصرت انشج مثل الأطفال . استغفرك ربي .. هذه شيطانة تعرضت لي ، سأطردها من خاطري ، سأجتثها من قلبي . آه يا قلبي .. ساعدني يا رب .. ساعدني .. فإن قلبي مصاب .
نمت ليلتي تلك ، بعد أن صليت وتري ، وتضرعت بين يدي الله ، أن ينصرني على نفسي والشيطان .
من الغد كنت في المكتبة في مكاني المعتاد ، في قاعة الإطروحات الجامعية ، التي تتصل عبر ممر ضيق بالجزء الخاص بالكتب التي نفدت من السوق ، ولم يعاد طباعتها . إما لأسباب قانونية ، أو لأن موضوعها قد تجاوزه الزمن .
أفضل هذا المكان لهدوئه ، ولأن قلة من الطلاب يجلس فيه ، بسبب قدم المبنى ، وتهالك الطاولات ، كما أني أظن أن قليلا من الطلاب ، يتحمل نظرات باحث كبير السن ، لا يفارق ذلك المكان ، منذ عرفت الجامعة ، وعثرت صدفة على هذه الزاوية النائية في المكتبة . هذا الرجل يظل يحدق في أي قادم جديد إلى المكان ، وتزداد نظراته حدة عند أي صوت يحدث ، حتى ولو كان رفيف تقليب صفحات كتاب .
استقريت على مقعدي ، وألقيت ابتسامة على رفيقي الباحث ، الذي حدجني بنظرة من خلف نظارته ، وبادلني ابتسامة بابتسامة . لقد اصبح بيني وبينه عقداً غير مكتوب ، قائم على الإقرار بحق كلينا في المكان . ربما بعد أن نسي في إحدى المرات محفظته ، فعثرت عليها ، و أعطيته إياها . فقال لي ، بعد أن فتشها أمامي ، ولم أكن أنا أعرف ما بداخلها ، أنت رجل أمين . كما أظن أني ملكت قلبه ، عندما أعطيته مرة فطيرة حمص . فقال بعد أن أكلها ، على جوع فيما يبدو ، إنها لذيذة ، أنت رجل لطيف .
كان قد مر علي ثلاث ساعات تقريبا ، وأنا منهمك بالمذاكرة ، فلم أقم من مكاني ، وكان تركيزي جيدا . ربما كان هدوء المكان سببا من الأسباب . إحساسي بأهمية المادة وانسجامي معها سبب آخر .
كنت في حال من السكينة النفسية لم أشعر بها من قبل ، حتى أنه لم يرد على خاطري أي من الأحداث والمواقف ، التي مررت بها خلال الأيام الماضية . طافت هذه الأفكار بسرعة في ذهني ، فابتسمت ابتسامة رضا عن نفسي ، وأنا ألقي نظرة متثائبة على الساعة ، التي عادة ما أجعلها تتمد أمامي بكسل .. أحيانا ، وبقلق في أحاين أخرى .
(مرحبا) ..
هكذا خيل إلى أني سمعت . لم أرفع رأسي من الكتاب ، وقلت لنفسي بدأت الأوهام تعتريك ، لم لا أرتاح قليلا ، وأقرا بعض الصحف .. ؟
(مرحبا) ..
مرة أخرى .. كأنه صوتها ، رفعت رأسي ، وقلت مذهولا :
ديمي ..؟
هل أزعجتك ..؟
(يا إلهي لم أكن واهما) …
كيف عرفت مكاني يا ديمي ..؟
لم يكن صعبا .. شخص مثلك ، من السهل على من هو مثلي ، أن يعرف مفتاح شخصيته .هل نسيت أن تخصصي الفرعي علم نفس .. أه عفوا .. نسيت أن أخبرك ذلك . أنا بالمناسبة ، أدون في دفتر ملاحظاتي كل شيء عن الأشخاص الذين التقي بهم . هل يزعجك أن تعلم أني فعلت الشيء نفسه معك .. ؟ أرجو أن تعتبر سلوكي الغريب هذا ، نوعا من الفضول الأكاديمي .
كنت أنظر إلى وجهها و أحس أني أزداد تعلقا به ، وهي تحدثني بتلك الطريقة الواثقة . قلت وأنا أشعر بالقلق النفسي يتسرب شيئا فشيئا إلى نفسي :
ديمي كيف جئت إلى هنا .. ؟
قالت مازحة:
وأنا واقفة .. ؟
أشرت لها بالجلوس ، ورميت بابتسامة على شريكي في المكان ، الذي يبدو هو الأخر مستغربا من هذا الضيف المفاجئ ، وهو الذي لم يعهد لدي ضيوف أو زوار من أي نوع ، منذ أن جمعنا هذا المكان ، طوال سنوات الدراسة الثلاث الماضية ، ناهيك أن يكون (ضيفا) بهذا المستوى .. وبدا أنه أدرك الحرج الذي أنا فيه ، فمنحني ابتسامة من نوع مختلف جدا هذه المرة .
نظرت إليها مستفهما ، انتظر أن تخبرني كيف استدلت على مكاني .. قالت :
أنت شخص جاد ، لديك اهتمامات خاصة . ربما بتأثير من الثقافة التي تنتمي إليها ، علاقاتك النسائية محدودة ، ولا يبدو أنك تسعى إلى شئ من ذلك . ضع هذه المعطيات في جانب . الأماكن الأخرى في المكتبة تكثر فيها الحركة ، ويكثر فيها تحرك الطالبات . نحن البنات نحب الاستعراض ، حتى في الأجواء الأكاديمية . النتيجة ، بناء على ما سبق ، ستكون في مكان مثل هذا . طبيعي أني لم آت إلى هنا مباشرة ، ولكن بعد مسح سريع للأماكن الأخرى ، تأكدت أنك إن كنت في المكتبة فلابد أن تكون في مثل هذا المكان .. توقعاتي صحيحة ، أليس كذلك .. ما رأيك ألست خبيرة (سايكولوجية) جيدة .. ؟
هزت رأسي بالإيجاب ، وأنا اسحب من أعماقي آهة دوت في أذنيها .. قالت :
أنت متعب ؟
نوعا ما ..
هل أستطيع أن أفعل لك شيئا ..؟
لا .. شكرا ، أشعر فقط بشيء من الإجهاد . .
(لماذا جئت يا ديمي .. أنا هارب منك) .. قلت لنفسي . يا ربي ساعدني ، فأنا اغرق أكثر فأكثر في لجتها . لم يعد لصوتها ، وقع كلامها ، نفس الأثر كما كان لقاؤنا لأول مرة . الآن أريدها أن تبقى ، أريدها أن تتكلم .. ساعدني يا إلهي . انقطعت خواطري على صوتها تخاطبني :
أريد أن اعتذر ، لأني لم احضر أوراقك …
ما دامت الحالة هكذا ، لم يكن هناك حاجة لكي تأتي ، وتشقي على نفسك ، فأنا أستطيع أنتظر يوما أو يومين ..
لا .. فأنا قد وعدتك أن أحضرها لك ، ولم أرغب أن أخل بوعدي .. إضافة إلى أني أود أن استكمل معك الحديث عن الاسلام ، إن لم يكن في ذلك ازعاج لك ..؟
قلت وأنا أحاول أن أصرفها ، خاصة وأن الشعور بالذنب قد بدأ يشد الخناق علي :
هل هناك شيء محدد .. ؟
هناك موضوعان ، وأعذرني فيما لو جرحت شعورك ، بعبارة لم أحسن استخدامها ، فأنا أحدثك بناء على الصورة النمطية للإسلام في ذهني ، والتي تراكمت ، ليس نتيجة تجربة شخصية ، ولكن من خلال التعرض لوسائل الإعلام .
سكت ، فنظرت إليها منتظرا أن ، تخبرني ماذا تريد أن تقول ..
قالت ، وعيناها على عيني :
هل هناك مكان للتسامح والحب في الإسلام .. ؟
طأطأت رأسي ، وتذكرت أني لابد أن أديم النظر إليها وأنا أحدثها ، مجيبا على سؤالها . هكذا هو العرف في ثقافتها ، و إلا كنت قليل أدب ، ومحتقر للطرف الآخر ، الذي أتحدث معه . يا إلهي ماذا أصنع ؟ لقد أصبح النظر إليها يعذبني مرتين . يعذب قلبي ، الذي تاه في فضاءات وجهها ، الذي أبدعت قدره الخالق في تصويره ، ويعذب نفسي التي تعلم أنها ترتع في حرام .
يا إلهي ساعدني فإن قدمي تزل : هل أطيع نفسي وشيطاني ، الذي يتمسح بالعرف في ثقافتها .. وبالدعوة . أم أطيع نداء ضميري ، الذي يقول لي ، بل يصرخ بي :
