ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ

ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ (https://fashion.azyya.com/index.php)
-   منتدى اسلامي (https://fashion.azyya.com/56)
-   -   سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق (https://fashion.azyya.com/197659.html)

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:27 PM

سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه

أم بعد ,,

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ,,


هزتني كلمتني في رد ما , في موضوع ما , " متى يأت هذا اليوم ",


أنا فعلا أنوي .. لكن متى؟

و هل أدري متى أجلي حتى أؤخر حروفا قد تكون صدقة جارية لي؟

قد أؤخر حروفا قد تكون سببا في ترقيق قلب شخص ما,

فكرت ماذا سأكتب ,, أريد أن أكتب ,,

خاطرتني الفكرة فجأة,

فتحت الملف مباشرة و بدأت أكتب باسم الله الرحمان الرحيم ,,



.

.
.

.


الحكاية بدأت من الصغر ,

كنا أطفالا ,,, لا نعرف شيئا غير أن العب جنة الدنيا ,, و أن الدراسة جهادنا من أجل هذه الجنة ,,

كنا ندرس لنلعب ,, و نلعب لنفرح ,, لعلنا درسنا أحيانا أخرى لنتفوق ,, حتى يُقال علينا هذه تفوقت على تلك ,,


كنا نتظر الأعياد ,, بل كنا نحلم بالعيد ,, الواحدة منا اذا رأيتها تفكر و تتأمل أو تبتسم أحيانا ,, لعلها كانت تتخيل نفسها قد جاءها العيد ,, قد التف حولها الاطفال و التفت حولهم ,, قد تفاجأت بلعبة من هذا أو نقود من ذلك ,,

كنا نتظر خالتنا حتى تأتي من العاصمة ,, و هنا .. و هنا فعلا اكتمل العيد ,, و ارتقت جنتنا و اصبحت فردوسا ,,

جاء الاحبة من هنالك , و اكتمل شمل الاطفال ,, ضحك ,, بالونات ,, صياح ,, شجار ,, تنافس ,, فرح ,, بهجة ,, و بكاء أحيانا ,,

الكل لاه في حياته ,, ولعل البعض في مماته ,, لم يكن يسعني أو بالاحرى يهمني أن أعرف هذا من ذاك ,,

كبرنا قليلا ,, و أصبحت أجواؤُنا تتغير قليلا ,, أو بالاحرى كانت عقولنا تتغير ,, أصبحنا نهتم قليلا و نستمع اٍلى ما يروي الكبار ,, احيانا نهتم و كثيرا لا ,,

كان جدي أحيانا يسافر اٍلى بعض البلدان ,, و كانوا أخوالي كذلك ,, و لكن هذا ليس عادة ,, و في نفس الوقت الأمر ليس علي بغريب ,,

اٍلى أن جاء يوما كنت أسمع فيه أن خالي فلان سافر ,, هذا عادي ,,

هو أصلا كان مسافرا ,, كان بالعاصة ثم سافر اٍلى بلد أوروبي ,,

الأمر عادي جدا بالنسبة لي ,, مع أن السفر واضح أنه مفاجئ ,,

كنت لا أزال طفلة فلم أهتم كثيرا ,, ما يهمني في الامر أني أرى أمي مرتبكة و حزينة و خائفة ... و عندما تتحدث مع خالاتي او أخوالي في الامر كانوا يتهامسون ,,

كنت اذا سألت لا أجد جوابا كافيا ......

"سافر" ,, " سجن" ,, "جدي" ,, " محكمة" ,, "قضية " ,, "حكم غيابي" ,,

هذه هي تقريبا الكلمات الدلالية في نقاشاتهم ,, لكن الامر تعدى النقاشات ...





اليوم جمعة ,, و الواجبات أكثر من الايام الاخرى سواء الدينية أو الدنيوية ,,
علقتها من أجل أن أكتب ..... أعود ان شاء الله بعدها ,,
ان يسر الله لي العودة فخير كثير و أسأل الله الاخلاص في كل حرف أكتبه ,,
و الا فأسأل الله أن يكون خيرا أكثر و أكبر و أدوم ,,

في أمان الله

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:30 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
عدنا و الفضل و المنة و الحمد و الشكر لله



تواصلت النقاشات طويلا ... لكن ما تخللها أعظم منها ,,


كانت هنالك زيارات فجئية من الشرطة لمنزل جدتي ... بحث ,, تفتيش ,, استجوابات ,, ضغوطات ,, تعذيب في بعض الأحيان لأخوالي .... ازعاج متواصل بأنواع مختلفة و درجات متفاوتة ,,


ما الحكاية ؟؟

مالذي يستدعي كل هذا ؟؟

ما الامر ؟؟


الكل يأبى أن يفصح عنه ,,

لا شيئ غير البكاء و التوتر في منزل جدي – رحمه الله – ,,


الاجواء التي سيطرت على المنزل ,, و الازعاجات المفاجئة من حين لاخر ,, لم يكن مجرد حالة وقتيه ,,

و كان يبدو ان الكل متوقع الأسوأ,,


زوجة خالي الذي سافر و طفليه هم فعلا ما لا أتذكر من الحكاية في ذلك الوقت و لكن على الارجح حالهم حال الجميع ,,


بدأت محاولات ارجاع خالي للبلاد ,, الهاتف ,, الرسائل ,, المحاولات بشتى أنواعها ,,

لا جدوى ,,

يدبو أنه قر ,,

و حين قر كان يعلم ماذا يفعل ,,

كانوا يقولون عنه انه عنيد ,,

وكانوا قد استاؤوا من الوضع الذي يعيشونه من كثرة الضغوطات ,, هذا من جهة ,, وقلوب تتقرح شوقا من جهة اخرى ,,


مضت أشهر ,, و أرسل في طلب زوجته و ابنيه للحاق به ,, و لم يتأخر تنفيذ الطلب ,,

كيف لا ,, و قد كانت تلك الزوجة الصالحة - نحسبها على خير و لانزكيها على الله - التي لايهمها الا ان تطيع زوجها ,, فيما يرضي الله و رسوله ,,

كانت قد سافرت ,, و لعلي اتخيل انها كانت تضع في تصوراتها انه قد يكون بعد السفر رجعة كما يمكن ان لا يكون ,,


كبرتُ و كبرنا قليلا ,, مرت بعض السنوات و الأمر على حاله ,,

كل عيد تقريبا ,, تأبى الشرطة اٍلا أن " تهنئنا به" في منزل جدي ,, تفتيش من جديد ,, و استجوابات ,, الى اخره ,,

جدي و جدتي و من استطاع ان يكلم خالي في الهاتف حاولوا معه بشتى الطرق أن يرجع ,, لكن دون فائدة ,,

أما من لم يستطع كأمي و بعض أخاوتها ,, فحدث و لا حرج ,, ما كان يمنعهن أولا هو غضبهن عليه فعسى هذه الطريقة تجعله يتنازل و يرحمهن و يرحم نفسه على قولهن ,, و لكن لا شيئ يتغير ,, اما حتى حينما حاولن التحدث معه ,, أبت عبراتهن أن تترك للكلام مكانا ,, فعلا ,, لا أبالغ ,, بقي الحال السنوات الطوال ,, أمي خاصة كانت لا تستطيع التحدث معه ,, مع السلام عليكم ,, كانت تجهش بالبكاء ,,


*****


كنت أثناء هذه السنوات أسأل أمي من حين لاخر عن الحكاية ,, لكن الكل متحفظ جدا ,, الكل يقول " لانعرف ما السبب" ,, " لا نعرف ما الحكاية " ,, " لا نعرف ما ذا حصل" ,,
اٍلى ان استطعت تدريجيا ان اعرف ما يعرفنه عن الحكاية – و الله أعلم - ,,


خالكِ أو خالكن أُتُّهِم بمساعدة جماعة يُسمونهم "الاخوان" ,

من هم الاخوان امي ؟

...

طيب في ماذا يساعدهم ؟

...

طيب لمَ يساعدهم ؟

...

هل هم يفعلون الخير ام الشر؟

...

طيب ماذا قال خالي الان؟ هل فعل أم لا ؟

...

و لا أدنى جواب .......... لا أعرف ....... لا نعرف ........ لا يعرف أحد,

رضينا باجابة لا كافية و لا شافية ,, لان الرضا لم يصاحبه هنا خيار آخر,,

القصة كما فصّلت أمي قليلا ,, أن خالي العزيز تم استدعاءه لأول جلسة في محاكمته ,, و كانت هذه الجلسة في العاصمة ,,

فطبعا ذهب جدي – رحمه الله – معه ,, و بقيا ينتظران من سيحقق مع خالي ,,

في الاثناء يقدر الله أن جدي يعطش ,,

يخرجان للاتيان بالماء ,, يحضر المحقق ,, فلا يجد أحدا ,, فيحكم غيابيا بسجن خالي لمدة أشهر,,

سبحان الله ,,

يأبى خالي هذا السجن ,, فيسافر ( و بمعنى أصح يهرب ) ,, و بقيت المعانات لمن بقي ,,

انتهى ما أعرف عن القصة و ما روت لنا أمي عنها – و الله أعلم – ,


*****


أمّا عنه ,, فهو خال ليس كل الاخوال ,, عُرف خالي الحبيب في العائلة و في البلدة بحسن خلقه ,, و بصلة رحمه ,, و بصبره ,, و بشاشته ,, و و بره لوالديه ... ماشاء الله ,, أحسبه على خير و الله حسيبه ,,

كأنه ولد من بطن غير التي وُلد منها الباقي ,,

كان منفردا بطبعه عن اخوته و اخواته ,,

تزوج في سن الواحدة و العشرين ,, تزوج بامرأة تكبره بسنة ,, كانت من الخلق بمكان ,, و من الجمال بالمقبول ,, و من الحسب و النسب ما يرضي الله و رسوله – و الله أعلم - ,, أحسبها على خير و الله حسيبها,,

كان قد نظر اٍليها بمنظار لا يتواجد عند أكثرنا في ذلك الوقت ,,

و بما انه ليس الكبير في اٍخوته و بما أن التقاليد كان لها مكان جلي في ذلك الوقت ,, فأراد أن يسر على جدي تجهيز ملازم الزفاف ,, من أثاث و غيره ,, حتى أن أبي كان قد قال كلمة " أول مرة أرى شخصا يتزوج بأثاث لغرفة النوم من نوع " .. " و هذا النوع نوع رخيص جدا ( مقارنة مع الباقي ) من الخشب و هو أصلا ليس خشبا و انما شبيه به ,

هذا رغم ما وسع الله على جدي و لله الحمد ,, لكن حتى يلاقي عرضه القبول دون جدال أو نقاش في مسألة "أخوك الكبير لم يتزوج بعد" ,,

تزوج خالي "الزواج الغريب" حيث الدف فقط , و حيث ان العروس لم يرها متزينة غير النساء ,, كان عرسا غريبا فعلا في بلدتنا ,,

بلدتنا التي انتمت الى بلد كانت حيث التي تغطي شعرها حينها يسلط عليها العذاب ,, و لا أزيد على قول هذا,,


*****


رزقه الله بتوأم فسماهما : محمد و مريم ,,

لم تقر أعيننا بهما في طفولتهما غير ثلاث سنين ,, ثم قدر الله لهما السفر للحاق بوالدهما ,,

على أول عيشهم في تلك البلاد ,, بلاد الكفرة ,, كانت زوجة خالي اذا اتصلت تتكلم بصبر تارة و بتألم شديد اخرى ,,

