ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ

ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ (https://fashion.azyya.com/index.php)
-   منتدى اسلامي (https://fashion.azyya.com/56)
-   -   سلسلة أخلاق وآداب الإسلام (https://fashion.azyya.com/366282.html)

أسيرة الجرح 07-04-2012 10:27 PM

سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808173.png

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله https://www.kalemat.org/gfx/article_salla.gifوعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:


نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله نفتتح أول عدد منها :


https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

قال الله تبارك وتعالى: ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( [الحشر:7]. وقال الله عز وجل: ) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [آل عمران:31]. قال : { أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار } [صحيح الجامع:1353].

وقال : { من رغب عن سنتي فليس مني } [رواه البخاري ومسلم]. وهناك نصوص كثيرة أخرى تدعوى إلى اتباع كتاب الله وسنة رسوله ، وعدم ابتداع عبادات جديدة، أو طرق جديدة في العبادة. لذلك وجدنا أنه من الواجب علينا أن نذكرك يا أخي المسلم وأنفسنا بسنن الرسول صلى عليه وسلم وأخلاقه مما صح عنه قدر ما تسمح لنا المساحة هنا، وبالله سبحانه وتعالى وحده نستعين.

احرص على النوم مبكراً لكي تصحوا لصلاة الفجر لأنه كما يقول العلماء: ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) وصلاة الفجر فرض على كل مسلم ومما يساعدك على أن تصحو مبكراً:

(أ) أن لا تكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبك النوم ويقل عليك القيام.

(ب) أن لا تتعب نفسك كثيراً بالنهار في الأعمال المجهدة مثل لعب الرياضة أو غيره، فقيام الليل والقيام لصلاة الفجر أهم.

(ج) حاول ألا تترك القيلولة فإنها سنة، وتعينك بإذن الله على قيام الليل والقيام لصلاة الفجر. قال : { قيلوا إن الشياطين لا تقيل }.

(د) عدم احتقار الأوزار فإن ذلك مما يقسي القلب. قال رجل للحسن: إني أحب قيام الليل. فما بالي لا أقوم؟ فقال: ( ذنوبك قيدتك ).

(هـ) سلامة القلب من الحقد على المسلمين ومن البدع وعدم الاسغراق في هموم الدنيا.

(و) والحب لله قوة، وقوة الإيمان، واستشعارك أنك تناجي ربك عز وجل.

(ز) تأدية صلاة الوتر وقراءة القرآن الكريم قبل النوم، أما إذا غلب ظنك أنك ستقوم قبل الفجر فالوتر أفضل في آخر الليل، والله أعلم. هذه بعض الأسباب التي تعينك إن شاء الله على القيام لصلاة الليل وصلاة الفجر، خذ بها وأخلص النية في قيامك، واسأل الله أن يقبل منك عملك وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم سبحانه، وأن يجعله موافقاً لكتابه وسنة نبيه لأنهما شرطان لا يكون العمل صالحاً ومقبولاً عند الله إلا بهما، واحذر يا أخي أن تكون ممن قال عنهم : { إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة } [صحيح الجامع:1874]. وقال : { نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى في الليل } [صحيح الجامع]. وقال : { أفضل الصلاة بعد

المكتوبة قيام الليل } [أخرجه مسلم].

وإذا استيقظت فالسنة أن تقول: { الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور } [رواه البخاري]. وتسبغ الوضوء وتقرأ من القرآن من قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... } حتى نهاية السورة هي لإحدى وعشرة آية الأخيرة من سورة آل عمران، وهذا ثابت من فعله أحياناً، ثم ابدأ صلاة الليل بركعتين خفيفتين ثم تصلي ما أردت ركعتين ركعتين تطيل فيها القيام ولا تزيد في رمضان أو غيره عن إحدى عشرة ركعة بما في ذلك الوتر لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما كان النبي يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ) [رواه الشيخان]. وإذا كنت تصلي في آخر الليل فتوتر قبل طلوع الفجر إذا لم تكن قد صليت الوتر قبل أن تنام والكل ثابت عن الرسول .

إذا دخل وقت الفجر يستحسن أن تتوضأ مرة أخرى فالوضوء لكل صلاة سنة وإن كنت متوضئاً، ثم تصلى ركعتين خفيفتين هما سنة الفجر، ولا تصلي بعدها شيئاً إلى أن تقام صلاة الفجر، والسنة أن تطيل صلاة الفجر أكثر من الصلوات الباقية، حتى إنه ثبت أن الرسول صلّى في الفجر بستين آية في ركعة واحدة. ومن السنة أيضاً أن تقعد في مصلاك بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس تذكر الله. [انظر حديث 6346 صحيح الجامع].

إذا تناولت الطعام فاذكر اسم الله في أوله، وإذا نسيت أن تذكر اسم الله في أوله فقل: ( بسم الله أوله وآخره ) وإذا فرغت من الطعام فقل: ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا بلا حول منا ولا قوة ).

إذا خرجت من بيتك فقل دعاء الخروج من المنزل: ( بسم الله.. توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) [صيحيح أبو داود والترمذي].

تذكر حين تصبح وتمسي قول الرسول : { من قال حين يصبح ويمسي: ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ) ثلاث مرات، لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يمسي } [صحيح الجامع:6426].

حكم شرع الله تبارك وتعالى، أوامره ونواهية وسنن نبيه في كل عمل تعمله، واتق الله في جميع أعمالك، ولا تجعل الدنيا همك، فقد قال : { من كانت الآخرة همّه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له } [صحيح الجامع:6510].

حافظ على الصلوات في أوقاتها واجعل الصلاة وجميع الفرائض الإسلامية في حياتك هي الأهم، ولا تدع للشيطان مجالاً يوسوس لك بأن تؤخر الصلاة عن وقتها، أو أن يثبط عزيمتك عن الذهاب إلى صلاة الجماعة في المسجد، واجعل الأفضلية دائماً لعبادتك لله تعالى لكي لا تقع تحت العقاب الشيديد الذي توعد الله به الذين يجعلون الأفضلة لأمور دنياهم حيث قال: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة:24].

تجنب الشبهات في كل شيء في مطعمك وملبسك ومشربك، وفي جميع أمور حياتك؛ فالرسول الكريم قال: { من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه } [رواه أحمد بسند صحيح]. وقال أن تترك الفحش: وهو كل ما قبح وساء من قول أو فعل. واخفض صوتك واغضض منه إذا تكلمت وخاصة في الأماكن العامة.

ادفع السيئة التي قد تصيبك من أحد بالحسنة بأن تعفو عن المسيء.

اترك التأنيب والتعنيف لمن قصرَّ في خدمتك ولا تقصرَّ في واجبك ولا تبخس حق غيرك.

اترك الضحك إلا قليلاً وليكن أغلب ضحكك التبسم.

لا تتأخر عن قضاء حاجة الضعيف والمسكيين وأعن أهل بيتك على شؤون البيت.

البس أحسن الثياب التي عندك، لا سيما وقت الصلاة والأعياد وتجنب الإسراف، في الملبس وغيره.

لا تتكبر عن الأكل على الأرض، وكل ما وجد من الطعام، واكتف بالقليل منه.

العمل ومشاركة العاملين ولو بحفر الأرض ونقل التراب، والسرور بذلك لعدم التكبر. وعدم الرضا بالمدح الزائد والإطرء المبالغ فيه.

تجنب البذاءة والكلام الفاحش ولو مازحاً ولا تقل سوءاً ولا تكثر المزاح ولا تقل إلا الصدق واحذر الكذب ولو لإضحاك الناس.

لا تواجه أحداً من إخوانك بمكروه وارحم الناس والحيوانات حتى يرحمك الله.

احذر البخل فهو مكروه من الله ومن الناس واحذر الإسراف في المأكل والمشرب والملبس وفي كل أنواع المتاع.

واحذر الغضب وما ينتج عنه، وإذا غضبت فاستعذ بالله ولا تكثر الكلام فهو مسجل عليك.

اقرأ القرآن بفهم وتدبر، واسمعه من غيرك.

لا تردَّ الطيب، واستعمله دائماً، لا سيما عند الصلاة واستعمل السواك فهو سنة، لا سيما عند الوضوء والصلاة.

كن شجاعاً، وقل الحق ولو على نفسك واقبل النصيحة من كل إنسان واحذر ردَّها.

اعدل بين زوجاتك وأولادك ولا تعط أحدهم أكثر من الآخر، واعدل بينهم في كل مجال، واعدل في كل أعمالك.

اصبر على أذى الناس وسامحهم، حتى يسامحك الله بفضله سبحانه وتعالى وأحب للناس ما تحب لنفسك.

أكثر من إلقاء السلام على إخوانك وأهلهك عند الدخول والخروج وعند اللقاء في كل وقت وحال.

تقيد بلفظ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الوارد في السنة ولا تستغن عنه بعبارات أخرى مثل: " صباخ الخير" أو ما شابهها.

إذا غيرت شيبك فغيره بالأصفر أو الأحمر واحذر تغييره بالأسود امتثالاً لأمر الرسول .

تمسك في جميع أعمالك بسنن الرسول حتى تدخل بإذن الله في قوله : { إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن بما أنتم عليه أجر خمسين منكم } قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: { بل منكم } [أخرجه ابن نصر في السنة وصححه الألباني بشواهده].

لا تحرص وتتكالب على الدنيا وحبها فالدنيا دار زائلة. وفي هذا روى جابر أن رسول الله مر بجدي ميت فقال: { أيكم يجب أن هذا له بدرهم } قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء. قال: { فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم } [رواه مسلم]. وقال : { لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء } [صحيح الجامع:5168].

.. نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا واياكم العمل بكتابه وسنة نبية ، ونسأل الله أن يرزقنا حبه وطاعته وأن يميتنا على تقواه، وأن يرزقنا حب نبيه وشفاعته، ولزوم سننه، وأن لا نكون ممن قال عنهم : " وإن سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، ولا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" صحي الترغيب والترهيب 49.

فحذار يا أخي أن تكون من هؤلاء، فاتبع كتاب الله وسنة نبيه ، وتعلمها وعلمها أهلك وإخوانك فإن لك بذلك أجراً إن شاء الله. قال : { الدال على الخير كفاعله } [صحيح الجامع:3399].



وهذا ما تيسر جمعه فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن عند أنفسنا.. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

خلود مبارك 07-04-2012 10:31 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
جزاك الله خيييير

أسيرة الجرح 07-04-2012 10:31 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد الثاني

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }

في آداب الصداقة والصديق
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
فإن للصحبة آداباً قلّ من يراعيها. ولذلك فإننا كثيراً ما نجد المحبة تنقلب إلى عداوة، والصداقة تنقلب إلى بغضاء وخصومة، ولو تمسك كل من الصاحبين بآداب الصحبة لما حدثت الفرقة بينهما، ولما وجد الشيطان طريقاً إليهما.

ومن آداب الصحبة التي يجب مراعاتها:

1- أن تكون الصحبة والأخوة في الله عز وجل.

2- أن يكون الصاحب ذا خلق ودين، فقد قال : { المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل } [أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني].

3- أن يكون الصاحب ذا عقل راجح.

4- أن يكون عدلاً غير فاسق، متبعاً غير مبتدع.

5- ومن آداب الصاحب: أن يستر عيوب صاحبه ولا ينشرها.

6- أن ينصحه برفق ولين ومودة، ولا يغلظ عليه بالقول.

7- أن يصبر عليه في النصيحة ولا ييأس من الإصلاح.

8- أن يصبر على أذى صاحبه.

9- أن يكون وفياً لصاحبه مهما كانت الظروف.

10- أن يزوره في الله عز وجل لا لأجل مصلحة دنيوية.

11- أن يسأل عليه إذا غاب، ويتفقد عياله إذا سافر.

12- أن يعوده إذا مرض، ويسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، وينصح له إذا استنصحه، ويشمته إذا عطس، ويتبعه إذا مات.

13- أن ينشر محاسنه ويذكر فضائله.

14- أن يحب له الخير كما يحبه لنفسه.

15- أن يعلمه ما جهله من أمور دينه، ويرشده إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه.

16- أن يذبّ عنه ويردّ غيبته إذا تُكلم عليه في المجالس.

17- أن ينصره ظالماً أو مظلوماً. ونصره ظالماً بكفه عن الظلم ومنعه منه.

18- ألا يبخل عليه إذا احتاج إلى معونته، فالصديق وقت الضيق.

19- أن يقضي حوائجه ويسعى في مصالحه، ويرضى من بره بالقليل.

20- أن يؤثره على نفسه ويقدمه على غيره.

21- أن يشاركه في أفراحه، ويواسيه في أحزانه وأتراحه.

22- أن يكثر من الدعاء له بظهر الغيب.

23- أن ينصفه من نفسه عند الاختلاف.

24- ألا ينسى مودته، فالحرّ من راعى وداد لحظة.

25- ألا يكثر عليه اللوم والعتاب.

26- أن يلتمس له المعاذير ولا يلجئه إلى الاعتذار.

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد . . جاءت محاسنه بألف شفيع

27- أن يقبل معاذيره إذا اعتذر.

28- أن يرحب به عند زيارته، ويبش في وجهه، ويكرمه غاية الإكرام.

29- أن يقدم له الهدايا، ولا ينساه من معروفه وبره.

30- أن ينسى زلاته، ويتجاوز عن هفواته.

31- ألا ينتظر منه مكافأة على حسن صنيعه.

32- أن يُعلمه بمحبته له كما قال : { إذا أحب أحدكم أخاه فليُعلمه أنه يحبه } [أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

33- ألا يعيّره بذنب فعله، ولا بجرم ارتكبه.

34- أن يتواضع له ولا يتكبر عليه. قال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء:215].

35- ألا يكثر معه المُماراة والمجادلة، ولا يجعل ذلك سبيلاً لهجره وخصامه.

36- ألا يسيء به الظن. قال : { إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث } [رواه مسلم].

37- ألا يفشي له سراً، ولا يخلف معه وعداً، ولا يطيع فيه عدواً.

38- أن يسارع في تهنئته وتبشيره بالخير.

39- ألا يحقر شيئاً من معروفه ولو كان قليلاً.

40- أن يشجعه دائماً على التقدم والنجاح.



والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-04-2012 10:37 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد الثالث
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }

نحن والمزاح


https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
فإن الإنسان مدني بطبعة، ومع اتساع المدن وكثرة الفراغ لدى بعض الناس، وانتشار أماكن التجمعات العامة كالمنتزهات والإستراحات، وكثرة الرحلات البرية، والإتصالات الهاتفية، واللقاءات المدرسية، والتجمعات الشبابية، توسع كثير من الناس في المزاح مع بعضهم البعض، دون ضابط لهذا الأمر الذي قد يؤدي إلى المهالك، ويورث العداوة والبغضاء.

والمراد بالمزاح: الملاطفة والمؤانسة، وتطييب الخواطر، وإدخال السرور. وقد كان هذا من هدي النبي كما ذكر ذلك البخاري في باب الانبساط إلى الناس مستدلاً بحديث: { يا أبا عمير ما فعل النغير }.

وكذلك ما رواه أبو داود عن أنس أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله احملني. فقال النبي :

{ إنا حاملوك على ولد الناقة } قال وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي : { وهل تلد الإبل إلا النوق }.

وعن أنس أن النبي قال له: { يا ذا الأذنين } يمازحه [رواه الترمذي].

ولا شك أن التبسط لطرد السأم والملل، وتطييب المجالس بالمزاح الخفيف فيه خير كثير، قال ابن تيمية رحمه الله: ( فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة )، وقد اعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة، ولاشك أن لذلك ضوابط منها:

1- ألا يكون فيه شيء من الإستهزاء بالدين:

فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة:66،65]، قال ابن تيمية رحمه الله: ( الإستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ).

وكذلك الإستهزاء ببعض السنن، ومما انتشر كالإستهزاء باللحية أو الحجاب، أو بتقصير الثوب أو غيرها.

قال فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله في المجموع الثمين [1/ 63]: ( فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا بإستهزاء، ولا بإضحاك، ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله و كتبه وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته، والله ولي التوفيق ).

2- ألا يكون المزاح إلا صدقاً:

قال : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له } [رواه أبو داود].