” إنك في دروب الغواية سائر ” ؟ هل حقا يعنيك أن تحدثها عن الإسلام ..؟ أم يعنيك أن تتلذ برؤية مواقع الجمال في وجهها العاجي الصغير . تطل على وجنتيها المتوردتين ، ثم تتأمل هاتين الشفتين القرمزيتين ، ثم تبحر في عينيها الزرقاوين “. ظنت أني حينما طأطأت رأسي ، وأطلت السكوت ، أنها قد أساءت لي بسؤالها ، فقالت :
أنا جد آسفة ، لم أتعمد أن أسئ إليك ، ولم أقصد أن انتقد الإسلام ، أو اتهمه بشيء .. ربما كان يجب أن أقول : كيف ينظر الإسلام للحب والتسامح ، مقارنة بثقافات أخرى .. ؟ أو ربما كان سؤالي سخيفا تماما ، ولا معنى له …
رفعت رأسي فالتقت عينانا . كان الشعور بالحرج ، والاحساس بالذنب ، قد صبغ وجهها بحمره ، فاستحال إلى شئ آخر مذهلا . عيناها انكسرتا بتذل ، فأضافتا إلى ذلك كله مشهدا استولى علي ، فقلت بألم ظاهر :
ديمي يكفي ..
فاستعبرت .. وقالت بصوت يتهدج :
سامحني ..
أنت لم تفعلي أي خطأ .. أنا فقط كنت أفكر بالطريقة التي أجيب بها على تساؤلاتك .
كان مستحيلا أن تستمر عيناي معلقتان بوجهها . أي تبرير سيكون خداعا وغشا ، لا علاقة له بدعوة ، أو بتأليف قلب .. قلت لها :
ديمي هل تسمحين لي أن لا أطيل النظر إلى وجهك .. ؟ هناك مبرات لها علاقة بثقافتي .. وهي قطعا لا تنطوي على أي مضامين سلبية .. قد تأتي مناسبة أخرى ، وأوضح لك لماذا . وافقت .. وبدأت الحديث ..
حدثتها عن التسامح كقيمة من قيم الإسلام الكبرى ، كما دلت على ذلك النصوص من القرآن والسنة . وعرضت لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم ، كتطبيق عملي لتلك النصوص . موقفه صلى الله عليه وسلم من قريش يوم فتح مكة ، حينما قال لهم : “اذهبوا فأنتم الطلقاء” . وأخذتها في سياحة في تاريخ أمتنا العريق .
كنت بين وقت وآخر ، اختلس نظرة لوجهها ، لأرى وقع كلامي عليها . كان التأثر باديا عليها ، لكن لم أكن أعلم يقينا ، هل ذلك بسبب ما أقول ، أم تفاعلا مع صوتي ، الذي بدا مجهدا ، حزينا ، وأحيانا متوسلا .. أن تقول : آمنت بدينك واتبعت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..
أم تراها أشفقت علي .. و هي ترى وجهي قد شحب ، حتى خلت أن الدم غاض منه ، وفاض في محياها ، الذي يزداد جمالا كلما ، ازدادت ألما ..
سكت .. ثم نظرت إليها ، وقلت :
هذا ما لدي ..
عظيم .. رائع ، ماذا عن الحب .. ؟
آه الحب .. لم لا نؤجل ذلك إلى وقت آخر يا ديمي .. ؟
كنت أريد أن ارتاح ، أن أضع حدا لهذا الأمر ، الذي لا أراه يقودني إلا إلى متاهة .. كلما سرت فيها .. أغرتني في التوغل أكثر . “ما أنا ولهذه ” ” أقول لنفسي . إن كانت تريد الإسلام ، فقد حصلت على ما يضع قدمها على الطريق إليه ” .
لماذا وقت آخر ..؟ لم لا أقول لها لا وقت لدي ، فكري بما تحدثنا به ، واتصلي بالمركز الإسلامي لمزيد من المعلومات . هل أعترف بعجزي ، بل خوفي من أن أقول لها ذلك ..؟
لا .. لا أظن إلا أني سأتوقف عند هذا الحد ، قبل أن أصل لمرحلة أكون فيها عاجزا عن فعل أي شئ تماما ..
قطعت حبل أفكاري و قلت :
ديمي .. أنا بحاجة إلى أوراقي في أقرب فرصة ، ليس لدي وقت كاف لتغطية المقر ، والامتحان كما تعلمين بعد ثلاثة أيام ، ولدي امتحانات أخرى ..
عفوا ،يبدو أني أضعت وقتك ، و أزعجتك جدا بتصرفاتي الحمقاء ، لم أدرك كم أنت مشغول ومتعب …
قالت معتذرة .. ثم أضافت :
ما رأيك لو نذاكر مقر الدكتور اندرسون .. (مناهج البحث) معا 0 أستطيع أن أنفعك كثيرا في الإحصاء ، بحكم دراستي لعلم النفس .. و أنت ستفيدني في النظريات ، وهو ما لاحظته ، من خلال تعليقاتك المهمة على محاضرات دكتور فريدمان .
يا إلهى هل أنا بحاجة لعرض مثل هذا ..؟
قلت لها :
لا .. لا أظن أني سأفيدك .. فأنا طريقتي في الدراسة متعبة ، لمن لم يعتد عليها ..
كما تشاء .. أين ستكون اليلة لأحضر لك أوراقك ..؟
فاجأني سؤالها ، فقلت :
آه … اليلة سأذهب لشراء بعض الأغراض الشخصية من مركز (رينبو كلر مول) 0 ردت بسرعة :
جيدا جدا ، المكان قريب من حيث أسكن ، متى ستكون هناك ..؟
بين السادسة والسابعة ..
تعمدت أن لا أعطيها وقتا محددا ، حتى أجعلها تغير رأيها في شأن مقابلتي ، رغم حاجتي الماسة لأوراقي .. قالت :
ما رأيك لو نتقابل الساعة السابعة وعشر دقائق في مقهى (الكيف دوماسيه) في الطابق الأول ، على يمنيك وأنت خارج من المصعد ؟
اتفقنا على المكان والوقت .. وانصرفت ، لتركني مع همومي وأوجاعي ، التي صارت تتضاعف بعد كل لقاء أراها ، وأحدثها فيه ..
ألقيت بيدي على جانبي الكرسي ، وأسدلت رأسي على كتفي ، وتنفست نفسا عميقا . لم ْأنتبه إلا على صوت (مارك) ، شريكي في المكان ، الذي انتشلني من حالة تفكير عميق ، استرسلت فيه .. قال :
لابد أنه كان موضوعا ساخنا ..؟
ألتفت إليه ، وتذكرت أني نسيت كل شئ ، حين حضرت ديمي ، بما في ذلك مارك الذي يزعجه أي شئ . قلت مجيبا على سؤاله ، الذي لا يخلو من خبث :
لا بد أنك تحملت كثيرا يا مارك ، فمعذرة ..
حاولت العودة إلى دروسي مرة ثانية ، لكن أنّى لي ذلك . قلبت الكتاب مرة ، ومرتين ، وثلاث ، دون فائدة . أصبح رأسي مملوءا بها . بوجهها .. وبصوتها .. واليوم أضيف إلى ذلك بكاؤها ، وعبرتها .. إذ تخنق صوتها المتهدج .. فتحيله إلى شيء خرافي …
الساعة تقترب من الواحدة .. لم يبق على صلاة الظهر كثيرا . فكرت أن أذهب إلى المركز الإسلامي ، أقرأ شيئا من القرآن ، وأصلي الظهر جماعة ، مع من يكون موجودا من الإخوة . لا شك أني سأرتاح مع كلام ربي ، وفي بيت من بيوته ، ومع اخوة لي ، تذكرني بالله رؤيتهم ..
هكذا قلت لنفسي ، وأنا أجمع كتبي وأوراقي ، وساعتي الممدة على الطاولة . عندما حملت أوراقي ، وشرعت بالمسير رمقت مارك بنظرة ، فبادرني قائلا :
الإنسان يحتاج إلى الراحة والهدوء ، بعد كل مرة يلتقي بواحدة منهن ..
ماذا تقصد ..؟
النساء طبعا .. لذلك تراني قد تخلصت من هذا الصداع . أنت شاب .. أنا أفهم ذلك ، لكن حاول أن تتلافى مثل هذه الأشياء .. في فترة الامتحانات على الأخص ..
شكرا مارك ..
قلت ، وأنا استدير منصرفا ، ثم تمتمت في نفسي :
الأمر أكبر مما تتصوره ..
وصلت المسجد .. قرأت ما تيسر ، وصليت . لكن .. لم يكن هناك مجال للحديث مع أحد . الكل مشغول بالامتحانات . صحيح أني أكثر راحة من ذي قبل ، لكني أشعر بالم في داخلي . خرجت من المسجد ، و توجهت إلى منزلي . حين دخلت ، رميت بكل شيء على طاولة الطعام ..عند المدخل ، و وجدت صعوبة في خلع حذائي . سحبت نفسي و تهالكت على الأريكة في الصالة .
