ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ

ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ (https://fashion.azyya.com/index.php)
-   روايات مكتملة (https://fashion.azyya.com/118)
-   -   الانتقام رواية مؤلمة (https://fashion.azyya.com/133776.html)

yomna ehab 04-08-2010 10:07 AM

الانتقام رواية مؤلمة
 
https://up.azyya.com/do.php?imgf=1431198212381.jpg

الانتقام


هذه القصة تم نشرها بعنوان

الانتقام - بريد الجمعه - 17/11/2006

وبعد ثلاث سنوات ارسلت صاحبة الرسالة تكملة القصة المؤلمة واليكم تفاصيلها ..



سيدي أكتب لك من داخل القطار‏,‏ لذا اغفر لي ارتعاشة الكلمات وسوء الخط‏,‏ واستميح القراء عذرا في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها‏,‏ ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي تنميق أو تجميل‏.‏



وأناشدك ألا تقسو علينا‏,‏ فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا‏,‏ وأرواحنا كما أجسادنا كلها ندبات وجروح‏.‏



نحن ست بنات‏,‏ خمس شقيقات‏,‏ والصغيرة من أم أخري‏..‏ عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية‏,‏ ولم نهنأ‏,‏ أو نغمض عيونا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ‏,‏ موته استمر‏5‏ سنوات‏,‏ واعتقدنا أن الحياة السعيدة بدأت‏,‏ وأن السماء تعوضنا عما عانيناه‏,‏ ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام‏,‏ فها هو الفزع يعود من جديد‏,‏ والنوم يستعد لهجرة عيونا التي أدماها البكاء‏.‏




دعني استرجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقنا لحظة‏,‏ فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن‏.‏ استيقظت عيونا منذ الميلاد‏,‏ علي أم كسيرة‏,‏ باكية دائما‏,‏ وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار‏,‏ تنهال سياطه علي أجسادنا‏,‏ إذا بدر منا أي صوت‏..‏ هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟‏..‏ نعم‏,‏ نحن‏,‏ كنا نعي أن البكاء حتي في الأشهر الأولي يعني ألما غير مفهوم من يد شبح‏,‏ لم نكن نعرف ماذا يمكنا أن ناديه‏.‏




أتذكر الآن‏,‏ عندما كان عمري‏5‏ سنوات‏,‏ أمي حامل في شهورها الأولي‏,‏ كانت تستحم‏,‏ سقطت في الحمام‏,‏ فأخذت تستغيث بصوت منخفض حتي لا توقظ أبي النائم‏,‏ ولكنه للأسف مع بكائها‏,‏ هل يمكن أن توقع ماذا فعل؟ لا أنسي ملامح وجهه في ذلك اليوم‏,‏ ملامح شيطانية مفزعة‏,‏ لم يثنه دمها المراق علي الأرض‏,‏ لم يفزعه‏,‏ إنهال عليها ضربا ورفسا في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام‏,‏ ونحن نبكي ونصرخ رعبا‏,‏ حتي تجمع الجيران‏,‏ وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلي المستشفي‏,‏ بينما توجه هو إلي غرفة نومه‏.‏ يومها أصبت أنا الأخري بانهيار عصبي وظلت مريضة فترة طويلة‏.‏




سيدي‏..‏ هل لك أن تخيل ماهو جزاء أي واحدة فينا‏,‏ لو لم تفوق في المدرسة؟‏..‏ يحلق شعرها‏,‏ ويغرس وجهها في صفيحة الزبالة ثم ينهال عليها ضربا بالسلك العاري حتي تفقد وعيها من شدة الألم‏.‏




لم يكن أبي ينفق علينا‏,‏ ولا تظن أنه كان فقيرا‏,‏ بل كان كما يقولون يلعب بالفلوس لعب‏,‏ معه أموال كثيرة من تجارة الغلال‏,‏ ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة‏,‏ ونفق علي أنفسنا‏.‏ كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر‏..‏ أما أمي فقد اشتري لها إخوالي ماكينة خياطة‏,‏ إضافة إلي عملها في مصنع مجاور لمنزلنا حتي تنفق علينا‏.‏




ذات يوم جاءت أختي متأخرة قليلا من المدرسة‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ حتي هربت من البيت‏,‏ غابت أسبوعا ثم عادت‏,‏ وبعد العلقة المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها‏,‏ ثم قر تزويجها فورا‏,‏ أراد تزويجها من شيال في مقلاة لب‏,‏ وأمام قراره‏,‏ لم تجد أختي إلا الانتحار حلا‏,‏ أحرقت نفسها‏,‏ تركتنا للعذاب ورحلت‏.‏ هل تعرف ماذا فعل هذا الرجل الذي يطلق عليه أبا قال بأعلي صوته‏:‏الحمد لله ارتحت من واحدة‏,‏ عقبال الباقي‏.‏




اقترح اخوالي علي والدتي أن ترك له البنات الكبار‏,‏ وتذهب معهم بالبنات الصغار‏,‏ ولكن أمي رفضت خوفا علي الكبار والصغار من بطشه وجبروته‏,‏ فقد كانت تري في وجودها بعض الحماية لنا‏.‏





