ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي > مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده ) يوجد هنا تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده ) قراءة القرآن أدعية أذكار شريفة و أحاديث إسلامية


 
قديم   #71

" عزي ايماني "


رد: تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )



15- تفسير سورة الحجرعدد آياتها 99 ( آية 51-77 )
وهي مكية

{ 51 - 56 } { وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونَ عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَي * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } أي: عن تلك القصة العجيبة فإن في قصك عليهم أنباء الرسل وما جرى لهم ما يوجب لهم العبرة والاقتداء بهم، خصوصا إبراهيم الخليل، الذي أمرنا الله أن نتبع ملته، وضيفه هم الملائكة الكرام أكرمه الله بأن جعلهم أضيافه.

{ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا } أي: سلموا عليه فرد عليهم { قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } أي: خائفون، لأنه لما دخلوا عليه وحسبهم ضيوفا ذهب مسرعا إلى بيته فأحضر لهم ضيافتهم، عجلا حنيذا فقدمه إليهم، فلما رأى أيديهم لا تصل، إليه خاف منهم أن يكونوا لصوصا أو نحوهم.

فـ { قَالُوا } له: { لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } وهو إسحاق عليه الصلاة والسلام، تضمنت هذه البشارة بأنه ذكر لا أنثى عليم أي: كثير العلم، وفي الآية الأخرى { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ }

فقال لهم متعجبا من هذه البشارة: { أَبَشَّرْتُمُونِي } بالولد { عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ } وصار نوع إياس منه { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } أي: على أي وجه تبشرون وقد عدمت الأسباب؟

{ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ } الذي لا شك فيه لأن الله على كل شيء قدير، وأنتم بالخصوص -يا أهل هذا البيت- رحمة الله وبركاته عليكم فلا يستغرب فضل الله وإحسانه إليكم.

{ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ } الذين يستبعدون وجود الخير، بل لا تزال راجيا لفضل الله وإحسانه، وبره وامتنانه، فأجابهم إبراهيم بقوله: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } الذين لا علم لهم بربهم، وكمال اقتداره وأما من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم، فلا سبيل إلى القنوط إليه لأنه يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئا كثيرا، ثم لما بشروه بهذه البشارة، عرف أنهم مرسلون لأمر مهم.


{ 57 - 77 } { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ * فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ * وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ }

أي: { قَالَ } الخليل عليه السلام للملائكة: { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ } أي: ما شأنكم ولأي شيء أرسلتم؟

{ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ } أي: كثر فسادهم وعظم شرهم، لنعذبهم ونعاقبهم، { إِلَّا آلَ لُوطٍ } أي: إلا لوطا وأهله { إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ } أي: الباقين بالعذاب، وأما لوط فسنخرجنه وأهله وننجيهم منها، فجعل إبراهيم يجادل الرسل في إهلاكهم ويراجعهم، فقيل له: { يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود } فذهبوا منه.

{ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ } لهم لوط { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ } أي: لا أعرفكم ولا أدري من أنتم.

{ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ } أي: جئناك بعذابهم الذي كانوا يشكون فيه ويكذبونك حين تعدهم به، { وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ } الذي ليس بالهزل { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما قلنا لك.

{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } أي: في أثنائه حين تنام العيون ولا يدري أحد عن مسراك، { وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } أي: بادروا وأسرعوا، { وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } كأن معهم دليلا يدلهم إلى أين يتوجهون { وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ } أي: أخبرناه خبرا لا مثنوية فيه، { أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ } أي: سيصبحهم العذاب الذي يجتاحهم ويستأصلهم، { وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ } أي: المدينة التي فيها قوم لوط { يَسْتَبْشِرُونَ } أي: يبشر بعضهم بعضا بأضياف لوط وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم، وذلك لقصدهم فعل الفاحشة فيهم، فجاءوا حتى وصلوا إلى بيت لوط فجعلوا يعالجون لوطا على أضيافه، ولوط يستعيذ منهم ويقول: { إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُون وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُون } أي: راقبوا الله أول ذلك وإن كان ليس فيكم خوف من الله فلا تفضحون في أضيافي، وتنتهكوا منهم الأمر الشنيع.