حينما تغشاني النعاس .. و بدأ جسمي يفتر .. دق الهاتف ، رفعت السماعة ، فجاءني الصوت ناعما .. يقول :
هذا أنت
قلت بإحباط :
ماذا ..؟
أوه .. آسفة لابد أنه رقم خطأ .. !
للحظة داخلني ألم شديد ، ظنت أنها هي ، وسيطر علي هم واحد ، كيف عرفت
رقمي ..! سحبت سلك الهاتف ، ورميت بنفسي على فراشي . أريد شيئا واحدا .. أريد أن انساها .. لعل الله أن يلهمني شيئا في منامي ، يخلصني من هذا البلاء .
نمت نوما عميقا لساعتين أو اكثر . هذه أول مرة أنام فيها .. منذ تعرضت لي هذه
( الساحرة ) ، دون أن تكدر أحلامي الكوابيس . استيقظت وصليت العصر ، وقفت طويلا بين يدي خالقي .
غدا الجمعة يوم مبارك ، وفيه ساعة استجابة . سألح على ربي بالدعاء ، في قلبي من تلك شئ كثير ، رغم أني أدعي خلاف ذلك . لن أذهب إلى المكتبة ، أو إلى أي مكان آخر . لقد صار يخيل لي أنها ستطلع لي في كل مكان .
تناولت كتاب الإحصاء ، وبعد قليل وجدت أن لا فائدة من معالجة هذا الإحصاء العين . كيف يقول عبد العزيز ، عن هذه المادة الكريهة ، أنها رياضة العقل ..؟! رياضة ..؟! هذا تمحك بالكلام لا معنى له . أليس عجيبا أن تتمكن ديمي من هذه المادة الثقيلة المعقدة ، وهي الفتاة العوب ، التي أقرب ما تكون للدمية البسيطة ، المعدة لكل أنواع الترفيه والعب ، منها إلى ( كائن ) مهيأ للتعامل مع مسائل عقلية جامدة ..؟
كيف يجتمع وداعة ورقة ديمي .. وتعقيد الإحصاء وثقل ظله ..؟ هل هذه من نبوءات الشاعر العربي القديم ، الذي قال :
ضدان لما اجتمعا حسنا …. والضد يظهر حسنة الضد .
إذا كان حسن ديمي أمر مفروغ منه .. أين الحسن في الإحصاء ..؟ آه … يبدو أن هذا الإحصاء سيحولني فيلسوفا .
رياضة ..؟ سامحك الله يا عبد العزيز ..
هل قلت رياضة …؟! وجدتها .. سأتصل به ، يا رب ليته يكون موجودا .
ألو .. السلام عليكم ، كيف الحال يا رياض ، هل أزعجتك ..؟ جزاك الله خيرا .. وأنا كذلك آنس بسماع صوتك .. لدى مشكلة بسيطة … لا .. مجرد أزمة مع مادة الإحصاء .. وحيث أن سلطتك عليها نافذة ، فإني آمل أن تنصفني منها …! شرط .. ما هو شرطك ..؟ الله أكبر… أنت أروع من أحتكم إليه .. تمكني من عدوي الإحصاء ، وتعشيني كبابا ، سآتيك خلال دقائق .. هل أحضر معي شيئا .. غير الإحصاء طبعا .. ثلج وكولا ..؟ حسنا مع السلامة ..
شكرا يا عبد العزيز لولا كلمتك (رياضة) ، لما تذكرت رياض …
ربي .. هل هذه بوادر النصر على الشيطان … على الهوى .. على فتنه ديمي ، التي تكاد تسحب قدمي ..؟ ربي إن موعد لقاءها يقترب ، وأنا أقاوم .. ما دمت بعيدا عنها ، لكني حالما أراها تغلبني نفسي .. ، ما يعذبني يا ربي ، أن كل هذا يحدث باسم دعوتها إلى الإسلام . ربي كانت نفسي تحدثني أن ألجأ إلى ديمي لتساعدني في الإحصاء ، فلجأت إليك ولم تخيب رجائي ، ربي الوقت يمضي بسرعة .. فكن معي يا ربي .
قضيت وقتا ممتعا مع رياض . شاب من خيره الاخوة أدبا ، وخلقا ، وعلما . متزوج وأب لطفل .. شعرت بحرج ، إذ لم أكن أعلم بأن زوجته قد عادت من بلدها ، بعد أن اضطرت لملازمة والدتها المريضة لفترة من الوقت ، بقى رياض خلالها لوحده .
قلت لرياض معتذرا :
لقد سطوت على وقت غيري .. فلم أكن أعلم أن الأهل قد عادوا .
قال بروح الدعابة ، التي لا تفارقه :
لقد رأت أم الحارث ، يعني زوجته ، أن نتعشى معاً يوما دون يوم ، حتى توطن نفسها على طبيعة الحياة ، بوجود زوجة ثانية .
قلت له مازحا :
اعتقد أنها ضحكت عليك ، ما دامت المسألة مجرد فكرة .
لا … فأنا اتبع معها سياسة الخطوة خطوة . لقد كسرت الحاجز النفسي ، تجاه وجود امرأة ثانية معنا ، أي (حقها في الوجود) ، نحن الآن في مرحلة التطبيع ، أي إمكانية التعايش في مكان واحد ، أي تحت سقف مظلة (إقليمية)..، أقصد بيت واحد … !
ضحكنا ، ثم أضاف :
يحسن بنا أن نغير الحديث ، فالحلا و الشاي لم يصلا بعد من عند أم الحارث ، ولا نريد أن نقع ضحايا مقاطعة من أي نوع .
شرح لي رياض الإحصاء كأحسن ما يكون ، وأحسست أن مغاليق المادة فد انفتحت لي ، وانزاح عن صدري عبء كبير …
صلينا المغرب ، وأكرمني رياض وأم الحارث بكأس من الزنجبيل . كنت ساكنا جدا ، وأنا أحمل الحارث لأقبله ، استعدادا للخروج . طعم الزنجبيل الدافئ اللذيذ ، وابتسامة الحارث العذبة ، وعبارات الود والمجاملة ، التي أغدقها علي رياض ، هي آخر ما كنت أظن أني سأحمله معي من هذه الأمسية الجميلة .
كنت أنظر إلى ساعة الحائط ، التي تشير إلى السادسة والنصف ، حينما وضعت الحارث بعد أن طبعت قبلة على جبينه ، و كنت .على وشك أن أهم بالخروج ، عندما قال لي رياض ، بدون مقدمات :
مصعب .. ألم تفكر في الزواج ..؟
امتقع لوني وارتبكت .. قلت في نفسي : (هل تراه لاحظ علي شيئا .. هل رآني معها .. ؟) أجبت ، وأنا أحاول أن أبدو طبيعيا :
تكلمت مع الوالدة بهذا الشأن ..
قال ضاحكا ، وهو يضغط على يدي :
إذن الإشاعة التي تقول أنك ستزوج أمريكية ليست صحيحة ..؟!!
جف حلقي ، ونظرت إليه بشك ، وقلت بصوت متقطع :
إشاعة .. أية إشاعة ..؟
ضحك وقال :
رأيتك أنا و عبد الرحمن ، تتحدث مع العميدة كارولين ديفز ، عميدة شئون الطلبة الأجانب .. فقال عبد الرحمن ، لو يضحي مصعب ، ويتزوج هذه العجوز ، لقدم خدمة عظيمة لجمعية الطلبة المسلمين .
شعرت كأنما سكب علي ماء بارد ، ولم أحس بشيء من حولي سوى يد رياض ، التي ما زالت ممسكة بيدي ، و صدى ضحكته المجلجلة ، التي أطلقها بعد تعليقه الساخر ، على حديثي مع عميده الطلاب الأجانب .. ابتسمت ابتسامة مرة ، وأنا اسحب يدي من يده مودعا كنت وأنا أجر خطواتي ثقيلة إلى السيارة ، أحس كأني ناهض الساعة من فراش المرض . لقد أرعبتني يا رياض بمزحتك الثقيلة ، كيف لو كان التي رأيتموني أحدثها تلك ( الساحرة ) ، هل كنتم ستقولون يقدم خدمة جلى للإسلام ..؟! هل ستكون الإشاعة ، (التي ما كانت) .. أني سأتزوجها .. أم شيئا آخر ..؟
على أية حال (جاءت سليمة) ، كما يقولون في الأمثال . هل هذا إنذار لي من ربي بأنه مازال يستر علي ، رغم إصراري على فضح نفسي . يا ربي ساعدني ، فإني أشعر أني ازداد ضعفا كلما ازداد الوقت اقترابا .
وصلت (الكيف دوماسيه) متأخرا عشر دقائق ، وكنت أمني نفسي أن لا أجدها ، بعد هذا التأخير . حينما وضعت قدمي على مدخل المحل ، رأيتها جالسة على إحدى الطاولات . كنت عازما على أن لا أنجر معها في أي حديث ، أن آخذ أوراقي وأمضي .