سيدي‏..‏ لايمكن لأحد تخيل معني الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما‏..‏ لن يستوعب أحد معني استحالة أن تحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافيا لأن والدك نائم‏.‏ لن يفهم أحد معني أن ترتدي طوال العام صيفا وشتاء فستانا مزقا‏,‏ وتأكل رغيفا واحدا‏,‏ وتنام اليل خائفا‏,‏ وتصحو النهار مذعورا‏.‏




لك أن تخيل كل شيء‏,‏ كل أنواع العذاب والقهر والألم‏,‏ فليست أزمتنا الآن فيما فات‏,‏ ولكن دعني أكمل لك‏:‏




منذ‏14‏ عاما‏,‏ أصيبت أمي بنزيف حاد‏,‏ ما أغضب أبي‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ واستنجدنا بأخوالي‏,‏ نقلناها إلي المستشفي‏,‏ ولكن قضاء الله كان أسرع‏..‏ مات أمي‏..‏ كلمة الحنان في الحياة‏,‏ ورفض القاسي تسلم جثتها حتي دفنها أخوالي‏.‏ وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها‏20‏ عاما قال إنها زوجته‏..‏ وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغري‏,‏ بعد زواج شقيقاتي‏.‏ جمعنا أبي وقال لنا‏:‏ لو شكت لي منكم كلمة‏,‏ فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما‏,‏ وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة الب لتخدم زوجته الجديدة‏,‏ أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي‏,‏ حتي أنظف البيت وأطهو لهما الطعام‏.‏




المهم التفاصيل متعدة‏,‏ ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي‏,‏ وآخر واحدة حملت رغما عنه فطلقها‏,‏ وعاش بدون زواج حتي حدث ما حدث‏!.‏




سيدي‏..‏ منذ‏8‏ سنوات‏,‏ ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد‏..‏ انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره‏..‏ توجه أعمامي عدة مرات إلي السفارة السعودية يسألون عنه بلا جدوي‏..‏ لا يعرف أحد له طريقا‏.‏ هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟‏..‏أصابتنا كريزة ضحك‏,‏ صرخنا زمن العذاب انتهي‏,‏ روحة بلا رجعة‏..5‏ سنوات عشناها علي أعصابنا حتي أقمنا دعوي أمام المحكمة لاعتباره مفقودا وعملنا إعلام وراثة‏.‏ بعدها فقط بدأنا نشعر أنا آدميون‏..‏ انطلقنا في الشقة‏,‏ مزقنا صوره‏,‏ ألقينا بملابسه في صناديق القمامة‏,‏ حتي الملاية التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها‏,‏ شبشبه‏,‏ الأكواب التي كان يشرب فيها‏,‏ الكرسي الذي جلس عليه‏,‏ كله حطمناه‏,‏ تخلصنا منه‏,‏ أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب‏,‏ لم يعش أمامنا ذل المرض‏.‏




حصلنا علي أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك‏,‏ كل واحدة فينا بدأت تحدث عن أحلامها‏,‏ واحدة ستشتري ذهبا‏,‏ والأخري تشتري محلات ملابس‏,‏ والثالثة تشتري سوق الخضار والحوم‏,‏ وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا‏,‏ لا يعكر صفو حياتنا سوي منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا‏.‏





سيدي‏..‏ كان كل شيء يسير طبيعيا حتي جاء هذا اليوم‏..‏ في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلي عقد قرانها في أحد المساجد‏,‏ صليت ركعتين تحية للمسجد‏,‏ وفيما أنا خارجة في طريقي إلي القاعة‏,‏ لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي‏,‏ هل يمكن تصور من كان يجلس علي الأرض؟‏..‏ إنه أبي‏,‏ رجل عجوز مزق الملابس‏,‏ لا يمكن‏,‏ هل عاد أبي‏,‏ أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي‏,‏ اختبأت‏,‏ خشيت أن يراني‏,‏ ثم توجهت إليه وأنا ارتجف‏,‏ نظرت إليه فلم يعرني اهتماما‏,‏ استيقظت علي نداء صديقاتي‏,‏ فحضرت عقد القران‏,‏ ثم توجهت إلي إمام المسجد وسألته‏:‏ هل تعرف هذا الرجل‏,‏ فقال لي إن أحد أقاربه أتي به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي‏,‏ ويخدم في المسجد‏,‏ ويغسل السلالم في العمارات المجاورة‏.‏




هل يمكن تخيل ذلك‏,‏ والدي الذي كان يصحو العصر من نومه‏,‏ ويرتدي أفخر الثياب‏,‏ يمسح السلالم ويجلس علي الأرض‏.‏ طلبت من الإمام أن يدعوه‏,‏ وسألته إيه حكايتك فقال لي‏,‏ إنه كان في مستشفي في السعودية‏,‏ والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم‏,‏ وهو لا يتذكر أي شيء عن شخصيته‏,‏ وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه لمصر‏..‏ هو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيليا‏..‏ بكيت وبكيت‏,‏ لم أعرف لماذا أبكي‏,‏ هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم‏..‏