فـ { قَالُوا } له جوابا عن قوله ولا تخزون فقط: { أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ } أن تضيفهم فنحن قد أنذرناك، ومن أنذر فقد أعذر، فـ { قَالَ } لهم لوط من شدة الأمر الذي أصابه: { هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } فلم يبالوا بقوله ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } وهذه السكرة هي سكرة محبة الفاحشة التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم.

فلما بينت له الرسل حالهم، زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب، فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا فنجوا، وأما أهل القرية { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } أي: وقت شروق الشمس حين كانت العقوبة عليهم أشد، { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أي: قلبنا عليهم مدينتهم، { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ } تتبع فيها من شذ من البلد منهم.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } أي: المتأملين المتفكرين، الذين لهم فكر وروية وفراسة، يفهمون بها ما أريد بذلك، من أن من تجرأ على معاصي الله، خصوصا هذه الفاحشة العظيمة، وأن الله سيعاقبهم بأشنع العقوبات، كما تجرأوا على أشنع السيئات.

{ وَإِنَّهَا } أي: مدينة قوم لوط { لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ } للسالكين، يعرفه كل من تردد في تلك الديار { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } وفي هذه القصة من العبر: عنايته تعالى بخليله إبراهيم، فإن لوطا عليه السلام من أتباعه، وممن آمن به فكأنه تلميذ له، فحين أراد الله إهلاك قوم لوط حين استحقوا ذلك، أمر رسله أن يمروا على إبراهيم عليه السلام كي يبشروه بالولد ويخبروه بما بعثوا له، حتى إنه جادلهم عليه السلام في إهلاكهم حتى أقنعوه، فطابت نفسه.

وكذلك لوط عليه السلام، لما كانوا أهل وطنه، فربما أخذته الرقة عليهم والرأفة بهم قدَّر الله من الأسباب ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم، حتى استبطأ إهلاكهم لما قيل له: { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب } ومنها: أن الله تعالى إذا أراد أن يهلك قرية [ازداد] شرهم وطغيانهم، فإذا انتهى أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه.


يتبع

 
قديم   #72

" عزي ايماني "


رد: تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )



15- تفسير سورة الحجرعدد آياتها 99 ( آية 78-99 )
وهي مكية

{ 78 - 79 } { وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ }

وهؤلاء هم قوم شعيب، نعتهم الله وأضافهم إلى الأيكة، وهو البستان كثير الأشجار، ليذكر نعمته عليهم، وأنهم ما قاموا بها بل جاءهم نبيهم شعيب، فدعاهم إلى التوحيد، وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين، وعاجلهم على ذلك على أشد المعالجة فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق، وفي حق الخلق، ولهذا وصفهم هنا بالظلم، { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم. { وَإِنَّهُمَا } أي: ديار قوم لوط وأصحاب الأيكة { لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ } أي: لبطريق واضح يمر بهم المسافرون كل وقت، فيبين من آثارهم ما هو مشاهد بالأبصار فيعتبر بذلك أولوا الألباب.


{ 80 - 84 } { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

يخبر تعالى عن أهل الحجر، وهم قوم صالح الذين كانوا يسكنون الحجر المعروف في أرض الحجاز، أنهم كذبوا المرسلين أي: كذبوا صالحا، ومن كذب رسولا فقد كذب سائر الرسل، لاتفاق دعوتهم، وليس تكذيب بعضهم لشخصه بل لما جاء به من الحق الذي اشترك جميع الرسل بالإتيان به، { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا } الدالة على صحة ما جاءهم به صالح من الحق التي من جملتها: تلك الناقة التي هي من آيات الله العظيمة.

{ فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } كبرا وتجبرا على الله، { وَكَانُوا } من كثرة إنعام الله عليهم { يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ } من المخاوف مطمئنين في ديارهم، فلو شكروا النعمة وصدقوا نبيهم صالحا عليه السلام لأدرَّ الله عليهم الأرزاق، ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل، ولكنهم -لما كذبوا وعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم وقالوا: { يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين }

{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } فتقطعت قلوبهم في أجوافهم وأصبحوا في دارهم جاثمين هلكى، مع ما يتبع ذلك من الخزي واللعنة المستمرة { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } لأن أمر الله إذا جاء لا يرده كثرة جنود، ولا قوة أنصار ولا غزارة أموال.


{ 85 - 86 } { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ }

أي: ما خلقناهما عبثا وباطلا كما يظن ذلك أعداء الله، بل ما خلقناهما { إِلَّا بِالْحَقِّ } الذي منه أن يكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما، واقتداره، وسعة رحمته وحكمته، وعلمه المحيط، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، { وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ } لا ريب فيها لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وهو الصفح الذي لا أذية فيه بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، فإن كل ما هو آت فهو قريب، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا.

وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل أي: الحسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى.

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ } لكل مخلوق { الْعَلِيمُ } بكل شيء، فلا يعجزه أحد من جميع ما أحاط به علمه وجرى عليه خلقه، وذلك سائر الموجودات.


{ 87 - 93 } { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

يقول تعالى ممتنًّا على رسوله { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } وهن -على الصحيح- السور السبع الطوال: " البقرة " و " آل عمران " و " النساء " و " المائدة " و " الأنعام " و " الأعراف " و " الأنفال " مع " التوبة " أو أنها فاتحة الكتاب لأنها سبع آيات، فيكون عطف { القرآن العظيم } على ذلك من باب عطف العام على الخاص، لكثرة ما في المثاني من التوحيد، وعلوم الغيب، والأحكام الجليلة، وتثنيتها فيها.

وعلى القول بأن " الفاتحة " هي السبع المثاني معناها: أنها سبع آيات، تثنى في كل ركعة، واذا كان الله قد أعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني كان قد أعطاه أفضل ما يتنافس فيه المتنافسون، وأعظم ما فرح به المؤمنون، { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } ولذلك قال بعده: { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم، { ولا تحزن عليهم } فإنهم لا خير فيهم يرجى، ولا نفع يرتقب، فلك في المؤمنين عنهم أحسن البدل وأفضل العوض، { واخفض جناحك للمؤمنين } أي: ألن لهم جانبك، وحسِّن لهم خلقك، محبة وإكراما وتودُّدا، { وقل إني أنا النذير المبين } أي: قم بما عليك من النذارة وأداء الرسالة والتبليغ للقريب والبعيد والعدو والصديق، فإنك إذا فعلت ذلك فليس عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء.

وقوله: { كما أنزلنا على المقتسمين } أي: كما أنزلنا العقوبة على المقتسمين على بطلان ما جئت به، الساعين لصد الناس عن سبيل الله.

{ الذين جعلوا القرآن عضين } أي: أصنافا وأعضاء وأجزاء، يصرفونه بحسب ما يهوونه، فمنهم من يقول: سحر ومنهم من يقول: كهانة ومنهم من يقول: مفترى إلى غير ذلك من أقوال الكفرة المكذبين به، الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا الناس عن الهدى.

{ فوربك لنسألنهم أجمعين } أي: جميع من قدح فيه وعابه وحرفه وبدله { عما كانوا يعملون } وفي هذا أعظم ترهيب وزجر لهم عن الإقامة على ما كانوا عليه

ثم أمر الله رسوله ان لا يبالي بهم ولا بغيرهم وأن يصدع بما أمر الله ويعلن بذلك لكل أحد ولا يعوقنه عن أمره عائق ولا تصده أقوال المتهوكين، { وأعرض عن المشركين } أي: لا تبال بهم واترك مشاتمتهم ومسابتهم مقبلا على شأنك، { إنا كفيناك المستهزئين } بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.

ثم ذكر وصفهم وأنهم كما يؤذونك يا رسول الله، فإنهم أيضا يؤذون الله ويجعلون معه { إلها آخر } وهو ربهم وخالقهم ومدبرهم { فسوف يعلمون } غب أفعالهم إذا وردوا القيامة، { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } لك من التكذيب والاستهزاء، فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب، والتعجيل لهم بما يستحقون، ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم.