و كأني بها تقول , لاحول و لا قوة الا بالله ,, عراء ,, عراء ,, عراء ,,

لم تطق صبرا على ما رأت ,, ضاقت نفسها في تلك البلاد , كانت تبكي كثيرا من اجل هذا ,, لكنها لم تبد الا الصبر على وضع لا تعلم ما مداه ,, و أين مستقره ,,


*****


مرّت السنوات ,,

تزوج من تزوج ,, أنجب من أنجب ,, مات من مات ,,

توفي والد زوجة خالي ,, توفي ابن أختها التي ربته هي ,,

و كان علمي بها انها كانت من الصابرين ,, و لم يزد أمرها عن دموع لا تكاد تنفك ,, و عن الم في القلب لا يداويه اٍلا الايمان ,,

ثم توفي جدي ,, و كانت الحسرة في قلب خالي ,,

خالي الذي كان اذا غضب مع أبيه ,, لا يجادله ,, و لا يحاول ان يحادّه رغم ان جدي رحمه الله كان معروفا بصلابته نوعا ما ,, بل كان يكتفي بأن يذهب الى المطبخ ,, فيأكل ,,

هذا الطبع كان مضحكا لحد ما ,, لكنه على الاقل اختار حلا يجنبه عقوق الوالدين ,,

أما اليوم ,, فقد توفي ابوه ,, وفي قلب هذا الاب حسرة على انه لم تقر عينيه باول حفيدين له ,, توفي و كان قد استفاض كل المحاولات مع خالي حتى يرجع ,,

لكنه لم يُتوفي غاضبا عليه و لله الحمد ,, - و الله تعالى أعلم بأحوال خلقه - ,


*****


المكالمات بالهاتف كانت نادرة جدا ,, لغلائها في ذلك الوقت ,, و ليس هنالك من سبيل اخر غيرالرسائل عبر البريد ,,

كنا نراسله من حين لاخر ..

يتبع اٍن شاء الله

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:31 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
المكالمات بالهاتف كانت نادرة جدا ,, لغلائها في ذلك الوقت ,, و ليس هنالك من سبيل آخر غيرالرسائل عبر البريد ,,

كنا نراسله من حين لاخر ,,

و كانت رسائله تصلنا بشريات ,, كنا نتخاطف الرسالة و ما تحمل معها احيانا من بطاقات دعوية أو عطور صغيرة ,,

كانت رسائل خالي كلها تقريبا طمأنة على حاله و أحوال أفراد أسرته في البداية ثم تكون بمثابة الدعوة ,,

كان كثيرا ما يرسل لنا رسائل كلًُ باسمه ,, يعني يرسل للاطفال رسائل خاصة تحمل من الدعوة ما تحمل ,, و منا من يحتفظ بها اٍلى الآن ,, كانت تدخل علينا السرور و كنا نتفاخر بين بعضنا البعض ان وصلتنا رسالة من خالي أو من أحد أفراد عائلته ,

مرت الأيام و الأشهر و السنوات,, عانت أسرة خالي ما عانت من ضنك العيش في تلك لبلاد ,, لا راحة في الدين و لا دنيا ,,

أما عن الدين فقد كانور غرباء غربة شديدة ,, وطوبى للغرباء ,, و أما عن الدنيا فقد وصلوا لحد الجوع,,

نعم ,, جاع خالي و أهله في تلك البلاد و كانوا يصطبرون بالايمان و بما رزقهم الله من ثبات و صبر على الابتلاء ,,

اشتغل في الفلاحة و اشتغل هنا و هنالك ليسترزق لأهله ,, و صبروا على رزق الله و الحمد لله ,,


بعد زمن ,, رزق خالي و زوجه بمولود جديد ,, سماه على اسم أبيه رحمه الله ,, كان المولود بمثابة الاشراقة الجديدة في حياتهم و كان بسمتهم ,,

أنعم الله على خالي بأن ربى أبنائه تربية صالحة وسط ضجيج المعاصي و أصوات الكبائر التي تكاد أن تطفئ نور الايمان , تربية عجز عنها من كان بين المسلمين و الشيوخ و الدعاة ,, و الحمد لله رب العالمين ,,

كنا نحن الاطفال في ذلك الوقت نراه و نرى أهله أناسا فوق السحاب ليسوا كل الناس ,,

كنا نحترمه جدا ,, و سبحان الله كان احترامنا له حتى من قبل سفره ,, خلقه و حسن تعامله هما من فرض ذلك ,,

زوجته كانت أُمّا بعد أمّ ,, كان كلامها حكما و صبرا و ثباتا ,, رغم كل الابتلاءات التي مروا بها و لله الحمد ,,

أبنائه كانوا نعم التربية ,, كثيري الحياء ما شاء الله ,, لا يتكلمون كثيرا ,, و اٍذا تكلموا نطقوا شهدا ,, أسرعت اٍليهم أحضان والديهم المسلمة قبل أن تتلقفهم أحضان الكفرة ,,

كانوا اٍذا رأوا بعض صور أو فيديوات " المناسبات السعيدة" للمسلين في بلادنا ,, حيث كانت افراح حينها كأغلب أفراح المسلمين ,, تقاليد مقدسة و شرع منسي و متجاهل ,, و لاحول و لاقوة الا بالله ( غفر الله للجميع ) , كانوا يقولون لامهم : "أمي ,, هؤلاء كفرة , صح ؟", فتجيبهم الأم و حياءها يعلوها :" لا يا أحبتي ,, هؤلاء عصاة فقط ,, و ليسوا كفرة " ,, فيصر الابن الكبير و يقول : " لا , انما هؤلاء كفرة و اٍلا لما فعلوا ما فعلوا" ,,

تربوا على المحافظة على فطرتهم النقية ,, حيث لا يكذبون و لا يغرقون في بحور المجاملات المعهودة حتى ولو كان الحياء صفتهم ,, و أستشهد بذلك أن مرة كانت أمي تكلم ابن خالي الكبير , فقالت له " يا محمد أني أحبك جدا " و كانت تقولها بقلب يتفطر شوقا للقائه و حضنه ,, ثم سألته "و أنت هل تحب عمتك ؟" ,, قال براءة الكبير الصغير ,, براءة المسلم الذي لا يؤثر حياءه على صدقه : "لا عمتي ,, أنا لا أحبك الان ,, لاني لا اعرفك ,, ولكني اذا قدمت الى بلدكم ان شاء الله ,, فسأعرفك جيدا و أصبح محبا لك باٍذن الله " ,, ابتسمت امي امام هذا الصدق, وكبر في عينها اكثر و ازدادت له شوقا ,,

هكذا ربى خالي أطفاله وزوجُه ,,و كانوا قرة أعين والديهم , كانوا خير ما رُزقا في هذه الدنيا,



*****



سبع سنين مروا كأنهم الغمام ,, و لكن بصيص الامل لا ينطفئ في أعين المؤمنين ,,

شاء ربي بعد هذه السنون أن يسر له عن طريق أحد أصدقائه السفر اٍلى بلد أوروبي آخر ,,

لم يكن سفرهم في الأول مع تلك الأوضاع المادية قد بدا عليه التيسير ,, و لكن سبحان من اٍذا قضى شيئا أن يقول له كن فيكون ,,

انتقلوا اٍلى بلد كفر آخر ,, لكن عسى أن يكون أهون من سابقه ,, و أن يفتح الله عليه بجيرة مسلمة أو بصحبة طيبة يرتمي بين أحضانها فيتعاونا على اجتناب الفتن ما ظهر منها و بطن ,, وعلى مواصلة السير في طريق حيث الاخرة هدف ,, و الدنيا معوقاته ,, عسى هذه الصحبة تعوض حضن العائلة الذي افتقده من سنوات ,, فيحط رحال ايمانيات قد اشتاقت الى الجهر بها و اعلاء صوتها و تثبيتها ,

الحمد لله ,, من الله على خالي و زوجه بجيرة و صحبة مسلمة ,, كثير منهم فروا باسلامهم الى ذلك الركن من البلاد ,, يبتغون عرض الآخرة من دون الدنيا ,,

كبر الأطفال قليلا و ترعرعوا في ظل أبويهم و بعض الصحبة الصالحة التي رزقوها في تلك البلاد و لله الحمد ,,

ذات يوم كان خالي يهاتفنا و كانت أمور الاتصالات بدأت تتيسر و الحمد لله ,, حيث الهواتف القارة بات تقريبا في أغلب الديار في بلدتنا ,,

فأخبرنا أن ابنته ذات الاثني عشر سنة طلبت منه أن تتحجب ,, كان يخبرنا بذلك وهو سعيد بقرارها و بأنها طلبت ذلك دون تأثير مباشر من والديها و دون طلبهما ,,

طبعا ,, بالنسبة لنا ,, أغلبنا ولا أقول كلنا ,, اندهش و استغرب و تفاجأ و منهم من استنكر هاته الجريمة التي يريد خالي أن يفعلها بابنته ,,

و فعلا تحجبت الصغيرة و كان نور الايمان ينبعث من وجهها الذي ارتسمت عليه ابتسامة الرضا حتى لاتكاد تفراقها و لا اخوتها ماشاء الله ,,



*****



مع مرور السنين و الاشهر و الايام ,,

كنا دائما نسأل أمنا " هل سنراه يوما؟ "

كنا نحلم بلقائه ,,

كنا اٍذا سئلنا عن ما نتمنى ذكرناه ,,
لعل القارئ لن يستطيع أن يتصور جيدا مدى حبنا لخالي ,, ولكن دعوني أقول أن حبنا لخالي لم يكن مجرد حب لخال مميز بين الاخوال ,, خال لم نسمع عنه الا كل خير ,, خال أعطانا من الأهتمام ما لم نلقاه من غيره ,, بالدعوة و بالمهاتفة الخاصة و بالهمس في الاذن " يا فلانة لا تفعلي كذا ,, ان الله لا يحب كذا " ,, كان يهمس على أمل ما يدريك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ,, لا . بل كان حبنا له أكبر من ذلك ,, كان حبا في الله و لله و بالله ,,

قد لا أبالغ لو قلت ,, و صلنا أو وصلت ولأتكلم هنا عن شخصي لاني لا استطيع أن احكم عن مشاعر الاخرين ولو كانوا أقريبن ,, كنت أحبه لأيام و اشهر و سنوات ,, حبي للصحابة و أخاف أن أقول و يزيد ,,

كنت اذا استرجعت اِيمانياتي ,, أو ذكرت الله ,, أو ذكرت دين الله ,, غالبا ما تتجسد أمامي صورة خالي و أهله ,,

كانوا نعم القدوة ,, كنت أراهم و كأنهم يعيشون في الاخرة ,, بل يعيشون في الجنة ,, و الله كأنهم يعيشون في جنة الدنيا على امل الوصول الى جنة الاخرة ,,

كنت هكذا أنظر اليهم ,,

و كنت كثيرا جدا جدا ما أراهم في رؤى و بأنهم عادوا ,, لدرجة لا يتصورها العقل ,, حتى أني كلما رأيتهم في رؤيا قد رجعوا ثم أفقت ولم أجد للرؤيا حقيقة انزعجت وعدت نفسي أني في المرة القادمة لو رأيتهم يجب أن أنبه نفسي أني في رؤيا ,,

ورب الكعبة كأنه حصل ,, حيث لا أتذكر مرة أو أكثر كنت في وسط الرؤيا أذكر نفسي انها رؤيا لكن حسن هاته الاخيرة يغرّني حيث اصدقها و اقول هي حقيقة.... و بالتالي أقوم على نفس الاحباط ,,