يمد يده ليأخذ مني بعض النقود‏,‏ أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئا‏,‏ يعيدني صوته وهو يدعو لي‏:‏ربنا يطعمك ما يحرمك‏.‏ سألته‏:‏مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في نفسي‏:‏ كنت شريرا‏,‏ قاسيا‏,‏ بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا الحلاليف‏.‏ نظر إلي طويلا وقال‏:‏ أنا حاس إن ربنا بيعاقبني علي شيء عملته وغضبان علي‏.‏ لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع‏,‏ هل كنت أبكي عليه أم لأني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف‏..‏ أتذكره وهو يرفض الذهاب إلي المستشفي لدفنها‏.‏




عدت إلي البيت‏,‏ دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث‏,‏ لم يصدقن ما سمعنه‏,‏ فقرنا استدعاء محامينا‏,‏ واتفقنا علي الذهاب إليه لرؤيته‏..‏ إندفعنا نحوه‏,‏ كادت واحدة تناديه بابا منعناها‏..‏ جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا الذي هو الجالس أمامنا تعمدنا ذكر بعض كلماته مثل الحلاليف حتي نتأكد من ذاكرته‏,‏ فوجئنا به يبكي ويقول‏:‏كيف لأب يفعل ذلك في بناته‏,‏ أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم‏..‏ قالت له أختي‏:‏مش يمكن ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك‏,‏ نظر إليها باندهاش قائلا‏:‏ليه يابنتي إنت قاسية قوي كده‏.‏




المهم سيدي‏..‏ عدنا إلي البيت أكثر حيرة‏,‏ جاء خالي لنا وأخبرناه‏,‏ فقال إنه لابد أن يعود إلي بيته‏,‏ فهذا حقه‏..‏ وقال المحامي‏:‏ إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن‏,‏ أعمامكم سيرفضون‏,‏ وسيقدر عليكن‏,‏ ولو عالجناه‏,‏ قد يعود إلي ما كان عليه وينتقم منكن‏.‏ قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة‏.‏




اتفقنا أن نذهب له كل شهر‏,‏ نمنحه صدقة تكفيه وطعاما وملابس‏..‏ فكرنا في إدخاله مستشفي والانفاق عليه ولكن خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا‏.‏



سيدي‏..‏ عقولنا ترفض عودته‏,‏ ولكن ضميري يؤلمني‏,‏ صوت في داخلي يقول لي‏:‏إرحمي عزيزا ذل‏,‏ إرحمي آباك في شيخوخته‏,‏ يكفي ما يراه من عذاب‏,‏ يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء‏,‏ ألا يكفي انتقام اله‏.‏





منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضا في حجرة متواضعة بجوار المسجد‏,‏ وقال لنا إمام المسجد‏:‏ إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء علي الرئة‏..‏ أهل الخير أحضروا له الدواء‏..‏ وجدت بجواره كيسا فتحته وجدت به خبزا عفنا‏..‏ أتألم له ومنه‏..‏ أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم يجد خبزا طازجا‏,‏ فتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة‏..‏ وها هو اليوم يأكل خبزا عفنا‏..‏ يا اله‏!.‏




سيدي‏..‏ نعيش في أزمة بين ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة‏..‏ نعجز عن الاتفاق علي قرار‏..‏ فقرنا الاحتكام إليك‏,‏ لعلك تساعدنا علي اتخاذ القرار السليم بدون أن تظلمنا‏!.‏





سيدتي

ألتمس الأعذار لمن يري الظلم ويعاني منه‏,‏ وتغيب أو تأخر عدالة الله سبحانه وتعالي لحكمة يعرفها عن أنظار العباد‏..‏ ولكن عندما يأتي عقاب الله وإنتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته‏,‏ أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلي ظالم غافلا عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل‏.‏

سيدتي‏..‏ من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك‏,‏ لابد أن يغضب ويتألم ويطالب بالقصاص من مثل هذا الأب‏,‏ ومن يقرأ الجزء الأخير‏,‏ لابد أن يتمهل ويعيد النظر إلي الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي‏.‏

أعتقد أنك لست في حاجة الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته‏..‏فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعا من سلوكيات هذا الأب‏,‏ والذي لولا نهايته‏,‏ لكان الكلام فيها لا ينتهي‏,‏ فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد‏,‏ وليس فقط بعيدا عن الأبوة‏.‏

ستقولين إنه الماضي الذي يعيش فيكن حتي الآن‏,‏ ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل‏,‏ فالعيش في الماضي لن يزيدكن إلا ألما‏.‏

فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية أحد والديه‏,‏ تطل أمام عيني الآية الكريمة‏:‏ وإن جاهداك علي أن تشرك بي ماليس لك به علم‏,‏ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏..‏ الخالق‏,‏ الجابر‏,‏ المنتقم‏,‏ عندما يصل الأمر إلي الدعوة للشرك به من أحد الأبوين‏,‏ يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط‏,‏ بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفا‏,‏ هذا في حقه‏,‏ فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر‏,‏ ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمرا إلهيا يجب الامتثال إليه‏,‏ فإذا سلمنا بذلك‏,‏ واستندنا إلي أمر الإحسان المتكر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة إلي الوالدين‏,‏ وقرنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة اله‏,‏ فإن قراركن سيكون واحدا ومحدا‏.‏