لم يبد أنها متضايقة من تأخري ، بل إنها بادرتني ، بعد أن وصلت إليها ، بالتحية والاعتذار ، قائلة :
أنا آسفة ، لقد تأخرت عليك ، لقد وصلت الآن .. لعلك جئت ولم تجدني على الموعد الذي اتفقنا عليه ..؟
لم تكن صادقة ، فالقهوة في كوبها باردة ، ولم يبقى منها إلا أزيد من النصف بقليل ، وكان واضحا أنها وصلت إلى هنا على الموعد ، أو ربما قبله بخمس دقائق ، لكنها أرادت أن تلطف الجو بهذا التبرير المهذب ..
قلت :
لا .. أنا الذي تأخرت ، لارتباطي بموعد سابق .. أنا آسف .
ظلت واقفا ، بانتظار أن تعطيني أوراقي لأنصرف ، لكنها لم تفعل ، بل قالت :
ألا تجلس ..؟
أنا مستعجل .. ومشغول كما تعلمين .
نظرت إلى نظرة ملؤها استعطاف ، وقالت :
لقد طلبت لك كوب قهوة ، وأعدك .. لن يكون هناك أحاديث ، من أي نوع ..
جلست دون أن أتكلم .. جاءت القهوة ، قالت :
دعني أخدمك .. ما مقدار السكر ..؟
مكعبين ..
حليب ..؟
نعم ..
خفقتها بالملعقة ثم قدمتها لي .
شكرا ..
خيم علينا الصمت ، أكره مثل هذه المواقف .. لكن ماذا أصنع ، لا أستطيع أن أتمادى اكثر ، العلاقة تنحو في اتجاه لم أعد أسيطر عليه ، مهما برت لنفسي نبل الغاية . شعرت هي بالإحراج .. قالت :
أطلب لك شيئا تأكله .. أنا سأطلب لنفسي (كروسون) ..؟
لا .. شكرا ..
قالت ، محاولة دفعي للكلام :
كيف الإحصاء ..؟
ممتاز ..
حقا .. هذه أخبار سارة ، كنت أنوي أن أعرض المساعدة .
أحد الأصدقاء ساعدني ..
ردت بلهجة لا تخلو من الغيرة :
لابد أنها صديقة خاصة ..
أجبت بحزم :
إنه صديق ..
خجلت .. و قالت :
من بلدك .. ؟
نوعا ما .. إذا اعتبرنا الوطن العربي الكبير بلد واحد ..
علقت .. وهي تفرج عن ابتسامة مترددة :
هذا الكلام كأنه سياسة ، وأنا لا افهم في السياسة كثيرا ..
ابتسمت ابتسامة باهتة ، دون أن أعقب ، ونظرت إلى ساعتي ، فهمت ما اقصد .. فقالت :
تريد أن تذهب ، كنت قد نويت أن أدعوك إلى مطعم (هاي روف) .. إنهم يقدمون عرضا خاصا ، ليلة كل جمعة
.. يؤسفني أن لا أكون قادرا على تلبية دعوتك ، فقد تعشيت عند أحد الأصدقاء قبل أن آتيك .. كما أني مشغول كما أخبرتك من قبل ..
ثم أضفت ، محاولا تعزيتها لرفضي دعوتها ، وتعاملي معها بهذه الطريقة الرسمية جدا :
تستطيعين أن تذهبي اليلة وحدك .. وآمل أن تتاح لنا الفرصة معا .. مستقبلا ..
رأيت الانكسار والخيبة على وجهها ، وهي ترد علي بأسى :
العرض مفتوح لشخصين فأكثر فقط .. وعلى أي حال ، لن أموت جوعا في هذه المدينة المليئة بالمطاعم الرديئة ، التي تفتح أبوابها باستمرار ، للخائبين أمثالي …
نهضت .. و توجهت لأدفع ثمن القهوة و الكروسون ، الذي لم تأكله .. رمقتني بنظرة عتاب ، و قالت :
أنت ضيفي .. رغم اني مضيفة ثقيلة الظل ..
طأطأت رأسي ولم أرد . دفعت ثمن القهوة ، ثم اتجهنا معا إلى مواقف السيارات ، دون أن يحدث أحدنا الآخر . شعرت بتأنيب ضمير على هذا الجفاء ، الذي عاملتها به ، وقبل أن نفترق ، كل إلى سيارته ، التفت إليها ، و قلت :
ديمي سامحيني ..
نظرت إلي بعينين تفيضان بالألم .. وقالت :
لا شيء ألبته ..
حينما ركبت سيارتي انتبهت إلى الكيس الذي حملني إياه رياض ، والمملوء بما بقى من عشائنا . أسرعت بالسيارة في اتجاهها ، وحينما حاذيتها ناديتها :
ديمي ..
التفت ، وكأن صوتي هاتف نزل عليها من السماء . كانت تبكي ، فانقبض قلبي ، لكني تحاملت ، وقلت :
معي طعام لذيذ جدا ، يحتاج إلى تسخين فقط ، اعتبريه اعتذارا غير كامل ، على تصرف فج ..
إنداحت على صفحة وجهها دوائر من السرور ، فأخذته ، وهي تقول :
اقبله .. ليس على إنه اعتذار .. إنه شيء أكثر من ذلك .. طابت ليلتك ، وأمل أن يحالفك التوفيق في امتحاناتك .. إلى القاء يوم الاثنين ، في امتحان الدكتور اندرسون .
في أعماقي لم أكن مرتاحا للطريقة التي تم بها القاء ، نفسي تنازعني إليها ، فكرت أن اعتذر لها يوم الاثنين . لكن عن ماذا .. يقول لي عقلي هذه المرة .. ؟ .
وساوس النفس والشيطان تقول لي : (قد تأثم بتنفيرها من الإسلام) . في قرارة نفسي أعلم أنه الهوى والرغبة فيها لذاتها ، وإن كان مع حظ النفس شيئا للإسلام ، فلا بأس . لو كان رجلا ، أو حتى امرأة قليلة الحظ من الجمال ، اكنت تتعب كل هذا التعب ..
اكنت تلوم نفسك .. كل هذا الوم .. ؟
حين وصلت البيت كان الصراع داخل نفسي قد بلغ مني مبلغة ، بكيت .. بكيت كثيرا ، بكيت حينما تذكرت ، أني اليلة حدثتني نفسي أن أضع يدي في يدها ، و أقول لها وداعا . داهمني شيطاني بفكرة أن ملامسة يدي لكفها ستطفئ هذه النيران المشتعلة في جوفي ، وأن الرغبة المتقدة في داخلي ستخبو ، بمجرد أن أحس بنبضها ينتفض في كفي ..
نحن هكذا نتوتر أمام كل تجربة جديدة ، أو مغامرة مجهولة .. كان هذا حديث نفسي ..
” كف يا شيطاني ” . هذه آخر صيحة دوت في داخلي ، حينما تراجعت عن تلك الفكرة السيئة .. في تلك الحظة أيضا .. تذكرت (خالد) ، عندما قرأ سورة النازعات ، يوم صلى بنا العشاء قبل أسبوعين 0 تذكرت خالد ، عندما عجز عن إكمال السورة لأكثر من عشر دقائق .. بعد أن غلبه البكاء وهو يقرأ :
” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ”
ظل خالد يرددها ويغلبه البكاء 0 لم أبك في حياتي مثل تلك اليلة 0 كان صوت خالد الندي يكاد يتشقق عندما يصل إلى قوله تعالى : “مقام ربه” .
يا لهول الموقف .. ثم حينما يصل إلى :
“ونهى النفس عن الهوى” .. يخيل إلى أن كل ما فيه يبكي . كنت أبصر جسده كله يرتعش ، لحظة ينطق لسانه بكلمة الهوى . يشرق بالدمع ثم ينتحب نحيبا يصدع الجبال الصم . وعندما جذب من أعماقه الآية التي تليها :
” يسألونك عن الساعة ” شهق شهقة حسبت روحه تخرج معها .
خالد رجل رباني ، بكاء ، يستشعر الموقف بين يدي المولى سبحانه . وإذا بكى ، وكثيرا ما يفعل ، يذيب جلاميد الصخر . آه يا خالد ليت لي قلبك .. ليت لي رهافة إحساسك . ليته لي .. حتى أخاف مقام ربي ، و أنهي نفسي عن الهوى . ليت لي .. حتى أكون كما قلت :
من استشعر الموقف هان كل شئ من أمر الدنيا في عينيه .. حتى لو كانت ديمي بكل فتنتها وإغوائها .