الحمد لله رب العالمين ,,

كنت اٍذا ذهب بي الخيال ذهب بي اٍلى هنالك ,, و اذا أفقت أسرعت الى أمي أكرر سؤالا طُرح لعله مئات المرات ,,

"أمي ,, متى ,, متى سيأتون ,, هل من أمل لرؤيتهم ,, هل من جديد "

و كان قلب امي المسكينة يتقلب بين شوق مؤلم ,, و بين الم ابنتها و بناتها اللاتي اصبحن يكررن اسئلة موقنين باجابتها ولكن ... و لكن الامل لا ينقطع ,,

كان الامل في عدم لقائهم وارد جدا جدا ,,

فكانت تصبرنا امي و تقول عسى القاء في الجنة ,,

الحمد لله الكريم الحليم,



*****



كان مما يشغل خالي في تلك الفترة من أمر الدنيا ان تأتيه "الاقامة" ,, حتى يكون مطمئنا اكثر على مصيره في تلك البلاد و صير أهله ,, و أيضا حتى تتيسر بعض الامور المعيشية لهم ,,

جاهد طويلا في هاته المسألة و لكن الله يقدر متى يشاء,

في الاثناء ,, هنا ,, في بلادنا ,, كان الاهل يجاهدون على أن تسافر جدتي لرؤيته بعد سنين حزن و فراق ,,

الامر أخذ من الوقت ما أخذ و أخذ من المحاولات و الاتصالات ما أخذ ,,

و الحمد لله , قدر الله بعد مدة و لعلها سنين ,,أن تتسير لها كل اٍجراءات السفر ,, و الحمد لله ,,

كان الحدث ,, حدث التجهيز لسفر جدتي ليس عاديا أبدا ,, كيف لا ,, و أخيرا الأم سترى ابنها بعد ,, بعد اثني عشر سنة ,,

اِثنا عشر لم تر فيها الام ابنها الا من خلا ل الصور القليلة جدا في السنوات الاخيرة ,,

اِثنا عشر سنة ,, الجدة لم تر أحفادها و لم تحضنهم و لم تعطف عليهم و كانوا أول الاحفاد من الاولاد ,,

اِثنا عشر سنة لم ير خالي أمه و لم ير أهله و لم ير صحبته ,, اِشتاق الى أن يعود اٍلى بيته و اٍلى اركانه ,,

اِشتاق الى وطنه رغم كل شيئ ,,

اِثنا عشر سنة و الاطفال يكبرون و يسمعون عن بلدهم و لا يعرفونه ,,

يسمعون عن بلدهم من خلال الغرب أما هم فبالكاد يقولون نحن نحن نتمي الى تلك البلاد ,,

اِثنا عشر سنة اختارت فيها تلك المرأة أن تكون بجانب زوجها و في مكان تطبق فيه دينها دون تقيد ,,

و قد فارقت الاحباب ,, منهم من فارقتهم اٍلى ,, حين و منهم من فارقتهم الى الابد ,, شب الصغار و تزوج الشباب و أنجبوا ,,

أصبحا غرباء في أهليهما ,, لا يميزان بين اٍبن الأخ من اٍبن الأخت ,, فمابالك بالاقارب الأبعد صلة ,,

تم تجهيز جدتي و الحمد لله ,, أعدت العدة من أوراق و حقائب ,, مما تكاد تتذكر من أكلات يحبها اِبنها ,, وهي لا تسعها الدنيا من السعادة ,

أوصلها الاقارب الى المطار و تيسرت بعض الاجراءات التي دائما يُتخوف منها و انطلقت الطائرة بفضل الله ,,

كان اليوم مفرح و مبكي ,, كانت أمي و اٍخوتها يبكي ,, يتصورن تلك الحظة ,,

بعد سويعات ,, تتصل زوجة خالي لتقول قد وصلت و الحمد لله ,,

"وصلت "خالتي" و الحمد لله" ,,

لم أكن اعرف كيف كانت حالتها وهي تتكلم و لكني لا اتذكر الا انها قالت ..." من غير الممكن أن تتكلموا الآن مع فلان " - ألا هو خالي - ,,

كان قد وضع رأسه على ساقي أمه و لم يعرف شيئا غير الاجهاش بالبكاء ,, وطبعا البكاء كان هو الابلغ بالنسبة للجميع ,,


يتبع اٍن شاء الله

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:34 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
اليومُ لم يكن عاديا ,

اِختلطت دموع الفرح بدموع الشوق بدموع الحزن أحيانا ,,

فرحنا كثيرا من أجل جدتي و خالي و عائلته و غبطنا جدتي كثيرا ,,

فرح الاطفال كثيرا جدا بلقائهم بجدتهم ,, أخيرا أصبح لهم أقارب في تلك البلد يرتمون في أحضانهم و يفخرون بهم ,

كان مما أحزن خالي في تلك الحظات السعيدة أن رأى أمه قد تدهورت صحتها عن قبل و لم تعد تقوى على المشي كثيرا ,

لكن الحمد لله ,

الحمد لله أن الأمور بدأت تتيسر ,, والغمة بدأت تنكشف ,,

و تحقق حلم بمرور السنين أصبح خيالا ,, لكن اليوم يقدر الله سبحانه أن يكون واقعا ,,

زار جدتي في منزل خالي بعض الجيران و الأصدقاء في الله و فرحوا من أجلها و من أجل أحبتهم في الله و فرحوا ان أتاهم ضيف من بلادهم و من بلاد المسلمين حيث يستئنسون به و يحنون اٍلى كل حديث منه عن الأهل والاقارب و التقاليد ,,

جال خالي بأمه بعض أرجاء الولاية التي كان يقطن بها حيث لو وجد لحمل أمه على كتفيه و طار بها حيث تشاء ,,

و مما زاد القلوب غبطة و فرحا ,, تحصلهم على "الاقامة" فور وصول جدتي ماشاء الله و الحمد لله ,,

كان فرحه لا يوصف ,, و سعادته لا يُعبر عليها ,, و لكنه علم يقينا أن الله مع الصابرين ,, و أن بعد عسرا يسرا ,

شهر و نصف تقريبا أو أكثر بين أحضان والدته ,, يحاول أن يوفر لها ما يسعدها و أن يعوضها قليلا من البر و أن يحب أبنائه فيها و هم كانوا كذلك ,, و الحمد لله ,, فما يدريك ,, لعله لن يراها مرة أخرى ,,

انتهت مدة القاء و كأنك تسمع من يقول " نعتذر.. الزيارة انتهت" ,, حيث سيعودون لنفس الغربة و الوحشة الا بما رحمهم الله من صحبة صالحة و الحمد لله ,,

أوصلوا جدتي اٍلى المطار و كانت القلوب تتألم على هذا الفراق ,, و لكن على أمل القاء ,, فهذا باب فرج أن سافرت جدتي و تيسر أمرها ,, يعني لعلها تأتي مرات أخرى أو حتى يأتي غيرها ,, الحمد لله على كل حال ,

ودعوها و كان الوداع مؤلما كثيرا ,, و لكن كان يصاحبه أمل المؤمنين ,, عسى أن يكون الغد أفضل ,,

الحمد لله ,

رغم حالة خالي المادية المتواضعة , كان لم يتأخر بالهدايا و هو من طبعه كان لا يتأخر حتى عن مساعدة بعض أخواته لمواجهة بعض الصعوبات المالية ,,

ولعل لي وقفة هنا على صعوبات خالي المادية وما يقابلها من تيسر من عند الله في الخير ,,

لعل هنالك أمر من المفروض أن لا يذكر و لكن لعل ذكره خير من كتمانه ,, برغم حالته المادية التي ذكرت كان خالي العزيز يكفل يتيما فلسطينيا ,, و كان هذا اليتيم يسمي خالي "أبي" ,, و كان لا يعرفه و لم يره قط ,,

كذلك كانت زوجة خالي هي و بعض رفقتها كنّ يكفلن على كفالة يتيم ,, و الحمد لله ,,

و كان قد وعد جدتي بأنها سوف يقوم لها بحجة ان شاء الله ( هي لم تكن حجت من قبل) و ينطلقون من البلاد التي يسكن فيها هو ,,

الحمد لله ,,, تيسر لجدتي أن تعود لرؤية غاليها ,, و أحبتها ,, على ما أذكر بعد سنة أو أكثر قليلا ,,

لكنها لم تحج حينها لعله لان الوقت لم يكن وقت حج أو صحتها أو لا اذكر بالضبط السبب ,,

لكن العام الذي يليه لم يتيسر لها لقاء خالي حتى يوفي بوعده معها فقام بحجة هو وزوجته برغم الظروف المعيشية غير الميسيرة و الحمد لله و لكن لعله تداين من هنا أو هنالك حتى تم ذلك ,,

كانت فرحته الكبرى أن زار بلاد رسول الله صلى الله عليه و سلم ,, أن حج ,, أن مكنّه الله من الخير الكثير ,, أن يسر الله فريضة تحج أغلب الناس بعدم التيسير المادي في عدم تأديتها ,,

و لكن تجاهل بعض الناس أن صدق النية و الاخلاص لله هو أول التيسير ,,

سبحان ربي ,, الدنيا تقول لهذا الشخص لن آتيك ,, و لكن الله يجعلها تأتيه راهبة أو راغبة ,,

سبحان من يسر الامور ,,

العام الذي بعده تقريبا ,, يتيسر أمر جدتي في السفر اٍلى البلاد التي يقطن خالي و هي مهيئة نفسها للحج و قد غمرتها السعادة و الشوق لأسعد لقاء دنيوي ,,

و كان خالي يجب أن ينفذ وعده ,, و كان حريصا على ذلك و الحمد لله ,, خاصت أن جدتي لم تعد تقوى على المشي كثيرا فيخاف أن تتدهور صحتها حتى لا يتيسر لها الحج ,,

و بالفعل جهز نفسه و زوجته للحج مرة ثانية ,, حيث ستهتم بأمه و تكون معها في الحج ان شاء الله ,,
يسر الله لعبده ما لم يسر لغيره ,,

الظروف المادية غير ملائمة لحج ثاني أبدا ,, و لكن ,, هل بين أمر الله و تنفيذه عائق ؟؟ أبدا و الله ,,

فلم ندهش ,, تم الحج الثاني و الحمد لله و قد يسر الله لخالي و زوجته رعاية جدتي و قيامها بالحج و الحمد لله ,, و نسأل الله لهم القبول و للمؤني أجمعين ,,

و لكن هل بعد هذا التيسير تيسير ؟؟

نعم و الله ,, و هل فضّل الله له حدود ,, فقد يسر الله لخالي و زوجته الحج في السنة التي بعدها بحول منه و قوته ,,

و تأتيكم الأسباب فيما بعد ان شاء الله ,,



****



بعد أشهر ,, يحدثنا خالي أنه هنالك من تقدم لخطبة مريم ,, و أن هذا الشاب ملتزم و عسى أن يكون لها الزوج الصالح ,,

الحمد لله ,, ثم الحمد لله ,, ثم الحمد لله ,,

الفرج بدأ نوره يتلألأ ,,

تمت الموافقة و قروا لو أذن الله سيكون الزواج في صيف تلك السنة ,,

الحمد لله ,, أيضا لعل كثيرا من التفاصيل لم أذكرها منها أن مريم قد عانت من الغربة في مراكزالتعليم حيث تدرس ما عانت حيث كانت الوحيدة التي تلبس حجابا و كان الكل يسخر من المسلمين فمابالك حين سمعوا انها ستزوج ,, " أخبرينا أهلك أرغموك صح؟ " يريدونك أن تجلسي في البيت صح " "كيف تتزوجين صغيرة " ...اٍلخ