سيدتي‏..‏ إن لذة الانتقام لا تدوم سوي لحظة‏,‏ أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد‏,‏ واستمعي إلي قوله سبحانه وتعالي وليعفوا وليصفحوا‏,‏ ألا تحبون أن يغفر الله لكم‏....‏ ألا تحبون أن يغفر لكم اله‏,‏ كم هو مقابل زهيد‏,‏ مهما تكن قسوة الأيام‏,‏ فالتسامح يا عزيزتي جزء من العدالة‏.‏

لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات‏,‏ لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلي سيرته الأولي‏,‏ سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه‏.‏

إن ما أنتن فيه من حقه‏,‏ إنه ماله حتي ولو كان ظالما لكن‏,‏ وعودته وهو فاقد الذاكرة علي قدر ما أعرفه لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلا لذلك‏,‏ ولكن نصيحتي لك ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن تذهبن إليه فورا وتعدنه إلي بيته وتحرصن علي علاجه‏,‏ وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقي في الطريق‏.‏ إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها‏,‏ فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة‏,‏ والأولي أن يبكي الابن من أن يبكي الأب‏,‏ كما قال المفكر بترارك‏.‏

وخذي وعد الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم‏:‏عفا الله عما سلف‏,‏ ومن عاد فينتقم الله منه‏,‏ واله عزيز ذو انتقام‏..‏ وإلي لقاء بإذن اله‏.‏





هذا الوحش! ...


بريد الجمعه ... 2009 -11- 20



سيدي‏..‏ أرجو أن تذكرني‏,‏ ويتذكرني قراء بابك الأعزاء‏,‏ فأنا صاحبة رسالة الانتقام التي نشرت بجريدتكم في‏2006/11/17,‏ نعم أنا التي كتبت لك عن والدي‏,‏ الذي كان يعاملنا أنا واخواتي وأمي معاملة مهينة حتي فقدت أمي الحياة‏,‏ كمدا‏,‏ ورفض تسلم جثتها ودفنها ‏,‏ ثم تزوج بعدها عدة مرات‏,‏ وبعد أن ذهب لأداء العمرة‏,‏ انقطعت أخباره عدة سنوات حتي صدر قرار المحكمة بفقده‏,‏ وحصلنا علي ميراثه‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله أن أجده مصادفة بعد سنوات‏,‏ عجوزا منهكا‏,‏ فاقدا للذاكرة‏,‏ يمسح سلالم العمارات‏,‏ ويتسول ثمن طعامه‏,‏ ودوائه‏,‏ بعد ان كان في رغد من العيش‏,‏ يحرمنا نحن منه‏,‏ ويهينا في أعمال مرهقة لنفق علي أنفسنا‏!‏

سيدي‏...‏ قرأت ساعتها ردك علي رسالتي‏,‏ ونصيحتك لنا أنا واخواتي بالعفو‏,‏ وإطفاء نار الانتقام‏,‏ الذي لن تدوم لذته سوي لحظات‏,‏ فجمعت أخواتي‏,‏ وأخذتهم ومعنا المحامي وذهبنا لنري أبي الذي عاد‏..‏ سألنا عليه‏,‏ فدلنا أولاد الحلال علي مكانه‏,‏ وعلمنا انه تم نقله الي أحد المستشفيات الحكومية‏,‏ فذهبنا اليه هناك‏,‏ ورأينا مشاهد مؤلمة‏,‏ فقد كان ينام علي مرتبة متهالكة‏,‏ في حجرة كئيبة‏,‏ بها كثير من المرضي‏,‏ الذين أخبرونا أنه يذهب كثيرا في غيبوبة‏,‏ وأن الاطباء يريدون ان يخرجوه‏,‏ ولكنهم لايعرفون أهله حتي يتسلموه‏.‏

ذهبنا للطبيب لنسأل عن حالته‏,‏ فقال انه يعاني من أمراض كثيرة‏:‏ ضغط وسكر ومياه علي الرئة‏,‏ وتليف بالكبد‏,‏ ودوالي بالمريء‏,‏ نقلناه الي أحد المستشفيات النظيفة بالقاهرة علي مسئولية المحامي‏,‏ وعندما أفاق من الغيبوبة بكي بشدة‏,‏ وقال‏:‏ وحشتوني‏,‏ لماذا لم تأتوا الي منذ فترة‏,‏ بكينا سيدي من هذه الكلمات‏,‏ ومن حالته المأساوية‏,‏ ومن وصف الأطباء لأمراضه الكثيرة‏,‏ كان يقول هذه الكلمات ودموعه تغرق وجهه الذي سكنته الشقوق والجروح‏,‏ وكأنه كان يشعر أنا أولاده‏!!‏