مر علي ساعتان وأنا على هذه الحالة ، بكيت حتى خلت أني اغتسلت كلي بدموعي . أحسست أن الدمع الحار ، الذي سال غزيرا من مآقي ، قد غسل كل العناء في قلبي ، صليت خلالها العشاء ، كما لم أصلى مثل تلك الصلاة في حياتي . شعرت كم تكون الصلاة لذيذة حينما يكون القلب مشرعا لنداء السماء ، وكم تكون الصلاة ذات معنى حينما لا تستشعر حولك إلا الموقف .. والصحف تتطاير .
يا الله أي عالم علوي كنت تسبح فيه يا خالد ، وأنا أطارد سرابا .. وهما .. شيطانا . أأبلغ ما تبلغه ، وأنا ألهث خلف المحسوس ، الفاني الذي سيأكله الدود ، قبل أن يخالطه التراب ، وأنت الذي تحلق في اللا محسوس ، في السرمدي .. في تلك الآفاق النورانية .
ما الجسد يا خالد إلا امتداد للدوني ، للحضي ، للأرضي ، لذلك حري به أن يجعل من يتطلع إليه ، ويلبي رغباته أن يلتصق بالأرض ، لماذا .. ؟ لأنه انسلخ من العلوي ، واتبع هواه .. اتبع هواه يا خالد .. فكان ماذا ..؟ كان من الغاوين .. ولم يكن من الدعاة الهداة .. رحماك يا رب .
مرت أيام نهاية الأسبوع سريعة وعادية 0 ذاكرت جيدا ، حيث لم أغادر البيت إلا قليلا … أوقات الصلوات فقط . مطعم أبو أيمن السوري قدم لي حلا مثاليا ، من خلال وجبة المقبلات والمشويات اللذيذة ، التي تكفل بإيصالها ، دون مبالغ إضافية ، إلى المنزل . وهي معاملة خاصة للملتزين ، كما يقول أبو أيمن ، الذي يشعر بعظيم الامتنان لهم ، لحفظهم أبناءه وأبناء المسلمين ، من خلال المدرسة التي تشرف عليها جمعية الطلبة المسلمين ، والمعسكرات التربوية التي تقيمها .
غدا الاثنين امتحان الدكتور اندرسون لمناهج البحث ، أشعر أني مستعد له جيدا ، فقط احتاج أن أنام مبكرا ، لاستيقظ نشيطا .. سأصلي وتري أول اليل وأنام .
الاثنين يوم مبارك ، قررت أن أصومه ، فالجو بارد ، وعملا بالسنة ، وتحسبا لمفاجآت لا أعلمها . والصوم كما قال صلى الله عليه وسلم (وجاء) ، وأنا لا احتاج الوجاء و (الحماية ) ، كما أحتاجها في هذه الأيام ، وفي امتحان الدكتور اندرسون بالذات .
بقى على الامتحان نصف ساعة ، حينما عزمت على التوجه للجامعة . لم أتوقع أن يكون الثلج بهذه الكثافة ، لحظة ألقيت نظرة من النافذة ، و الثلج يتساقط ، و ارتأيت أن أصلى الفجر في شقتي . بدأت أزيح الثلج عن طريق السيارة ، وحينما انتهيت ، و ظنت أن الطريق سالكه ، اكتشفت أن إحدى العجلات معطوبة . ليس اتساخ الأيدي ، و الملابس ، وبرودة الجو ، هو المزعج فقط ، في مثل هذه المواقف .. لكن أن يكون بانتظارك ، بعد كل هذا امتحان . ما أن بدلت الإطار المعطوب بآخر صالح ، وحاولت تشغيل السيارة ، حتى باءت محاولاتي بالفشل ، ثم أكتشف في الأخير ، و يا للسخرية .. أن السيارة فارغة من الوقود .
وصلت قاعة الامتحان متأخرا عشرين دقيقة ، استقبلني الدكتور أندرسون بابتسامة عريضة ، وهو يشير لي بأن آخذ مقعدا . اندفعت إلى داخل القاعة ابحث لي عن مكان ، ولم انتبه إلى أحد الطلبة ، الذي قد مد رجليه أمامه ، فعثرت وقعت على وجهي وتناثرت أشيائي . حينما استقريت في مكاني أخيرا ، رأيت الدكتور اندرسون ما زال مبتسما . قلت معتذرا :
هذا اليوم ليس لي يا دكتور اندرسون .
رد مازحا :
لابد أنك كنت تجرف الثلج ، أو أن إطار سيارتك قد تنسم هواؤه …
وهذه هي الأعذار التي يسوقها الطلاب عادة ، حينما يتأخرون .
قلت :
إنك لن تصدقني يا دكتور اندرسون ..
ماذا .. ؟
بالإضافة إلى ما ذكرت ، فقد اكتشفت أن سيارتي قد نفد وقودها ..
أطلق ضحكة مدوية ، وقال :
لن يغلبك أحد يا مصعب .. ويأتي بمثل ما جئت به 0
شرعت بالإجابة على الامتحان ، لكن القلم لا يكتب . يخط حرفا أو اثنين ، ثم يمتنع . عالجته بشتى الطرق دون فائدة . استنتجت أني حينما تعثرت برجلي الطالب ، و وقعت ، والقلم في يدي ، ضربت ريشته الأرض فانثلمت .
لاحظ الدكتور اندرسون حيرتي فجاء مستفهما . فأخبرته بمشكلة القلم ، وسألته أن يعيرني قلمه ، فذكر لي أنه اعارة لطالب آخر .. نسي قلمه .
قلت للدكتور اندرسون :
ألم أقل لك أن هذا اليوم ليس لي ..
ابتسم ، وقال :
لا عليك سنحل المشكلة ..
سأل الطلاب إن كان هناك أحد معه قلم آخر ، يمكن أن يعيره لشخص ، يبدو أنه نثر الملح من فوق طاولة الطعام . وهو اعتقاد شعبي بين الأمريكين ، تقوم فكرته على أن من يكب الملح ، يلازمه النحس طيلة يومه .
لم يرد أحد من الطلبة ، رغم تكرار السؤال ، إذ قليل من الطلاب من يحمل معه أكثر من قلم . كان الدكتور اندرسون على وشك أن يطلب مني أن أغادر القاعة ، لأبحث لي عن قلم ، حين ارتفعت يد أحد الطلاب في أول القاعة . قالت الطالبة :
عندي حل بدائي ، لكنه ينفع في مثل الظروف ..
ثم قامت بكسر قلمها المرسم إلى نصفين ، وبرت أحدهما ، و أعطته للدكتور اندرسون ، الذي أعطاني إياه بدوره ، وقال مازحا :
لا أعتقد أن أحدا تشاركه الآنسة ديمي بمرسمها ، يمكن أن يقول هذا اليوم ليس لي ..! إنها ديمي إذن ، يدفعها القدر من جديد في طريقي ، ماذا يخبئ لي هذا اليوم من مفاجآت ..؟ تطاولت ، وبهزة من رأسي ، وابتسامة خفيفة ، شكرت ديمي .
كان متوقعا أن ينتهي الوقت ، قبل أن انتهى من الإجابة على جميع الأسئلة . لم يبق إلا أنا والدكتور اندرسون ، الذي قال :
أنا مضطر أن أغادر ، عندما تنتهي أعط ورقة الإجابة لسكرتيره القسم ..
لاحظ أني محرج ، فقال :
لا داعي للحرج .. فأنا أثق بك .
هذا التعامل ينعدم في بلادنا مع الأسف ، حيث الأمانة صارت نادرة ، وقيم الثقة ، أحيانا غير موجودة . دائما أسال نفسي ما الذي يبقى هذا الوحش الأمريكي الجبار ، رغم مظاهر الظلم والفساد الكثيرة المنتشرة فيه …؟ إنه قطعا ، ليس القوة المادية المجردة وحدها . فالله سبحانه قد قص علينا أحوال أقوام اشد قوة ، أهلكهم ، (فهل ترى لهم من باقية) ..؟ . إن مثل هذه القيم ، وأخرى يطول الحديث عنها ، هي التي مازالت تحافظ على الإمبراطورية الأمريكية من الانهيار .. حتى يأتي أمر الله .
لماذا عدمت مثل هذه السلوكيات الجميلة في مجتمعات المسلمين ..؟ ألا يكفيها التخلف المادي الذي يطبق عليها ..؟ لماذا لم يبق مسموعا سوى صوت النفاق .. وصار الإسلام ، الذي هو مصدر هذه الفضائل جميعها ، مطية يركبها كل أفاك ، ليحقق من خلالها أهدافه ..؟ كل همه أن يملأ جيبه ، ويشبع بطنه و .. و أشياء أخرى . صار الإسلام .. شعارا فقط . يردده السياسي ، ويلوكه شيوخ السوء ، وتشدو به جوقة النفاق .
ماجت هذه الخواطر في بالي للحظة ، وأنا أرقب الدكتور أندرسون يغادر القاعة ويتركني لوحدي .