فأنت يا محمد { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين } أي: أكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة فإن ذلك يوسع الصدر ويشرحه ويعينك على أمورك.


{ 99 } { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } أي: الموت أي: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات، فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فلم يزل دائبا في العبادة، حتى أتاه اليقين من ربه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.



تم تفسير سورة الحجر



يتبع

 
قديم   #73

" عزي ايماني "


رد: تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


16- تفسير سورة النحل عدد آياتها 128 ( آية 1-29 )

وهي مكية

{ 1 - 2 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ }

يقول تعالى -مقربا لما وعد به محققا لوقوعه- { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ } فإنه آت، وما هو آت، فإنه قريب، { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } من نسبة الشريك والولد والصاحبة والكفء وغير ذلك مما نسبه إليه المشركون مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله، ولما نزه نفسه عما وصفه به أعداؤه ذكر الوحي الذي ينزله على أنبيائه، مما يجب اتباعه في ذكر ما ينسب لله، من صفات الكمال فقال: { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } أي: بالوحي الذي به حياة الأرواح { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } ممن يعلمه صالحا، لتحمل رسالته.

وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها على قوله: { أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاتقون } أي: على معرفة الله تعالى وتوحده في صفات العظمة التي هي صفات الألوهية وعبادته وحده لا شريك له فهي التي أنزل الله بها كتبه وأرسل رسله، وجعل الشرائع كلها تدعو إليها، وتحث وتجاهد من حاربها وقام بضدها، ثم ذ كر الأدلة والبراهين على ذلك فقال:

{ 3 - 9 } { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }


هذه السورة تسمى سورة النعم، فإن الله ذكر في أولها أصول النعم وقواعدها، وفي آخرها متمماتها ومكملاتها، فأخبر أنه خلق السماوات والأرض بالحق، ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما، وما له من نعوت الكمال ويعلموا أنه خلقهما مسكنا لعباده الذين يعبدونه، بما يأمرهم به في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله، ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال: { تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي: تنزه وتعاظم عن شركهم فإنه الإله حقا، الذي لا تنبغي العبادة والحب والذل إلا له تعالى، ولما ذكر خلق السماوات [والأرض] ذكر خلق ما فيهما.

وبدأ بأشرف ذلك وهو الإنسان فقال: { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ } لم يزل يدبرها ويرقيها وينميها حتى صارت بشرا تاما كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة، قد غمره بنعمه الغزيرة، حتى إذا استتم فخر بنفسه وأعجب بها { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } يحتمل أن المراد: فإذا هو خصيم لربه، يكفر به، ويجادل رسله، ويكذب بآياته. ونسي خلقه الأول وما أنعم الله عليه به، من النعم فاستعان بها على معاصيه، ويحتمل أن المعنى: أن الله أنشأ الآدمي من نطفة، ثم لم يزل ينقله من طور، إلى طور حتى صار عاقلا متكلما، ذا ذهن ورأي: يخاصم ويجادل، فليشكر العبد ربه الذي أوصله إلى هذه الحال التي ليس في إمكانه القدرة على شيء منها.

{ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ } أي: لأجلكم، ولأجل منافعكم ومصالحكم، من جملة منافعها العظيمة أن لكم { فِيهَا دِفْءٌ } مما تتخذون من أصوافها وأوبارها، وأشعارها، وجلودها، من الثياب والفرش والبيوت.

{ وَ } لكم فيها { مَنَافِعُ } غير ذلك { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } أي: في وقت راحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحها، وذلك أن جمالها لا يعود إليها منه شيء فإنكم أنتم الذين تتجملون بها، كما تتجملون بثيابكم وأولادكم وأموالكم، وتعجبون بذلك، { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } من الأحمال الثقيلة، بل وتحملكم أنتم { إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ } ولكن الله ذللها لكم.