بعد أيام‏,‏ طلب منا الاطباء الاهتمام بعلاجه‏,‏ ونظافته‏,‏ ومعيشته‏,‏ وفوجئنا به يطلب منا أن نخرجه من المستشفي لأنه علم أن الغرفة التي يقيم بها غالية الثمن‏,‏ وسامح الله شقيقتي‏,‏ فقد قالت له‏:‏ انت في حجرة متحلمش بيها أخفي وجهه في الملاءة‏,‏ وقال لي‏:‏ اخرجيني يا ابنتي من هنا‏,‏ واقرضيني ثمن العلاج‏,‏ وسوف أسده لك إن شاء اله‏,‏ فقالت له أختي‏,‏ ومن أين ستسد؟ قال‏:‏ سوف أعمل‏,‏ سأنظف البيوت‏,‏ وأمسح السلالم‏,‏ هذا هو عملي‏,‏ وان لم استطع تسديد دينكم سأعمل عندكم بثمن العلاج‏,‏ أمسح سلالم شقكم‏,‏ وأنظفها‏!‏

لم تعط شقيقتنا لنا فرصة لنشفق عليه بعد هذا الموقف‏,‏ فعلي الفور قالت له‏:‏ لقد كان لنا أب‏,‏ لكن لم يرحمنا‏,‏ ولم يرحم أمنا‏,‏ حتي وهي مريضة‏,‏ فكان يجبرها علي العمل ويقول لها اشتغلي بلقمتك علي الرغم من أنه كان يمتلك كثيرا من الأموال‏,‏ ولكنه اليوم علي استعداد للعمل عند أولاده‏,‏ يخدمهم‏,‏ ليسدوا نفقات علاجه‏,‏ وهنا تدخلت أنا‏,‏ وأخبرته أنا نفق هذه الأموال عليك صدقة عن أمي المتوفية‏,‏ فأنت مثل والدنا‏,‏ نهرتني أختي قائلة‏:‏ متطمعهوش فينا‏,‏ انت السب‏,‏ ربنا ياخدك معاه‏,‏ كان لازم تقابليه‏,‏ وترجعيه تاني‏.‏

أصر أحد أخوالي علي الذهاب الي أعمامي‏,‏ ليخبرهم أن أخاهم أبو البنات قد عاد‏,‏ وأنه حي‏,‏ لم يمت‏,‏ ويعالج في المستشفي‏,‏ فكذبوه‏,‏ وحضروا إلي المستشفي‏,‏ وحدثت بينا خناقة كبيرة وضربونا‏,‏ وكانت فضيحة في العائلة‏,‏ ولكن خالي ذهب الي قسم الشرطة‏,‏ وعمل محضرا ضد أعمامي‏,‏ وجاء أمين الشرطة للمستشفي ليسأل العجوز‏:‏ انت مين؟‏..‏ قال‏:‏ أنا معرفش حاجة‏,‏ هؤلاء البنات ساعدوني‏,‏ وأحضروني للمستشفي لعلاج‏,‏ وقال للاطباء اني فاقد للذاكرة‏,‏ ولكني لو كنت فعلا أباهم‏,‏ فأنا مش عاوزهم يعرفوني تاني‏..‏ قالها سيدي‏,‏ وهو يبكي بحرقة‏,‏ فكيف لأب ان يضرب بناته‏,‏ ويعذبهم‏,‏ بل ويكون سبا في وفاة أمهم‏,‏ هل كنت أنا هذا الوحش‏,‏ ان كنت كذلك‏,‏ فلا أريد أن أذكرهم بما عانوه معي‏!!‏

خرج الرجل من المستشفي‏,‏ بعد علاجه‏,‏ وعلم انا بناته‏,‏ وكان كلما يري واحدة منا يداري وجهه‏,‏ وهو يبكي ويقول اللهم قصر أيامي فأقول له انت مش مبسوط انك عرفت ولادك‏,‏ فيقول كان نفسي أكون مبسوط ولكن ذكرياتي معكم ذكريات موت ولهذا لن استطيع العيش معكم‏,‏ سأعود إلي حجرتي الصغيرة‏,‏ أكنس وأمسح السلالم‏,‏ والبيوت‏,‏ ولكن كل ما أطلبه منكم يا ابنتي هو ان تسامحوني‏..‏ سامحوني أرجوكم‏!!‏

كرها سيدي أكثر من مرة‏...‏ سامحوني‏,‏ فقلت له لو سامحناك نحن في حقنا‏,‏ فمن يسامحك في حق أمي؟‏...‏ فقال وهو يبكي يا ابنتي‏..‏ ياويلي من عذاب اله‏,‏ فلا أدري ماذا أقول لربي عندما يسألني‏,‏ لماذا لم تنفق علي بناتك‏,‏ وقد رزقتك مالا كثيرا‏,‏ لماذا تركتهن ومعهن زوجتك المريضة يعملن لينفقن علي أنفسهن؟