وقال محذراً من هذا المسلك الخطير الذي اعتاده بعض المهرجين: { إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا } [رواه أحمد].

3- عدم الترويع:

خاصة ممن لديهم نشاط وقوة أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد، أو يستغلون الظلام وضعف بعض الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف، عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي ، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول : { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما } [رواه أبو داود].

4- الإستهزاء والغمز و اللمز:

الناس مراتب في مداركهم وعقولهم وتتفاوت شخصياتهم، وبعض ضعاف النفوس - أهل الإستهزاء والغمز واللمز - قد يجدون شخصاً يكون لهم سلماً للإضحاك والتندر والعياذ بالله وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } [الحجرات:11]، قال ابن كثير في تفسيره: ( المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والإستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين ).

والبعض يستهزىء بالخلقة أو بالمشية أو المركب ويخشى على المستهزىء أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال : { لا تظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك } [رواه الترمذي].

وحذر من السخرية والإيذاء؛ لأن ذلك طريق العداوة والبغضاء قال : { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؟ دمه، وماله، وعرضه } [رواه مسلم].

5- أن لا يكون المزاح كثيراً:

فإن البعض يغلب عليهم هذا الأمر ويصبح ديدناً لهم، وهذا عكس الجد الذي هو من سمات المؤمنين، والمزاح فسحة ورخصة لاستمرار الجد والنشاط والترويح عن النفس.

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( اتقوا المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة ).

قال الإمام النووي رحمه الله: ( المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى: ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله يفعله ).

6- معرفة مقدار الناس:

فإن البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار، فللعالم حق، وللكبير تقديره، وللشيخ توقيره، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يعرف.

وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز: ( اتقو المزاح، فإنه يذهب المروءة ).

وقال سعد بن أبي وقاص: ( اقتصر في مزاحك، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرىء عليك السفهاء )

7- أن يكون المزاح بمقدار الملح للطعام:

قال : { لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب } [صحيح الجامع:7312].

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به ).

فإياك إياك المزاح فإنه *** يجرىء عليك الطفل والدنس النذلا

ويذهب ماء الوجه بعد بهاءه *** ويورثه من بعد عزته ذلا

8- ألا يكون فيه غيبة:

وهذا مرض خبيث، ويزين لدى البعض إنه يحكى ويقال بطريقة المزاح، وإلا فهو داخل في حديث النبي : { ذكرك أخاك بما يكره } [رواه مسلم].

9- إختيار الأوقات المناسبة للمزاح:

كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.

أيها المسلم:

قال رجل لسفيان بن عيينة رحمه الله: المزاح هجنة - أي مستنكر - فأجابه قائلا: ( بل هو سنة، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه ).

والأمة اليوم وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها وطرد السأم من حياتها، إلا أنها أغرقت في جانب الترويح والضحك والمزاح فأصبح ديدنها وشغل مجالسها وسمرها. فتضيع الأوقات، وتفنى الأعمار، وتمتلىء الصحف بالهزل واللعب.

قال : { لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً } قال في فتح الباري: ( المراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة ). وعلى المسلم والمسلمة أن ينزع إلى اختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله عز وجل بجد وثبات، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين، قال بلال بن سعد: ( أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهباناً ).

وسئل ابن عمر رضي الله عنهما: ( هل كان أصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال ).

فعليك بأمثال هؤلاء، فرسان النهار، رهبان الليل.



جعلنا الله وإياكم ووالدينا من الآمنين يوم الفزع الأكبر، ممن ينادون في ذلك اليوم العظيم: ادخلوا الجنة

لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أسيرة الجرح 07-04-2012 10:53 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد الرابع
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


{ قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِما يَصنَعُونَ (30)

وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ }

أعطوا الطريق حقه :


https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

قال تعالى: { قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِما يَصنَعُونَ (30) وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور:31،30].

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : { إياكم والجلوس على الطرقات }. فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: { فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه }. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: { غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر } [رواه البخاري].

1 - فمن حق الطريق: وجوب أداء حقوق الطريق:

وحقوق الطريق بيّنها النبي وهي: ( غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر ) وهذه الحقوق ليست من باب الحصر، وإنما هي بعضها، وقد بيّنت أحاديث أُخر حقوقاً للطريق غير هذه، فعلم أن المذكورات التي في الحديث ليست من باب الحصر.

أ - غض البصر: الأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء، وذلك لأن إطلاق البصر فيما يحرم يجلب عذاب القلب وألمه، وهو يظن أنه يروح عن نفسه ويبهج قلبه، ولكن هيهات. وأعظمهم عذاباً مدمنهم، وكما قال ابن تيمية رحمه الله: ( تعمد النظر يورث القلب علاقة يتعذب بها الإنسان، وإن قويت حتى صارت غراماً وعشقاً زاد العذاب الأليم، سواء قدر أنه قادر على المحبوب أو عاجز عنه، فإن كان عاجزاً فهو في عذاب أليم من الحزن والهم والغم، وإن كان قادراً فهو في عذاب أليم من خوف فراقه، ومن السعي في تأليفه وأسباب رضاه! ) انتهى كلامه رحمه الله.

وأصل ذلك ومبدؤه من النظر، فلو أنه غض بصره لارتاحات نفسه وارتاح قلبه.

والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم، بل أمر من نظر إلى امرأة أجنبية بدون قصد منه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى. قال جرير بن عبدالله رضي الله عنه: { سألت رسول الله عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري } [رواه مسلم]. ومعنى نظر الفجأة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث، قاله النووي.

ب - كف الأذى: ومن حقوق الطريق، كف الأذى وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم. وفي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي قال: { المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده... الحديث } [رواه البخاري ومسلم] والحديث من جوامع كلمه ، فيشمل اللسان من تكلم بلسانه وآذى الناس في أعراضهم أو سبهم، ويشمل من أخرج لسانه استهزاء وسخرية. وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر في الضرب، بل تتعداها إلى أمور أُخر كالوشاة بالناس، والسعي في الإضرار بهم عن طريق الكتابة، أو القتل ونحو ذلك. بل إن من محاسن هذا الدين أن كان كف المرء شره وأذاه عن الناس صدقة يتصدق بها على نفسه، جاء ذلك في حديث أبي ذر قال: سألت النبي : أي العمل أفضل؟ قال: { إيمان بالله وجهاد في سبيله }. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: { أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها }. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: { تعين صانعاً أو تصنع لأخرق }. قال: فإن لم أفعل؟ قال: { تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك } [رواه البخاري]. وعند مسلم: { تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك }.

جـ - رد السلام: ومن حقوق الطريق: رد السلام، وهو واجب لقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: { خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز } [رواه البخاري ومسلم]. وقد قصّر في هذا الباب خلق كثير، واقتصر سلامهم على المعرفة، فمن عرفوه سلموا عليه أو ردوا عليه سلامه، ومن لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً. وهذا خلل ومخالفة للسنة.

د - وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هذا باب عظيم الشأن والقدر، به كانت هذه الأمة خير الأمم: كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ [آل عمران: 110]. قال ابن كثير: قال عمر بن الخطاب من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: كَانُواْ لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة: 79].

وبتركه يحل بهم العقاب. فقد روى الإمام أحمد في مسنده قال: ( قام أبوبكر فحمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم [المائدة:105] إلى آخر الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله يقول: { إن الناس إذا رأوا المنكر، لا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب } ).

وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة للأمة، منها: نجاة سفينة المجتمع من الهلاك والغرق، ومنها قمع الباطل وأهله، ومنها كثرة الخيرات والحد من الشرور، ومنها استتباب الأمن، ومنها نشر الفضيلة وقمع الرذيلة... إلخ.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مقصوراً على جهة معينة ( كالهيئة مثلاً ) أو أناس معينين ( كرجال الحسبة )، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد، كلٌ بحسب استطاعته. والحديث الوارد في ذلك عام لم يخصص أحداً من أحد. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان } [رواه مسلم]. ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أمور:

أولاً: التدرج في الإنكار: فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا.

الثاني: أن من كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار: فرب الأسرة هو السيد المطاع في البيت وتغييره يكون بيده فهو قادر على إزالة المنكر بيده ولا يعذر بترك ذلك.

الثالث: العلم بالمنكر أنه منكر قبل الإنكار: وهل هو من الأمور التي يسوغ فيها الخلاف، وهذا باب غلط فيه فئام من الناس، فليتنبه له.

الرابع: يجب أن يستشعر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح: وأن لا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وإفساد.

الخامس: إذا عجز المُنكرُ عن المرتبة الأولى والثانية: فلا يغفل عن قلبه ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه.

هـ - هداية السائل عن الطريق: ومن حقوق الطريق - أيضاً - إرشاد السائل عن الطريق، وهدايته إليه، سواءً كان ضالاً أو أعمى. وجاء هذا الحق مصرحاً به في حديث أبي هريرة في قصة الذين سألوا النبي عن حق الطريق قال: { وإرشاد السبيل } [رواه أبو داود]. وفي حديث آخر لأبي هريرة ما يبين أن هداية السبيل من الصدقات، قال: قال رسول الله : { ودلُّ الطريق صدقة } [رواه البخاري].

2 - ومن حق الطريق: إزالة الأذى من الطريق:

من الآداب المستحبة في الطريق! إزالة الأذى عن الطريق، بل هي من الإيمان: قال : { الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان } [رواه البخاري].

وهي من الصدقات، وبسببها أدخل رجل الجنة، ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل سلامى من الناس عليه صدقة... ثم قال: وتميط الأذى عن الطريق صدقة } [رواه البخاري ومسلم]. وعنه أيضاً أن رسول الله قال: { بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفرله... الحديث } [رواه البخاري ومسلم] وعند أبي داود: قال رسول الله : { نزع رجلاً لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة }.

3 - ومن حق الطريق: تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم:

حذر رسولنا ، من التخلي في طريق الناس أو ظلهم، لأن ذلك حق عام، فلا يحل لامريء أن يفسد على الناس طرقهم التي يمشون عليها، أو ظلهم الذي فيه يجلسون، وبه يتقون حر الشمس. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { اتقوا اللعانين }. قالوا وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: { الذي يتخلى في طريق الناس، وظلهم } [رواه مسلم]. ومعنى قوله : { اتقوا اللعانين } أي: اجتنبوا الأمرين اللذين يجلبان لعن الناس وشتمهم، لأن من تخلى في طريق الناس أو ظلهم، لا يكاد يسلم من سب الناس وشتمهم.

4 - ومن حق الطريق: أن الرجال أحق بوسط الطريق من النساء:

من حرص صاحب الشرع على تميز النساء على الرجال، وقطع كل طريق يؤدي إلى الفتنة بهن، أن جعل حافة الطريق للنساء وأوسطه للرجال، حتى لا يختلط الرجال بالنساء وتعظم الفتنة - كما هو الحال الآن إلا من رحم الله - فعن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله يقول وهو خارج من المسجد، فأختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله للنساء: { استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تحققن الطريق، عليكُنّ بحافات الطريق } فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به [رواه أبو داود]. وسير النساء بمحاذاة جوانب الطريق أستر لهن، وأقرب للحياء، لا أن ينافسن الرجال في طريقهم ويقتحمونه معرضين أنفسهن وغيرهن للفتنة. وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وهلاكها كان بسبب ذلك.

5 - ومن حق الطريق: إعانة الرجل في حمله على دابته أو رفع متاعه عليها:

ومن آداب الطريق المستحب فعلها أنك إذا رأيت رجلاً يريد أن يركب دابته وكان ذلك يشق عليه، فإنك تعينه على ذلك، أو تعينه في حمل متاعه، ويمكن فعل ذلك الآن، فإن بعض كبار السن قد لا يتمكن من الركوب في ( العربات المتحركة ) بسهولة، وخصوصاً إذا كانت كبيرة.

وفعل ذلك كله من الصدقة التي يؤجر المسلم عليها. فعن أبي هريرة عن النبي قال: { كل سُلامى عليه صدقة، كل يوم، يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة... الحديث } [رواه البخاري]، ولفظ مسلم: { فتحمله عليها }. وبالله التوفيق.



وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-04-2012 10:58 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد الخامس

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ

[الحجر:47]


سلامة الصدر :


https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
فإن أمة الإسلام أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات، وقد نهى النبي عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء فقال : { لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث } [رواه مسلم]. وقال حاثاً على المحبة والألفة: { والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. } [رواه مسلم] وعندما سُئل النبي أي الناس أفضل؟ قال: { كل مخموم القلب صدوق اللسان } قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: { هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد } [رواه ابن ماجه] وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:47] وسلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة وهي من أسباب دخول الجنة.

قال ابن حزم وكأنه يطل على واقع كثير من المتحاسدين والمتباغضين، أصحاب القلوب المريضة:

( رأيت أكثر الناس - إلا من عصم الله وقليل ما هم - يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً، من نيات خبيثة يضبون عليها من تمنى الغلاء المهلك للناس وللصغار، ومن لا ذنب له، وتمنى أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئاً مما يتمنونه أو يوجب كونه وأنهم لو صفوا نياتهم وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئاً مما يريدونه أو يمنع كونه، فأي غبن أعظم من هذا الحال التي نبهنا عليها؟ وأي سعد أعظم من الحال التي دعونا إليها ).

وكثير من الناس اليوم يتورع عن أكل الحرام أو النظر الحرام ويترك قلبة يرتع في مهاوي الحقد والحسد والغل والضغينة، عن فتح به شخرف قال: قال لي عبد الله الأنطاكي: ( يا خرساني. إنما هي أربع لا غير: عينك ولسانك وقلبك وهواك، فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا يحل، وانظر لسانك لا تقل به شيئاً يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكون منه غل ولا حقد على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا يهوى شيئاً من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الخصال الأربع فاجعل الرماد على رأسك فقد شقيت ).

وبعض الناس يظن أن سلامة القلب تكمن في سهولة غشه وخداعه والضحك عليه وهذا خلاف المقصود.

قال ابن القيم رحمه الله: ( الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفل: أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يحمد إذ هو نقص، وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه ). والكمال أن يكون عارفاً بتفاصيل الشر سليماً من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لست بخبِ ولا يخدعني الخب ) وكان عمر أعقل من أن يُخدع وأروع من أن يَخدَع.

وسلامة الصدر من أسباب دخول الجنة فعن أنس بن مالك قال: ( كنا جلوساً مع الرسول فقال: { يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة }، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن أوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) [رواه الإمام أحمد].

من أسباب التشاحن والتباغض:

1 - طاعة الشيطان: قال تعالى: وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِىَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53] وقال : { إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم } [رواه مسلم].

2 - الغضب: فالغضب مفتاح كل شر وقد أوصى رجلاً بالبعد عن الغضب فقال: { لا تغضب } فرددها مراراً [رواه البخاري] فإن الغضب طريق إلى التهكم بالناس والسخرية منهم وبخس حقوقهم وإيذائهم وغير ذلك مما يولد البغضاء والفرقة.

3 - النميمة: وهي من أسباب الشحناء وطريق إلى القطيعة والتنافر ووسيلة إلى الوشاية بين الناس وإفساد قلوبهم، قال تعالى ذاما أهل هذه الخصلة الذميمة: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم:11] وقال : { لا يدخل الجنة فتان } وهو النمام.

4 - الحسد: وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها وفيه تعد وأذى للمسلمين نهى الله عنه ورسوله قال : { إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب } [رواه أبوداود] والحسد يولد الغيبة والنميمة والبهتان على المسلمين والظلم والكبر.

5 - التنافس على الدنيا: خاصة في هذا الزمن حيث كثر هذا الأمر واسودت القلوب، فهذا يحقد على زميلة لأنه نال رتبة أعلى، وتلك تغار من أختها لأنها حصلت على ترقية وظيفية، والأمر دون ذلك فكل ذلك إلى زوال.

وما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها

6 - حب الشهرة والرياسة: وهي داء عضال ومرض خطير، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( ما من أحدٍ أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير ). وهذا مشاهد في أوساط الموظفين والعاملين.