فمنها ما تركبونه، ومنها ما تحملون عليه ما تشاءون من الأثقال إلى البلدان البعيدة والأقطار الشاسعة، { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } إذ سخر لكم ما تضطرون إليه وتحتاجونه، فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه وسعة جوده وبره.

{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ } سخرناها لكم { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي: تارة تستعملونها للضرورة في الركوب وتارة لأجل الجمال والزينة، ولم يذكر الأكل لأن البغال والحمر محرم أكلها، والخيل لا تستعمل -في الغالب- للأكل، بل ينهى عن ذبحها لأجل الأكل خوفا من انقطاعها وإلا فقد ثبت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في لحوم الخيل.

{ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها، لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم فإنه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلا جامعا يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون، كما ذكر نعيم الجنة وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره، كالنخل والأعناب والرمان، وأجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله: { فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان } فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب كالخيل والبغال والحمير والإبل والسفن، وأجمل الباقي في قوله: { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ولما ذكر تعالى الطريق الحسي، وأن الله قد جعل للعباد ما يقطعونه به من الإبل وغيرها ذكر الطريق المعنوي الموصل إليه فقال:

{ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } أي: الصراط المستقيم، الذي هو أقرب الطرق وأخصرها موصل إلى الله.

وأما الطريق الجائر في عقائده وأعماله وهو: كل ما خالف الصراط المستقيم فهو قاطع عن الله، موصل إلى دار الشقاء، فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن ربهم، وضل الغاوون عنه، وسلكوا الطرق الجائرة { وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ولكنه هدى بعضا كرما وفضلا، ولم يهد آخرين، حكمة منه وعدلا.


{ 10 - 11 } { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

بذلك على كمال قدرة الله الذي أنزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف ورحمته حيث جعل فيه ماء غزيرا منه يشربون وتشرب مواشيهم ويسقون منه حروثهم فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة.


{ 12 } { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

أي: سخر لكم هذه الأشياء لمنافعكم وأنواع مصالحكم بحيث لا تستغنون عنها أبدا، فبالليل تسكنون وتنامون وتستريحون، وبالنهار تنتشرون في معايشكم ومنافع دينكم ودنياكم، وبالشمس والقمر من الضياء والنور والإشراق، وإصلاح الأشجار والثمار والنبات، وتجفيف الرطوبات، وإزالة البرودة الضارة للأرض، وللأبدان، وغير ذلك من الضروريات والحاجيات التابعة لوجود الشمس والقمر.

وفيهما وفي النجوم من الزينة للسماء والهداية في ظلمات البر والبحر، ومعرفة الأوقات وحساب الأزمنة ما تتنوع دلالاتها وتتصرف آياتها، ولهذا جمعها في قوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي: لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر فيما هي مهيأة له مستعدة تعقل ما تراه وتسمعه، لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظر حظ البهائم التي لا عقل لها.


{ 13 } { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }

أي: فيما ذرأ الله ونشر للعباد من كل ما على وجه الأرض، من حيوان وأشجار ونبات، وغير ذلك، مما تختلف ألوانه، وتختلف منافعه، آية على كمال قدرة الله وعميم إحسانه، وسعة بره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } أي: يستحضرون في ذاكرتهم ما ينفعهم من العلم النافع، ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه.


{ 14 } { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

أي: هو وحده لا شريك له { الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ } وهيأه لمنافعكم المتنوعة. { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه، { وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم، { وَتَرَى الْفُلْكَ } أي: السفن والمراكب { مَوَاخِرَ فِيهِ } أي: تمخر في البحر العجاج الهائل بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر، تحمل المسافرين وأرزاقهم وأمتعتهم وتجاراتهم التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم.

{ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الذي يسر لكم هذه الأشياء وهيأها وتثنون على الله الذي منَّ بها، فلله تعالى الحمد والشكر والثناء، حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون، وأعلى ما يتمنون، وآتاهم من كل ما سألوه، لا نحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه.