..‏ ماذا سأقول لربي إذا سألني لماذا لم تسلم جثة زوجتك‏,‏ وتدفنها؟‏!‏

أخذته أختي الوسطي بعدها ليعيش معها‏,‏ ولكنها سامحها الله كانت تعطي له العلاج علي معدة خالية لأنها كانت تقوم من النوم متأخرة‏,‏ وكان أول طعامه هو العيش الناشف فكان يطلب منها ان تبل له العيش ليستطيع مضغه‏,‏ فكانت تغرق العيش في الماء حتي يتفت‏,‏ فيلملمه بأصابعه الضعيفة‏,‏ وهو لا يملك ما يسد جوعه غير ذلك‏,‏ وكانت كلمته التي يردها دائما أهي أكلة والسلام‏!‏

لا استطيع ان أنسي مشهده‏,‏ سيدي عندما ذهبت لزيارته يوما‏,‏ فوجدته جالسا عند باب الشقة من الداخل‏,‏ حزينا وخائفا فسألته ماذا جري؟ فأخبرني أنه تبول لا اراديا علي مرتبة السرير وان شقيقتي قد نبهت عليه الا يفعلها مرة أخري‏,‏ بكي بشدة وترجاني ان ارحل به من عندها‏,‏ فأخذته وذهبت به الي اختي الاخري‏,‏ فقد كنت رافضة أن يعيش معي في الشقة‏,‏ فأنا أعيش منفردة‏,‏ وكنت لا أريد أن أعيش لخدمته‏,‏ وكنت أقول لنفسي في بعض الأوقات اتركيه يتبهدل عند ولاده ثم اذهبي به لحجرة الموت التي كان يعيش فيها‏..‏ أعرف انكم جميعا ستدعون بأن ينتقم الله مني‏,‏ وقد قلتها بالفعل لنفسي‏!!‏

عندما دخلنا علي أختي باغته بسؤال‏:‏ انت لسه عايش‏,‏ وكمان هتعيش معايا‏!‏ تعلق الرجل في يدي‏,‏ وبكي‏,‏ واستحلفني الا أتركه‏,‏ وأصطحبه معي‏,‏ فأخبرته أنها أيام قليلة‏,‏ ثم يعود إلي حجرته الأصلية‏,‏ تركته سيدي‏,‏ ولكن ظلت نظرة عينيه لا تفارقني دقيقة‏,‏ وهو يتوسل لي ألا أتركه‏,‏ فعدت بعد أسبوع لزيارته‏,‏ فوجدته نائما علي كنبة بلكونة المنزل‏,‏ وعلمت أن شقيقتي كانت تكلفه بنظافة المنزل‏,‏ ومسحه‏,‏ وكأنه خادمة‏,‏ حتي إن زجاج الشباك أصاب إصبعه‏,‏ فلم تكلف نفسها عناء علاجه‏,‏ وتركته ينزف ويعاني‏!!‏

أمسك بيدي ورجلي‏,‏ وترجاني أن أعود به إلي حجرته‏,‏ وعدني أنه سيطلب من أولاد الحلال سداد ما أنفقناه عليه في علاجه‏,‏ أخذته‏,‏ وذهبت به إلي حجرته الصغيرة التي يسكن بها في مدينة طنطا‏,‏ وأعطيت أموالا لشيخ المسجد لكي يقوم علي رعايته‏,‏ ثم سافرت‏,‏ وما إن نزلت في محطة القطار‏,‏ إلا وجدتني أعود مرة أخري‏,‏ وأستقل القطار العائد إلي طنطا‏,‏ وعندما دخلت عليه انهار في البكاء‏,‏ وقال كنت أعلم أنك ستعودين‏,‏ أنت فقط من أشعر بك‏,‏ استلقيت في حضنه لأول مرة إنه أبي يأخذني في حضنه الدافيء‏,‏ بكيت علي كتفيه‏,‏ غمرت وجهه الدموع‏,‏ ثم سألني‏:‏ هل سامحتيني‏..‏ فرحت في صمت عميق‏,‏ ولكنه ليس علامة عن الرضا‏!!‏

لم أستطع أن أتركه بعد كل ذلك‏,‏ واصطحبته معي إلي شقتي‏,‏ كنت أبحث عن رضا ربي‏,‏ قبل أي شيء‏,‏ علي الرغم من النار الدفينة التي كانت تسكن أحشائي ما فعله معنا‏..‏ عشنا معا فترة شعرت فيها لأول مرة بطعم أن يكون لك أب يربت علي كتفيك‏,‏ يحنو عليك‏,‏ كنت أدخل الشقة فأجده واقفا في الشباك ينتظرني‏,‏ ويطمئن علي‏,‏ كان يطلب مني أن آخذه إلي مقبرة والدتي‏,‏ وعندما وقف أمامها‏,‏ بدأ في قراءة القرآن‏,‏ وبكي كثيرا‏,‏ ثم طلب منها أن تسامحه‏,‏ وأن تشفع له عند الله ليسامحه‏.‏

لا أنسي هذه الأوقات التي كان يساعدني فيها في لملمة أوراقي التي كنت أحضرها معي للعمل بالمنزل‏,‏ ثم نبدأ في العب علي الكمبيوتر‏,‏ لم أعد أحتمل البيت بدونه‏,‏ فقد كان يذهب لزيارة حجرته‏,‏ التي كان يسكن بها‏,‏ فلم أتحمل هذه الساعات‏,‏ وذهبت فورا لإحضاره‏,‏ لا أخفي عليكم سيدي‏,‏ أنه حتي النوم أصبح له طعم في وجوده‏,‏ فكنت أستغرق في النوم‏,‏ وأنا مطمئنة أن أبي معي في المنزل‏,‏ يحرسني بدعواته التي لا تنقطع‏,‏ ربنا يكفيك شر عباده يا بنتي‏!!‏