المسكينة ضاقت الدنيا بها لمدة سنوات و في آخر المطاف قبل ان تتخرج بقليل ,, خرجت من تلك الجامعة أو مركز التعليم ,, و قررت أن تنتقل لغيره لو يسر الله لها ,, المهم أن لا تواجه أشخاصا يلاحقونها ليلا نهارا كمتهمة و كمسكينة ,

بدأت التجهيزات المتواضعة للزفا و بدأت الفرح به أكبر ,, و لعل بعض التسائلات بدأت تطرح ,, كيف سيكون الزفاف دون اقارب ,, وهل ستكون الجيرة و الصحبة هما الاهل هاته المرة أيضا ,, أم أنّ احتمال حضور بعض الاقارب وارد ,, كان بصيص الأمل في أعين الجميع و شوقهم لغد أفضل هو الطاغي ,

و مما زادنا شوقا و زادنا فرحة ,, هو أن خالي قر اٍن أذن الله أن يرسل ابنيه التوأم محمد و مريم في الصيف الى أهله و بلده حتى يتعرفا عليهم و يتعرفوا عليهما ,,

صحيح, الأمر لم يكن حازما و قد كان في طور التفكير و لكن الأمل كبير و الحمد لله ,, التردد لعله من أن لا يتمكنا من العودة ,, و لكن الله قادر على أن يسر ما تعسر ,

أما بالنسبة لنا حين سماعنا الخبر فحدث و لا حرج ,, لم تكن الارض بما رحبت تسعنا من السعادة ,, الاحلام و الخيال قربا أن يكونا حقيقة و ما زاد قربهما الا تهيجا للاحلام ,, فصرنا ننام و نصحى على أمل القاء ,,

على أمل تحقق حلم حياة ,, فعلا حلم حي اة ,, لم نكن نأمل من الحياة أكثر من رؤية خالي و أهله ,,

و كذلك الأمر بالنسبة للأحبة ,, كانو لا يكادوا يصدقون أن الحلم سيصبح حقيقة باٍذن الله ,,

كان التفاءل يغمرنا و يغمرهم ,, و الفرج قد لاح من بعيد ,, و الفجر قد بان ,,

حتى أن مرة أمي كانت تحدث ابن أخيها قتعاتبه بمحبة على انه ناداها بخالتي فتقول له " أخالتك أنا أم عمتك" ,, فرد عليها بشاشة و تفاءل " " خلاص" ,, في الصيف ان شاء الله سأعرف خالتي من عمتي ",

الحمد لله رب العالمين ,



****



مع هذه الافراح و هذا الفجر الذي بان ,, لعلي نسيت أن أذكر أن خالي قبل سنة من ذلك الوقت كان قد ابتلي بمرض ابنه الصغير الذي كان عمره تقريبا ست أو سبع سنوات ,,

و قد عجز الأطبة في تلك البلاد أن يجسدوا البلاء وبقي الامر لاشهر ,, و كانت حرارته دائما مرتفعة و يحس بآلام في بعض المناطق في جسمه لم يُعلم سببها ,,

تدهور الوضع فاضطر خالي اٍلى الذهاب به اٍلى بلد أوروبي مجاور حتى يتسنى له التداوي في مستشفى أكبر و تحت رعاية أطباء خبراء أكثر ,,

و بالفعل تم العلاج و الحمد لله و اكتُشف أن الاطباء في البلد التي يقطنون قد أعطوه دواء خطآ مما قد زاد من مرضه ,

لكن الحمد لله تم الشفاء بعد صعوبة العلاج حوالي ثمانية أشهر بحيث كان خالي و أهله مطالبون بأن يراقبوا الطفل الصغير حتى لا يُجرح ولو بخدش بيسط طيلة هاته الثمانية أشهر , و الا سيقع له نزيف لا قدر الله ,, و الحمد لله تم التيسير بالفرج بمنّ الله و فضله ,,

في الفترة الاخيرة التي ذكرت ,, عاود المرض ابن خالي الصغير ,, و لزم الفراش لمدة ,, و الخوف من تدهور الاوضاع كان لا يفارق خالي و أهله ,, خاصة زوج خالي ,, اٍلى أن تم في يوم ما رقية الصغير ,, حتى أن وضعه تحسن بدرجة ملحوظة جدا ,, و بدأت الابتسامات تعلو الوجوه من جديد ,, و الحمد لله رب العالمين ,,



****



بعد حوالي يومين تقريبا ,, في الصباح الباكر ,, كانت الشمس قد أشرقت من المشرق كعادتها معي و مع جميع من فوق الارض ,, و كنا نستنشق هواء قد من الله علينا به حتى تستمر نبضات قلوب لا تعرف متى و لا أين المستقر ,, و كنا نظر عن يميننا فنرى الدنيا و نظر عن شمالنا فنرى الدنيا ,, و كنا نرى ما رأينا بالامس ,, وكنا نسمع ما سمعنا بالامس ,,




ولكن ...





هل ترى كان الامر هكذا بالنسبة للجميع ؟؟


يتبع اٍن شاء الله

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:35 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
كان يبدو كل الأيام ,,

الأمل تجدد مع تجدد الأنفاس ,,

حملتي أقدامي اٍلى المطبخ ,,

دخلت فاٍذا بي أجد والداي يتحدثان بصمت ,,

كانت الأفواه صامتة و لكن الأعين و سمات الوجوه كانت ناطقة ,,

هنالك شيئ غريب ,,

أكيد هنالك شيئ ما قد وقع ,, فأنا أعرف هاته الوجوه و متى تكون هكذا ,,

أحسّ أبي أنه يجب عليه أن يتكلم حينها ,, حتى يبر كلمات أفضت بها سماته وسمات أمي ,,

"جاء خالكم منذ قليل يخبرنا أن ابن خالكم "فلان" مريض قليلا" ,,

كان يجب علي ترجمة الكلمات حتى أفهمها ,, فأنا أعرف أبي ,, ماشاء الله لا أزكيه على الله ,,أراه حكيما في مثل هذه المواقف ,,

"مريض قليلا" ... أكيد ليس قليلا ...هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي خرجت به تقريبا .. و رأيت أمي فيما بعد تسارع لتجهيز نفسها للخروج للذهاب اٍلى منزل جدي ..

ثم يقول أبي ,, افطرن أولا ثم اذهبن الى منزل جدكن ان اردتن ,,


؟؟؟؟؟؟؟


لم أفهم شيئا ,,

نذهب لمنزل جدنا ؟؟

طيب .. لم ؟؟

هل أن مرض ابن خالي يستدعي أن نذهب لمنزل جدنا ؟؟

و هل كنا سنجد المريض هنالك حتى نذهب اٍليه ؟؟

هذا ما تبادر الي ذهني من تساءلات حينها ,,

ثم بدأ أبي يضيف أن ابن خالي صحته متدهورة قليلا ,,

فتيقنت حينها أن ابن خالي حالته بين الحياة و الموت ,,


...


صُدمت ,,

صدمة لا أنسانها ,,

كيف ذلك ؟؟

يا الله !

كانوا قد هاتفوا منذ ليلة واحدة تقريبا خالتي و هم في غالية الفرح أن ابن خالي قد شفي ,,


...


لم أجد ما أعلّق ,, نظرت اٍلى أختي التي كانت قد حضرت المجلس قبلي , لعلها تعلمني بما لم أعلم ,,

أو لعلها تطمئني ,,

لكن كانت الوجوه لا طمئنة فيها و السكوت قد خيم ,,

تهيئت و أختي للخروج وقبل أن أخرج ,, نظر اٍليَ أبي و قال :

" اِنا لله و اٍنا اٍليه راجعون ,, ابن خالك توفي "



...




صُعقت ,,




...



...



أبي .. تُوفي توفي ؟؟؟


يعني انتهى ؟؟

ألم تقولوا أنه مريض جدا ؟؟

يعني توفي ؟؟

...

نعم توفي ..


...



لم أجد كلاما يعبر عن الموقف ,,

ولا حتى عبرات تعّبر ,,

و أنا هكذا كان طبعي ,,

لاتنزل عبراتي مع الصدمة ,,

لأني لا أستوعب الصدمة سريعا ,,

.. ولكني كنت مذهولة ..

تائهة ,,

في الطريق بدأت دموعي تتساقط ,,

و كنت تفوهت بكلمة لا أنساها أحدث بها أختي ,,

"تُرى من التالي ,,, تُرى من التالي "




****





قبل حوالي شهرين أو أقل من هذا اليوم ,,

كنت في ولاية بعيدة عن الولاية التي أقطن بها ,,

دراستي فرضت عليّ أن أبتعد و كنت أسكن بمبيت للفتيا ( غفر الله لي ما لا أحبه الآن) ,

و كان أخي يشتغل في نفس الولاية فكان مؤنسي و لله الحمد ,,

في ليلة من اليالي ,, اتصلت بي أمي عن طريق الهاتف القار للمبيت ,,

السلام عليكم ,, أهلا أمي كيف حالك ,,, الحمد لله ,, كيف حالك أنت ,, الحمد لله بخير ,,

بعد السلام و الكلام و التحدث عن الاحوال ,, توقفت أمي لبضع ثواني عن الحديث ثم قالت ,,

- "فلانة" ,, اليوم توفي محمد ابن عمتك بحادث سيارة ,,
- من أمي ؟
- محمد ابن عمتك ؟
- من أمي ؟
- "يا فلانة" ..
- أمي ,, كيف ,, لا ,, لم أستوعب ,, و الله أكلمك بجد ,, لم أستوعب ,,
- بنيتي أنت مؤمنة ,
- نعم أمي نعم ,, لكن و الله لم أستوعب ,, لم أفهم ما قلتيه ,
- طيب ناديلي "فلانة" (صديقتي التي أنام معها في نفس الغرفة) ,
- لا أمي ,, دعيها ,, أنا بخير ,,
- لا ,, ناديها ,
- - لا يا أمي صدقيني أنا بخير ,, بخير و الحمد لله ,

واصلنا الحديث لمدة ثواني ثم ودعتها ,,

لا أخفيكم سرا ,,

في تلك الفترة بالذات كانت قد مرت بي بعض مصائب الموت بداية من الصيف و لكن لم يكونوا أقارب ,,

و لكن الوقع علي كان شديد ,,

كنت كالتائهة التي أفاقت ,,

و الأمر مختلف بالنسبة لي عما يظن الناس بي أو كما لعل أكثرهم يفكرون ,,

من أول ما أسمع بالموت كنت افكر في الميت ,, لا أفكر في أهله كثيرا و لا فيما حصل ,,

المهم هو ,, كيف حالته ,, كيف توفي ,, أين هو الآن ... الخ ,,

حادثة الصيف كانت مصيبة على كل أهل البلدة ,, جارنا و زوجته و ابنهما الصغير في حادث سيارة فضيع و هم على أبواب تزويج ابنتهم التي كانت معهم في السيارة و ظلت بالمستشفى لا تعي لمدة أيام ,, ثم كيف حاولوا تدريجيا اخبارها بوفاة عائتلها ,,

حادثة وفاة جار آخر لنا ,,

حاثة وفاة شخص أعرفه من بعيد و كان على أبواب زواج أيضا ,,


...