7 - كثرة المزاح: فإن كثيره يورث الضغينة ويجر إلى القبيح والمزاح كالملح للطعام قليله يكفي وإن كثر أفسد وأهلك. وهناك أسباب أخرى غير هذه.

والمسلم مطالب بتزكية نفسه والبعد عن الغل والحقد والحسد، ومما يعين على سلامة الصدر:

أولاً: الإخلاص:

عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله : { ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم } [رواه أحمد وابن ماجه].

ومن المعلوم أن من أخلص دينه لله عز وجل فلن يحمل في نفسه تجاه إخوانه المسلمين إلا المحبة الصادقة، وعندها سيفرح إذا أصابتهم حسنة، وسيحزن إذا أصابتهم مصيبة؛ سواءً كان ذلك في أمور الدنيا أو الآخرة.

ثانياً: رضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به:

قال ابن القيم رحمه الله في الرضا: ( إنه يفتح للعبد باب السلامة، فيجعل قلبه نقياً من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضاً كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش: قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا ).

ثالثاً: قراءة القرآن وتدبره:

فهو دواء لكل داء، والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: قُل هُوَ لِلذِينَ ءَامَنُوا هُدىً وَشِفَآءٌ [فصلت:44]، وقال: وَنُنَزِلُ مِنَ القُرءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالمِينَ إلا خَسَاراً [الإسراء:82]. قال ابن القيم رحمه الله: ( والصحيح أن "من" ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: يَاأيُها النّاسُ قَد جَآءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِكُم وَشِفَآءٌ لِمَا فىِ الصُدُورِ [يونس:57].

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.

رابعاً: تذكر الحساب والعقاب:

الذي ينال من يُؤذي المسلمين من جراء خُبث نفسه وسوء طويته من الحقد والحسد والغيبة والنميمة والإستهزاء وغيرها.

خامساً: الدعاء:

فيدعو العبد ربه دائماً أن يجعل قلبه سليماً على إخوانه، وأن يدعوا لهم أيضاً، فهذا دأب الصالحين، قال تعالى: وَالذِّينَ جَآءُو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَنَا اغفِر لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجعَل في قُلُوبِنَا غِلاً لِلّذِينَ ءَامَنُوا رَبَنَا إنّكَ رَءُوفٌ رّحِيم [الحشر:10].

سادساً: الصدقة:

فهي تطهر القلب، وتُزكي النفس، ولذلك قال الله تعالى لنبيه : خُذّ مِن أموالِهم صَدَقَةً تُطَهِرُهُم وَتُزَكِيِهِم بِهَا [التوبة:103].

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: { داووا مرضاكم بالصدقة } [صحيح الجامع]. وإن أحق المرضى بالمداواة مرضى القلوب، وأحق القلوب بذلك قلبك الذي بين جنبيك.

سابعاً: تذكر أن من تنفث عليه سُمُومك، وتناله بسهامك هو أخ مُسلم:

ليس يهودياً ولا نصرانياً بل يجمعك به رابطة الإسلام. فلِمَ توجه الأذى نحوه.

ثامناً: إفشاء السلام:

عن أبي هريرة قال رسول الله : { والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم } [رواه الإمام مسلم].

قال ابن عبد البر رحمه الله: ( في هذا دليل على فضل السلام لما فيه من رفع التباغض وتوريث الود ).

تاسعاً: ترك كثرة السؤال وتتبع أحوال الناس:

امتثالاً لقول النبي : { من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه } [رواه الترمذي].

عاشراً: محبة الخير للمسلمين:

لقوله : { والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } [رواه البخاري ومسلم].

الحادي عشر: عدم الاستماع للغيبة والنميمة:

حتى يبقى قلب الإنسان سليماً: قال : { لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر } [رواه أحمد] والكثير اليوم يلقي بكلمة أو كلمتين توغر الصدور خاصة في مجتمع النساء وفي أوساط البيوت من الزوجات أو غيرهن.

الثاني عشر: إصلاح القلب ومداومة علاجه:

قال : { ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } [رواه البخاري ومسلم].

الثالث عشر: السعي في إصلاح ذات البين:

قال تعالى: فَاتَقُوا اللّهَ وَأصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم [الأنفال:8 ] قال ابن عباس رضي الله عنه: ( هذا تحريم من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم ).

وقال : { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ } قالوا: بلى. قال: { إصلاح ذات البين } [رواه أبو داود].



جعل الله قلوبنا سليمة لا تحمل حقداً ولا غلاً على المسلمين، وصلى الله وسلم

على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(ام حبيبة) 07-05-2012 12:24 AM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
https://ube.azyya.com/uploads2/12070421064189.jpg[/IMG]

أسيرة الجرح 07-07-2012 04:01 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد السادس

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله

قال تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ

[التوبة:18]


طيب المساجد وزينة الصلاة :

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

-فإن المساجد أماكن يشع فيها نور النبوة، ويلتئم فيها صف الأمة، منزهة عن كل لغو ودنس، ومحفوظة من كل ضرر، ملكها بين المسلمين مشاع، وحقها عليهم المحبة والإكرام، وعمارتها بصالح الأعمال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ [التوبة:18]، والمساجد من أحب البلاد إلى الله، وأشرفها منزلة، من أحبَّها لأجل الله كان حبه لها دين وعبادة، وربح وزيادة، ومن تعلق قلبه بها أظله الله تحت عرشه يوم القيامة. صيانتها عند الأدناس قربة، وتنظيفها طاعة، وتطييبها عبادة. أرأيت حال الرسول عندما رأى نخامة في جدار المسجد تغير وجهه، منكراً ذلك الفعل وآمراً بإزالته. و من عظيم فضل العناية بالمسجد أن جارية دخلت الجنة بسبب كنسها له.

أخي المسلم:

الآن عرفت منزلة المسجد ومكانته في الإسلام، بشيء من الإيجاز والاختصار، غير أن واقع كثير من المساجد الآن تشكو حالها، وتبكي مآلها، لقلة وعي أكثر أهلها بأحكامها وآدابها. فهذا يرتادها بلباس نومه، وذاك بثوب حرفته، وآخر ببنطال كرته، ورابع بكريه رائحته، وخامس بسوء فعله، كل هذا يدل على عدم الإحترام والتقدير للمسجد وللمصلين ففي الحديث { من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } [رواه البخاري ومسلم]، فأربأ بنفسك عن أذية إخوانك المصلين وملائكة الله المقربين.

أخي المصلي: اعلم أن حسن المظهر وجميل الملبس، وطيب الرائحة مطالب إسلامية رغب الشارع فيها عند أداء الصلاة وعند حضور الجمع والجماعات يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]. أيضاً أفرأيت لِما شُرع السواك عند الصلاة لأنه مطهرة للفم ومرضاة للرب. إذاً يجدر بالمؤمن أن يصرف شيئاً من زينته لله سبحانه وتعالى وذلك عند الوقوف بين يديه فيأتي إلى عبادة ربه على أحسن حال.

وقدوتنا في ذلك نبينا محمد بن عبد الله حيث كان يلبس أحسن لباس ويتعطر بأزكى رائحة بل كان عبق طيبة يفوح في طريقه، وقد أخذ بهذا المبدء خير القرون من بعده فنهجوا نهجه، وسلكوا هديه، فعظموا الدين فأعلى الله شأنهم وأبقى ذكرهم فلنا مع أولئك الرجال الأفذاذ وقفات لمعرفة واقع المساجد في نفوسهم ومكانة الصلاة في قلوبهم لنقيس حالنا بحالهم، فنلتزم نهجهم ونحذر مخالفتهم. فقد قيل:

نعيب زماننا والعيبُ فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا

فأهدي هذه الوقفات لأهل القلوب الحية، والنفوس الزكية، والأذان الصاغية للإحتذاء والإقتداء والإهتداء. والله المستعان وعليه التكلان.

الوقفة الأولى: منزلة الطيب عند رسول الله :

الطيب من كل شيء هو مختار الله سبحانه وتعالى لهذا فطر الناس عليه، وجمع أطيب الأشياء لنبيه ، فله من الأخلاق والأعمال أطيبها وأزكاها، ومن المطاعم أطيبها وأزكاها، ومن الروائح أطيبها وأزكاها. لذا كان من أخلاقه التطيب، يحبه ويكثر منه بل هو إحدى محبوباته الدنيوية ففي الحديث { حُبب إلي من الدنيا، النساء والطيب، وجُعلت قُرة عيني في الصلاة } [رواه أحمد وصححه الألباني].

ومن خصائصه طيب الرائحة فجسمه يفوح طيباً فعن أنس بن مالك قال: { ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح الرسول } [رواه مسلم]. بل إذا وضع يده على رأس الصبي عرف أهله أنه قد مس ابنهم لطيب رائحة الصبي، ومع هذه الرائحة العطرة، فقد كان الرسول يكثر ويبالغ في استعمال الطيب حتى أنك لتجد لمعان المسك في مفرق رأسه، ولربما استمر الطيب في رأسه أياماً لكثرته.

وكان يُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر، فمن كانت هذه صفته فهو أبعد الناس عن الرائحة الكريهة، بل إنه ترك كثيراً من المباحات كالثوم والبصل والكراث ونحوها لرائحتها الكريهة فهو طيب لا يقبل إلا الطيب.

فهذه صورة مشرقة، وأدب رفيع، وحقيقة ثابتة نسوقها إلى كل مسلم ليرتفع في سلوكه وأدبه إلى مصاف النفوس السليمة، مجانباً كل خلق قد يؤدي إلى أذية المسلمين عامة والمصلين خاصة.

الوقفة الثانية: طيب المساجد:

أخي المصلي: اعلم أنه كلما شرف المكان وطاب كلما كان أولى أن يُشرف ويحترم، ولما كان الطيب والبخور من علامات الإكرام والتشريف كان حريّا أن نجدها في أماكن العبادة فهي أولى بالشذا، وأحرى بالندى، وكيف لا، والمسلم مأمور بأن يأخذ زينته عند كل مسجد يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].

فالمساجد أماكن عامة، تؤدى فيها أعظم عبادة، فهي بحاجة إلى كل عناية ورعاية، لتؤدي النفس عبادتها وهي مقبلة بخشوع وطمأنينة.

أرأيت آكل الثوم والبصل لما آذى المصلين برائحته أمره الشارع بالخروج من المسجد تعزيراً له. إذاً; طلب الرائحة الطيبة للمسجد مطلب رفيع. وغاية مقصودة في دين الإسلام. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: { أمر رسول ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب } [رواه الخمسة إلا النسائي ورجاله ثقات]. والدور: هي الأحياء. وعند ابن ماجة { واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها في الجُمع } المطاهر: محال الوضوء. والتجمير: هو التبخر لها.

و تطييب المساجد عام لكل أحد من إمام ومؤذن وغيرهما، وإن أُوكل الأمر لأحد كان أفضل وأكمل. والتطيب يكون بعود البخور أو الندى وغيرهما مما هو مستحسن عُرفاً، وسواء كان مما يتبخر به أو يرش رشاً أو غيرهما فالمقصود هو جلب الرائحة الزكية. وهذه الخصلة غابت عن الكثير من المصلين، وبعض الأئمة والمؤذنين. مع أنها قربة وعبادة وطاعة وامتثال. ويتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة لما سبق، ولأن عمر كان يطيب مسجد الرسول كل جمعة قبل الصلاة. كما أن عبد الله بن الزبير كان يبخر الكعبة في كل يوم ويضاعف الطيب يوم الجمعة. وسار على هذه السنة السلف والخلف حتى أن معاوية أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة، وقالت عائشة رضي الله عنها: ( لأن أُطيّب الكعبة أحب إليّ من أن أُهدي لها ذهباً وفضة ). هكذا كانت المساجد الإسلامية محل عناية ورعاية وتطهير وتطييب. حتى اختلت الموازين وتقلبت المفاهيم فنتج عنه قلة الوعي بأحكام المساجد عند كثير من المصلين.

الوقفة الثالثة: الواجب على إمام المسجد ومؤذّنه:

إلى كل إمام ومؤذنه وقيّمه، لقد عرفتم عظم شأن المسجد ومكانته في الإسلام فأنتم رعاة بيوت الله. حقها عليكم العناية والرعاية بصيانتها وحمايتها من كل ما يشينها ويدنسها ويفرق جماعتها. فمن كان على هذه الحال فهو خير وأفضل. ولا تحقروا من المعروف شيئاً وإياكم والتخذيل عن القيام بمثل هذا العمل. فشتان بين إمام لم يأبه بمسجده، وبين أمام همه مسجده تطييباً وتأليفاً ورعاية.

وليعلم الجميع أن جلب الرائحة الزكية للمسجد تزيل كثيراً مما قد يعتريه من روائح، وتجلب السرور للمصلين، لأن من فوائد الطيب أنه يفرح القلب، ويغذي الروح. وكم هو جميل ما صنعه أهل ذلكم المسجد باتفاقهم على مقدار معين من المال في كل شهر ينفق منه على المسجد صيانة ونظافة وتطييباً. فأخلف الله عليهم وبارك لهم.

الوقفة الرابعة: حكم وضع مباخر العود في قبلة الصلاة:

قد يعتري بعض المصلين الحرج عند وضع مباخر العود في قبلة المصلين بحجة وضع الجمر فيها وذلك أثناء تطييب المسجد. وقد أجاب على هذا الإشكال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: ( لا حرج في ذلك ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء، في كراهة استقبال النار فإن الذين قالوا بكراهية استقبال النار علّلوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه، وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلين، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلين أيضاً، لا سيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام ).

الوقفة الخامسة: صور من تطيب السلف للصلاة وعند ارتياد المساجد:

إن سلفنا الصالح قد استنار بسيرة المصطفى فسار على دربه، واهتدى بهديه. فمن ذلك خصلة ــ الطيب والتطيب ــ حتى أن بعضهم صار يعرف بالرائحة الزكية في ذهابه وإيابه لتزينه بأطيب الطيب. حينما يقصد الصلاة والمسجد.

نتناول شيئاً من حالهم في هذا الأدب الرفيع لمن أراد أن يرتقي إلى مصافهم، ولإيقاظ الهمم ودفع العزائم نحو ذلك فمن حالهم:

1- ما كان من سلمة أنه إذا توضأ أخذ المسك فمسح به وجهه ويديه .

2- وكان عبد الله بن مسعود يعرف بريح الطيب، وكان يعجبه إذا قام إلى الصلاة ( الريح الطيبة، والثياب النقية ).

3- أما عبد الله بن عباس فقد كان إذا خرج إلى المسجد عرف أهل الطريق أنه مر من طيب ريحه.

4- كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه ( يتطيب للجمعة والعيدين، وكان يأمر بثيابه أن تجمر كل جمعة ).

5- وعُرف عثمان بن عروة بن الزبير بكثرة وضع الغالية، كما وكان حين يقوم من مصلاه يأتي الناس إلى مكانه ويسْلُتون الغالية من على الحصباء مما أصابها من لحيته.

6- قال عثمان بن عبيد الله: ( رأيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا قتادة وأبا أسيد الساعدي يمرون علينا ونحن في الكُتّاب فنجد منهم ريح العبير وهو الخلوق ) [مصنف بن أبي شيبة (2/305)والآداب الكبرى (3/529) وموطأ مالك]. هكذا كانت مكانة الصلاة والمساجد عند سلفنا الأفذاذ لمعرفتهم حق المعرفة عظم تلك العبادة ولمعرفتهم أيضاً بين يدي من سيقفون فرحمهم الله رحمة واسعة.

الوقفة السادسة: الصلاة وزينة اللباس:

لما كانت الصلاة عبادة ربانية، وصلة بين العبد وربه، يلتقي فيها العبد مع معبوده، والحبيب مع محبوبه، ولما كان من تعظيم الله سبحانه وتعالى تعظيم الصلاة، تأكد التزين لها بالملبس والتطيب وغيرهما قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].

وعلى هذا الطريق سار صالح الأمة صغارهم وكبارهم فلا ترى في سيرهم إلا كل حسن وجميل، وقد استمر هذا الأمر حتى خفت بعض العقول، وتأثرت بعض النفوس بقبيح المنقول مما قد يشاهد ويسمع، فغلب الجهل وقلّ الفهم، ونسي البعض حقيقة الأمر فتجد من الصغار من تأثر بالكبار فجاء إلى المسجد على أسوء حال في هيئته ورائحته. متأثراً بمن حوله كأبيه وأخيه في عدم الإهتمام بشأن الصلاة والمصلين.