في هذه الأوقات قرت أن أذهب لقضاء العمرة‏,‏ وعندما أخبرته‏,‏ ضحك‏,‏ وقال‏:‏ أوعي تفقدي الذاكرة‏..‏وبكي‏,‏ وقال لي‏,‏ ومن سيزورني‏,‏ ثم بدأ يوصيني بالدعاء‏,‏ وعدته بأن أصطحبه معي في المرة القادمة‏,‏ سافرت بعد أن أعطيته تليفونا محمولا لكي أطمئن عليه‏,‏ وبعدها علمت أنه مرض‏,‏ ولم يجد أحدا يدخله المستشفي‏,‏ وبعد أن قضيت عمرة رمضان‏,‏ عدت‏,‏ وأخذته إلي المستشفي‏,‏ كان يعاني في هذه المرة‏,‏ يبتسم كثيرا‏,‏ ويبكي أكثر‏,‏ ويشرد بناظريه أكثر وأكثر‏..‏ وكان يرد دائما‏:‏ تري يا ربي هل خفت عذابك عني‏,‏ تري هل تقبلت دعوتي؟‏..‏ هدأته‏,‏ وقلت له‏:‏ ارحم نفسك‏,‏ ولأول مرة نبض قلبي بالدعاء له‏,‏ أن يشفيه‏,‏ تركته في اليوم التالي‏,‏ وذهبت لعملي‏,‏ وعدت مسرعة بعد أن اتصلت بي المرضة‏,‏ لتخبرني أنه في غيبوبة‏,‏ فاقتحمت حجرة الرعاية المركزة‏,‏ ورميت نفسي فوق صدره‏,‏ وبكيت‏,‏ كما لم أبك من قبل‏,‏ وصرخت بأعلي صوتي‏..‏ يارب‏,‏ دعه يشعر بي‏,‏ ولو لحظة واحدة‏,‏ لكي أقول له‏:‏ سامحني‏..‏ سامحني علي كل لحظة عاملتك فيها بجفاء‏,‏ فقد كان كل ذلك رغما عني‏..‏ جلست عند قدميه‏,‏ وقبلتهما‏,‏ ثم قبلت رأسه‏,‏ واستحلفته ألا يتركني‏,‏ وطلبت منه
أن يغفر لي‏,‏ ثم ذهبت لأصلي‏,‏ وما هي إلا لحظات‏,‏ وحضرت المرضة‏,‏ لتقول لي‏:‏ البقاء لله‏!...‏

رحل أبي‏,‏ ورحت أنا في غيبوبة‏,‏ وعلمت بعد أن أفقت أن أعمامي رفضوا دفنه في مقابرهم‏,‏ فدفنه خالي في مقابر العائلة‏,‏ بجوار أمي‏,‏ التي رفض سابقا استلام جثتها‏,‏ ويالقدر ياسيدي‏,‏ فربما تكون قد سامحته هي الأخري‏!‏

الآن سيدي لم أعد أجد من ينتظرني بالمنزل‏,‏ لم يعد هناك من يدعو لي‏,‏ أصبحت أعيش في وحشة الوحدة‏,‏ ويبدو أن انتقام الله قد بدأ معنا‏..‏ نعم سيدي لقد بدأ انتقام الله معي‏,‏ وأخواتي‏,‏ فقد مرضت بهوس نفسي‏,‏ كنت أقطع هدومي‏,‏ وأجري في الشارع‏,‏ وأصرخ‏,‏ وأبكي‏..‏ أضحك‏,‏ وأرقص‏,‏ ثم أعود لأصرخ‏:‏ أبويا مات‏..‏ ياناس‏,‏ أبويا مات‏!!‏

أما شقيقاتي‏,‏ فسوف أقول لك ماحدث لواحدة منهن فقط‏,‏ وهي التي كانت تطعم أبي العيش الناشف فقد أصابها مرض البهاق في جسدها كله‏,‏ ولم يتحملها أحد‏,‏ حتي أولادها‏,‏ وزوجها‏,‏ وطلبوا مني أن آخذها لتعيش معي‏!!‏

سيدي‏..‏ قل ما شئت لنا‏,‏ فنحن في انتظار كلماتك‏,‏ أيقظ ضمائرنا‏,‏ ولكن قبل ذلك كله مازال لدي سؤال أبحث له عن إجابة‏:‏ هل سامحني أبي؟‏!‏




رد الاستاذ خيري رمضان :

سيدتي‏..‏ نعم أتذكرك جيدا‏,‏ فمثل تلك القصة لا يمكن أن تمحي من الذاكرة‏!‏ هل تصدقيني لو قلت لك أني أحكي تلك القصة حتي الآن لكثير من ألتقي بهم‏,‏ كما يسألني كثير من الأصدقاء والقراء عن حالة الأب أو بماذا انتهت حكايتكم‏,‏ وها أنت جئت بعد سنوات لتضعي كلمة النهاية‏,‏ ولكن هل انتهت قصتكم أم بدأت؟