أكملت الإجابة على الامتحان ، ولملمت أوراقي ، وتوجهت خارجا ، لأجدها قبالتي ، عند الباب :
ديمي .. ماذا تفعلين هنا ..؟
كنت انتظرك لقد ..
قاطعتها :
تريدين القلم ..؟
هل أنت جاد … لا تكن سخيفا لقد قلقت عليك ، ماذا صنعت في الامتحان ..؟
أظن الأمور على ما يرام ،
ماذا ستفعل الآن ..؟
سأعطى أوراق الامتحان للسكرتية ..
و بعد ذلك ..؟
سأذهب إلى البيت لاستريح ، ثم أذاكر لامتحان أخر لدى بعد غد ..
هل لديك بعض الدقائق لنتحدث عن أشياء سبق وسألتك عنها ..؟
لا .. لا أظن أني أستطيع ألان ..
تبادلنا النظرات ، ورأيت في عينيها رجاء ..
آمل أن تتفهمي وضعي ..؟
لم ترد علي .. واستمرت تنظر إلى ، وفي يدها إصبع شوكولاته ، فمدته لي ، فقلت :
شكرا لا أستطيع أن أكله ..
لانه مني ..؟
لا .. ولكني صائم اليوم … عفوا لابد أن أذهب الآن ..
وانصرفت .. و حينما سرت بضع خطوات نادتني قائلة :
مصعب .. هل أستطيع أن أسألك سؤالا ..؟
التفت ، وكانت واقفة في مكانها .. تقلب إصبع الشوكولاته في يدها ، بشيء من القلق ..
قلت :
ماذا ..؟
هل حقا يهمك أمري .. أقصد هل يهمك أن أعرف الحقيقة عن الإسلام .. أو جزء من الحقيقة ..؟
فاجأني السؤال ، وشعرت بقلبي ينقبض من الألم . هل أنا أسأت التقدير في تعاملي معها ، وتوهمت أشياء لم تكن موجودة إلا في خيالي ..؟
لم يكن لدي وقت لأناقشها ، تقدمت نحوها ، وقلت :
اليوم الاثنين ، وبعد غد الأربعاء لدي امتحان في المساء .. يوم الخميس سأكون حرا من أي ارتباط .
حسنا .. نلتقي الخميس ، في نفس الوقت ، ونفس المكان …
أي مكان ، وأي وقت تقصدين ..؟
الساعة السابعة مساء .. في (الكيف دوماسيه) ..
لا بأس ..
ثم سحبت إصبع الشوكولاته من يدها ، وأضفت :
سآخذ هذا وآكله .. حينما أفطر بعد مغيب الشمس ..
ما كدت أنهي كلامي ، حتى اكتسحت وجهها موجه من السعادة ، وانشق ثغرها عن ابتسامة رضا ، تدفقت من بين ثناياها ، مثل جدول ماء صغير ينساب من بين حصيات مرمر…
و لم تعلق بشيء ..
مع السلامة ..
قلت لها .. ثم استدرت منصرفا ..
بعد أن صليت فجر يوم الخميس ، نمت إلى حدود الساعة العاشرة . منذ اشهر لم أنم إلى هذا الوقت ، بسبب ضغط الدراسة . قررت ايضا أن اطبخ لي فطورا ، وهو ما لم افعله طول الفترة الماضية ، إذ اكتفى بالمربيات ، و الأجبان ، والبيض المسلوق .
سأصنع فطورا له مذاق خاص ، (بيض شكشوكة) . هذا أول شيء تعلمته شقيقتي حصة ، وعلمتني إياه ، حينما عزمت على السفر للدراسة .
حصة تصغرني بعامين ، وقبل سنتين وبينما كنت في زيارة الأهل ، أشفقت على والدتي ، لما علمت أن كل أكلي تقريبا من المطاعم ، لأني لا أجد الوقت الكافي للطبخ . حصة اقترحت حلا للمشكلة ، أن أتزوج . ومضت خطوة إلى الأمام في هذا المشروع ، حينما تكفلت باختيار الفتاة المناسبة .
انشغلت بترتيب بيتي عامة النهار . لقد انقلب البيت رأسا على عقب ، بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها الامتحانات . لقد بدأ الموعد مع ديمي يقترب ، و صرت أشعر بالتوتر . انطلقت بسيارتي ، و وصلت إلى مركز ((رينبو كلر مول)) ، قبل السابعة بقليل ، لأقابل ديمي صدفة عند مدخله 0 ركبنا المصعد إلى الدور الاول ، وحينما دخلنا (الكيف دو ماسيه) ، خيل إلى أني أدخله لأول مرة . في المرة الماضية لم ألاحظ فخامة الأثاث ، وتناسق الألوان . هناك أيضا موسيقى .. تدندن بصوت خافت . شعرت بانقباض ، المكان حالم جدا ، وهو أليق بتناجي العشاق ، منه بالدعوة إلى الله ، قلت بتوتر :
المكان غير مناسب ..
لماذا .. ؟
موسيقى وأضواء خافته ، نحن لم نأت لنتحدث عن (روميو وجوليت) ..
شعرت بالحرج وقالت :
ماذا تقترح ..؟
نغير المكان ..
هل كنت ترى أن نذهب إلى مكدونالدز ، وغيره من الأماكن المشابهة ، حيث يتجمع ذلك النوع من الشباب والبنات الذي تعرفه ..؟
لم أرد .. فأضافت :
ما رأيك أن نذهب إلى منزلي ..؟
فقلت بسرعة :
لا .. لا ..
قالت :
منزلك ..
غير مناسب ..
لقد أحرجتني جدا ولم تترك لي الخيار ، وبقيت لحظات مترددا ، ثم قلت :
لا أريد الموسيقى ..
توجهت إلى مدير المحل ، وتحدثت معه قليلا ، ثم عادت وعلى وجهها ابتسامة ، وقالت :
لن يكون هناك موسيقى ..
قادنا أحد العاملين في المقهى إلى ركن هادي ، وبدون موسيقى ..
كيف .. ؟
.. سألتها ..
انهم يتحكمون بالتوزيع الصوتي .
أخذنا أماكننا ، وتبادلنا الحديث بسرعة عن الامتحان ، حتى جاءت القهوة ، رشفت شيئا من قهوتي ، وسألتها :
هل هناك شئ محدد تودين السؤال عنه ..؟
أصلحت من جلستها وقالت :
لعلك تذكر أني سألتك من قبل عن شيئين ، أحدهما كان التسامح ، والآخر الحب .. وهو الذي لم تتح لنا الفرصة لنتحدث عنه .. أنا أعني كيف ينظر الإسلام إلى الحب ..؟
لم أدر بما أجيبها .. لكني أذكر أني بدأت هكذا :
لم يعل الإسلام شيئا مثلما أعلى من شأن الحب ، حتى أنه ربطه بالرب سبحانه وتعالى وجعل الله عز وجل ، هو الغاية التي ينتهي إليها الحب ، أيا كان نوعه . الإسلام حينما فعل ذلك ، أراد أن يجرد الحب من كل رباط محسوس ، ومن كل رغبة ، أو شهوة بشرية آنية ، تتلاشى لحظة تحققها ، ليجعله متصلا بالله مباشرة . فالحب فيه سبحانه ، أسمى درجات الحب ، ولا يتحقق إيمان بشر ، إذا لم يحب الله والرسول صلى الله وعليه وسلم ، ولا يتحقق إيمانه .ز كاملا ، إذا لم يحب لأخيه المسلم ، ما يحب لنفسه .
لقد صار كل حب في الإسلام ، غايته الحب في الله . وحينما يؤكد الإسلام على هذا الجانب ، فإنه يهدف إلى تجاوز المادي إلى الروحاني .. و الأرضي إلى العلوي السماوي .
كيف … قد تسأليني ..؟
إن المادي والأرضي ينتهيان إلى الفناء ، أما الروحاني والعلوي فمصيرهما الخلود . أليس الزواج بين رجل و امرأة هو نتيجة حب ، بشكل من الأشكال . تأملي كيف ينظر الإسلام لأنواع الحب التي تؤدي إلى نشوء علاقة بين رجل و امرأة ، تقود إلى الزواج . المال أولا ، ثم الجمال ، (أي ميزات الجسد ) ، ثم المكانة الاجتماعية . وأخيرا الدين .. بما يعني من تمثل لكافة القيم العليا ، التي جاء بها الإسلام ، وفي مقدمها ، حب الله سبحانه ، من خلال تنزيهه بالتوحيد ، وأن لا يشرك معه أحدا . الإسلام يثمن عاليا الحب الأخير ، لأن غايته الله سبحانه ،و ينعي على الفرد تطلعه للأنواع الأخرى . الأنواع الأخرى .. مادية .. زائلة .. مصيرها إلى الفناء : المال يفنى ، والجسد يبلى ، والمكانة الاجتماعية تزول .