فإلى هؤلاء الفئة نسوق جانباً من آداب صالح الأمة وفق هدي المصطفى معتبرين بحالهم حتى يعلو شأن المسجد في النفوس، ويعظم أمر الصلاة في القلوب، وترتقي جماعة المصلين إلى معالي الأمور فمن ذلك:

1- أن التجمل من محبوبات الله سبحانه وتعالى فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول : { إن الله جميل يحب الجمال } [رواه مسلم] وآكد الجمال ما كان عند مناجاة الله سبحانه وتعالى.

2- التبذل ورثاثة الملبس ليست من الإسلام فقد رأى الرسول رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: { أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟ } [رواه أبو داوود وصححه الألباني]. لأن وسخ الثوب وكريه الرائحة ينفر الناس عنه. فمن كان على هذه الحال فقد آذى المصلين ونفرهم عنه. فهل يعي أصحاب المهن، وأهل الثياب الرثة هذا الأدب الرفيع؟

3- اختيار أحسن الثياب لصلاة الجمعة والعيدين ففي الحديث { من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع ما بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما } [رواه أحمد وصححه الألباني] ولقصة عمر عندما عرض على الرسول حُلّة من حرير ليتجمل بها للجمعة ويستقبل بها الوفود. هكذا يحرص الإسلام على انتشال المرء من كل ما يشينه، فيضفي عليه ما يزينه ويحببه إلى الآخرين زارعاً المحبة والألفة بين أبناء المجتمع الإسلامي.

4- كان عبد الله بن عمر من أطيب الناس ريحاً، وأنقاهم ثوباً أبيض. هذه حال ابن عمر وكثير من الصحابة في مساجدهم وعند صلاتهم.

5- وكان تميم الداري قد اشترى حُلة بألف درهم ليصلي بها. ممتثلاً قوله تعالى: خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].

6- قال أبو العالية رضي الله عنه: ( كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا ) إذا كانت هذه حالهم عند التزاور فيما بينهم، فهم عند الصلاة أجمل وأبلغ لعظم حق الله.

7- قال الشافعي رحمه الله: ( أُحب ــ الغسل والطيب والنظافة ــ للجمعة والعيدين وكل مجتمع تجتمع فيه الناس ) فهل هناك أعظم من الإجتماع للصلاة؟ حيث إجابة نداء الحق. ويروى أن الإمام أحمد رحمه الله من أنقى الناس ثوباً وأشدهم تعاهداً لنفسه وثوبه.

8- سئل إبراهيم النخعي رحمه الله ما ألبس من الثياب، فقال: ( مالا يشهرك عند الناس، ولا يحقرك عند السفهاء ) إن من دخل المسجد بلباس نومه، أو بلباس صنعته هل ترى سيلقى الإحترام والتوقير بل أنه عرض نفسه للنبز والإغتياب فرحم الله إمرءاً كف نفسه عن الإغتياب.

9- أخيراً سوف أسوق لك حال الإمام مالك عند جلوسه لدرس الحديث وهي حال كثير من العلماء، ( كان رحمه الله يتهيأ ويلبس ثيابه وتاجه، وعمامته ثم يُطرق برأسه فلا يتنخم ولا يبزق ولا يعبث بشيء من لحيته حتى يفرغ من القراءة إعظاماً لحديث رسول الله ).

الله أكبر هذه حاله مع حديث الرسول فكيف عند قرائته للقرآن؟ وكيف عند وقوفه بين يدي الرجمن في الصلاة والقيام؟

أخي المسلم: بعد هذا كله أظنك عرفت شأن المسجد وأهمية الصلاة عند أولئك الأفذاذ، فهل لنا أن نقتفي أثرهم ونترسم خطاهم لغرس شأن المساجد والصلاة في نفوس أبنائنا؟ أم نترك الحبل على الغارب لأبنائنا فتقلبهم المؤثرات وتعصف بهم التيارات المختلفة؟ مما يجعلهم في عزلة عن مبادئهم وأخلاقهم وآدابهم فيكونوا عبء على أمتهم ومجتمعهم!!!

الوقفة الأخيرة: مع أهل النفوس السليمة والعقول المستقيمة:

إن إحياء أهمية الصلاة، ومكانة المسجد لدى الناس مسئولية الجميع لا يمكن أن تغرس في النفوس إلا بتظافر جهود المخلصين من مربين ومعلمين، ودعاة ومحتسبين، ويأتي هذا عبر الكلمة الصادقة، والتوجيه السديد، والقصة المؤثرة.أما الحوافز المادية مع الصغار فذات أثر عجيب.

ينشأ ناشـئ الفتيـان منـا على ما كــان عــوده أبــوه

النفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم


أخيراً: أقول كن خير هاد وداعية واعلم أن من دل على خير كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، فصلاح الأمة يكون بجهود رجالها العاملين المخلصين.



والله أسأل أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق والأعمال، وأن يجنبنا سيئها إنه أهل الجود والإكرام.

وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-07-2012 04:03 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد السابع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله

[COLOR="Red"]
قال تعالى : يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُو

نَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ

[النور:27-28].

لا تدخلوا حتى يؤذن لكم :[/COLOR]

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
الحمد لله، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، ذو الأدب الجم، والخلق الرفيع، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله، لقد جعل الله البيوت سكناً يأوي إليها أهلها، تطمئن فيها نفوسهم، ويأمنون على حرماتهم، يستترون بها مما يؤذي الأعراض والنفوس، يتخففون فيها من أعباء الحرص والحذر.

وإن ذلك لا يتحقق على وجهه إلا حين تكون محترمة في حرمتها، لا يستباح حماها إلا بإذن أهلها. في الأوقات التي يريدون، وعلى الأحوال التي يشتهون: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور:27-28].

إن اقتحام البيوت من غير استئذان؛ هتك لتلك الحرمات، وتطلع على العورات، وقد يفضي إلى ما يثير الفتن، أو يهيئ الفرص لغوايات تنشأ من نظرات عابرة.. تتبعها نظرات مريبة.. تنقلب إلى علاقات آثمة، واستطالات محرمة.

وفي الاستئذان وآدابه ما يدفع هاجس الريبة، والمقاصد السيئة.

أيها الإخوة المؤمنون، إن كل امرئ في بيته قد يكون على حالة خاصة، أو أحاديث سرية، أو شؤون بيتية، فيفاجأه داخل من غير إذن قريباً كان أو غريباً، وصاحب البيت مستغرق في حديثه، أو مطرق في تفكيره، فيزعجه هذا أو يخجله، فينكسر نظره حياءً، ويتغيظ سخطاً وتبرماً.

ولقد يقصِّر في أدب الاستئذان بعض الأجلاف ممن لا يهمه إلا قضاء حاجته، وتعجُّل مراده، بينما يكون دخوله محرجاً للمزور مثقلاً عليه.

وما كانت آداب الاستئذان وأحكامه إلا من أجل ألا يفرِّط الناس فيه أو في بعضه، معتمدين على اختلاف مراتبهم في الاحتشام والأنفة، أو معولين على أوهامهم في عدم المؤاخذة، أو رفع الكلفة.

تأملوا أيها المؤمنون قوله سبحانه: حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ [النور:27].

إنه استئذان في استئناس، يعبر عن اللطف الذي يجب أن يكون عليه الزائر أو الطارق مراعاةً لأحوال النفوس وتهيؤاتها، وإدراكاً لظروف الساكنين في بيوتاتهم وعوراتهم.

وهل يكون الأُنس والاستئناس إلا بانتفاء الوحشة والكراهية؟!

أدبٌ رفيع يتحلى به الراغب في الدخول لكي يطلب إذناً لا يكون معه استيحاش من رب المنزل، بل بشاشة وحسن استقبال.

ينبغي أن يكون الزائر والمزور متوافقين مستأنسين، فذلك عون على تأكيد روابط الأخوة الإسلامية.

ولقد بسطت السنة المطهرة هذا الأدب العالي، وازدان بسيرة السلف الصالح تطبيقاً وتبييناً.

فكان نبيكم محمد إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، ويقول: { السلام عليكم، السلام عليكم } [رواه البخاري وأبوداود وصححه الألباني].

ووقف سعد بن عبادة مقابل الباب فأمره النبي أن يتباعد. وقال له: { وهل الاستئذان إلا من أجل النظر؟! } [رواه الطبراني].

وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: { اطلع رجل من جحرٍ في حُجَر النبي ومع النبي مدرى ـ أي: مشط ـ يحك به رأسه، فقال النبي: لو أعلم أنك تنظر؛ لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } [متفق عليه].

والمستأذن ـ أيها الإخوة ـ يستأذن ثلاث مرات فإن أُذن له وإلا رجع. وقد قيل: إن أهل البيت بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردُّون، لكن قال أهل العلم: لا يزيد على ثلاثٍ إذا سُمع صوته وإلا زاد حتى يعلم أو يظن أنه سُمع.

ويقول في استئذانه: السلام عليكم، أأدخل؟. فقد استأذن رجل على النبي وهو في بيته { فقال: أألج؟ فقال النبي لخادمه: اخرج إلى هذا! فعلِّمه الاستئذان فقل له: قلْ: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي ، فدخل } [رواه أحمد وأبو داود].

وله أن يستأذن بنداءٍ أو قرع أو نحنحة أو نحو ذلك.

تقول زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: (كان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوَّت).

ويقول الإمام أحمد: (يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته؛ لئلا يدخل بغتة. وقال مرةً: إذا دخل يتنحنح).

ومن الأدب أن الطارق إذا سئل عن اسمه فليبينه، وليذكر ما يُعرف به. ولا يجيب بما فيه غموضٌ أو لبسٌ. يقول جابر رضي الله عنه: { أتيت إلى النبي في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: من ذا؟، فقلت: أنا، فقال النبي: أنا أنا !!!، كأنه كرهها } [رواه البخاري ومسلم].

وإذا قرع الباب فليكن برفق ولين من غير إزعاج أو إيذاء ولا ازدياد في الإصرار، ولا يفتح الباب بنفسه، وإذا أذن له في الدخول فليتريث، ولا يستعجل في الدخول، ريثما يتمكن صاحب البيت من فسح الطريق وتمام التهيؤ، ولا يرم ببصره هنا وهناك، فما جعل الاستئذان إلا من أجل النظر.

والاستئذان حقٌّ على كل داخل من قريب و بعيد من الرجل والمرأة، ومن الأعمى والبصير.

عن عطاء بن يسار { أن رسول الله سأله رجل فقال: يا رسول الله، أأستأذن على أمي؟ فقال: نعم، قال الرجل: إني معها في البيت؟ فقال رسول الله : استأذن عليها. فقال الرجل: إني خادمها. فقال له رسول الله : استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟، قال: لا. قال: فاستأذن عليها } [رواه مالك بإسناد جيد].

ويقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إذا دخل أحدكم على والدته فليستأذن.

والأعمى يستأذن كالبصير، فلربما أدرك بسمعه ما لا يدركه البصير ببصره.

{ ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة } [رواه البخاري] والآنك هو الرصاص المذاب.

أيها الإخوة في الله، وهناك أدب قرآني عظيم، لا يكاد يفقهه كثير من المسلمين. إنه قول الله عزَّ وجلَّ: وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28].

إن من حق صاحب البيت أن يقول بلا غضاضة للزائر والطارق: ارجع. فللناس أسرارهم وأعذارهم، وهم أدرى بظروفهم، فما كان الاستئذان في البيوت إلا من أجل هذا.

وعلى المستأذن أن يرجع من غير حرج، وحسبه أن ينال التزكية القرآنية.

قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها. لقد طلبت أن أستأذن على بعض إخواني ليقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط. لقوله تعالى: وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28]. ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره.

إن من الخير لك ولصاحبك أيها الطارق، أن يَعتذر عن استقبالك بدلاً من الإذن على كراهية ومضض، ولو أخذ الناس أنفسهم بهذا الأدب، وتعاملوا بهذا الوضوح؛ لاجتنبوا كثيراً من سوء الظن في أنفسهم وإخوانهم.

إن هذه التفاصيل الدقيقة في آداب الاستئذان تؤكد فيما تؤكد حرمة البيوت، ولزوم حفظ أهلها من حرج المفاجآت، وضيق المباغتات، والمحافظة على ستر العورات. عورات كثيرة تعني كل ما لا يُرغب الاطلاع عليه من أحوال البدن، وصنوف الطعام واللباس وسائر المتاع، بل حتى عورات المشاعر والحالات النفسية، حالات الخلاف الأسري، حالات البكاء والغضب والتوجع والأنين. كل ذلك مما لا يرغب الاطلاع عليه لا من الغريب ولا من القريب، إنها دقائق يحفظها ويسترها أدب الاستئذان. فهل يدرك هذا أبناء الإسلام؟!

اللهم فقهنا في ديننا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-07-2012 04:05 PM

رد سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد الثامن

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


قال تعالى : وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ

[الأحزاب:53]


الحياء :

لحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد .

إن للخير والشر معان كامنة في النفس تعرف بعلامات وسمات دالة كما قال الشاعر:

لا تسأل المرء عن أخلاقه *** في وجهه شاهد من الخير

فمن سمات الخير: الدعه والحياء والكرم ومن سمات الشر: القحة والبذاء واللؤم

حياءك فاحفظه عليك وإنما *** يدل على فعل الكريم حياؤه

إذن: فالحياء علامة تدل على ما في النفس من الخير وهو إمارة صادقة على طبيعة الإنسان فيكشف عن مقدار بيانه وأدبه. فعندما ترى إنساناً يشمئز ويتحرج عن فعل ما لا ينبغي فاعلم أن فيه خيراً وإيماناً بقدر مافيه من ترك للقبائح.

ما هو الحياء وما حقيقته؟

الحياء: خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الأنصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق الكرام وسمة أهل المرؤة والفضل.

ومن الحكم التي قيلت في شأن الحياء: ( من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه ) وقال الشاعر:

ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياء

لذلك فعندما نرى إنساناً لا يكترث ولا يبالي فيما يبدر منه من مظهره أو قوله أو حركاته يكون سبب ذلك قلة حيائه وضعف إيمانه كما جاء في الحديث: { إذا لم تستح فافعل ما شئت }.

وقد قال الشاعر:

إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً *** تقلب في الأمور كما يشاء

فمالك في معاتبة الذي لا *** حياء لوجهه إلا العناء


قال أبو حاتم: إن المرء إذا إشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه.

والحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها. وقد جاء في الصحيحين قول النبي : { الإيمان بضع وسبعون شعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان }.

وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين: { الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر }.

والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كل منهما داع إلى الخير مُقرب منه صارف عن الشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.

ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين رركوبها إلا الحياء

وقد قيل: ( الحياء نظام الإيمان فإذا انحل نظام الشيء تبدد ما فيه وتفرق ).

فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير، كما في الصحيحين عن النبي : { الحياء لا يأتي إلا بخير } وفي رواية مسلم: { الحياء خير كله }.

وفي الصحيحين أن النبي مر على رجل يعظ أخاه في الحياء: أي يعاتبه فيه لأنه اضر به، فقال له الرسول : { دعه فإن الحياء من الإيمان } فقد أمر الرسول ذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حيائه ولو منع صاحبه من إستيفاء حقوقه. إذ ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حيائه الذي هو من إيمانه وميزة إنسانيته وخيريته.

ورحم الله امرأة كانت فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها فقال أحدهم: تسأل عن ولدها وهي تغطي وجهها. فسمعته فقال: ( لأن أرزأ في ولدي خير من أن أرزأ في حيائي أيهل الرجل ). سبحان الله.. أين هذه المرأة من نساء اليوم تخرج المرأة كاشفة وجهها مبدية زينتها لا تستحي من الله ولا من الناس أضاعت ولدها فعند الله لها العوض والأجر أما المرأة التي حياءها وإيمانها فما أعظم الخسارة وما أسوأ العاقبة.