و اليوم ,, الابتلاء يمسنا ,,

يمسني مباشرة ,,

كيف سيكون موقفي و أنا التي كنت اتسائل كثيرا عن مواقف الناس عند مصائب موت أهليهم ,,

دخلت الغرفة و جلست على سريري و لم أفعل شيئا غير أني كنت صامتة أفكر ,,

بعد قليل أخبرت صديقتي بالأمر حتى لا تستغرب هذا الصمت ,, حيث لم تكن العادة بيننا ,,

تأسفت صدقيتي ثم بعد برهة ذهبت للنوم ,,

بقيت في مكاني متسمرة ,,

لا أفعل شيئا غير افكر ,,

صدقوني لم أكن مستوعبة ,,

أهو ذاك الشخص الذي أعرف انا ؟؟ الآن في قبره ؟؟

الآن يسؤل ؟؟ طيب كيف صعدت روحه ؟؟

طيب كيف كانت ردة فعل عمتي المسكينة ؟؟

زوجته؟؟ أبناءه؟؟

و بقيت أتذكر البعض من أفعاله ,, رغم أن علاقتي به أنا و اِخوتي ومع كل أولاد عمتي كانت شبه لا يتعدى السلام,, كانوا يكبروننا سنا بكثير وكنا نحترمهم و نقدرهم و نصل الرحم في الأعياد و المناسبات و الحمد لله و العلاقة مع أخواتهم و عمتي بخير حال و لله الحمد و المنة ,,

بعد سويعات بدأت الدموع تتساقط ,, و كأني بدأت أستوعب ,, و لكن أتراني استوعبت أنه في قبره و قد مات ,, أم تراني استوعبت أن هذا الشخص لن أراه بعد هذه الحظة ,, أم تراني استوعبت أن الحياة فانية ,, أم تراني استوعبت ماذا ,,

لا أعرف ,,

لكن دموعي تساقطت ليلتها بشكل عادي ,, لا يليق بالموقف ,, وكأن عقلي لم يصدق بعد ,,

مرت الفترة صعبة جدا ,, صعبة للغاية علي ,, كنت أرحل كثيرا بخيالي الى القبر ,,

كنت أتضرع لله أن يرحمني أكثر من كل شيئ في تلك الفترة ,,



****





اليوم يتوالي الموت ,,

و يقرب أكثر ,,

جاءني أحساس أن الله يمهد لي شيئا منذ بداية الصيف ,,

لكن اليوم شيئ مختلف ,,

اليوم خيالي أين سيذهب ,, أاٍلى قبر ابن خالي ,, أم اٍلى نفسي التي و كأنها يتهيأ لها الموت ,, أم الى خالي العزيز و كربته , أم اٍلى زوجة خالي ,, أم اٍلى أبناءه ,,

ابن خالي هذا بسمة العائلة ,,

و الحياة تجددت مع ظهوره بينهم ,,

تذكرت قول زوجة خالي لأمي وهي تبكي حين كان طفلها مريضا : " اٍنه ضحكتنا ,, اٍنه بسمتنا ,, اٍنه من جعل حياتنا وردية "

أما اليوم ,, فقد قضى الله أجل مسمّى ,,

لا أعرف كيف وصلنا ألى منزل جدتنا و كانت دموعنا تسبقنا ,,

دخلت ,, سلمت على جدتي و حضنتها ,, و ظلنا نبكي ,,

و كانت جدتي قليلة البكاء ,, تصمد دائما ,, لكن اليوم ,, المصيبة أكبر ,,

جلستُ و جلست أختي و أنا أنظر اٍلى أمي تبكي و اٍلى خالتي و زوجة خالي يبكيان و في نفس الوقت يهيئان المنزل للتعزية,

ظلت أبكي ثم نظرت اٍلى جدتي " ألم تخبروننا أنه بخير ,, ألم تخبروننا أن فلان بخير " و كأني أعاتب مقتولا على قتله ,,

نظرت اٍلي و قد فاضت عيناها بالبكاء " وهل كان فلان من مات ... اٍنه محمد يا بنيتي "



يتبع اٍن شاء الله

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:38 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
محمد ؟؟؟؟

يا جدتي محمد ؟؟؟؟

يا الله !!!
يا الله !!!

...

كيف ؟؟
...
متى ؟؟
...
أين ؟؟
...

هكذا دون مقدمات ,,

هكذا هو موت الفجأة ,,

هكذا هي أقدار الله ,,

هكذا هو قضاء الله ,,

هذه هي سنة الحياة ,,

لا استشارة عند الموت ,,

الكل كان يظن أنه الابن الصغير في بداية الأمر ,, كيف لا وهو المريض ,,

فيقدر الله بحكمته أن يحيى المريض و يتوفى المعافى ,,

توفي محمد ,, ابن خالي الكبير ,, قرة عيني والديه ,,

محمد الذي يبلغ من العمر 18 سنة ,,

محمد الذي كان يدرس نهارا و ينظف المكاتب ليلا ليجهز توأمه للزواج كما يحب هو ,,

محمد الذي اذا كلم عماته من خلال الكاميرا (عبر النات ) لا يقدر على رفع رأسه من الطاولة حياء ,,

محمد الذي وعد الجميع ,, وقال انتظروني ,, اني آتيكم هذا الصيف اٍن شاء الله لأعرف أحبة حرمتني منهم الدنيا ,,

محمد الذي يسر الله له بفضله و منه أن يعتمر وهو صغير ,,

محمد قرة عيني أبيه ,,

كيف لا , وهو الرفيق , و هو الصديق , وهو الاخ و الابن ,,

كيف لا و اٍذا رأيتهما تظن أنهما اٍخوة و ليسا أبا و اٍبنا ,,

كيف لا , وهو الذي كان دونا عن أخته الوحيدة , ودونا عن الطفل الصغير المدل , يأتي أبوه ليقبله ليليا قبل النوم ,,

كيف لا وهو الذي دائما يصر على أبيه و أحيانا يوقضه من نومه ليذكره : ألست من تقول لي دائما علينا بالرياضة و ,, هيا نطلق لنجري ,, هيا نطلق لنتسابق ,, و كان يذكر أباه اذا حدث اخوته عنهما أنه دائما الاسبق في الجري ,, كان يلاعب أباه و يلاعبه ,

كيف لا و كان مؤنسه في غربة شديدة الظلام ,, حيث لا صحبة صالحة و لا عيشة هنيئة ,,
و لكن ,,

هل هذا يمنع أن يأخذ الله منه صفيه ؟

بل هذه هي قمة المعركة مع الدنيا ,, أتراه الثبات أم الخذلان والعياذ بالله ,,

اليوم يمحصك الله يا خالي اٍن شاء الله ,, اليوم لعلك تسطر مصيرك الأخروي ,, و الله أعلم ,

اليوم يزداد البلاء مع اِزدياد الايمان ان شاء الله ,, و لتثبيه باٍذن الله ,,

لا أزكيك يا خالي ,, و لا أزكي ابنك و لا أهلك جميعا ,, أحسبكم على خير و الله حسيبكم ,, و كفى بالله عليما بأحوال خلقه و قلوبهم ,,


...


كان ليلتها يلاعب أخاه و أخته و يشاكسهما ,

ثم ناموا كما ناموا من قبل ,, فمنهم من ردّ الله عليه روحه و منهم من أبقاها ,,

في ساعة لعلها من ساعات اليل ,, تحس مريم بالاختناق ,, تحس بضيق ,, تسارع اٍلى أخيها التوأم ,,

سبحان الله ,,

فتجده يشخر شخيرا غير عاديا ,, و كان حينها في سكرات الموت ,,

تنادي أمها و تسارع هاته الأخيرة اٍلى حبيب قلبها ,, اٍلى من حملت و أنجبت و أرضعت فربت ,, فأطعمت وسقت بفضل الله وحده ,, اٍلى من بكى و شكى اٍليها ,, اٍلى من داعبها ,, اٍلى من عانقها ,, اٍلى ,,

اليوم ينتهي العمل ,, و تبقى رحمة ربك ,,


تحمله بين أحضانها و تنادي :
"محمد , محمد يا بني رد علي " ,, هكذا كانت تناديه و قد بدأت تفيض روحه اٍلى خالقها ,,

تنادي و قلبها و عقلها لا يكادان يصدقان ما قد ج اء بالحق ,,

"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"

تنادي زوجها و تقول " يا فلان , يا فلان , ابني .. ابني .."

فيرد و قد ذهلتُ فيما بعد لما علمت بما رد ,,

...

يقول لها : " كبري ,, كبري و احمدي الله "

تقول كلماته كانت و كأنها صفعة على الوجه لأفيق ,, لأعرف أن اِبني يموت ,

أخذوه على السيارة لنقله للاسعاف ,, و لكن ,, اٍسعاف من يا هذا ,,

قد جاءه الضيف الذي لا يُرد مخذولا أبدا ,,

قد جاءه ملك الموت ,,

اٍسعاف من يا هذا ,,

تقول لم أجد ما أفعل في تلك الحظات غير أني سارعت اٍلى الشباك و فتحته و تضرعت الى الله " اللهم ارحمن ي"

فاضت روحه الى خالقها ,,

اِنتهى عملك يا محمد ,,

اِنتهى سعيك في هذه الدنيا ,,

كما سينتهي سعي و سعي الجميع ,,

رحمك الله يا محمد ,, رحمك الله يا محمد ,

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:40 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
اليوم المصيبة ليست واحدة ,,

أحسست أن البلدة كلها اهتزت ,,

لحسن سيرة خالي و لحبهم له و قد كان من يصل رحمه حتى وهو في الغربة , و لعظم مصيبته ,

اليوم مصيبة الموت على أهله و علينا ,

اليوم مصيبة فقدانه الأبدي في الدنيا ,, بعد اِنتظار طويل ,

اليوم مصيبة الأهل الذين ...

...

مصيبة الأهل الذين يفكرون في اٍرسال ميتهم ليُدفن في بلدهم المسلم ,, بلد الأهل ,, بلد عسى يكون لهم فيه مستقر الدنيا في يوم ما ,

هكذا كان اِقترح خالي الذي في بلدنا على أخيه المغترب ,, فكّر ,, ثم قر أن يرسله بمشيئة الله ,,

يا الله ,, يا الله كم قوّاك الله يا خالي لتقر ذلك القرار ,,


...


بعد ساعات من الحادثة ,, أكّلم مريم ,, محاولة أن أصبّرها ,, و لكن من التي تتكلم ,, عسى الله أن يرحمنا برحمته ,,

" مريم حبيبتي ,, صبركم الله ,, ثبتكم الله ,, الحمد لله ,, اصبروا "

كنت أكلمها و لا أعرف كيف أكلمها ,, و لكن لعلي كنت أحاول أن أسيطر على حزني الشديد في ذلك الوقت و أن أثبتها قليلا ,,

فوجئت بها الا و تقول :" الحمد لله , الحمد لله , فقط ترحموا عليه ,, فقط ترحموا عليه ,, الحمد لله , ثابتون باٍذن الله , ثابتون باٍذن الله "

"اٍن شاء الله غاليتي ,اٍن شاء الله ,, صبركم الله"

فوجئت أنها ليست في حالة انهيار ,, فوجئت أنها قدرت على أن تكلمني ,, فوجئت أنها تتكلم و الحزن يملأ كلامها و لكن الثبات قد غلب عليه و الله أعلم ,

يا الله ,, هذا توأمها ,, هذا أخوها الذي عاش معها السراء و الضراء ,,

لكن ,, لكن رحمة ربك فوق كل شيئ ,, فاٍنّ من أنزل البلاء ينزل الصبر و ينزل الثبات ,, و ماذلك علىّاللهبعزيز.