{ 15 - 16 } { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}

أي: { وَأَلْقَى } الله تعالى لأجل عباده { فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } وهي: الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق فيتمكنون من حرث الأرض والبناء والسير عليها، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا، يسوقها من أرض بعيدة إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، أنهارا على وجه الأرض، وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا، أي: طرقا توصل إلى الديار المتنائية { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين.


{ 17 - 23 } { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ *وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }

لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة، وما أنعم به من النعم العميمة ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له فقال: { أَفَمَنْ يَخْلُقُ } جميع المخلوقات وهو الفعال لما يريد { كَمَنْ لَا يَخْلُقُ } شيئا لا قليلا ولا كثيرا، { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته.

وكما أنه ليس له مشارك إذ أنشأكم وأنشأ غيركم، فلا تجعلوا له أندادا في عبادته بل أخلصوا له الدين، { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ } عددا مجردا عن الشكر { لَا تُحْصُوهَا } فضلا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى، { إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير.

وكما أن رحمته واسعة وجوده عميم ومغفرته شاملة للعباد فعلمه محيط بهم، { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } بخلاف من عبد من دونه، فإنهم { لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا } قليلا ولا كثيرا { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في إيجادهم إلى الله تعالى؟"



ومع هذا ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء لا علم، ولا غيره { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ } فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا، أفتتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين، فتبا لعقول المشركين ما أضلها وأفسدها، حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا، وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال، ولا شيء من الأفعال، وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها، فله العلم المحيط بكل الأشياء والقدرة العامة والرحمة الواسعة التي ملأت جميع العوالم، والحمد والمجد والكبرياء والعظمة، التي لا يقدر أحد من الخلق أن يحيط ببعض أوصافه، ولهذا قال:

{ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } وهو الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد.

فأهل الإيمان والعقول أجلته قلوبهم وعظمته، وأحبته حبا عظيما، وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية، وأعمال القلوب وأعمال الجوارح، وأثنوا عليه بأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله المقدسة، { فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ } لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق جهلا وعنادا وهو: توحيد الله { وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } عن عبادته.

{ لَا جَرَمَ } أي: حقا لا بد { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } من الأعمال القبيحة { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } بل يبغضهم أشد البغض، وسيجازيهم من جنس عملهم { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }


{ 24 - 29 } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ْ}

يقول تعالى -مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ْ} أي: إذا سألوا عن القرآن والوحي الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد، فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها أم تكفرون وتعاندون؟

فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه، فيقولون عنه: إنه { أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ْ} أي: كذب اختلقه محمد على الله، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل، منها الصدق ومنها الكذب، فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها، وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة.

وقوله: { وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ْ} أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه، وأما الذين يعلمون فكلٌّ مستقلٌّ بجرمه، لأنه عرف ما عرفوا { أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ْ} أي: بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم، من وزرهم ووزر من أضلوه.

{ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ْ} برسلهم واحتالوا بأنواع الحيل على رد ما جاءوهم به وبنوا من مكرهم قصورا هائلة، { فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ْ} أي: جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها، { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ْ} فصار ما بنوه عذابا عذبوا به، { وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ْ} وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب فصار عذابهم فيما بنوه وأصَّلوه.

وهذا من أحسن الأمثال في إبطال الله مكر أعدائه. فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم وجعلوا لهم أصولا وقواعد من الباطل يرجعون إليها، ويردون بها ما جاءت [به] الرسل، واحتالوا أيضا على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم، فصار مكرهم وبالا عليهم، فصار تدبيرهم فيه تدميرهم، وذلك لأن مكرهم سيئ { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ْ} هذا في الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى، ولهذا قال: { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ ْ} أي: يفضحهم على رءوس الخلائق ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله.

{ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ْ} أي: تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم وتزعمون أنهم شركاء لله، فإذا سألهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب إلا الإقرار بضلالهم، والاعتراف بعنادهم فيقولون { ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ْ} { قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ْ} أي: العلماء الربانيون { إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ ْ} أي: يوم القيامة { وَالسُّوءَ ْ} أي: العذاب { عَلَى الْكَافِرِينَ ْ} وفي هذا فضيلة أهل العلم، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه، ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال:

{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ْ} أي: تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيهم وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام من أنواع العذاب والخزي والإهانة.

{ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ْ} أي: استسلموا وأنكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا: { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ْ} فيقال لهم: { بَلَى ْ} كنتم تعملون السوء فـ { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ} فلا يفيدكم الجحود شيئا، وهذا في بعض مواقف القيامة ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظنا أنه ينفعهم، فإذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه أقروا واعترفوا، ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم.

{ فادخلوا أبواب جهنم ْ} كلُّ أهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم، { فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ْ} نار جهنم فإنها مثوى الحسرة والندم، ومنزل الشقاء والألم ومحل الهموم والغموم، وموضع السخط من الحي القيوم، لا يفتَّر عنهم من عذابها، ولا يرفع عنهم يوما من أليم عقابها، قد أعرض عنهم الرب الرحيم، وأذاقهم العذاب العظيم.


يتبع

 
قديم   #74

" عزي ايماني "


رد: تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


16- تفسير سورة النحل عدد آياتها 128 ( آية 30-55 )

وهي مكية

{ 30 - 32 ْ} { وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ}

لما ذكر الله قيل المكذبين بما أنزل الله، ذكر ما قاله المتقون، وأنهم اعترفوا وأقروا بأن ما أنزله الله نعمة عظيمة، وخير عظيم امتن الله به على العباد، فقبلوا تلك النعمة، وتلقوها بالقبول والانقياد، وشكروا الله عليها، فعلموها وعملوا لها { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ْ} في عبادة الله تعالى، وأحسنوا إلى عباد الله فلهم { فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً ْ} رزق واسع، وعيشه هنية، وطمأنينة قلب، وأمن وسرور.

{ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ْ} من هذه الدار وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات، فإن هذه نعيمها قليل محشو بالآفات منقطع، بخلاف نعيم الآخرة ولهذا قال: { وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ْ} { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ْ} أي: مهما تمنته أنفسهم وتعلقت به إرادتهم حصل لهم على أكمل الوجوه وأتمها، فلا يمكن أن يطلبوا نوعا من أنواع النعيم الذي فيه لذة القلوب وسرور الأرواح، إلا وهو حاضر لديهم، ولهذا يعطي الله أهل الجنة كل ما تمنوه عليه، حتى إنه يذكرهم أشياء من النعيم لم تخطر على قلوبهم.

فتبارك الذي لا نهاية لكرمه، ولا حد لجوده الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته، وصفات أفعاله وآثار تلك النعوت، وعظمة الملك والملكوت، { كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ْ} لسخط الله وعذابه بأداء ما أوجبه عليهم من الفروض والواجبات المتعلقة بالقلب والبدن واللسان من حقه وحق عباده، وترك ما نهاهم الله عنه.

{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ْ} مستمرين على تقواهم { طَيِّبِينَ ْ} أي: طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق إليهم ويخل في إيمانهم، فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته وألسنتهم بذكره والثناء عليه، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه، { يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ْ} أي: التحية الكاملة حاصلة لكم والسلامة من كل آفة.

وقد سلمتم من كل ما تكرهون { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ} من الإيمان بالله والانقياد لأمره، فإن العمل هو السبب والمادة والأصل في دخول الجنة والنجاة من النار، وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم لا بحولهم وقوتهم.


{ 33 - 34 ْ} { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ْ}

يقول تعالى: هل ينظر هؤلاء الذين جاءتهم الآيات فلم يؤمنوا، وذكِّروا فلم يتذكروا، { إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ْ} لقبض أرواحهم { أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ْ} بالعذاب الذي سيحل بهم فإنهم قد استحقوا وقوعه فيهم، { كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ْ} كذبوا وكفروا، ثم لم يؤمنوا حتى نزل بهم العذاب.

{ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ْ} إذ عذبهم { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ْ} فإنها مخلوقة لعبادة الله ليكون مآلها إلى كرامة الله فظلموها وتركوا ما خلقت له، وعرضوها للإهانة الدائمة والشقاء الملازم.