وصدق الشاعر حين قال:

فتاة اليوم ضيعت الصوابا *** وألقت عن مفاتنا الحجابا

فلن تخشى حياءٌ من رقيب *** ولم تخشى من الله الحسابا

إذا سارت بدا ساق وردف *** ولو جلست ترى العجب العجابا

بربك هل سألت العقل يوماً *** أهذا طبع من رام الصوابا

أهذا طبع طالبة لعلم *** إلى الإسلام تنتسب إنتساباً

ما كان التقدم صبغ وجه *** وما كان السفور إليه باباً

شباب اليوم يا أختي ذئاب *** وطبع الحمل أن يخشى الذئاب

أما انقباض النفس عن الفضائل والإنصراف عنها فلا يسمى حياء. فخلق الحياء في المسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر. فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هو حياء وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عن قول الحق: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53]... فهذا النبي مع شدة حيائه إلا أنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله.. فمن ذلك عندما شفع مرة عند رسول الله أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنعه حياؤه من أن يقول لأسامة في غضب: { أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها }.

ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فيقول لها ولم يمنعه الحياء في بيان العلم: { نعم، إذا رأت الماء } إذاً الحياء لا يمنع من الإستفسار والسؤال عما جهل من أمور الدين وما يجب عليه معرفته وقد قيل: ( لا يتعلم العلم مستكبر ولا مستح ). وهناك من النساء من يمنعها حياؤها بزعمها من ترك بعض العادات المحرمة التي اعتادت عليها في مجتمعها مثل مصافحة الرجال الأجانب والإختلاط بهم فلا تتحجب من أقارب زوجها ولا تمنع دخولهم عليها في بيتها حال غياب زوجها، والنبي يقول: { إياكم والدخول على النساء } [صحيح الجامع]. فإذا كان خير الخلق لا يصافح نساء الصحابة وهن خير القرون فما بال رجال ونسوة في عصر كثر فيه الشر وأهله أصبحوا لا يرون في المصافحة بأساًَ. محتجين أن قلوبهم تقية ونفوسهم نقية؟ فأيهم أزكى نفساً وأطهر قلباً؟ أهذا الغثاء أم تلك النفوس الكبيرة؟ فضلاً عن أن الرسول حذر من مس النساء فقال: { لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له } [صحيح الجامع].

ومن الناس من يتساهل في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه يستحي من الإنكار على الناس. ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من مجاملة بعضهم لبعض في سماع الغيبة أو سماع أي من المنكرات أو رؤيتها، ونحوها فهذا جبن مذموم كل الذم وصاحبه شريك في الإثم إن لم ينكر أو يفارقهم.

والله عز وجل قال: كُنتُم خَير اُمةٍ أخرِجت لِلنّاسِ تَأمرونَ بالمَعروف وَتَنهُونَ عَنِ المُنكرِ وَتُؤمِنُونَ باللّه [آل عمران:110].

وقد حذرنا رسول الله من التساهل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: { والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعوه فلا يستجاب لكم }.

وينقسم الحياء من حيث الأصل إلى قسمين:

1 ) حياء فطري غريزي.

2 ) حياء مكتسب.


قال القرطبي: ( الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان غير أن كن كان فيه غريزة الحياء فإنها تعينه على المكتسب وقد يتطبع بالمكتسب حتى يصير غريزياً... وهذا قول صحيح ومعلوم بالتجربة في مجال التربية فإن المتربي قد يكون في بدايته لا يملك حياء غريزياً أو أن عنده حياءاً غريزياً ناقصاً ثم ينشأ في جو ينمي بواعث الحياء في قلبة ويدله على خصال الحياء فإن هذا المتربى سيكتسب الحياء شيئاً فشيئاً ويقوى الحياء فى قلبه بالتوجيه والتربيه حتى يصبح الحياء خلقاً ملازماً له، وقد قال بعض الحكماء: ( احيو الحياء بمجالسة من يستحيا منه ) وهذا الكلام بديع المعنى بعيد الفقه.. حيث أن كثرة مجالسة من لا يستحيا منه لوضاعته أوحقارته أو قلة قدره ومروءته تخلق في النفس نوع التجانس معهم ثم إن قلة قدرهم عنده تجعلة لا يستحي منهم فيصنع ما يشاء بحضرة هذه الجماعة فيضعف عنده خصلة الحياء شيئاً فشيئاً فيتعود أن يصنع ما يشاء أمام الناس جميعاً. أما مجالسة من يستحيا منه لصلاحهم وعلو قدرهم فأنها تحيي في القلب الحياء فيظل الإنسان يراقب أفعاله وأقواله قبل صدورها حياء ممن يجالسه فيكون هذا خلقاً له ملازماً فتتعود نفسه إتيان الخصال المحمودة ومجانية وكراهية الخصال المذمومة.

الحاصل: أن مجالس الأخيار تقوي الحياء المكتسب وتنميه، أما مجالسة الأرذال فإنها تحول بين العبد وبين اكتساب الحياء.

والحياء أنواع

1) الحياء من الله.

2 ) الحياء من الملائكة.

3 ) الحياء من الناس.

4 ) الحياء من النفس.

( 1 ) الحياء من الله:

قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] وقال تعالى: مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

فتجرؤ العبد على المعاصي واستخفافه بالأوامر والنواهي الشرعية يدل على عدم إجلاله لربه وعدم مراقبته لربه.

فالحياء من الله يكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي. قال رسول الله : { استحيوا من الله حق الحياء } قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله قال: { ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء }.

معنى الحديث: { استحيوا من الله حق الحياء } أي استحيوا من الله قدر استطاعتكم لأنه من المعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بكل ما عليه تاماً كاملاً ولكن كل على حسب طاقته ووسعه قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

( قال قلنا: إنا نستحي والحمد لله ). أجابوا بذلك لأنهم قصدوا أنهم يفعلون كل مليح ويتركون كل قبيح على حسب استطاعتهم فرد عليهم رسول الله أن ليس المقصود هذا العموم لأن هناك شروطاً للحياء حق الحياء فليس كما يظنون:

(1) { أن يحفظ الرأس وما وعى } أي ما جمع من الأعضاء: العقل والبصر والسمع واللسان. قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

(2) { وليحفظ البطن وما حوى } أي يحفظ بطنه وما في ذلك من حفظ الفرج عن الحرام فيحفظ بطنه من أن يدخله طعام حرام أو من مال حرام فالبدن نبت ويقوي من الطعام. والرب عز وجل لا يقبل من عبده أن يتقوى على طاعته بمطعم حرام ولا مشرب حرام لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

(3) { وليذكر الموت والبلى } أن يذكر الموت دائماً لأننا في هذه الدنيا لسنا مخلدين وإنما سنموت وسنرجع وسنقف بين يدي الله تبارك وتعالى. قال : { أكثروا من ذكر هادم اللذات }.

(4) { ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا } قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

فالمقصود أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في السر والعلن. قال رسول الله : { استحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك } [صحيح الجامع]. وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين وهي مرتبة الأحسان الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنه يراه في كل حركاته وسكناته فيتزين لربه بالطاعات. وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل. قال ذو النون: ( الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة مما سبق منك إلى ربك ) وهذا يسمى أيضاً حياء الإجلال الذي متبعه معرفة الرب عز وجل وإدراك عظم حقه ومشاهدة مننه وآلائه. وهذه هي حقيقة نصب الرسول وإجهاد نفسه في عبادة ربه.

ومن هذا الحياء أيضاً:

حياء الجناية والذنب: ومثال ذلك ما ذكره ابن القيم في كتابه مدارج السالكين. عندما فر آدم هارباً في الجنة فقال الله تعالى له: ( أفراراً مني يا آدم؟ فقال: لا بل حياء منك ).

ومن أنواع الحياء من الله:

الحياء من نظر الله إليه في حالة لا تليق:

كالتعري كما في حديث بهز بن حكيم عندما سأل رسول الله فقال: ( عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ ) فقال: { احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك }. قال: ( يا نبي الله إذا كان أحدنا خالياً؟ ) قال: { فالله أحق أن يستحي منه الناس }.

ولذلك عقد الإمام البخاري باباً سماه: ( التعري عند الاغتسال والاستتار أفضل ).

وقد ورد أن ابن عباس كان يغتسل وهو يرتدي ثوباً خفيفاً حياء من الله أن يتجرد.

وكان أبو بكر الصديق يقول: ( والله إني لأضع ثوبي على وجهي في الخلاء حياء من الله ).

وكان عثمان بن عفان لا يقيم صلبه عند الاغتسال حياء من الله.

وجاء رجل إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال له: أنا رجل عاصي ولا أصبر عن المعصية فعظني. فقال الحسين: ( افعل خمسة وافعل ما شئت ). قال الرجل: هات. قال الحسين: ( لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت ). قال الرجل: كيف ومن أين آكل وكل ما في الكون من رزقه. قال الحسين: ( اخرج من أرض الله وأذنب ما شئت ). قال الرجل: كيف ولا تخفى على الله خافية. قال الحسين: ( اطلب موضعاً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت ). قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن. قال الحسين: ( إذا جائك ملك الموت فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت ). قال الرجل: هذا مُحال. قال الحسين: ( إذا دخلت النار فلا تدخل فيها وأذني ما شئت ). فقال الرجل: حسبك، لن يراني الله بعد اليوم في معصية أبداً.

لقد بلغ الإيمان بالصحابة رضي الله عنهم أنهم أصبحوا يستحيون من الله في التقصير في النوافل وكأنهم قد ضيعوا الفرائض. قال الفضيل بن عياض: ( أدركت أقواماً يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجيعة ).

قال يحيي بن معاذ: ( من استحى من الله مطيعاً استحى الله منه وهو مذنب ). أي من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فهو دائماً يحس بالخجل من الله في تقصيره فيستحي أن يرى من يكرم عليه في حال يشينه عنده.

ثم قال يحيي بن معاذ: ( سبحان من يذنب عبده ويستحي هو ). وفي الأثر: ( من استحيا الله منه ) ويجدر هنا أن ننبه إلى أن حياء الرب صفة من صفاته الثابتة بالكتاب والسنة وهي كسائر صفاته عز وجل لا تدركها الأفهام ولا تكيفها العقول بل نؤمن بها من غير تشبيه ولا تكييف. وحياء الله عز وجل صفة كمال تدل على الكرم والفضل والجود والجلال.

ففي الحديث: { أن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً } وأيضاً: { إن الله يستحي أن يعذب شيبة شاب في الإسلام }.

عجيب شأن هذا العبد المسكين لا يستحي من ربه وهو ينعم عليه آناء الليل وأطراف النهار مع فقره الشديد... والرب العظيم يستحي من عبده مع غناه عنه وعدم حاجته إليه.

( 2 ) الحياء من الملائكة:

من المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار.. وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات مثل الخارج في طلب العلم والمجتمعين على مجالس الذكر والزائر للمريض وغير ذلك.

وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ [الإنفطار:11،10] أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:8].

إذاً فعلينا أن نستحي من الملائكة وذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة. قال : { إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوا منهم وأكرموهم }.

( 3 ) الحياء من الناس:

وهذا النوع من الحياء هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب عليه القول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة... والحياء من الناس قسمين:

1 ـ هذا قسم أحسن الحياء وأكملة وأتمه. فإن صاحبه يستحي من الناس جازم بأنه لا يأتي هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم اتقاء ملامة الناس وذمهم ثانياً فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ ترتب عليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق.

2 ـ قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس وإذا خلا من الناس لا يتحرج من فعلها وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكير بعظمة ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كل شيء الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة فكيف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيش في أرضه وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.

وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضل عليه الذي ليس له غناء عنه.

أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله ولا من الناس فهذا من شر ما منيت به الفضيلة وانتهكت به العفة، لأن المعاصي داء سريع الانتقال لا يلبث أن يسري في النفوس الضعيفة فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناس عظيم وخطره على الفضائل كبير، ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدم الحياء من الله ولا من الناس ـ قد فشت في زماننا. فلا شاب ينزجر ولا رجل تدركه الغيرة ولا امرأة يغلب عليها الحياء فتتحفظ وتتستر.. فقد كثر في المجتمعات المسلمة التبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة وحتى في المساجد. تخرج المرأة كاشفة الوجه مبدية الزينة بكل جرأة لم تجل خالقاً ولم تستحي من مخلوق.

ومن مظاهر عدم الحياء في مجتمع النساء: تحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها من الأمور الخاصة. وقد وصف النبي من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه في الطريق والناس ينظرون.

ومن مظاهر ضعف الحياء لدى بعض النساء: تبسطها بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثل البائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.

ومن المظاهر تشبه النساء بالرجال في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة. وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.

ومن المشاهد المؤسفة التي فشت في وسط النساء هذه الأيام ظاهرة النساء الكاسيات العاريات - أو النساء شبه العاريات - وذلك بلبس الملابس شديدة الضيق اللاصقة أو الملابس المفتحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلظة فلم يراعوا ديناً ولا حياء ولا مروءة. والله إن المؤمن عندما يرى أمثال هؤلاء يقشعر بدنه حياء من الله وحياء من الناس. ولكن ماذا تقول لأمثال هؤلاء النسوة؟ وماذا نملك لهن وقد نُزع الحياء من قلوبهم وقابلوا الناس بوجه وقاحاً.

( 4 ) الحياء من النفس:

وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون.

ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة. فيجد العبد المؤمن نفسه تستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإن العبد إذا استحى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر.

يقول أحد العلماء: ( من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر ).

والحقيقة أن هناك نفساً أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح. قال تعالى على لسان امرأة العزيز: وَمَا أبَرِّىءُ نَفسِي إنَّ النّفسَ لأَمّارَةٌ بِالسُوءِ إلاَ مَارَحِمَ رَبِيِ إنّ رَبِي غَفُورٌ رّحِيمٌ [يوسف:53].. والنفس الثانية هي النفس الأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة.

قال تعالى: يَا أيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنَةُ ارجِعِى إلى رَبِكِ رَاضِيَةً مَرضِيَةً فَأدخُلي في عِبادِي وَادخُلي جَنَتي [الفجر:27-30].

إذاً فعلينا أن نجاهد أنفسنا فلا نجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله حتى تكون من النفوس المطمئنة التي تبشر بجنة عرضها السموات والأرض..

يقول تعالى: وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنّهُمَ سُبُلُنَا وَإنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ [العنكبوت:69].

نسأل الله العزيز القدير ذا العرش المجيد أن يعصمنا من قبائحنا وأن يستر عوراتنا ويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أسيرة الجرح 07-08-2012 12:13 AM

رد سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
سلسلة أخلاق وآداب الإسلام : العدد التاسع

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808173.png

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


الجوال آداب وتنبيهات :

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808173.png

-فإن الهاتف -بجميع خدماته- يقوم بدور مهم، ويقدم خدمة جليلة، ويوفر جهداً كبيراً، سواء في الوقت، أو في المال، أو الذهاب، أو الإياب. ولقد تكلم الفضلاء من أهل العلم على الهاتف وآدابه، وما يجب وما ينبغي أن يراعى في ذلك. وعلى رأس أولئك صاحب الفضيلة الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد -حفظه الله ومتعه بالعافية- حيث ألّف كتابه الماتع الرائع ( أدب الهاتف ).

وهو بسبق حائزٌ تفضيلا *** مستوجبٌ ثنائي الجميلا

والحديث ههنا سيكون حول أدب الجوال على وجه الخصوص. وما يقال في حق الهاتف العادي يقال في حق الجوال، إلا أن الجوال ينفرد في أمور خاصة قد لا توجد في الهاتف العادي؛ فالجوال - في الأغلب - يكون خاصاً بشخص لا يرد عليه غيره، بخلاف الهاتف العادي؛ حيث يكون في مكان عام، أو مكتب أو منزل، وقد يرد عليه أكثر من شخص. ثم إن الجوال يمتاز بخدمات أخرى لا توجد في الهاتف. ولا ريب أن الجوال نعمة كبيرة، يقضي بها الإنسان حاجاته بأقرب طريق، وأيسر كلفة. ولكن هناك أمور تنافي شكر هذه النعمة، وهناك ملحوظات يحسن التنبه لها، والتنبيه عليها؛ حتى تتم الفائدةُ المرجوَّةُ من هذه النعمة، ولأجل ألا تكون سبباً في جلب الضرر على أصحابها.