تزاحم المُعزّون ,, و دخل أهل زوجة خالي حيث يقطنون بلدة غير بلدتنا ,, و الكل بدأ يعزي بعضه ,,

دار عزاء ,, معزون ,, باكون ,, و الميت و لا أهله موجودون ,,

الحمد لله على كل حال ,,


...



أما هناك فقد التف أهل الغربة من الجيران و الأصحاب على أهل خالي يواسونهم و يصبرونهم ,, كيف لا و قد كانوا يسعدون في أعراسهم و أفراحهم معا,, فاليوم يتعاونون على الثبات ,, و على التذكير بالله ,,



*****



بدأت اٍجراءات سفر الميت وبدأت الاتصالات من هنا و هنالك ,,

أما عن أهل الغربة فقد سارعت زوجة خالي اٍلى القنصلية تاركة صفيها المتوفى في المستشفى حتى أنها لم تره من بعد ما اخذوه من أحضانها , و تحاول بشتى الطرق أن تسافر معه ,,

لم يهتموا لشيئ ,, المهم تسافر مع اِبنها ,, المهم ترى اِبنها وتودعه قبل أم يدفن ,, المهم تجد أهلا يصبرونها ,, ضاقت عليها الدنيا بما رحبت ,,

و أما عن الاهل هنا ,, في البلدة ,, فالكل مرتبك ,, أحاسيس متضاربة على الاخر ,, حزن ,, "فرح" ,, شوق ,, مصائب قد التفت حولنا فلا تجد على أيها تصبر ,, الا ,, الا أن هنالك أمل في رؤيته قبل موته ,,

المعزون لما سمعوا بخبر قدومه ,, لعلهم أصروا على البقاء حتى يرونه ,,

مرت الساعات ,, و الاتصالات بين خالي الحبيب و اخوته لا تتوقف ,,

تهيأ الشاب المتوفى للسفر ,, نعم تهيأ ,, هيؤوه بأبهى الحلل ,, اليوم يومك يا محمد ,, اليوم تسافر اٍلى البدة التي تحب و تشتاق ,, اليوم ترى أهلك ,, اليوم تكلم زملائك عن وطنك و لا يحدثونك هم عنه ,, اليوم الموعود يا محمد ,, اليوم الموعود ,, " أليس هذا هو اليوم الذي تنتظر من سنين ؟؟ "


و بعد محاولات ,, يا حسرتاه على أم اختارت أن لا تذهب اٍلى اِبنها في المستشفى لتودعه و تحاول هنا و هنالك للسفر معه ,, ثم ,, ثم ,,

ثم يقدر الله أن لا تنال لا هذا و لا ذاك ,, كان ألم لا يعلمه اٍلا من ذاقه ,, اِنتهى ,, كتب الله لك غاليتي أن يكون آخر عهدك باِبنك بين أحضانك ,,


...



قرب العصر و الكل ينتظر ,,

الكل على أحر من الجمر ,,

اليوم يصل محمد اِبن خالي بعد خمسة عشر سنة ,,

و الله ما بقي من الوقت لرؤيته لكأنه أطول مما مضى ,,

لا أنسى تلك الساعات و الدقائق و الحظات الاخيرة كم كانت صعبة ,,

القلوب مشتاقة ,, و كأنه هنالك أمل أننا سنراه ثم سيبقى بيننا ,,

كيف سنتركه يذهب ,, لقد اِفتقدناه و اشتقنا اٍليه خمسة عشر سنة ,,

اليوم يعود الى أهله , اٍلى جدّاته , الى أعمامه و عمّاته , اٍلى أخواله و خالاته , الى أهل البلدة و الجيران و الصحبة التي لم تنس ذلك الشخص ,, ينتظرون رؤية اِبنه عساه يخبرهم عن حال ابيه ,, لكن اين هو من الكلام الآن,,


...


الدموع تجري و ناس تصبر هنا و ناس تصبر هنالك ,,

كنا نسعى اٍلى تنفيذ ما أراد خالي في كل شيئ ,, كان يوصينا بالهاتف ,, لا تفعلوا كذا ,, اِفعلوا كذا ,, قبره هكذا ...اٍلخ . كان يحاول اِجتناب بعض البدع التي أصبحت عادة و لاحول و لا قوة اٍلا بالله ,

الكل يحاول الثبات ,, منهم من علم أمر الله و يحاول القول سمعنا و أطعنا ,, و منهم تلبية لرغبة خالي ,,

قرُب الوقت ,, و دقّات القلوب بدأت تتسارع ,, لا أتذكر نفسي اٍلا و كنت في حالة اِرتجاف شديدة ,, لا أكاد أقوى على الوقوف ,, جمدت الدموع لبعض الوقت ,,

" أتحبون محمد ,, أتحبون محمد ؟؟؟ اثبتوا ,, لا تصيحوا ,, خالي يوصيكم ,, ارجوك يا فلانة ,, ارجوك يا فلانة ..."

كانت هذه بعض الكلمات التي كنت أرددها و أنا في حالة الارتجاف ,,

اِصطف الجميع وكأنه هنالك عريس سيدخل ,, أو أمير متوج ,,

أحسست قلبي ازدادت نبضاته عن العادة حتى يكاد يخرج من صدري ,,

حالة ارتجاف شديدة ,, لم أعد أحتمل ,,

لا أسمع الى أصوات رجال ,, و صلوا !! وصلوا !!

كاد قلبي أن يقف لولا رحمة ربي بي ..

نظرنا فرأينا خالتي قد دخلت باكية بشدة ,, دخلت و معها بعض أبنائها ,,

قد كانوا هم من ذهبوا لاستقبال الميت من المطار لكونهم يقطنون بالعاصمة ,,

سلم البعض على خالتي و عزّاها ,,

انتظرنا بعض الحظات ,, و سمعنا السيارة قد وقفت ,,

لم أعد أحتمل ,, بدأت بالبكاء ,, و الارتجاف يزدادا ,,

وجدت أخت زوجة خالي التي أحب جدا ,, وهي تقول لي " ألست من كنت تصبريننا الآن و تثبتيننا " ,,

أمسكت بيدي بقوة تثبتني و قد كنا أول من بالباب الداخلي للمنزل ,,

ترى بعضهم يصبّر بعض ,,

الكل يربط على قلب أخيه ,,

الكل يتهامس ,,

قد حان الوقت ,,

الآن نرى الغائب ,,

مابك يا نفسي ,,

أليس هذا حلم حياتك الأكبر ,,

أليس هذا ما تتمني ,,

ألست كنت تحملين بهذا اليوم منذ طفولتك ,,

الأحبة يصلون اليوم يا نفسي ,,

سترينهم اٍن شاء الله ,,

مابك يا نفسُ لا أراك سعيدة ,,

أحساسي لا يُعبّر عنها ,,

اختلطت الاحاسيس و اضطربت ,,

أصبحت أحس من نوع من الخوف الشديد ,, لا أعرف من ماذا ,,

أحسست بنوع من الدوار ليس لشيئ الا لأن أمل سنوات طوال صعُب تحقيقه ,, و اليوم في ساعات يتحقق ,, لا أنفُس مُهدت لهذا القاء و لا قلوب تجهزت ,,

أحسست في لحظات و كأني بين عالم الدنيا و الآخرة ,,

فعلا ,, كان ذلك هو الاحساس ,,


...


قدم موكب الميت ,,

و يا الله على هذا الموقف ,,

دخلوا وكان النعش فوق الأكتاف ,,

يا الله ,, دخلت يا محمد لمنزل حلمت كثيرا بالدخول اٍليه ,,

لكن الدخول غير الدخول ,,

الحمد لله رب العالمين ,, رب حليم كريم ,,

سارع الرجال بوضع النعش بالداخل ,, على كنبة كانت قد هُيئت له ,

تسارعت القلوب الى ابن الاخ , ابن الاخت , ابن الابن , ابن الابنة , ابن الصديق , ابن الجار , ابن القريب ,, اٍلخ ,

للأسف دخل الحابل و النابل قبل أن يدخل بعض الأقارب ,,

كان للغرفة بابان بحيث دخل حتى من يعرف خالي من بعيد لرؤية الميت ,

تنظر فيصعب عليك التميز بين دموع رجل و امراة ,,

الكل يبكي بكاء مريرا,,

أثبتُ الناس في ذلك الموقف لا يقدر على تمالك نفسه أمام ما رأى ,,

الحمد لله الحليم الكريم ,,

الكل يريد الدخول ,,

و الرجال يحرسون الباب و يقولون ,, سارعوا و اٍلا سنأخذه ,, سيؤذن العصر قريبا ,,

يا الله ,, رحماك يا أرحم الراحمين ,,

تفطر قلبي و تمزق أشلاء مما سمعت ,,

انتهى القاء ؟؟؟؟

اٍنتهت الزيارة ؟؟؟؟

متى قدم حتى تأخذوه ؟؟؟؟


...


كلمات يقولها الرجال في ذلك الوقت ويكررونها كأنها السكين التي تمر على أعناقنا فلا تقطعه فيعيدون التمرير ,,

يا الله ,, اللهم ارحم ضعفنا ,, اللهم ارحم ضعفنا ,,


...

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:41 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
لم أر اٍلا أمي تتوسل زوج أختها أن يدخلها اٍليه ,, و أدخلها بعد اٍلحاح ,,

اِختلط الزوار عليه حتى لا تعرف من رآه ممن لم يره ,,

لم أحاول التقدم كثيرا ,,

رأيت ابن عم أمي ينظر اٍلي بشفقة و قال لي أدخلي سريعا و انظري اليه ,,

فتح لي الباب فدخلت ,,

كنت قبل أن يأتي الميت أجول بين الأقارب و أقول " رجاء , رجاء ,, اذا دخلتم اليه عليكم بالدعاء ,, عليكم بالدعاء ,, ان الملائكة تحاذيه و تؤمن على أدعيتكم ,, ادعو حتى لانفسكم "

آآآآآآه و من الموصي ؟؟

دخلت بيت الجلوس حيث كان موجودا و كان المكان مزدحما جدا ,,

دخول من هنا و هنالك ,, تسمع أصوات باكية و أصوات الرجال الذين يريدون الاسراع في الخروج بالميت للصلاة عليه ,

توجهت اٍلى النعش ,, نظرت اٍلى وجه الميت ,, ( سامح الله من أفتاني بجواز ذلك - مع العلم أني علمت أن الأصل في ذلك أن تغضّ المرأة بصرها عن الميت كما تغضه عن الحي... و الله أعلم )


و يا الله ,, يا الله ,,

فقر في الزاد و فيضان في الاحساس و موقف تتجمد التعابير أمامه ,,

و الله رأيت منظرا لم أره من قبل , و أحسست بشيئ لا أظني أحسست به من قبل ,,

لا تراني الا انطق "بسم الله , بسم الله بسم الله , بسم الله .... "

و ربي أني لا أزكي أحدا على الله ,, انما كان هذا ما أحسست ... و الله أعلم ,

كانت أول مرة في حياتي أرى ميتا مباشرة ,,

كان وجهه مصفرا ,,, كانت سماته أقرب ما تكون اٍلى الابتسام ,, لا أعرف كيف أصف ,, فعلا لا أعرف ,,

شعرت بطمئنينة في وجهه و الله أعلم ,,

و الله حين رأيته و كأني نظرت اٍلى شيئ من الآخرة ,,

الكل يتزاحم لرؤيته ,,

"ما شاء الله " ,, "ماشاء الله " ,, "نور" ,, "ماشاء الله ",,

كانت هذه الكلمات التي أسمع ,,

مما جعل تدافع الجميع لؤيته ,,

كان في الاثناء ابن خالتي استجابة لطلب خالي المغترب ,, يصور الميت ,,

كان هذا طلب خالي من حرقته على ابنه ,, و لكن على علمي أن التسجيل تم اِتلافه قبل أن مشاهدته بطلب من أهل خالي ايضا ,,

..

