|
#1 | |
عضوة شرفية |
شتات
شتات . . وأخذته في جولة . . * * -- يا الله . . كل هؤلاء من الجواري ؟! ما أكثر الجواري في آخر الزمان . . قالها وهو يخرج رأسه من النافذة ويحدق في المارة بذهول . . لم أتمالك نفسي فضحكت من قلبي وحاولت السيطرة بصعوبة على مقود السيارة : أين الإماء يا رجل ، كلهن من الحرائر . . وكلنا أحرار ، هكذا يقال ! وهل تظن هؤلاء الرجال من العبيد ؟ كلا ، انتهى عصر العبيد يا صديقي ، هكذا يقال . . كلنا اليوم أحرار . . -- ولكن انظر إلى هذه ، بل هذه . . انظر إلى شعرها الحريري الأسود الناعم . . وخصرها الذي . . قاطعته بغضب : لا تشر بأصابعك ! واخفض من صوتك . . تمالك نفسك قليلا !! -- آسف . . ولكن انظر هذه ، التي تسير مع زوجها إلى اليمين . . قاطعته متعجبا : ومن أدراك أنه زوجها ؟! ربما يكون خطيبها أو صديقها ! نعم . . أكمل . . أكمل وصوته يتحشرج : إنها تغطي شعر رأسها بقماشة ، بينما لا تستر بقية جسدها ! نظرت إليه ضاحكا : أهذا هو غض البصر يا صاحبي . . إنها تستر بالطبع . . بودي ، وجينز أزرق ضيق . . ماذا تريد أكثر من هذا . . ؟! دفن وجهه بين كفيه : لي النظرة الأولى فقط . . ويبدو أن " الستر " يتغير بتغير الزمان والمكان ! غمزت بعيني : أنت لم تر شيئا بعد ، ولا أظن وقتك - ولا ضميرك وبصرك - يسعفك لرؤية الكثير ! داعب لحيته وطأطأ رأسه : لكم الله أهل آخر الزمان . . كان الله في عونكم . . نظرت إليه كأني أراه أول مرة : لحيتك لا تناسب العصر وتلفت الانتباه لنا ونحن نتجول هنا ، ما رأيك لو أخذنا منها وجعلناها " سكسوكة " وسطية . . ؟! ثم تحسست ذقني : لا تبدو لي " جيليت " سيئة لهذا الحد ، إنها الأفضل للرجال ! نظر لي طويلا . . ثم قال : وتريدني أن أعود لقومي وزمني حليق الوجه . . لا أتشبه بالمجوس والنساء أبدا ! هذا زمن عجيب . . يحلق فيه الرجال لحاهم . . ولا تستر فيه النساء أجسادهن ! ضحكت قائلا : نعم ، نعم ، كقول القائل نعيب زماننا ، ليس الزمان بعجيب يا صديقي . . بل أنت فقط الغريب . وصمتنا طويلا . . حتى دعوته لمشروب . . * * - تفضل . . - - ما هذا . . ؟! - مشروب بيبسي كولا . . ! - - وما هو ؟! سكت قليلا وأردت أن أخبره شيئا واحدا مختصرا من نوعية : " اشرب وأنت ساكت " . لكن وجدت نفسي أخبره بما أعلمه : مياه غازية بنكهة سوداء ، اخترعتها أمريكا منذ قرن وشربها الجميع ، ولا أدري ما فائدتها . ثم قرنت الاعتقاد بالقول بفعل الجوارح فشربت ما بقى دفعة واحدة . بينما احتقن وجهه هو . . وصرخ : -- مشروب الروم من أعدائكم أيها المسلمون ؟ ما لكم يا قوم ؟ نظرت حولي حيث يحدق الكل فينا بدهشة ، وأخبرته أن يهدأ ويخفض صوته . . فهو مشروب عالمي حلال . . يروج له هنري وميسي وإليسا . . لكنه هتف بحسرة : ماذا لو شاهدني النبي الآن وفي يدي هذا ؟! لم أفهم ، ومن غبائي ضحكت . . إنها ليست بخمر . . أخبرته أن هناك كوكا كولا إذا لم يعجبه طعم البيبسي . . لا أدري لماذا شعرت أنه يبكي من داخله . . ولم أفهم السبب حتى الآن . * * في طريق العودة تحدثنا كثيرا . . عن كل شيء وأي شيء . . ضحكت كثيرا من قلبي . . بينما بكى هو أكثر ، وبلا دموع . . قلت له : يا صديقي أنت من زمن آخر . . ولا تدري ما أحدث القوم بعدكم . . إنها الأطلال يا صاحبي . . و" ياسق " لم تدركه لا أنت ولا قومك . . سألني عن الياسق وعن جنكيز خان وعن الديمقراطية والدساتير ، وعن أمريكا والأمم المتحدة وإسرائيل . . أجبته ضاحكا والهواء يحرك شعر رأسي فبدوت كالمجنون : " لم تدركهم لا أنت ولا قومك " . . وظل يسألني عن كل شيء وأي شيء . . وبقيت أضحك طوال طريق العودة ويبكي بلا دموع . . * * لم يكن يمكن أن يستمر الوضع أكثر مما هو عليه رغم كل محاولاتي لإفهامهم وإفهامه وتقريب وجهات النظر . . لم يكن هناك حل آخر للأسف ، بناء على رغبة الجميع ، وأنا . . فقط هو من رفض وعاند . . وصرخ : " أريد العودة لقومي . . لزمني ! لا تتركوني هنا ! " ولم يكن هناك حل آخر . . * * كشف الطبيب مسرعا عن ذراعه . . صرخ المسكين بقوة وقاوم هو يرى ذلك السائل ينتقل ليسري بجسده . . أخذوا في الابتعاد عنه تدريجيا وبدأت حركته تهدأ . . أفلت ذراعه بدوري بعد أن تركه الجميع ، وربت على كتفه : " لا تقلق ستكون الأمور على ما يرام " . . بدأ الجميع في المغادرة . . ودعته . . والتفت للخلف لأغادر الغرفة بدوري . . ولكن ، كانت حركتي بطيئة ثقيلة والغيوم بدأت تتكاثف أمام نظري . . ماذا يحدث . . ؟ حاولت أن أصرخ . . جثوت على ركبتي ، رفعت رأسي بصعوبة مع يدي . . عند الباب كانت آخر ممرضة تغادر ، حركت رأسها للخلف وابتسمت لي قائلة : " لا تقلق ، ستكون الأمور على ما يرام يا عسل " . . وأغلقت الباب خلفها بإحكام . . __________________ سيكون خرابا . . هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب ! مواضيع ذات صلة |