فمما يحسن التنبيه عليه ومراعاته في هذا الأمر ما يلي:

أولاً: الاقتصاد في المكالمات: حتى لا تحصل الخسارة المالية بدون داع، ولأجل ألا يتأذى الإنسان من جراء الإطالة. وعلى هذا فإنه يحسن بالمُتَّصل أن يقتصد في كلامه، وأن يتجنب التطويل في المقدمات والسؤال عن الحال. وينبغي أن يحذر من كثرة الاتصالات بلا داع، وأن يحذر فضول الكلام في المهاتفة؛ فإن بعض الناس قد يمتد به الحديث ساعات وساعات.

يقول العلامة الشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله-: ( احذر فضول المهاتفة، حتى لا يصيبك سُعار الاتصال؛ فكم من مصاب به؛ فمن حين يرفع رأسه من نومته يدني مذكرته -نوتته- ولا كالطفل يلتقم ثدي أمِّه، فيشغل نفسه وغيره عبر الهاتف من دار إلى دار، ومن مكتب إلى آخر يروِّح عن نفسه، ويلقي بالأذى على غيره. وليس لنا مع هؤلاء حديثٌ إلا الدعاء بالعافية، وننصحهم بمعالجة وضعهم من هذا الفضول ) [أدب الهاتف:32-33].

ثانياً: الحذر من إحراج المتَّصَلِ عليه: كأن يَمْتَحِنَ المتَّصِلُ المتَّصَلَ عليه بقوله: هل تعرفني؟ فإذا قال: لا، بدأ يلومه، ويعاتبه على نسيانه له، وعدم تخزينه لرقم هاتفه. مع أن المتَّصَل عليه قد يكون ذا مكانة في العلم أو القدر أو السن، وقد يكون ممن لا يخزن الأرقام في جواله، وقد يكون جواله مليئاً ولا يتسع للمزيد؛ فأولى للمتصل أن يخبر عن اسمه في البداية إن كان يريد أن يُعْرف، وأن ينأى عن تلك الأساليب المحرجة.

جاء في الصحيحين عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ( أتيت النبي فدعوت، فقال النبي : { من هذا؟ } فقلت: أنا، فخرج وهو يقول: { أنا أنا!! } ) [البخاري:6250، مسلم:2155].

ثالثاً: مراعاة حال المتصل عليه، والتماس العذر له:
فقد يكون مريضاً، أو في مكان لا يسمح له بالتفصيل كأن يكون في مسجد، أومقبرة، أو بين أناس لا يود أن يقطع حديثهم أو نحو ذلك؛ فإذا لم يرد، أو رد رداً مقتضباً، أو كانت الحفاوة أقل من المعتاد - فعلى المتصل أن يبسط له العذر، وألا يسيء به الظن. كما يحسن بالمتَّصَلِ عليه أن يخبر المتَّصِل فيما بعد، أو يرد عليه رداً سريعاً يبين من خلاله أنه في مكان لا يسمح له بالحديث؛ فذلك أسلم للقلوب، وأبعد لها من الوحشة والنفره.

رابعاً: إغلاق الجوال أو وضعه على الصامت عند دخول المسجد: وذلك لئلا يشوشَ على المصلين، ويقطعَ عليهم خشوعهم وإقبالهم على صلاتهم. وإذا حصل أنْ نسي ولم يغلقْه أو يضعه على الصامت فليبادر إلى إغلاقه وإسكاته إذا اتصل أحد؛ لأن بعض الناس يدعه يرن وربما كان بنغمات موسيقية مؤذية، فلا يُغْلِقُهُ ولا يسكته؛ خوفاً من حدوث الحركة في الصلاة. والذي ينبغي لهذا أن يعلم أن تلك الحركة لمصلحة الصلاة، بل لمصلحة المصلين عموماً. كما ينبغي أن يُبْسَطَ العذرُ لمن نسي إغلاقَ جوالِه أو وَضْعَهُ على الصامت، وألا يشدد في النكير عليه، والنظر شزراً إليه، خصوصاً إذا كان ممن يُخشى نُفُورُه، وغضبه، أو أن يكون فاضلاً نسي؛ فلا يحسن إحراجه وتبكيتُه. ولنا في رسول الله أسوة حسنة حينما لَطُف بالأعرابي الذي بال في المسجد، وأمر أن يهراق سِجلٌ أو ذنوبٌ من ماء على مكان بوله.

جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: ( قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي : { دعوه، وأهريقوا على بوله سِجلاً من ماء -أو ذنوباً من ماء- فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين } ).

خامساً: البعد عن استعمال النغمات الموسيقية: لما في ذلك من الحرمة، وانتقاص العقلاء لمن يستعملها، ولما فيها من التشويش والأذى. ويقبح استعمالها إذا كان في المساجد، أو المجالس العامة.

سادساً: استعمال الجوال في مجالس العلم ومجالس الأكابر عموماً: لأن ذلك يذهب بهيبة المجلس، ويقطع الفائدة على المتعلمين، ويؤذي من يلقي الدرس أو الفائدة، ويرزي بمن يستعمل الجوال في تلك المجالس. بل ينبغي للإنسان ألا يتصل أو يردَّ على المتصل إذا كان في مجلس يسوده الجد، ويتكلم فيه متكلم واحد، أو أن يكون في ذلك المجلس من يَكْبُره في السن والقدر؛ لأن الاتصال أو الرد يقطع الحديث، ويكدر على الحاضرين، وينافي أدب المحادثة والمجالسة، قال أبو تمام:

من لي بإنسان إذا أغضبته *** وجهلت كان الحلمُ ردَّ جوابه

وتراه يصغي للحديث بسمعه *** وبقلبه ولعله أدرى بـــه


وقد يُغْتَفَرُ الاتصال أو الرد إذا كان في الأمر ضرورةٌ، أو حاجةٌ يُخشى فواتُها ويراعى في ذلك ترك التطويل. ويغتفر - أيضاً - لكبير القدر أو السن أن يتصل أو يرد، ويغتفر - كذلك - إذا كان الإنسان في مجلس إخوانه أو أصدقائه الذين يطرح الكلفةَ بينهم، أو الذين لم يسترسل حديثهم. ويجمل بالمرء - أيضاً - إذا أراد الاتصال أن يستأذن ويخرج عن المجلس.

سابعاً: تسجيل المكالمات، أو وضع الجوال على مكبر الصوت بحضرة الآخرين دون علم الآخر: فقد يتصل أحدٌ من الناس على صاحبه، أو يتصل عليه صاحبه فيسجل المكالمة، أو يضع الجوال على مكبر الصوت وحولَه مَنْ يسمع الحديث. وهذا العمل لا يليق بالعاقل خصوصاً إذا كان الحديث خاصاً أو سِرِّياً؛ فقد يكون ضرباً من الخيانة، أو نوعاً من النميمة. ويقبح إذا كان المُتَّصل عليه من أهل العلم ثم سجل المتصِّل حديثه دون إذنه، ثم نشره بعد ذلك، أو وضعه في الإنترنت، أو كتبه وزاد فيه ونقص.

قال الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد حفظه الله: ( لا يجوز لمسلم يرعى الأمانة ويبغض الخيانة أن يسجل كلام المتكلم دون إذنه وعلمه مهما يكن نوع الكلام: دينياً، أو دنيوياً كفتوى، أو مباحثة علمية، أو مالية، وما جرى مجرى ذلك ) [أدب الهاتف:28].

وقال حفظه الله: ( فإذا سجلت مكالمته دون إذنه وعِلْمِه فهذا مكر وخديعة، وخيانة للأمانة. وإذا نشرت هذه المكالمة للآخرين فهي زيادة في التَّخون، وهتك الأمانة. وإن فعلت فعلتك الثالثة: التصرف في نص المكالمة بتقطيع، وتقديم، وتأخير، ونحو ذلك إدخالاً أو إخراجاً -دبلجة- فالآن ترتدي الخيانة مضاعفة، وتسقط على أم رأسك في: ( أم الخبائث ) غير مأسوف على خائن. والخلاصة أن تسجيل المكالمة هاتفية أو غير هاتفية دون علم المتكلم وإذنه فجور، وخيانة، وجرحة في العدالة، ولا يفعلها إلا الضامرون في الدين، والخلق، والأدب، لاسيما إن تضاعفت -كما ذكر- فاتقوا الله -عباد الله- ولا تخونوا أماناتكم، ولا تغدروا بإخوانكم ) [أدب الهاتف:29-30].

ثامناً: إلقاء الجوال في الأماكن العامة: كإلقائه بين الزملاء، أو الأطفال، فهذا مدعاة لوقوع الحرج، فقد يُتَّصل عبر جوالك بأناس لا ترتضيهم، وقد يُساء إلى أحد من الناس عبر جوالك، وقد يسرق جوالك، وقد يستعرض ما فيه من رسائل تكره أن يراها غيرك. وقد حصل ويحصل من جراء ذلك أذى كثير، وإحراج شديد.

تاسعاً: الحذر من استعمال الجوال في التصوير: فبعض الجوالات تتوافر فيها هذه الخدمة، وقد تُستعمل في تصوير المحارم خصوصاً في المناسبات العامة كالولائم وغيرها. ولا يَخْفَى حُرْمَةُ هذا الصنيع، وتَسبُّبُه في انتهاك الحرمات، وتفريق البيوت، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ويعظم الأمر إذا نشرت الصورة، وأضيف إليها بعض التعديلات، بحيث يرى صاحب الصورة في وضع عارٍ أو نحو ذلك. فعلى مَنْ تسوِّل له نفسه ذلك أن يحذر مغبة صنيعه، وعلى النساء خصوصاً لزوم الستر والحشمة حتى لا يقع المحذور.

عاشراً: مراعاة أدب الرسائل: فالجوال يشتمل على هذه الخدمة، والذي يليق بالعاقل أن يراعي الأدب في الرسائل؛ فإذا أراد أن يرسل رسالة فلتكن جميلة معبرة أو مُبَشِّرة، أو مُعَزِّية، أو مسلية، أو أن تكون مشتملة على ذكرى، أوحكمة،أوموعظة، أو مثل سائر، أو نحو ذلك.

حادي عشر: التثبت في شأن الرسالة: فإذا كانت متضمنة لمعلومة فليتثبت من صحتها. وإذا كانت متضمنة لخبر فليكن الخبر صحيحاً لأنه سينقل عن المُرْسِل. وليستحضر المُرْسِل أن رسالته ربما تدوالتها الأيدي، وانتشرت في الآفاق؛ فله غنمها وعليه غرمها؛ فلينظر ماذا يحب أن ينقل عنه، أو يتسبب فيه.

ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الشأن ما يكون في بعض الرسائل من التواصي بأمر من الأمور، دون نظر إلى مشروعيته، كالتواصي بصيام آخر يوم من أيام السنة؛ لأنه وافق يوم الاثنين، أو أن يخصص ويوحد الدعاء في وقت ما لأحد أو على أحد، أو أن يُحَرِّج المُرسِلُ المُرْسَل إليه بأن يرسل الرسالة إلى عشرة أو أكثر أو أقل؛ فهذا مما لا ينبغي، وربما دخل في قبيل البدع والمحدثات. أما إذا تواصى الناس بالدعاء لأحد من المسلمين، أو على أحدٍ من أعداء الملة، واغتُنِم الوقت أو المكان فلا بأس في ذلك دون أن يشار إلى توحيد للدعاء، أو نحو ذلك.

ثاني عشر: الحذر من الرسائل السيئة: التي تشتمل على الكلمات البذيئة، والنكات السخيفة، والرسومات القبيحة، والصور الفاضحة. وكذلك العبارات التي تحتمل معنيين: أحدهما سيئ وهو الذي يبدو لأول وهلة، ثم يتضح أنه معنى صحيح بعد التدقيق، أو الكلمات المتقطعة التي تزيد كلما ضغط زر الجوال؛ ويتبين من خلال ذلك فسوق، وسوء أدب.

يقول الماوردي رحمه الله: ( ومما يجري مجرى فحش القول، وهجره في وجوب اجتنابه ولزوم تنكبه ما كان شنيع البديهة، مستنكر الظاهر، وإن كان بعد التأمل سليماً، وبعد الكشف والرويَّة مستقيماً ) [أدب الدنيا والدين:284].

وكذلك المزاح الثقيل، واستعمال عبارات الغرام خصوصاً مع النساء اللواتي يغرُّ بَعْْضَهُنَّ الثناءُ، ومعسول الكلام. وكذلك العبارات المشتملة على السب، والقذف، ونحو ذلك. فهذا كله مما يخالف الشرع، وينافي الأدب، ولا يتلاءم مع شكر هذه النعمة.

ثالث عشر: التأكد من صحة الرقم: حتى لا تقع الرسالة بيد من لم يُقْصَد إرسالُها إليه، فيقع الحرج، ويساء الظن بالمرسل إن كانت رسالة لا تناسب.

رابع عشر: مراعاة الذوق، وحال المُرسل إليه: فقد تكون الرسالة ملائمة لشخص، ولكنها غير ملائمة لآخر، وقد تكون صالحة لأن ترسل لكبير قدر أو سنٍّ، ولا تصلح أن ترسل إلى غيره، وقد يصلح أن يرسلها شخص ولا يصلح أن يرسلها آخر، وقد تصلح لأن ترسلها لمن يَعْرفك ويَعْرف مقاصدك، ولا يصلح أن ترسلها لشخص لا يعرف مقاصدك، أو لشخص شديد الحساسية سيئ الظن؛ فمراعاة تلك الأحوال أمر مطلوب. وكم حصل من جراء التفريط بذلك الأدب من إساءة ظن، وقيام لسوق العداوة.

خامس عشر: النظر في جوالات الآخرين واستعراض الرسائل دون رضاهم: فذلك من كشف الستر، ومن التطفل المذموم، بل هو ضرب من ضروب الخيانة، وباب من أبواب سوء الظن؛ لأن الناظر في رسائل جوال غيره ربما رأى رسالة ففهمها على غير وجهها، أو ظن أنها أرسلت إلى امرأة يعاكسها وقد يكون صاحب الجوال أرسلها إلى زوجته. وقد تكون الرسالة وردت إليه وهو لم يرض بها، فيسيء الناظرُ الظنَّ في صاحبه وهو براء من ذلك. وهذا يؤكد ما مضى التنبيه عليه من حفظ الجوال، والحذر من إلقائه بين الآخرين، ويوجب أن يستحضر العاقل أنه ربما استعرض الجوالَ غير صاحبه فيرى الرسائل ويكشف الستر، وربما أساء الظن. وينبغي للمرسل أن يحتاط لذلك، خصوصاً النساء؛ لأنه ربما استعرض الجوال زوج صاحبتها، أو أخوها، وربما كان مريض النفس، فكان ذلك سبباً فيما لا تحمد عقباه.

سادس عشر: ترك الإنكار على من أرسل رسالة لا تليق: فهذا مما لا ينبغي، بل على المسلم إذا وصلت إليه رسالة لا تليق أن يبادر في الإنكار على صاحبه بالرفق واللين؛ ففي هذا إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه تواصٍ بالحق، وتنبيهٌ على الخطأ، وتعليم للجاهل إذا كان المرسل لا يفقه ما أرسل. كما يحسن بالإنسان أن يبادر إلى مسح الرسالة السيئة؛ حتى يسلم من الحرج إذا ضاع جواله، أو نسيه في مكان ما، أو وقع في يد غيره.

سابع عشر: استعمال الجوال للمعاكسات:
وهذا الأمر يكاد يكون أخطر ما في الجوال؛ فقد كان العقلاء في السابق يحذِّرون خطر الهاتف، وينبهون على وجوب أخذ الحيطة من وضعه في أيدي السفهاء، فجاء الجوال، فعم وطم، وصار بيد العاقل والسفيه، والرجل والمرأة،والصغير والكبير.

