عجبا عجاب --ويلك انها امك
عجباً عُجَاب , بالأمس كان مولوداً , و اليوم تحت التراب .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. عجباً عُجَاب .. حين يولد المرء , فيخرج من رحم أمه , بيدين خاويتين ضعيفتين , صارخاً كأنما يصرخ من الحياة القادمة بما فيها من ألم و ظلمِ و استبداد , بعينين لا تريدان أن تُفْتَح , فيرى ما تَكُنُّهُ الأيام ب لياليها , كل ذلك بلحظة خروج , كان دافئاً نائماً آكلاً شارباً حالماً في رحم أمه , تسعة أشهرِ دون عناء بحثٍ عن مسكن , ولا عناء بحثٍ عن رزق , كل ذلك هو فيه , مسكنٌ منه ولد , و رزقاً قد أتاه حتى كَبُر فخرج , بكى حين الخروج و الناس ضاحكون , لا يعلم إلى أين خرج , لكن كل ما يعلمه أنه افتقد ذاك المسكن الطيب , و صاحبته الطيبة , إنها أمه , حَسِبَ أن لا مسكن حين خَرَج , لكنه وجد بين تلك الوجوه مسكناً عنه لا يحيد , إنه حضن أمه , حضناً دافئاً و مسكناً آخراً لن يجد مسكناً يملئه الوفاء و الحب الحقيقي غيره , نعم أمك , حين خرجت ضعيفاً لا تقوى الحِرَاك , باكياً لا تعلم أين أنت , صارخاً في وجه الحياة , مغمضاً عينيك لا ترى , فتفاجئ بحضنٍ دافيءٍ و روحٍ توقظ إحساس الطفولة فيك , بينما تتشعُ بين حنايا حاضنتك روح الأمومةِ , نعم إنك إبنها , حَمِلَتْكَ فَتَحَمَّلَتْك , ولدتك فحضنتك , حضنتك فدفَّتك , دفَّتْكَ فغذَّتك , غذَّتك فعلَّمتك , علَّمتك فدرَّستك , درَّستك فربَّتك , ربَّتك فكبَّرتْك , كبَّرتْك فسألتك , سألتك : أيا بني , فلتكن بارًّا بي , سألتك فجاوبتك : قد بلغت من الكبر عتيًّا , فصنّي . كبَّرتْك فتجبَّرت , ظنت أنك كَبُرْت فَصَغِرَت .. ؟! صَغِرَت فَضَعِفَت .. ؟! , ضَعِفَت فمات إحساسها .. ؟! إنها أمك . عاشت بك و فيك مراحل الحياة , أكَّلَتْكَ فَشَرَّبَتك , علَّمتك فربَّتك , فصانتك فحفظتك فزوَّجتك , فرعتك و رعت رعيَّتك , فأبكيتها فزجرت , و زجرتها فنهرت , و نهرتها فتأفَّفَت , بعد أن قمت على سواعدها , تكبَّرت , ويلك .. ويلك , إنها أمك . ويلك يا ابنَ قلبها , ويلك يا فلذة كبدها . حين ربّتك فنهرتها , كبرت فعليها تكبَّرت . ويلك , إنها أمك . مالي أراها تبكي اليل حيرانة .. ؟! مكلومةٌ هي من سواياك يا ابنها .. ؟! ماذا فعلت , فأبكيت العيون التي لأجلك سهرت بتعب , و تعبت لأجلك , فكان التعب لأجلك لروحها بلسماً , ويلك حين تراك بعينيها التان لم تبْكِيَا إلاَّ لأجلك , ويلك حين يتفطر قلبها شوقاً إليك , و انت بها غير مبالي , ويلك .. !! ليس مني .. !! فلو كنت أنا صاحبة القرار ها هنا .. لما أبقيتك يا إبنها .. سوى منحنياً تحت قدميها , تلك التي حملتك حتى تعبت , و قامت لأجلك , و لك , لكن .. الأمر لله حين قال : .((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً * إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)). وقال النبيَ الطاهر الأمي - صلَّى الله عليه و سلَّم - .. ..((رغم أنف امرئ أدرك والديه ، أحدهما أو كلاهما ولم يدخلاه الجنة)).. ما أعظم من هذه كلمات .. ولا تلك أدلة .. كفاني بهذه واعظةً هنا .. |
الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 10:37 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by
vB Optimise (Pro) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.