[مفاسد نوم النهار وبخاصة آخره ]
ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب ويكسل ويضعف الشهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة وأردؤه نوم أول النهار وأردأ منه النوم آخره بعد العصر ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق ؟
وقيل نوم النهار ثلاثة خلق وحرق وحمق . فالخلق نومة الهاجرة وهي خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . والحرق نومة الضحى تشغل عن أمر الدنيا والآخرة . والحمق نومة العصر .
قال بعض السلف من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه . وقال الشاعر
ألا إن نومات الضحى تورث الفتى
خبالا ونومات العصير جنون
[ مفاسد نوم الصبحة ]
ونوم الصبحة يمنع الرزق لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها وهو وقت قسمة الأرزاق فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة وهو مضر جدا بالبدن لإرخائه البدن وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة فيحدث تكسرا وعيا وضعفا . وإن كان قبل التبرز والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشيء فذلك الداء العضال المولد لأنواع من الأدواء .
[ مفاسد النوم في الشمس أو بعضه في الشمس ]
والنوم في الشمس يثير الداء الدفين ونوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل رديء وقد روى أبو داود في " سننه " من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم
وفي " سنن ابن ماجه " وغيره من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس وهذا تنبيه على منع النوم بينهما .
وفي " الصحيحين " عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت واجعلهن آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة .
وفي " صحيح البخاري " عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر - يعني سنتها - اضطجع على شقه الأيمن
[ الحكمة من النوم على الجانب الأيمن ]
وقد قيل إن الحكمة في النوم على الجانب الأيمن أن لا يستغرق النائم في نومه لأن القلب فيه ميل إلى جهة اليسار فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلب مستقره من الجانب الأيسر وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على اليسار فإنه مستقره فيحصل بذلك الدعة التامة فيستغرق الإنسان في نومه ويستثقل فيفوته مصالح دينه ودنياه .
[فوائد الدعاء قبل النوم ]
ولما كان النائم بمنزلة الميت والنوم أخو الموت - ولهذا يستحيل على الحي الذي لا يموت وأهل الجنة لا ينامون فيها - كان النائم محتاجا إلى من يحرس نفسه ويحفظها مما يعرض لها من الآفات ويحرس بدنه أيضا من طوارق الآفات وكان ربه وفاطره تعالى هو المتولي لذلك وحده .
علم النبي صلى الله عليه وسلم النائم أن يقول كلمات التفويض والالتجاء والرغبة والرهبة ليستدعي بها كمال حفظ الله له وحراسته لنفسه وبدنه وأرشده مع ذلك إلى أن يستذكر الإيمان وينام عليه ويجعل التكلم به آخر كلامه فإنه ربما توفاه الله في منامه فإذا كان الإيمان آخر كلامه دخل الجنة فتضمن هذا الهدي في المنام مصالح القلب والبدن والروح في النوم واليقظة والدنيا والآخرة فصلوات الله وسلامه على من نالت به أمته كل خير .
وقوله أسلمت نفسي إليك أي جعلتها مسلمة لك تسليم العبد المملوك نفسه إلى سيده ومالكه . وتوجيه وجهه إليه يتضمن إقباله بالكلية على ربه وإخلاص القصد والإرادة له وإقراره بالخضوع والذل والانقياد قال تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن [ سورة آل عمران الآية 20 ] .
وذكر الوجه إذ هو أشرف ما في الإنسان ومجمع الحواس وأيضا ففيه معنى التوجه والقصد من قوله
أستغفر الله ذنبا لست محصيه
رب العباد إليه الوجه والعمل
وتفويض الأمر إليه رده إلى الله سبحانه وذلك يوجب سكون القلب وطمأنينته والرضى بما يقضيه ويختاره له مما يحبه ويرضاه والتفويض من أشرف مقامات العبودية ولا علة فيه وهو من مقامات الخاصة خلافا لزاعمي خلاف ذلك .
وإلجاء الظهر إليه سبحانه يتضمن قوة الاعتماد عليه والثقة به والسكون إليه والتوكل عليه فإن من أسند ظهره إلى ركن وثيق لم يخف السقوط . ولما كان للقلب قوتان قوة الطلب وهي الرغبة وقوة الهرب وهي الرهبة وكان العبد طالبا لمصالحه هاربا من مضاره جمع الأمرين في هذا التفويض والتوجه فقال رغبة ورهبة إليك ثم أثنى على ربه بأنه لا ملجأ للعبد سواه ولا منجا له منه غيره فهو الذي يلجأ إليه العبد لينجيه من نفسه كما في الحديث الآخر أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك فهو سبحانه الذي يعيذ عبده وينجيه من بأسه الذي هو بمشيئته وقدرته فمنه البلاء ومنه الإعانة ومنه ما يطلب النجاة منه وإليه الالتجاء في النجاة فهو الذي يلجأ إليه في أن ينجي مما منه ويستعاذ به مما منه فهو رب كل شيء ولا يكون شيء إلا بمشيئته وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو [ سورة الأنعام الآية 17 ] قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة [ سورة الأحزاب الآية 17 ] ثم ختم الدعاء بالإقرار بالإيمان بكتابه ورسوله الذي هو ملاك النجاة والفوز في الدنيا والآخرة فهذا هديه في نومه .
لو لم يقل إني رسول لكا
ن شاهد في هديه ينطق
فصل [هديه صلى الله عليه وسلم في اليقظة ]
وأما هديه في يقظته فكان يستيقظ إذا صاح الصارخ وهو الديك فيحمد الله تعالى ويكبره ويهلله ويدعوه ثم يستاك ثم يقوم إلى وضوئه ثم يقف للصلاة بين يدي ربه مناجيا له بكلامه مثنيا عليه راجيا له راغبا راهبا فأي حفظ لصحة القلب والبدن والروح والقوى ولنعيم الدنيا والآخرة فوق هذا .
منقول