فالواجب على العقلاء أن يتنبهوا لهذا الخطر الذي سَهَّل مهمة المعاكسات كثيراً، والواجب أيضاً على المتلاعبين بالأعراض أن يحذروا عاقبة أمرهم، وأن يراقبوا ربهم، وأن يستحضروا اطلاعه عليهم. كما يجب عليهم أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة، وأن يدركوا أن السعادة الحقة لا تكون بهذه الأساليب المحرمة، بل إن تلك الأساليب أعظم أسباب اضطرابهم وقلقهم، وحيرتهم، وفساد أحوالهم، وضياع أموالهم. كما أنها سبب لفضيحتهم وشقائهم، ودمارهم في الدنيا ولآخرة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ولذة العفة خير من لذة الشهوة المحرمة.

ثامن عشر:كثرة العبث بالجوال في المجالس: خصوصاً في مجالس الأكابر من أهل العلم والفضل؛ فبعض الناس لا يفتأ يقلب جواله، ويستعرض نغماته وأجراسه، ويلعب في التسالي التي يحتويها الجوال إلى غير ذلك مما لا يليق بالعاقل، ومما يجعله عرضة للتندر، والاستهجان.

تاسع عشر: التشبع، والادعاء:
كحال من يريد لفت الأنظار، وإظهار العظمة، وبيان أنه إنسان مهم، حيث يوهم من حوله بأن فلاناً من أهل الفضل، والمكانة يبحث عنه، ويتصل به.

يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: ( في الجماعة أفراد يحملون همَّ العظمة، وأن يحمدوا بما لم يفعلوا. وقد صح عن النبي أنه قال: { المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور } [رواه البخاري:5219، ومسلم:2129].

ومن المهاتفين العُراة إجراؤهم المهاتفة الوهمية لبعض ذوي القدرة، والمكانة، أو ذوي القدر والجاه واليسار، أو يُسرُّ إلى بعض خواصه أن يتصل به، على أنه ذاك الذي يشار إليه، فترى المسكين يوهم الحاضرين عنده بالاهتمام البالغ، وبعض العبارات والحركات لهذه المقامات؛ ليبين للحضور أنه شخص مرموق رفيع المستوى، كأنه يقول: ( هأناذا؛ فاعرفوني ). وهو اتصال وهميٌّ مكذوب. وقد شاهدت وشاهد غيري من ذلك عجباً. والمهم أن يعرف أولئك أنهم عراة، وقلَّ أن تخفى حالهم؛ فلا تسلك أيها المسلم سبيلهم ) [أدب الهاتف:35-36].

هذه إشارة عجلى وتنبيهات عابرة حول الجوال وما ينبغي في أدبه وما لا ينبغي.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-12-2012 09:30 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


المراقبة الذاتية :


https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

في الحديث: قال النبي : { لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً }، قيل: يا رسول الله صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: { أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها }.

قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان يحضره الناس، وعلى مشهد منهم، لكنه إذا خلا بنفسه، وغاب عن أعين الناس، أطلق لنفسه العنان، فاقترف السيئات، وارتكب المنكرات، وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً [الإسراء:17] وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74].

بل إن الإنسان ليقع في ذنب، لو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، أتراه - في هذه الحالة - مستحضراً قول الله تعالى: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [البقرة:77] { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78].

ويحك يا هذا، إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقاد أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك، وأقل حياءك!! يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108].

من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه، وتعلم قدر غضبه ثم تعرض له، وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته.

قال قتادة: ( ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله ).

وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23،22].

قال ابن الأعرابي: ( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ).

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ

ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ


إن تقوى الله في الغيب، وخشيته في السر، دليل كمال الإيمان، وسبب حصول الغفران، ودخول الجنان، بها ينال العبد كريم الأجر وكبيره إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس:11] إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12] وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:31-35].

وكان من دعاء النبي : { أسألك خشيتك في الغيب والشهادة } والمعنى أن العبد يخشى الله سراً وعلانية، ظاهراً وباطناً، فإن أكثر الناس قد يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن خشية الله في الغيب إذا غاب عن أعين الناس فقد مدح الله من خافه بالغيب.

وكان بكر المزني يدعو لإخوانه: ( زهّدنا الله وإياكم في الحرام، زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه ).

وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه ).

إذا السر والإعلان في المؤمن استوى *** فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا

فإن خالف الإعلان سراً فما له *** على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا


الأمور الموجبة لخشية الله عز وجل

1 - قوة الإيمان بوعده ووعيده على المعاصي.

2 - النظر في شدة بطشه وانتقامه وسطوته وقهره: وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته، كما قال الحسن: ( ابن آدم، هل لك طاقة بمحاربة الله، فإن من عصاه فقد حاربه ).

وقال بعضهم: ( عجبت من ضعيف يعص قوياً ).

3 - قوة المراقبة لله، والعلم بأنه شاهد رقيب على قلوب عباده وأعمالهم، وأنه مع عباده : حيث كانوا فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته، أوجب له ذلك ترك الماصي في السر.

قال وهب بن الورد: ( خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه قدر قربه منك ). وقال: ( اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك ).

4 - استحضار معاني صفات الله تعالى:
ومن صفاته ( السمع، والبصر، والعلم )، فكيف تعصي من يسمعك، ويبصرك ويعلم حالك؟!.. فإذا استحضر العبد معاني هذه الصفات، قوي عنده الحياء، فيستحي من ربه أن يسمع منه ما يكره، أو يراه على ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، قتبقى أقواله وحركاته وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.

قال ابن رجب: ( فتقوى الله في السر، هي علامة كمال الإيمان، ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبها الثناء في قلوب المؤمنين ).

قال أبو الدرداء: ( ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين ).

وقال سليمان التيمي: ( إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته ).

وقال غيره: ( إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه ).

وهذا أعظم الأدلة على وجود الإله الحق، المجازي بذرات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة، ولا يضيع عنده عمل عامل، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار.

فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً له.

ومن أعجب ما روي في هذا، ما روي عن أبي جعفر السائح قال: ( كان حبيب أبو محمد تاجراً يكري الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان فإذا هم يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا. فنكس رأسه، وقال: يا رب، أفشيت سري إلى الصبيان. فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب، إني أسير، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فاعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله، وأخذ في العبادة، ثم مرّ ذات يوم بأولئك الصبيان، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد. فبكى، وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، وكله من عندك ).

قال سفيان الثوري: ( إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً ). وودّع ابن عون رجلاً فقال: ( عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة ).

قال زيد بن أسلم: ( كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ).

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة، وفي السر والعلانية.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-12-2012 09:34 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد
نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


لا تكن لعاناً :

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

ا ريب أن من مقاصد رسالة الإسلام تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، وتنقية المشاعر، ونشر المحبة والألفة وروح التعاون والإخاء بين المسلمين.. قال النبي : { إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } [رواه أحمد والطبراني] وهناك آفة عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع على اختلاف مراحلهم العمرية وطبقاتهم الثقافية.. آفة عظيمة نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها كثير من الآباء والأبناء، الرجال والنساء، الشباب والفتيات.. آفة عظيمة تولدت منها الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بسبها رياح العداوة والبغضاء. آفة عظيمة تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين، وتدخله في زمرة العصاة الفاسقين.. إنها السب واللعن والفحش وبذاءة اللسان.. فتجد الوالد يسب أبناءه ويلعنهم، والأم كذلك تفعل مثله، ولا يدريان أن ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الآثام. وتجد الصديق يسب ويلعن صديقه، فيرد عليه بسب أمه وأبيه. حتى الطفل الصغير تجده قد تعود كيل السباب واللعائن للآخرين، وربما فعل ذلك بأبيه وأمه وهما ينظران إليه فرحين مسرورين.. إن الواجب على كل عاقل أن يضبط لسانه دائماً، ولا يعوده السب واللعن، حتى مع خادمه وولده الصغير، بل ومع أي شيء من جماد أو حيوان، فإنه لا يأمن إذا سب أحداً من الناس أو لعنه أن يقابله بمثل قوله، أو يزيد عليه فيثور غضبه ويطغى، ويقوده إلى ما لا تُحمد عقباه، وكم من جريمة وقعت كانت بدايتها لعناً وسباباً، ومعظم النار من مستصغر الشرر.

وإذا سب الإنسان أو لعن مسلماً فقد آذاه، والله تعالى يقول: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا [الأحزاب:58].

آفة السب

يقول النبي : { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } [متفق عليه]. قال النووي رحمه الله: ( السب في اللغة: الشتم والتكلم في عِرض الإنسان بما يعيبه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.. فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي ) [شرح صحيح مسلم:2/241].

فهل تصور أولئك الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً وانتهاكاً لأعراض المسلمين أنهم يكونون بذلك فساقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله ؟! ألا فليتق الله أناس تركوا العنان لألسنتهم حتى أوردتهم موارد الهلكة ومراتع الحسرات، قال النبي : { سباب المسلم كالمشرف على الهلكة } [رواه البراز وحسنه الألباني]

تحذير للبادئ بالسباب:

إن البادىء بالسباب هو الذي يتحمل الإثم وحده، إذا عفا عنه المسبوب، أو انتصر بقدر مظلمته، ولم يتجاوز ذلك إلى ما ظلم وتعد، قال النبي : { المستبان ما قالا، فعلى البادىء منهما، ما لم يعتد المظلوم } [رواه مسلم] وللإمام النووي رحمه الله فوائد حول هذا الحديث حيث قال: (1- معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادىء منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادىء أكثر مما قال له. 2- وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [الشورى:41]. وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [الشورى:39]. 3- ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى:43]. وللحديث المذكور بعد هذا: { وما زاد الله عبداً بعفواً إلا عزى }. 4- واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال : { سباب المسلم فسوق } 5- ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذباً، أو قذفاً، أو سباً لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ ( يا ظالم ) ( يا أحمق ) أو ( يا جافي ) أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. 6- قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى ) ا. هـ. [شرح صحيح البخاري].

وإذا تعدى المسبوب وتجاوز الحد وقع الإثم عليهما، فعن عياض بن حمار قال: قلت: يانبي الله ! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال : { المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان } [رواه ابن حبان وصححه الألباني].

من أكبر الكبائر:

واحذر أخي من أن تكون سبباً في سب والديك فتكون كمن سبهما، فقد قال النبي : { إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه } قيل يارسول الله ! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: { يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه } [رواه البخاري]. ومن المؤسف أنه قد انتشر ذلك بين أبناء المسلمين وطلابهم، وهذا - والله - دليل على انحطاط في التربية، وتفريط من أولياء الأمور الذين لا ينشئون أبناءهم على الفضيلة والأخلاق الحسنة والخصال الجميلة. وهذا الوعيد فيمن كان سبباً في سب أبيه وأمه دون أن يسبهما بنفسه، فكيف حال من يقوم بسبهما بنفسه، فيسب والديه ويلعنهما، وهناك من يضربهما ولا حول ولا قوة إلا بالله.

آفة اللعن

أما اللعن فقد ورد فيه وعيد شديد وتهديد أكيد من النبي ، فقد قال النبي : { لعن المؤمن كقتله } [متفق عليه]. وتأمل أخي في جريمة قتل المؤمن وشدة قبحها، وما رتب الله عليها من العذاب والنكال واللعنه والغضب في الدنيا والآخرة، تعرف بذلك خطورة اللعن والتمادي فيه. قال تعالى: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءوه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً [النساء:93]. فهذا جزاء قاتل المؤمن الذي شبه النبي لاعنه به، فأي جرم هذا الجرم؟ وأي خطيئة تلك الخطيئة؟! وبيّن النبي أن المؤمن كامل الإيمان لا يكون لعاناً أبداً، فقال عليه الصلاة والسلام: { لا يكون المؤمن لعاناً } [رواه الترمذي وصححه الألباني]. ولذلك نهى النبي عن التلاعن فقال عليه الصلاة والسلام: { لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه ولا بالنار } [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].

وأخبر عن تأخر منازل اللعانين يوم القيامه فقال: { لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة } [رواه مسلم]. قال النووي رحمه الله عن هذا الحديث: ( فيه الزجر عن اللعن، وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة، لأن اللعنه في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة – وهي الإبعاد من رحمة الله – فهو في نهاية المقاطعة والتدابر ) [شرح صحيح مسلم:16/364].

وأوصى النبي جرموذ الجهني فقال: { أوصيك ألا تكون لعاناً } [رواه الطبراني وصححه الألباني]. وقال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: ( كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أنه أتى باباً من الكبائر ).

أين تذهب اللعنة؟

هل تدري أيها اللعان أن لعنتك تصعد إلى السماء فيهرب أهل السماء منها خشية أن تصيبهم؟! هل تدري أنها تهبط إلى الأرض بعد ذلك، فتهرب الكائنات منها خشية أن تصيبهم؟! هل تدري أنها تذهب بعد ذلك يميناً ويساراً حتى تصادف من يستحقها؟ ثم هل تدري أنها تعود إليك إذا كان من لعنت لا يستحق لعنتك؟ فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : { إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنه إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها } [رواه أبو داود وحسنه الألباني لغيره].

فلماذا تحمل نفسك - أخي - هذا الذنب العظيم، ولما تصر على هذا الجرم الكبير؟ ولماذا لا تعود لسانك الدعاء لأبنائك وبناتك بدلاً من لعنهم والدعاء عليهم؟ ألا تخشى أن ترجع إليك لعنتك وتكون ساعة إجابة، فتطرد من رحمة الله عز وجل، وتكون من المبعدين المقبوحين؟ ألا تخشى أن تلقى الله عز وجل بلسان ولغ في أعراض المسلمين واستباح حرماتهم؟ ألا تخشى أن تتساوى حسناتك وسيئاتك فتأتي لعنتك فترجح ميزان سيئاتك فتدخل بها النار؟

سد منافذ اللعن

واللعن إلا إذا كانت مصلحة راجحة. [أدب السلــف].

أخي الحبيب: كان سلف الأمة أحرص منا على الخير، ولذلك كانو

إن بعض الناس لم يسلم منه حتى الجماد والحيوان، فتراه يسب ويلعن ويضرب كل شيء حوله، ولذلك سد النبي كل منفذ يؤدي إلى السب واللعن، فنهى عن سب أو لعن كل شيء لا يستحق اللعن، حتى ولو كان حيواناً أو جماداً، فعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله فقال: { خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة }. قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. [رواه مسلم]. قال النووي رحمه الله: ( إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها، وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن، فعوقبت بإرسال الناقة. والمراد. النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق ) [شرح صحيح مسلم للنووي:16/363]. وقال النبي : { لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة } [رواه أبو داود وابن حبان وصححه الألباني].

إن عظمة الإسلام لتتجلى في هذه التوجيهات السامية والآداب الرفيعة التي حافظت على حق الحيوان البدني والمعنوي، والتي حرمت كل أشكال الإيذاء بغير حق، فيا ليت دعاة حقوق الحيوان يعرفوا للإسلام فضله في هذا السبيل، ويعترفوا له بالسبق في هذا الميدان الذي يتفاخرون به ويحسبون أنهم أصحابه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً لعن الريح عند رسول الله فقال: { لا تلعن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئاً ليس له بأهل، رجعت اللعنة عليه } [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني]. وعن جابر أن النبي دخل على أم السائب فقال: { مالك تٌزفزين؟ } قالت: الحمى، لا بارك الله فيها. قال: { لاتسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير الخبث } [رواه مسلم].

ومما سبق يتبين أن الإسلام حرص على أن يكون المؤمن طاهر اللسان حلو المنطق، عذب الكلمات، لا يشينه شيْ، ولا يقدح في مروءته قادح.

[ حكم لعن المعين]

لاريب أن المؤمن المعين لا يجوز لعنه حياً أو ميتاً للأدلة التي ذكرنا بعضها فيما سبق، أما الكافر المعين فلا يجوز لعنهإذا لم يكن قد مات على الكفر، لأنه لا يدري ما يختم له به، وليس هناك مصلحة في الدعاء على أحد بالموت على الكفر، ويدل على ذلك حديث ابن عمر، أن رسول الله قال يوم أحد: { اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أميه } فنزلت الآية ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون [آل عمران:128] فتاب عليهم كلهم [رواه أحمد والترمذي، وعند البخاري { اللهم العن فلاناً وفلاناً }. فإذا كان لايجوز لعن الكافر المعين الذي لم يمت على الكفر، فكذلك لا يجوز لعن الفاسق المعين أو الظالم المعين من باب أولى، نعم يجوز ذلك بالأوصاف العامة، كأن يقول: لعنة الله على الزناة، أو على الكاذبين ونحو ذلك ( أنظر كتاب الأخلاق الدينيه لعبد الرحمن الجزيري ص111 ).