انتهى القاء ,,

وجب الخروج ,,

الكل اشتد به الألم ,,

و هاج شوق سنين ,,

و أفاق الكل أن الرحيل لا مفر منه و أن الوداع هو الأخير ,

نعم ,

كان الوداع الاخير ,,


...


كانت زيارتك قصيرة جدا يا محمد ,,

لكن أملنا في جنتك هو من صبّرنا ,,

فعسى الله أن يرزقكها في الفردوس الأعلى و كل المؤمنين ,,

اٍنه ولي ذلك و القادر عليه ,,

دُفن الميت ,,

و كانوا يتحدثون عن يُسر حمل نعشه و يُسر دفنه ,,, و الله أعلم ,,



*****




أما هنالك ,, فقد كانوا قد أرسلوا قرة أعينهم مُتوفى ,, و لا يقدر أحد أن يتبعه اٍلى قبره ,, لا تشيع جنازته ,, و لا حضور دفنه و لا وضعه في القبر و لا حث التراب عليه ,,

كان الفراق صعب ,,, و كان الوداع أصعب ,,

لكن اِيمان قلب المؤمن يبقى كفيلا بلملمة جروح الدنيا مهما كان عمقها ,,



...



بعد أن أفقت قليلا من دهشتي وحزني الشديد ,,أصبحت أسال من يعترضني ,, " بالله عليكم ,, أرأيتم ما رأيت ,, أرأيتم ما رأيت" ,, فالكل أكد لي و قال لي " نعم ",,

ذهبتُ اٍلى أمي " أمي أكل الأموات هكذا ,, هل هذه سمات الاموات " ,, "قالت لي لا يا ابنتي" ,, قلت لها "أرأيت ما رأيت" , قالت لي" نعم" ,,

اِطمئنت قليلا حينها و أصبحت أشعر بسعادة ,, كيف لا و كأني أرى علامات حسن الخاتمة على وجهه ,,

أذن العصر فصلينا ,,

جمعت الأطفال حولي و حاولت بما أقدر أن أجعلهم يدعون له ,,

أصبح الكل يدعو بصوت عال براءة شديدة ,, بعضهم يدعو بما يعرف , و الآخر يعيد دعائي ,,

و أحيانا كنت أدعو وهم يؤمنون علي ,,

اِرتحت كثيرا بجلستي معهم ,,, كان أملي في ربي كبير في رحمته ,,

أذّن المغرب ,,

و صلينا ,,

صليت صلاة أتذكرها للآن ,,

و كأني لم أصل صلاة مثلها ,,

أحسست بقرب شديد من الله ,, أحسست بخشية شديدة لله ,, أحسست باستفاقة كبرى ,,

أحسست أنه وجب علي أن أستحضر الموت في كل حين ,,

و لا أخفيكم سرا ,, كانت دموعي مختلطة بين دموع على فقدان الميت , وبين دموع على حزن خالي و أهله و بين دموع على نفسي ,,

كنت أفكر أحيانا "ترى ,, و أنا ,, كيف ستكون عاقبتي" ,,

لعلي كنت أغبط محمد على ما بدا عليه ( و الله أعلم بأحوال خلقه و خواتيمهم) ,, و أتساءل بين الفينة و الأخرى ترى ,, أين هي روحه الآن ,, ترى ما حاله ,, ترى ماذا أجاب ملائكة الموت عند السؤال ,, ترى هل وُسّع له قبره ,, و كنت أحاول أن أُغلّب حسن ظني بربي حتى يرحمه ,,


...



كان اليوم اٍربعاء و كانت المدة عطلة ( أسبوعان ) ,, و تليها كانت الاختبارات ,,

كنت قد خطت للبقاء باذن الله في منزلنا أسبوعا ثم الرجوع

للمبيت الاسبوع الثاني حتى أستطيع المراجعة ,,

لكن عندما تغيرت الاوضاع لم أعد أريد العودة للمبيت ,, اٍلا استجابة لرغبة الامي التي أخذت تحاول اقناعي بالالتفات لدراستي حتى لا أضيع السنة ,, و كانت تصبرني بأن زوجة خالي مازات تحاول العودة اٍلى الوطن فلعلها تتمكن من لك خلال أيام و بالتالي ارجع حينها للقاءه ,,

مع نهاية الاسبوع (السبت و الأحد بالنسبة لنا ) جهزت نفسي للسفر مع أخي ,, ثم انطلقنا على بركة الله ,,

وصلت الى المبيت وأحسست أني تركت قلبي هنالك ,, مع الاهل ,,

نمت وقلت لعل الغد أفضل ,,

لكن يبدو أني أخطئت التفكير حين قررت المجيئ للمبيت للمراجعة و الله أعلم ,,

صورة الميت و أجواء الحزن لم تفارقني ,,

عيوني لا تكاد تجف ,,

وجدت أن أهلي هنالك استطاعوا الصبر أكثر مني ,,

بت أنام و أصحى و أنا مع الأموات ,,

بقيت على هاته الحالة مدة طويلة ,,

أصبحت أرى رؤى غامضة في اليل لا أتذكرها و لكنها تشترك في أن ما يخيم عليها هو الغموض ,, و الخوف ,, و السحاب الداكن ,, اٍلخ ,,

لا أتذكرها فعلا ,, و لكن المشكلة أن مقتطفات منها تأتينا طوال النهار سواء كنت أدرس أو أفعل أي شيئ و على غفلة ,, دون أن أحاول تذكرها ,,


...


وصلت زوجة خالي بفضل الله و منه و جوده و كرمه بعد أسبوع تقريبا من موت ابنها رحمه الله ,

فقر أخي و لعله من أجلي حينما رأى أني لم أعد أحتمل البقاء كثيرا أن نسافر يوم الجمعة اٍن شاء الله ,,

يعني بعد وصولها بيومين تقريبا ,,

كان البكاء هو الطاغي طبعا على لقاء الاحبة ,,

و لكن الصبر هو الأطغى ,,

هذا ما كانت تتسم به زوجة خالي و لله الحمد ,,

كنتُ اٍذا كلمتها في الهاتف لا تقول اٍلا الحمد لله الحمد لله الحمد لله ,,

و كذلك خالي و أبناءه ,

اِجتمع أهلنا و أهل زوجة خالي في منزل جدتي و منهم من بات معها مثل أمها و أختها التي ربتها ,,

حمدَت الله أن استطاعت أمّها ان تستوعب قليلا عودة ابنتها و تفرح بها ,, لأن أمها المسكينة أُبتليت كثيرا في حياتها مما أفقدها وعيها نوعا ما في آخر سنها ,, لكن كانت امرأة رغم كبر سنها بشاشتها و طيبتها على وجهها رغم عينيها الدامعتين دائما ,, و لا أزكيها على الله ,,

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:43 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
اٍنطلقنا أنا و أخي بالسيارة يوم الجمعة ,,

كنا نسير و لأول مرة أتمنى جدا أن يسرع أخي بالسيارة على غير العادة حيث كنت أطلب منه العكس ,,

و الله أحسست بقلبي قد سبق السيارة ,,

شعور لا يوصف ,,

اليوم أرى زوجة خالي ,,

يا الله ,,

اليوم أرى أُناسا قد كنت أحبهم في بعض الوقت حبي للصحابة ,,

اليوم أرى أحبة في الله أحبتهم حبا عظيما ,,

كنت أنظر على يميني و أرى الشاحنات العالية التي كانت عادة تخيفني ,, وجاءني احساس أنه لعلي أموت قبل الوصول ,,

الفرحة التي كنت فيها غير عادية البتّة ,, و كان الحزن جامعها ,,

غير مصدقة أني سأرى زوجة خالي اليوم ,, سبحان الله ,, سبحان الله ,,

وصلنا للبلدة و مررنا بمنزلنا أولا ثم انطلقنا اٍلى منزل جدتي ,,

أحسست أن قلبي سيخرج من مكانه ,, أبى اٍلا أن يسبقني ,,

توقفت السيارة ,, و لم ألتفت لأخي و لأول مرة يطلب مني أن أنتظره حتى ندخل معا ,, استحياء من الموقف ,,

لم أستطع ,, آآآآسفة يا أخي ,, انتظرته بعض الثواني و لكن قلبي سبق ,,

أسرعت اٍلى داخل المنزل كنت أسمع أصواتا يتحدثون بالداخل ,, هل هو صوتها ؟؟ يا الله ,,

دخلت فاذا باِبنة خالي الكبير تعترضني تريد أن تمازحني و تمنعني من الدخول ,, لست قابلة لأي مزاح حينها ,,

صدتها عني و دخلت مسرعة فاذا بي أراها ,,

يا الله ,,

يا الله ,,

يا الله ,,

أخيرا يا حبيبة قلبي ,,

و الله ,, و الله ,, و رب النفس التي بين جنبيّ لكان وجهها مميزا عن كل الوجوه ,,

كانت تحمل من النور الذي أدهشني و الله ,, اللهم اٍني لا أزكي عبدك و لكني أصف رأيت و ما أحسست ,,

قامت لتستقبلني و اِرتميت في احضانها ,,

لم اكن أعي من الموجودون ,,

لم اكن أعي شيئا ,,

اِرتميت في أحضانها و أخذت أقبلها بما وسعت ,,

أجهشنا بالبكاء بعد ما كانت قد سكنت قليلا ,,

كانت تقبلي و تحضني بشدة و تقول " يا فلانة" "يا بنيتي " ...

بقينا على تلك الحالة دقائق ,, ثم أصبح الاهل يحاولون ابعادي عنها بلطف حتى لا تتواصل في البكاء و قد كانت عينيها متعبة قليلا ,,

لم أنتبه لأحد ,, كنت أحضنها بشدة و كنا في بحور من الدموع ,,

تكلمني أمي تلاطفني ,, "ألا تسلمين علي ؟" ,

كانت أول مرة أدخل فيها بعد سفر و كأني لم أرى أمي ,,

لكن دون جدوى ,, لم أستطع ,,

جلست على الكرسي ثم طلبت مني أن أجلس على ركبتيها حتى أطمئن قليلا و قالت لي لا تخافي ,, ستبيتين اليلة في حضني ان شاء الله ,,

حينها ارتحت قليلا و جلست بجانبها و لكني أحسست أن قلبي نبضاته في تصاعد و ضاق صدري و أصبحت أتنفس بصعوبة ,,

أصبحوا يحاولون تهدئتي ,, " انتهى " ,," الان هي بجانبك" ,," و ستبيتين في حضنها ان شاء الله " ,, "اهدئي" و أصبحوا يمازحوني ,,

كنت أتلفظ بكلمات بصعوبة ,, بتقطع ,, " الآن ,, الآن ,, الآن لا أريد من الدنيا شيئا ,, الان لا اريد من الدنيا شيئا ,, كنت خائفة أن أموت قبل رؤيتها .."

...