لأن الحب طبيعته هكذا ، فإنه يقاوم عوامل الفناء ، بل هو يتجدد باستمرار .. إنه يستمد حياته من الذات العليا ، التي هي مصدر الخلود . إن من طبيعة المادي أنك حينما تمتلكه تزهد فيه ، لأنه يفتقد لخاصية التجدد والتسامي ، التي يملكها الروحاني . أضرب لك مثالا : ألسنا نشتهي الطعام اللذيذ ، وحينما نملكه .. نمله ونزهد فيه . السنا نعشق الجمال ، فإذا ما أدركناه تطلعنا لآخر غيره .
انظري .. حسن التعامل ، الأدب ، الأخلاق ، الرحمة ، التعاون . ألسنا إذا ما وجدناها في إنسان تعلقنا به ، و كلما أزداد تمثلا لهذه الخصال ، زاد تمسكنا به . الإسلام تعامل مع هذين النوعين .. المادي و الروحاني ، على أساس من قدرة كل نوع على منح السعادة ، لأكبر عدد ممكن من الناس ولأطول مدة ممكنة .
الجمال مثلا ، يمكن أن يمنح السعادة والمتعة لشخص واحد فقط ، هو ذلك الذي يباشر الجمال .. بطبيعته المحسوسة ، بشكل أولى ، ولمدة محدودة ، هي الفترة الزمنية التي يكون فيها محتويا على عنصر الحياة والحيوية ، قبل أن تأتي على نضارته عوامل الزمن . بل إن الطبيعة المادية المحسوسة له ، تجعل الاستمتاع به ، مرهون بلحظة المباشرة ، أو الذة الآنية .
على الجانب الأخر ، خذي الأخلاق كمعادل لجمال الروح ، بما تحويه من رحمة ، وعطف ، وتعاون ، وأدب ، وغيرها من الخصال الحميدة . كم من الناس تمنحهم السعادة ، دون أن يكون لعامل الزمن أثر على امتدادها في عمق الزمان ، أو يمنع من شمولها و تمدها عائق المكان . الحب من هذا النوع يتجاوز الجسد .. ليعانق الروح في افقها السرمدي .
جمال الروح يمكن أن يوجد في الرجل ، وفي ، وفي الأبيض و الأسود ، والشيخ والطفل . أما الجمال المادي .. في الجسد ، المحسوس .. فلا . إنه امتياز خاص ، لفئة محدودة من الناس اختارها الله ، لحكمة يعلمها هو سبحانه . الحب على أساس من الروح يا ديمي ، يفتح المجال واسعا للترقي في مدارج الكمال ، فارتباط الروح بالذات العليا ، يمنحها القدرة على الإبداع والتسامي .. والزيادة . فنحن نستطيع أن نكون اكثر رحمة ، وأكثر عطفا ، وأكثر تسامحا ، مرة بعد مرة ، مدفوعين بالحب الأسمى .. حبه سبحانه وتعالى . لكننا لا نستطيع أن نكون أجمل ، و أجسامنا لن تكون اكثر نضارة ، و أنفاسنا لن تكون أطيب رائحة .. في كل مرة ، لأن الجسد مرتبط بالأرضي ، الفاني .
جدير بحب كهذا يا ديمي … أن يؤول للزوال .
أظن أني قلت هذا الكلام ، وأشياء أخرى . المؤكد أن الذي كان يتكلم ليس لساني فقط ، بل جوارحي كلها 0 لا أدرى كم كوبا من القهوة شربت وأنا أتكلم . كنت أنظر في وجه ديمي ، بين وقت وآخر ، فأحس إنها معي بكل جوارحها . بل كانت نظراتها .. يخيل إلي ، أنها تحاول أن تنفذ إلى أعماقي . كنت شابكا كفي لبعضهما ، ويداي ممدتان على الطاولة أمامي حانيا رأسي ، حينما سمعتها ، تقول بصوت واهي النبرات :
هذا أجمل شئ سمعته في حياتي ..
استغرقتني لحظات تفكير ، لم انتبه خلالها إلا وكفاها تطبقان بهدوء على كفي .. شعرت بخدر يسري في أوصالي ، ودفء يجتاحني ، حتى أحسست ذلك في حرارة أنفاسي . لوهلة استسلمت دون مقاومة لهذا الوضع . في قرارة نفسي ، كنت أشعر بعطش شديد .. لشيء لا أدري ما هو . ربما السكينة والهدوء .. والكف الذي استريح عليه .
هل تملك كل هذه القدرة على التوغل في الأعماق . أم هذا شئ خاص بها وحدها ..؟ كنت في حالة استكانة تامة حين سمعتها تناديني :
مصعب هل أنت بخير ..؟
رفعت رأسي ، وتأملت وجهها الذي يضج أنوثة وفتنة ، وأبصرت يدي بين يديها . يا إلهي
ماذا صنعت .. ؟ وتذكرت خالد وبكاؤه .. ودوت كلماته بعنف في :
” من استشعر الموقف هان في عينيه كل شئ ” .
أحسست كأنما تيارا كهربائيا يسرى في جسدي ، ويهزني بعنف ، فسحبت يدي بسرعة فضربت كوب القهوة ، فاندلقت القهوة الحارة علي ، وصرخت من شدة الألم ، فانفعلت هي وصرخت كذلك ، وهي تصيح :
أنا آسفة .. أنا آسفة ..
أسرع عامل المقهى باتجاهنا ، إثر سماع الأصوات ، وقام بمساعدتي في تنظيف ملابسي ، واحضر لي مرهما لعمل إسعافات أولية . كان واضحا أني احتاج إلى علاج عاجل ، لذلك نصحنا بالذهاب إلى المستشفى بسرعة . أصرت أن تأخذني بسيارتها إلى المستشفى . في الطريق .. ظلت تبكي ، وتعتذر أنها لم تقصد .
أجريت الإسعافات اللازمة ، وعدنا إلى سيارتي ، بناء على طلبي ، رغم أنها كانت لا ترى أن أقود السيارة بنفسي . تأكدت الآن أني مصاب منها ، ليس في يدي ، ولكن في قلبي . لم أتحرك حينما انحنت لترخى رباط يدي ، فلامس شعرها وجهي . لقد فعلت تلك المسة فعل السم في جسدي ، أنا الآن ضعيف المقاومة .. أنا الآن في خطر .
افترقنا بعد أن وعدتها أن أتصل بها ، لأطمئنها على حالتي الصحية . قالت ، وهي تمسك بيدي ، لتساعدني على ركوب السيارة :
ساكون قلقة إن لم تفعل .. لابد أن تتصل بي ..
لم أبد مقاومة تذكر .. بل لم أبد أية مقاومة ، وهي تضع يدها على جبيني ، و تؤكد علي ، بنظرات ملؤها الرجاء ، أن لا أنسى الاتصال بها …
توجهت إلى بيتي ، وصرت أتأمل النهاية التي انتهت إليها علاقتي مع هذه الفتاة . تذكرتها وهي تبكي ، ونحن في طريقنا إلى المستشفى . كانت تقول : ” لن أسامح نفسي إن أصابك أذى” .. و كررت أكثر من مرة عبارة : ” أنا أحبك ، ولم اقصد أن أؤذيك” .. كانت هذه الكلمات تنغرس في وجداني عميقا .
بدأت الأفكار السيئة تراودني ، أثار لمسة كفيها ما زال يسرى نبضها في سائر جسدي
. نعومة راحتيها ، ودفئهما .. لم تفارقا خيالي إلى الآن ..شعرها يتراءى لي كسبائك من ذهب . حينما وصلت إلى باب شقتي كرهت الدخول ، ولمت نفسي أن رفضت عرضها ، بأن تأتي معي لتطمئن علي . دخلت المنزل وإذا بالهاتف يرن ، لا أتوقع أحدا معينا ، رفعت السماعة ، جاءني صوته من الطرف الثاني هادئا ، رخيما ، حزينا :
السلام عليكم .. كيف حالك ..؟
من .. خالد ، أهلا بهذا الصوت ..
رأيت فيك رؤيا البارحة .. فقلقت عليك ..
شعرت بانقباض وقلت :
خيرا إن شاء الله ..؟
خير ..
قص علي الرؤيا .. ثم سألته :
وماذا عبرتها ..؟
تنجو من فتنة ..
و أضاف :
هل تتعرض لمشكلة في الوقت الراهن ..؟
أحسست بالخوف وقلت بسرعة :
من أي نوع .. ؟ لا .. لا .. أبدا والحمد لله ..
ودعني و دعا لي . إنه رجل ملهم .. ينظر بنور الله . ظلت عبارته : تنجو من فتنة .. تت في ذهني مرة بعد أخرى . هذه بشارة .. قلت في نفسي : اللهم نجني .