فقد لعن النبي أصنافاً من العصاة بغير تعيين كالواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، وآكل الربا وموكله، وشارب الخمر، والمحلل والمحلل له، وغيرهم كثير. أما من تيقن موته على الكفر كفرعون وأبي جهل وغيرهما فإنه يجوز لعنه، على أن المسلم ينبغي عليه أن يطهر لسانه من السبّا يتحاشون السبّ واللعن، ويطيبون ألسنتهم بذكر الله وشكره ودعائه والثناء عليه وتلاوة كتابه، ومما روي عنهم في ذلك:

1) قال الزربقان: كنت عند أبي وائل، فجعلت أسبّ الحجاج، وأذكر مساوئه، فقال أبو وائل: وما يدريك ! لعلّه قال: اللهم اغفرلي فغفر له !

2) وقال عاصم بن أبي النجود: ما سمعت أبا وائل شقيق ابن سلمة سب إنساناً قط ولا بهيمة.

3) وقال المثنى بن الصباح: لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئاً فيه روح.

4) وعن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادماً قط، إلا واحداً فأعتقه. لا تكن عوناً للشيطان على أخيك.

5) عن ابن مسعود قال: ( إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه، تقولون: اللهم اخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد كنا لا نقول في أحداً شيئاً، حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير، علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن ختم له بشر، خفنا عليه عمله.

6) وروي أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه، فقال لهم أبو الدرداء: أرأيتم لو وجدتموه في بئر ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا نبغضه؟ قال: إنما أبغضه عمله، فإذا تركه فهو أخي.

ولو أن المسلمين تعاملوا بهذه الأخلاق الكريمة، والنفوس الصافية والصدور السليمة لتغير حالهم، وعظم أثرهم في أنفسهم وفي غيرهم من غير المسلمين.. ألا فليرجع المسلمون إلى أخلاق النبوة وآداب الرسالة، ليرجع إليهم تميزهم، ويكونوا خير أمة أخرجت للناس، كما كان أسلافهم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-12-2012 09:38 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


أمور هامة في ذكر الله والصلاة على النبي :

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png
فصل ذكر الله من القرآن الكريم:

قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة:152]. وقال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]. وقال تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]. وقال تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الأعراف:205]. وقال تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً [المزمل:8].

فوائد ذكر الله تعالى:

1 - أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.

2 - أنه يرضي الرحمن عز وجل.

3 - أنه يزيل الهم والغم عن القلب.

4 - أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.

5 - أنه يقوي القلب والبدن.

6 - أنه ينور الوجه والقلب.

7 - أنه يجلب الرزق.

8 - أنه غراس الجنة فعن جابر عن النبي قال: { من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة }.

9 - إن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر.

فضل الصلاة على النبي من القرآن الكريم:

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:43].

فوائد الصلاة على النبي :

1 - امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.

2 - موافقته سبحانه وتعالى في الصلاة عليه .

3 - موافقة ملائكته فيها.

4 - حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.

5 - أنه يرفع له عشر درجات.

6 - أنه يكتب له عشر حسنات ويمحو عنه عشر سيئات.

7 - أنه يرجى إجابة دعائه إذا فتح بها الثناء على الله تعالى.

8 - إنها سبب لشفاعته .

9 - إنها سبب لقرب العبد منه يوم القيامة.

10 - إنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل مماته.

11 - أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.

12 - أنها سبب لنيل رحمة الله.

مواطن الصلاة على النبي :

1 - في التشهد الأول وآخر القنوت والصلاة في آخر التشهد.

2 - في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.

3 - في خطبة الجمعة والعيدين والإستسقاء وغيرها.

4 - بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة وعند الدعاء.

5 - عند الدخول للمسجد وعند الخروج منه.

6 - عند ذكره وعند كتابة اسمه .

7 - عند إلمام الفقد والحاجة وأول النهار وآخره.

8 - بعد الفراغ من الوضوء ودخول المنزل.

فضل دعاء الله من القرآن الكريم:

قال تعالى: رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [آل عمران:38]. وقال تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء [إبراهيم:40]. وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

فوائد الدعاء لله تعالى:

1 - أنه دليل على الإيمان بالله والتوكل عليه.

2 - أنه سبب لنزول الرحمة ودفع البلاء.

3 - إن الدعاء محبوب لله عز وجل.

4 - أنه طاعة لله عز وجل وسبب لدفع غضبه سبحانه وتعالى.

5 - أنه سبب لانشراح الصدر وتفريغ الهم وزوال الغم وتيسير الأمور.

أوقات وأماكن إستجابة الدعاء لله تعالى:

1 - ليلة القدر.

2 - يوم عرفة.

3 - شهر رمضان.

4 - ليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة.

5 - جوف الليل الآخر.

6 - وقت السحور.

7 - إلتقاء الصفوف في القتال.

8 - بين الآذان والإقامة.

9 - عند السجود.

10 - دُبر الصلوات المكتوبة.

11 - في السحور.

12 - عند قول الإمام ( ولا الضالُّين ).

13 - عند شرب ماء زمزم.

14 - عند صياح الديكة.

15 - عند اجتماع المسلمين في مجلس الذكر.

16 - عند نزول الغيث.

المواقع التي تجاب فيها الدعوات لله تعالى:

1 - حين الوقوف على الصفا والمروة، أن رسول الله : { أتى الصفا حتى نظر إلى البيت ورفع يديه وجعل يحمد الله ويدعوه ما شاء أن يدعوه }.

2 - عند رمي الجمرات وعند المشعر الحرام، أن رسول الله : { أنه كان يرفع يديه عند رمي الجمرات ويدعوه }.

3 - داخل البيت الحرام أن الرسول لما دخل البيت دعا في نواحيه.

شروط الدعاء لله تعالى:

1 - تعتقد بأن الله تعالى وحده هو القادر على إجابةالدعاء.

2 - الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي .

3 - التوسل إلى الله تعالى بالمشروع من لوازم الدعاء.

4 - حسن الظن بالله تعالى.

5 - عدم الاستعجال.

6 - أن يكون المطعم والمشرب والملبس من الحلال.

آداب الدعاء:

1 - واعلم رحمك الله أن الافتقار إلى الله والانكسار بين يده وإظهار الفقر له ظاهراً وباطناً من أهم شروط استجابة الدعاء.

2 - و لا بأس برفع اليدين عند الدعاء لقوله : { إن الله يستحيي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما صفراً } [حديث صحيح].

3 - ولا تمسح وجهك بعد الدعاء فذلك لم يثبت عن رسول الله ، بل قال العز بن عبدالسلام: ( لا يفعلها إلا جاهل ) [صحيح الأذكار من كلام خير الأبرار].



وأسأل الله أن يهدينا إلى سواء السبيل وأن يبصرنا بأرشد أمرنا إنّه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

أسيرة الجرح 07-12-2012 09:44 PM

رد: سلسلة أخلاق وآداب الإسلام
 
https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

نفتتح بمعيتكم هذه السلسلة الطيبة المباركة بمشيئة الله والتي تعنى بأخلاقيات وآداب الإسلام الجمة

عسى أن تأتي في قلوبنا ونتكتسب الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة

فعلى بركة الله


فمن الواجب على كل مسلم محبة الرسول وطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه وتصديق خبره.. وبذلك يحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ويستحق الثواب ويسلم من العقاب، وعلامة ذلك ودليله التزامه بتعاليم الإسلام أمرًا ونهيًا وتطبيقًا، قولاً واعتقادًا وعملاً، وأن يقول أمام كل أمر ونهي ( سمعنا وأطعنا ) كما قال المؤمنون قبلنا، ومن ذلك تقصير الملابس فوق الكعبين في حق الرجال طاعة لله ورسوله.. ورجاء الثواب والخوف من العقاب. وقد لوحظ على كثير من الناس - هداهم الله - إسبال الملابس أسفل الكعبين وجرّها، وفي ذلك خطر عظيم عليهم؛ لأن فيه مخالفة لأمر الله ورسوله . والإسبال يعتبر من كبائر الذنوب.

اعلم أخي المسلم: بارك الله فيك أنه لا يحق لأي إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعرض عن أي أمرٍ أُمر به أو نهيٍ نهى عنه رسول الله بعد أن يتبين له ويثبت لديه، فإن الرسول قد ذم وحذر أناسا لا يبادرون إلى العمل بالحديث إذا بلغهم، فقال : { ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإن ما حرّم رسول الله كما حرم الله } [صحيح أبي داود]. وممّ أبتلي به بعض الناس الإسبال حتى أصبح ظاهرة منتشرة والله المستعان !

تعريف الإسبال لغة: في اللغة أسبل إزاره: أي أرخاه، يقال: أسبل فلان ثيابه، إذا طوّلها وأرسلها إلى الأرض.

وفي الاصطلاح: المسبل إزاره المرخي له الجار طرفه، وهو أيضًا: إرخاء اللباس وإرساله بحيث يتجاوز الحد المقرر في النصوص الشرعية ولا يتقيد بالخيلاء.

حد اللباس الواجب والمستحب

عن ابن عمر قال مررت على رسول الله وفي إزاري استرخاء فقال: { يا عبدالله ارفع إزارك }، فرفعته، ثم قال: { زد }، فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: { أنصاف الساقين } [رواه مسلم].

عن حذيفة قال: أخذ رسول الله بعضلة ساقي، فقال: { هذا موضع الإزار، فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين } [صحيح الترمذي].

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : { الإزار إلى نصف الساق }، فلما رأى شدة ذلك على المسلمين، قال: { إلى الكعبين لا خير فيما أسفل من ذلك } [رواه الإمام أحمد3/140].

قال : { إزار المسلم إلى نصف الساق } [صحيح أبي داود].

قال : { إزرة المؤمن إلى عضلة ساقه، ثم إلى كعبين، فما كان أسفل من ذلك ففي النار } [رواه الإمام أحمد2/255].

قال الحافظ: ( والحاصل أن للرجل حالين: حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال الجواز هو إلى الكعبين ) [فتح الباري10/220].

أحاديث في ذم الإسبال

قال : { إن الله عز وجل لا ينظر إلى مسبل الإزار } [صحيح النسائي].

قال : { ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار } [رواه البخاري].

عن الشريد قال: أبصر رسول الله رجلاً يجر إزاره فأسرع إليه أو هرول فقال: { إرفع إزارك واتق الله }، قال: إني أحنف تصطك ركبتاي. فقال: { ارفع إزارك كل خلق الله حسن }، فما رؤي ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه. [صحيح، رواه الإمام أحمد4/390].

قال : { المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام } [صحيح أبي داود]. ( أي لا يؤمن بحلال الله وحرامه وليس من دين الله في شيء ).

قال : { ما تحت الكعبين من الإزار في النار } [صحيح أبي داود].

قال النبي : { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة }، فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، وفي رواية: إزاري من أحد شقيه، وفي رواية: إن أحد جانبي إزاري، فقال رسول الله : { إنك لست ممن يفعله خيلاء }. وفي روايه: { لست منهم } وفي رواية: { إنك لست تصنع ذلك خيلاء } [رواه البخاري والزيادة لأهل السنن].

أقول العلماء في حكم الإسبال

لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه كان يسبل ثوبه أسفل الكعبين، بل كانوا ينهون عن ذلك أشد النهي ويعتبرونها من كبائر الذنوب ومن الخيلاء، لقوله : { وإياك والإسبال فإنه من المخيلة } [صحيح أبي داود] فجعل الإسبال كله من المخيلة، لأنه من لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك. قال أبو بكر بن العربي: ( لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرّه خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظًا ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكمًا أن يقول لا أمتثله لأن العلة ليست فيّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره ) [فتح الباري10/275].

وساق الإمام البخاري في صحيحه باباً بعنوان: ( من جر إزاره من غير الخيلاء ) وبابًا: ( من جر ثوبه من الخيلاء ) ثم ساق عنوانًا آخر: ( باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار ) وساق أحاديث الوعيد بالنار وأقر تحريم ما كان أسفل الكعبين.

وأما احتجاج البعض بحديث أبي بكر في حمل الإسبال من غير الخيلاء على الكراهية، فبعيد جداً؛ لأن أبا بكر لم يتعمد الإسبال ولم يسأل عن ذلك، وإنما سأل عن الإسبال رغماً عن دون علم، لأن أبا بكر كان حريصاً على إصلاحه إلا أن الإزار يسترخي بنفسه، وذلك لنحافة جسمه رضي الله عنه، وهذا حال من يتعاهد ملابسه إذا استرخت حتى يرفها لا يعد ممن يجر ثيابه خيلاء لكونه لم يسبلها، وإنما قد تسترخي عليه فيرفعها ويتعاهدها، ولا شك أن هذا معذور، لأن أصل ثيابه قصير غير مسبل، أما من يتعمد إرخاءها فهو داخل في الوعيد وليس معذورًا في إسباله.

إخوة الإسلام: أمرُ الإسبال جدُّ خطير يجب عدم التهاون به كما لم يتهاون به الصحابة رضوان الله عليهم، ولنا في قصة مقتل عمر درس عظيم، فالقصة كما رواها لنا البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون وهو حديث طويل والشاهد منه، جاء رجل شاب...، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال عمر: ردّوا علي الغلام، قال: يا ابن أخي، أرفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.

الله أكبر.. وهو يغادر الدنيا لم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو كان في زماننا لقالوا: الآن والأمة في خطر والأعداء متكالبة علينا ! فنقول أين فقه عمر من فقه هؤلاء.. والله ما نرى هذه الاجتهادات إلا من مداخل الشيطان.. والله المستعان.

وأخيرًا.. لا فرق بين الإسبال لخيلاء ولغير الخيلاء للأحاديث المتقدمة، وإنما إثم الخيلاء يكون أكبر من الذي يجره دون قصد الخيلاء، فعقوبة القصد للخيلاء أن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم.. وأما إذا لم يقصد به الخيلاء فعقوبته أن يعذب في ما نزل من الكعبين بالنار.

ويحرم الإسبال للأمور التالية:

الوعيد بالنار لمن أسبل للخيلاء ولغير الخيلاء كما تقدم في الأحاديث.

الأمر برفع الثوب إلى نصف الساق أو فوق الكعبين.

أننا مأمورون بالاقتداء بالنبي وكان ثوبه إلى نصف ساقه. [صحيح شمائل الترمذي].

أن إطالة الثوب مظنّة الخيلاء وذريعة إليها وتشبه بها، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع المحرمات.

أن الإسبال تشبه بالنساء.

أن الإسبال فيه إسراف.

أن المسبل لا يأمن تعلق النجاسة بثوبه.

الإسبال بحق النساء

قال : { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة }، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: { يرخين شبراً }، فقالت إذاً تكشف أقدامهن، قال: { فيرخين ذراعًا ولا يزدن عليه } [صحيح الترمذي].

قال الحافظ في الفتح: ( ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة لأن جميع قدمها عورة ) [10/259] وفي هذه الأزمان انقلبت الموازين وانتكست الفطر فأصبح الرجل يسبل ثوبه، والمرأة ترفع ثوبها.. !

عباد الله.. ما جاء من الوعيد العظيم في حق المسبل نرى بعض المسلمين لا يهتم بهذا الأمر فيترك ثوبه أو مشلحه أو سرواله ( البنطلون ) ينزل على الكعبين وربما يلامس الأرض، وهذا منكر ظاهر ومحرم شنيع من كبائر الذنوب فيجب على من فعل ذلك أن يتقى الله ويتوب إليه، ويرفع ثوبه إلى الصفة المشروعة، حذرًا من غضب الله وعقابه، فإن الله يتوب على من تاب، ويغفر لمن استغفر وهو التواب الرحيم.

وحريٌّ بالمؤمن أن يقول: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png

https://im28.gulfup.com/2012-06-04/1338798808822.png


الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 03:19 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.


Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0