سبق وحذرتكم ياعزيزتي من أن المنتقم يرتكب نفس خطيئة المنتقم منه‏,‏ وأن والدكم عندما عاد لم يكن هو هذا الوحش القديم الذي عذبكم وأهان والدتكم‏,‏ بل هو انسان عائد بفطرته الأولي‏,‏ بخيره ومحبته وسلامه‏..‏ نعم نحن بشر ولسنا ملائكة‏,‏ قد نجنح إلي الانتقام‏,‏ ولكن الله سبحانه وتعالي وضع ضوابطه لكبح جماح النفس وتهذيبها‏,‏ فطالبنا بالعفو عند المقدرة‏,‏ وعد الصابرين والعافين عن الناس بجنات وخير كثير‏,‏ ونهانا عن معصية الوالدين وأمرنا بطاعتهما وألا نقول لهما أف ولا نهرهما ونصاحبهما في الدنيا معروفا حتي لو كان جهادهما للإشراك به سبحانه وتعالي‏.‏

من عاد إليكن ياسيدتي ليس والدكن قاسي القلب‏,‏ متجرد المشاعر‏,‏ الأناني المتغطرس‏..‏ من عاد هو رجل مسن بائس‏,‏ قادكن العلي القدير إليه لترين انتقامه وليكن درسا لكن تعلمن منه وتوقن بأنه سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل‏..‏ وبدلا من تأمل قدرة الله وفهم رسالته العظيمة‏,‏ تحرك الوحش في داخلكن‏,‏ واستمتعتن بالشر‏,‏ وجدتن لذة مرضية في إيذاء رجل عاجز فاقد للذاكرة‏,‏ ليس فيه من والدكن إلا الجسد فبالغتن في إهانته وإذلاله‏,‏ وهو التائب النادم علي أشياء لا يذكرها بل ينكرها علي أي أب‏,‏ يخجل منها ويلتمس لكن العذر في الإساءة إليه‏.‏

سيدتي‏..‏ إنها النفس الأمارة بالسوء‏,‏ التي أخرجت الوحش الكامن فيكن حتي أشقائه‏,‏ خشوا علي ما ورثوه عنه‏,‏ وتجاهلوا أنه حي يرزق‏,‏ وأن مامتلكوه هو مال حرام سيحرق حتما قلوبهم وأولادهم‏,‏ ولو كنت منهم الآن لتصدقت بكل ما ورثوه علي روحه‏,‏ فعليهم أن يسارعوا بتوبة إلي ربهم لعله سبحانه وتعالي يغفر لهم ويتقبل منهم‏.‏

سيدتي‏..‏ الحمد لله أن ضميرك قد استيقظ قبل رحيل والدك‏,‏ فجعلك تستمتعين بوجوده معك‏,‏ لذا هوني علي نفسك‏,‏ اطلبي المغفرة والتوبة‏,‏ صلي من أجله‏,‏ تصدقي وادعي له بالرحمة‏,‏ وثقي في مغفرة الله فأبواب التوبة مشرعة للتائبين‏,‏ وما يطمئنك أنه مات وهو راض عنك‏,‏ محبا لك‏,‏ ملتمسا كل الأعذار لما فعلته معه من تصرفات لا تليق بأبنة تجاه والدها في مثل هذه الظروف‏.‏

الأزمة الحقيقية ياعزيزتي في شقيقتيك وقلبيهما المتحجرين‏,‏ فقد نقلت لنا ما لحق باحداهما من انتقام إلهي‏,‏ ولم تذكري إذا كانت أفاقت من غفلتها واستقبلت الرسالة الإلهية‏,‏ أم مازال قلبها غلفا ؟‏..‏ لعلها تلحق بنفسها وتستغفر الله وتوب إليه وكذلك شقيقتك الأخري‏,‏ فانتقام الله قادم لا محالة ومن يقتل الوحش بداخله فقد نجا‏,‏ أما من يستسلم له‏,‏ فلن يجني إلا عذابا في الدنيا والآخرة‏,‏ وإلي لقاء بإذن اله‏.‏



تحياتي

زٍحَ’ـمةَ حَ’ـڪيّ..||≈ 04-09-2010 10:53 PM

رد: الانتقام رواية مؤلمة
 
أستغفر الله ...

آآه يآلدنيا

كل شي فيك غريب

الله يعينا عليك

مشكوره يآعمري

رواية حزينه

انتظر جديدك

نورا الامورة 05-26-2010 03:34 PM

رد: الانتقام رواية مؤلمة
 
شكراعلي الرواية

شرادي 06-13-2010 10:48 PM

رد: الانتقام رواية مؤلمة
 
شكرا على الرواية
صدقيني بكيت كثيرا هذه قصة مؤلمة جدا الحمد لله على كل حال
وإنالله وإنا إليه راجعون

مصممة أزياء إسلامية 11-05-2010 10:22 AM

رد: الانتقام رواية مؤلمة
 
لا اله الا الله


الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 08:56 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.


Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0