مر علي يومان لم أغادر فيها البيت ، خشية أن يسألني الاخوة عن سبب الإصابة في يدي . تخلفت عن صلاة الجماعة .. واشعر بالذنب لذلك . لم أتصل بديمي كما وعدتها ، رغم أني أفكر بها معظم الوقت … تناقض لم استطع أن أحله .
كيف انعتق من هذه الدوامة ..؟ سألت نفسي . بدأت أفكر بالاتصال بها ، حتى لا أعطي صورة سيئة عن الإسلام .. هكذا زعمت لنفسي . ماذا لو قالت سآتيك ..؟ بدأت تلح علي الفكرة .. أن أكلمها .. وكدت استسلم لها ، ثم وجدت أنى إن بقيت في شقتي فإني حتما سأتصل بها ، ولن أمانع أن تأتي عندي . ثم ..؟ آه .. هذا هو السؤال ..
وصل الصراع في نفسي إلى أقصاه ، فقررت أن أخرج . قلت ، أذهب إلى المركز الإسلامي ، فقطعا سأجد بعض الاخوة ، وهناك ، سأتسلى بهم ، وأظل بعيدا ، حتى لا أقع ضحية لتداعيات النفس الآثمة .. الأمارة بالسوء ..
خرجت ، وحينما كنت أهم بركوب سيارتي ، سمعت صوتا يناديني ، فالتفت إلى مصدر الصوت كالملدوغ …
يا الهي إنها هي .. كيف عرفت مكاني ..؟
شعرت بقلبي يهبط إلى قاع أحشائي ، وهي تنزل من سيارتها متجهة نحوي ، تتلفع بجاكيت خفيف تتقي به برد ديسمبر القارس .. قالت :
انت تسكن هنا ..؟
تلعثمت ولم أشأ أن أكذب ، وقلت :
نعم .. كيف وصلت إلى هنا ..؟
جئت لزيارة صديقة لي تقيم في نفس البناية .. ويبدو أن أمرا طارئا حدث ، فاضطرها للخروج ، فتركت لي ملاحظة على باب منزلها تخبرني فيها إنها ستعود بعد ثلاثين دقيقة .. وأنا كما ترى ، انتظر عودتها في هذا البرد القارس .
قالت عبارتها الأخيرة ، وهي ترمقني باستعطاف ، فأدركت انها تريد ملجأ من البرد ، ريثما تعود صاحبتها . ران بيتنا صمت ، لم أدر كيف اقطعه ، وكنت خلالها أقلب أفكارا كثيرة ، معظمها سيء . و رغم أني ملتحف بمعطف ثقيل ، فقد شعرت برودة تدب في جسمي ، ولم يحل الطقس البارد جدا ، دون تقافز حبات من العرق على جبيني . كنت انظر إليها تتأملني أتصب عرقا في هذا البرد ، وهي تنكمش من شدته .. فبادرتني قائلة :
أنا آسفة .. أنت خارج ، وأنا قد أخرتك .. معذرة على هذه البلادة ..
كان وجهها أصفر شاحبا من شدة البرد .. قلت لها :
لا .. أبدا ، ليس هناك شئ مهم ..! لم لا تنتظرين عندي في شقتي ، إلى حين عودة صاحبتك ، ونتناول خلال ذلك قهوة تشيع الدفء في أطرافنا التي تكاد تنكسر من هذا الزمهرير ..؟
لم أكد أقول ذلك حتى تدفق الدم في وجهها الشاحب ، فاستعاد نضارته ، وقالت :
أنا أشعر بامتنان عظيم للطفك الكبير .. كما أني متلهفة لاستكمال نقاشنا السابق .. ثم أضافت .. وأستطيع أن ألغي موعدي مع صديقتي .. إذا تطلب الأمر ذلك .
إنها دعوة مفتوحة بلا جدال .. حدثت نفسي ، وأنا انصرف وإياها راجعين باتجاه شقتي ، التي لم تكن تبعد سوى خمسين خطوة عن موقف السيارات . داخلني هم كبير ، وزاد خفقان قلبي ، وكنت خلال ذلك في صراع نفسي عظيم ، جعلني في شغل عن حديثها الذي لا أدري ما كنهه .
تقول لي نفسي : أليس هذا ما تريد .. أليس هذا ما كان حديث نفسك ، خلال اليومين الماضين ..؟ هاهي قد جاءتك تسعى على قدميها .. أنت لم تذهب إليها ، بل أنت لم تدعها .. إنها فرصة ، والله غفور رحيم . اجلس معها ، وإن جاء العرض منها فليس ذنبك ، أنت قد قاومت و ابن آدم ضعيف ، والله سيعذرك …!
ويجيء صوت الضمير الحي : حذار فهذا هو البلاء العظيم .. أين الخوف من الله .. أين الدعوة إلى الله ..؟ كيف إذا جيء بك يوم القيامة ، ورفعت على رؤوس الأشهاد ، وقيل من هذا .. فتطاولت أعناق من قد يكون عرفك في هذه الدنيا فيقولون : هذا نعرفه .. هذا الداعية إلى الله مصعب . فيقال : لا .. هذا الزاني مصعب . يا إلهي أنت أرحم بي أن أصير إلى هذا المصير .
كنا في منتصف الدرج على بعد خطوات من باب شقتي ، حين تعثرت وسقطت ، لشدة الاضطراب الذي انتابني ، بسبب الصراع الداخلي العنيف . ساعدتني على النهوض .. كنت شاحبا ، غاض الدم في وجهي ، أتصب عرقا ، وأطرافي ترتجف ، قالت لي :
أنت متعب بجد ..؟
نوعا ما .. ديمي أنا لا أستطيع أن أبقى معك .. أنا مرتبط ، ولا بد أن أذهب ..
شعرت بالخجل ، وقالت :
لقد احسست بأني أحرجتك .. كم أنا غبية ، أنا اسفة جدا ، سأذهب 0
لا .. لن تذهبي ، بل ابق وانتظري صديقتك في منزلي ، واعتبري نفسك في بيتك .. اصنعي لنفسك قهوة .. وإن كنت جائعة ، ورغبت في الأكل ، فلا تتي .. فالثلاجة ، والمطبخ تحت تصرفك .. وإذا خرجت تأكدي من أن الباب مغلق ، وضعي المفتاح في صندوق البريد رقم 7 في المدخل الرئيسي للبناية ..
قالت وفي عينيها علامات استفهام كثيرة :
هل أنت متأكد ..؟
هزت رأسي موافقا ..
عادت لتسألني :
هل تحتاج إلى مساعدة .. هل تستطيع أن تقود السيارة بنفسك .. ؟
نعم ..
هل أنت متأكد بأنك ستكون بخير .. ؟
نعم .. ثم أضفت في سري .. ” إذا كنت بعيدا عنك ” 0
أمسكت يدي بيديها ، و دمعتان حائرتان في عينيها ، و قالت :
مصعب أنا أحبك ..
تسمرت عيناي في وجهها الطفولي ، و الألم يفتك بقلبي .. و قلت :
و أنا كذلك .. لكني يجب أن أذهب ..
سحبت يدي من يديها ، و انحدرت مع الدرج ،و حينما حانت مني إلتفاتة ، و أنا في آخر الدرج ،كانت ما زالت هناك … الدمعتان من خلفهما عيناها الزرقاوان ، بدتا كموجتين انكسرتا على شاطئ لازوردي …
و أنا ..
مثل صياد أدركه الغروب ..
على شاطئ موحش ..
شباكه فارغة ..
قلبه فارغ ..
إلا من رحمة الله ..

%%%%%%%%%%%%%

 
قديم   #2

الأوركيده


رد: ديمي .. حب أول ..


ديمي .. حب أول ..

9 مشاهدات ولا رد واحد ؟؟
القصه يعني ماتستاهل الرد ؟ بس متاكده انها تستاهل القراءه ..وهذا يكفي ..
الله المستعان ..

 
قديم   #3

شوق كلي حلى وذوق


رد: ديمي .. حب أول ..


ديمي .. حب أول ..

يسلموؤو يالغلا

شكل القصة روؤوؤعة

لي باك بعد قرائتها

يعطيك الف عافية

 
قديم   #4

تونسية و أفتخر


رد: ديمي .. حب أول ..


ديمي .. حب أول ..

تسلمي قصة كتير حلوة

 
قديم   #5

زٍحَ’ـمةَ حَ’ـڪيّ..||≈


رد: ديمي .. حب أول ..


ديمي .. حب أول ..

اهلآ اهلآ

وقصصم اطلق قصصة قرأتها

كفاية انها منك

لاتزعلين ان شاء الله تشوفين الردود الي تفرح قلبك

فديتك يسلمو طرح مميز

لاعدمنا طلتك ياقمر

تحياتي

 

أدوات الموضوع



الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 05:37 AM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0