نساء في زمن العطش
يرعبني مرضك يا أبي ...
هذا المرض الذي بدأ يخطفك منا شيئاً فشيئاً ..
بدأ بمسح ذكرياتك وخبراتك وهواياتك وتجاربك ومعلوماتك وثقافتك ...
لم تعد تقرأ جريدة اليوم كما كنت تفعل كل صباح ..
لم تعد تعرف ما معنى جريدة ومامعنى كتاب ومامعنى قلم ...
اصبحت تجهل القراءة والكتابه . .
وأنت من يملك مكتبة ضخمة تكتظ بكل الكتب ..
اصبحت لاتقرأ ولا تكتب وأنت من علمني عشق القراءة والكتابه ...
لم تعد تذهب للمسجد .. لم تعد تعرف معنى صلاة وصوم ..
لم تعد تذكر شيء .. ولا حتى عنوان بيتك وعملك ..
لم تعد تعرف عاداتك اليوميه ,,
لم تعد أنت كما كنت ..
بدأت بفقد نفسك أولاً ...
ثما نسيت اسماء من هم حولك ..
أبناءك وبناتك وأحفادك واخواتك واخوانك ..
لم تعد تتعرف إليهم وباتت نظراتك كلها اسئله وحيرة ...
لايفارقك هذا السؤال كلما نظرت الى احدهم :
من أنـــــت ؟؟ ماذا تريد ؟
ثما فجأة تفقد اهتمامك ... بكل مايحيط
فلا تنتظر اجابتهم ، تشيح بوجهك الى مساحة الحائط وتغيب نظرتك فيه ...
ينصرف اهتمامك الى العدم ...
تحدق الى الا شيء ...
تلوذ بالصمت وتعتصم امام نافذة المجهول بوجوم وذهول ..
اصبح الصمت يستهويك اكثر من الحديث ..
أبي كيف نسيت من قضيت معها عمرك كله ياأبي !! كيف نسيت أمي ... !!
لم تعد تسئل عنها .. لم تعد تبحث عنها ..
لم تعد تنادي بإسمها ...
لم تعد تذكر أسمك ...
لم تعد تذكر الاصحاب والاحباب ... لم تعد تعرف أحد ...
يرعبني ان تصحو يوما فلا تعد تذكرني انا ايضاً رغم اني اقرب إليك منك ....
حتى الامس لازلت تنادي بأسمي ..
هل ستذكره غداً او سيسقط مع جملة من سقطوا سهواَ من ذاكرتك ..؟؟
ارجوك لاتنساني .. ياأبي
دعني اسكن أخر جزء صغير بذاكرتك ...
يؤلمني التفكير بكل مايحدث لك وماسيحدث ...
يؤلمني ان افقدك بالتدريج دون ان يكون لي سيطرة على ذلك ...
تكبلني الحيرة امامك وامام حالتك التي تسوء كل يوم ..
يغتالني هذا العجز ..
تقتلني التغيرات التي تحدث عليك .. ولا استطيع منعها ولا إيقافها ..
اخاف عليك من شيء لاقدرة لي عليه ..
اصبحت تسكن ماضي بعيد وانقطعت كل روابطك بالحاضر القريب ..
يرعبني ان تبتعد عنا كل يوم اكثر من السابق ..
يرعبني ان أراك تغرق أكثر في عالم أخر مجهول مخيف ..
لاأعرف كيف اعثر عليك داخله !! كيف أعيدك إلينا من جديد كما كنت سابقاً
بتلك الملامح الابويه الحنونه وتلك الضحكه الجميله التي لاتفارق وجهك الدافء بالحب ..
كيف انقذك من ذلك العالم الغريب الذي يسرقك منا ياأبي ؟؟
أبنتك هدى عبدالعزيز الدامغ
|