يا الله ما أحلمك و أكرمك ,, يا الله سبحانك اٍنما آتينا فضلا كبيرا ,,
فضلا عظيما ,,

رأيتها في دنياي قبل آخرتي ,,

اللهم لك الحمد ,, اللهم لك الحمد ,,

هدأتُ قليلا و أصبحت أتأمل فيها كثيرا و هي تسألني عن حالي ,,

و الله و كأن النور يتلألأ من وجهها ,,

كانت اٍذا بكت تبكي بهدوء بالغ وهي تقول الحمد لله الحمد لله الحمد لله ,,

كانت دائما تردد التحميد وأحيانا تدعو " اللهم اِرحم ضعفنا اللهم اِرحم ضعفنا "

كانت بشوشة مع الاطفال و الكبار و الكل ,,

في أيام تواجدها معنا و كأن البركة نزلت على البيت ,,

كنا ( النساء ) نجتمع في غرفة واحدة و نصلي معا و كان الأطفال يُجانبوننا و قد أصبحت البنات الصغيرات يطلبن من أمهاتهن حجاباتهن و جلابيبهن ليلبسنها ,,

في اليل أوفت بوعدها و نادتني و نمت بين أحضانها و كان معنا بعض الاهل في نفس الغرفة ايضا ,,

يا الله ما أكرمك و أحلمك ,,

سبحان ربي ,, سبحان ربي ,,

في تلك اليلة ,, بقيت تقص علينا ما ذكرتُه آنفا من بعض تفاصليل الموت ,,

مر اليومان و كأني في حلم أخاف أن أصحو منه ,,

لم أر و لم أسمع منها الا الصبر و الحمد لله ,, ما عدى آخر يوم كانت سترجع فيه الى أهلها في الخارج ,, و كنتُ قد سافرت حينها من أجل الاختبارات و الدراسة ,, قد قيل لي أنها تأثرت حينما أحست أنها سترك ابنها من جديد و ترحل ,, كانت في تلك الايام تحس بالاستئناس أنها في نفس الارض التي دُفن فيها ,, فلما كان آخر يوم ,, أصبحت تبكي بكاء مريرا و قالت " اللهم أقم الساعة" ,, ثم سريعا ما استغفرت و بقي الحمد هو كلامها ,, و الحمد لله ,,

أما هنالك ,, في أرض الغربة ,, فنظرا لان ابنة خالي و أخاها الصغير لم يتمكنا من السفر مع أمهما و نظرا لحالة الحزن التي كانت مسيطرة ,, أخذ خالي ابنيه و سافر بهما على السيارة اٍلى بلد مجاور حتى يخرجا من تلك الحالة قليلا و لأن المنزل أصبح كئيبا خاصة بعد سفر زوجة خالي ,,

بعد رجوعها من السفر ,, طلبت من زوجها أن يقوم بالتصدق بكل ما يخص ابنها المتوفي – رحمه الله – من ملابس و كل ما يملك و قرا أيضا تغيير المنزل ,, نظرا لأن زوجة خالي أصبحت تتذكر ابنها بكل ركن من أركان هذا المنزل ,, كذلك خالي أصر على أن يبقى موعد زفاف ابنته نفسه ,, ألاوهو تقريبا بعد حوالي شهرين من الحادثة ,, و كانت العادة في بلادنا ,, و أقول الأغلب و ليس الكل والله أعلم ,, أنه في مثل هذه الحالات تتأجل الافراح حزنا على وفاة الميت ,, و خاصة اٍذا كان قريبا بصفة مباشرة لأهل الزفاف,

حان وقت العرس ,, و لم يتيسر لأحد من الاهلين لا أهل خالي و لا أهل زوجته السفر و الحضور ,,

مر العرس كأحسن ما يكون و الحمد لله ,, لم تكن أجواء الحزن طاغية كما تخيلنا و كما كنا متعودين في أعراس تلي بعض مصائب الموت ,,

الحمد لله رب العالمين ,,

في السنة القادمة يسر من لا يتعسر عليه شيئ لخالي و زوجته الحج للمرة الثالثة على التوالي ,,

رغم أن ظروفهم المالية لا تسمح بالمرة ,, و الحمد لله رب العالمين ,,

و ذلك لأنهما وعدا أم زوجة خالي بأن يصاحبانها في حجّها ,, و بما علمت كان خالي قد حج حينها لابنه المتوفي بماله الذي كان يجمعه لتزويج أخته ,,

بعد أشهر تمكنت زوجة خالي من العودة للبلاد من جديد و كان هذه المرة معها اِبنيها و الحمد لله ,,



*****



اليوم ,, مر عامان تقريبا على وفاة محمد – رحمه الله - ,

خالي و زوجته أصبحا جدين لأول حفيدة لهما ,, و الحمد لله ,,

و مازال الأمل في أن نرى خالي و أن تعود عائلته بين الأهل و الأقارب قائما ,, و الحمد لله ,,

أسلامى حياتى 12-06-2010 02:45 PM

رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
 
بالنسبة لي ,, يوم التقيت زوجة خالي أول مرة ,, كانت أمي تهيئني لخبر سيئ ,, و الحمد لله على كل حال ,,

بعد أن هدأ روعي من حرارة القاء ,, و كانت تعلم أمي أن الخبر لن يخفى علي طالت المدة أم قصرت ,,

قالت لي " يا فلانة ,, لقد توفي شخص ما " ,,

صُدمت ,,

و تسارعت الافكار في ذهني ,,

الكل مجتمع ,, الاقارب و الأهل ,, و ليس هنالك علامات أسى على الوجوه ,,

لم أفهم ما الامر ,, أحسست بمصيبة قادمة ,, لكني لم أعرف من أي جهة ستأتي ,,

و لكني أتذكر و الله أعلم أني سارعت بالاسترجاع قبل ذكر اسم المتوفي ,

قالت لي توفي " فلان " ,, " أخ صديقتك ايمان " ,,

أحسست أن عقلي تجمد و ضاع تركيزه في كل شيئ ,

" من ايمان يا أمي " ,, و كان لي من الصديقات الحميمات ثلاثة ,, صديقتان في نفس البلدة و نكون ثلاثيا منذ أن كان عمرنا 15 سنة و لحد الآن و الحمد لله و كانت احداهما "ايمان" ,,

و صديقة أخرى تُدعى " ايمان أيضا " في بلدة مجاورة ,

كان المفروض مع ذكر اِسم الميت أعرف من هي "ايمان" , و من هو المتوفي ,,

أكدت أمي لي أن المتوفي هو أخ صديقتي ايمان التي ذكرت بداية ,,

مسكتُ رأسي و اِبتعدتُ عن الجميع ,,

لحقتني أمي و كانت تقول لي " يا بنيتي انك مؤمنة ,, انك مؤمنة ",,

كنت أقول " رباه رباه , لم أعد أحتمل" – غفر الله لي –

فأخذت أمي تصبرني و كنت أرد عليها بأني و الله لم أعد أقوى على الاستيعاب ,,

قلت لها يوم تُوفي محمد ابن خالي صدقت حينها فقط أو بالاحرى استوعبت أن محمد ابن عمتي قد تُوفي ,,

و الآن فقط بدأت أستوعب أن محمد ابن خالي قد تُوفي ,,

يا الله رُحماك ,,

حاولت الاتصال بصديقتي و لكني لم أستطع أن أكلم سوى أختها ,,

و لا أنكر أن وجود زوجة خالي بيننا ليلتها كان قد خف علي كثيرا ,, أو بالاحرى و كأني تناسيت شيئا لم يقدر عقلي على استيعابه ,

من الغد ,, ذهبت لأعزي صديقتي وجدتها في حالة يُرثى لها ,,

حاولت تصبيرها بقصة موت ابن خالي و صبر أهله رغم أنهم لم يحضروا جنازته ,,

لكن موت الفجأة لا يصبر عليه اٍلا من قد حصّن قلبه بقوة الايمان قبل المصيبة ,,

الحمد لله رب العالمين ,

الحمد لله الذي الذي ينزل الصبر مع البلاء ,,

الحمد لله الذي لا نُوفيه حقه علينا بالحمد و الشكر ,,

تواصلت معي حالة الرؤى الدائمة التي كنت أراها أولا طوال السنة تقريبا ,,

حيث كنت أرى في اليلة رؤى أو أحلاما غامضة و أستفيق فلا أتذكر شيئا ثم تفاجئني بعض المقتطفات منها في وسط النهار ,,

حتى تعبت جدا ,, و قلق علي أهلي ,,

كان عيشي مع الموت أكثر من الحياة ,, والله أعلم ,

كنت أتخيل نفسي في القبر ,,

أصبحت دائمة التفكير و التوهان ,,

و بكائي لا يكاد ينقطع ,,

الحمد لله ,, الحمد لله , الحمد لله ,,

تعلمت من الحادثة الصبر و الثبات ,,

تعلمت أن الدنيا اٍلى زوال ,,

وأصبحت أتخيل وفاة أقرب الناس مودة اٍلى قلبي و احاول تثبيت نفسي ,,

كانت نقطة ضعف بالنسبة لي موت الأحبة ,,

لكن توالي مصائب الموت علي تدريجيا في تلك الفترة أحسبُ أنه قواني نسبيا و الله أعلم ,

و كنت أقول كلمات نطقتها مع أول مصائب تلك السنة ,, حادثة جيراننا حيث توفي الأب و الأم و الاِبن معا ,,

كنت أقول " اللهم اجعلنا نتقيك في النفس الذي نتنفسه "

الحمد لله رب العالمين ,,

مما تغير في أيضا أني في تلك الفترة بعد وفاة ابن عمتي ,, لبست القفازين و كنت قبلها في جدال مع أحدى الاخوات في هذه المسألة و كنت أنتظرها أن تأتيني بالأدلة المقنعة ,,

لم يتيسر لها أن تأتيني بالأدلة كما وعدتني لكني بعد الخبر وجدت نفسي أرتديهم و انا لا أعرف هل هذا واجب أم لا,

و لكن بعد فترة أحسست بالارتياح و بالطمئنينة للقرا الذي أخذته و الذي سبب لي مشاكل فيما بعد و الحمد لله ,,

تعلمت في تلك الأشهر الصعبة أن أسعى للتقوى نوعا ما ,, و الله أعلم ,,

تعلمت أنه وجب علي أن أهيأ نفسي لدار القرار و أهيأ من حولي على قدر استطاعتي ,,

و أن ملك الموت لا يستشير ميتا و لا يطرق بابا للاستئذان ,,

علمت و تعلمت أن بعد عسر يسرا ,, و أن مصائب الموت ليست نهاية الحياة ,, و انِما هو بلاء للتمحيص لمواصة الامتحان و الثبات بكرم الله و فضله ,,

حاولت أن أتعلم دروسا في الصبر ,

الحمد لله و الشكر لله ,,

الحمد لله الذي أبقانا أحياء حتى نكتب هاته الكلمات ,,

الحمد لله الذي نسأله حسن الخاتمة و حسن العاقبة و حسن المستقر ,,

الحمد لله الذي أغنانا في لحظات عن الدنيا و زينتها بطلب الاخرة و عُلُوّها و نسأل الله أن يثبتنا على هذا السؤال باٍخلا ص اٍلى يوم الدين ,

- ملاحظة : نقل الأحداث كان كما تذكرت و كما أحسست و من وجهة نظري ,, أستغفر الله و أعتذر اٍن أخطأت في تفصيل ما , و لا أزكي أياّ كان على الله و ,, الله هو الحسيب على خلقه.


الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 12:28 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.


Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0