{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ْ} أي: عقوبات أعمالهم وآثارها، { وَحَاقَ بِهِمْ ْ} أي: نزل { مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ْ} فإنهم كانوا إذا أخبرتهم رسلهم بالعذاب استهزأوا به، وسخروا ممن أخبر به فحل بهم ذلك الأمر الذي سخروا منه.

{ 35 ْ} { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ْ}

أي: احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله، وأن الله لو شاء ما أشركوا، ولا حرموا شيئا من [الأنعام] التي أحلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه، وهذه حجة باطلة، فإنها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث أشركوا به، فعاقبهم أشد العقاب. فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم، وليس قصدهم بذلك إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل، وإلا فعندهم علم أنه لا حجة لهم على الله.

فإن الله أمرهم ونهاهم ومكنهم من القيام بما كلفهم وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل الباطل، هذا وكل أحد يعلم بالحس قدرة الإنسان على كل فعل يريده من غير أن ينازعه منازع، فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله وتكذيب الأمور العقلية والحسية، { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ْ} أي: البين الظاهر الذي يصل إلى القلوب، ولا يبقى لأحد على الله حجة، فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه، واحتجوا عليهم بالقدر، فليس للرسل من الأمر شيء، وإنما حسابهم على الله عز وجل.


{ 36 - 37 ْ} { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ْ}

يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولا، وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له { أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ْ} فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين، { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ْ} فاتبعوا المرسلين علما وعملا، { وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ْ} فاتبع سبيل الغي.

{ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ْ} بأبدانكم وقلوبكم { فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ْ} فإنكم سترون من ذلك العجائب، فلا تجدون مكذبا إلا كان عاقبته الهلاك.

{ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ ْ} وتبذل جهدك في ذلك { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ْ} ولو فعل كل سبب لم يهده إلا الله، { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ْ} ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه.


{ 38 - 40 ْ} { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ْ}

يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله أنهم { أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ْ} أي: حلفوا أيمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله، وأن الله لا يبعث الأموات، ولا يقدر على إحيائهم بعد أن كانوا ترابا، قال تعالى مكذبا لهم: { بَلَى ْ} سيبعثهم ويجمعهم ليوم لا ريب فيه { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ْ} لا يخلفه ولا يغيره { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ْ} ومن جهلهم العظيم إنكارهم للبعث والجزاء، ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال: { لِيُبَيِّنَ لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ْ} من المسائل الكبار والصغار، فيبين حقائقها ويوضحها.

{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ْ} حين يرون أعمالهم حسرات عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم، وتكور الشمس والقمر وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات، وليس ذلك على الله بصعب، ولا شديد فإنه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، من غير منازعة ولا امتناع، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه.

{ 41 - 42 ْ} { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ْ}
يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين { الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ ْ} أي: في سبيله وابتغاء مرضاته { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ْ} بالأذية والمحنة من قومهم، الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك، فتركوا الأوطان والخلان، وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن، فذكر لهم ثوابين: ثوابا عاجلا في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء، الذي رأوه عيانا بعد ما هاجروا، وانتصروا على أعدائهم، وافتتحوا البلدان وغنموا منها الغنائم العظيمة، فتمولوا وآتاهم الله في الدنيا حسنة.

{ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ ْ} الذي وعدهم الله على لسان رسوله { أَكْبَرُ ْ} من أجر الدنيا، كما قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ْ} وقوله: { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ْ} أي: لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله لم يتخلف عن ذلك أحد.

ثم ذكر وصف أوليائه فقال: { الَّذِينَ صَبَرُوا ْ} على أوامر الله وعن نواهيه، وعلى أقدار الله المؤلمة، وعلى الأذية فيه والمحن { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ْ} أي: يعتمدون عليه في تنفيذ محابّه، لا على أنفسهم. وبذلك تنجح أمورهم وتستقيم أحوالهم، فإن الصبر والتوكل ملاك الأمور كلها، فما فات أحدا شيء من الخير إلا لعدم صبره وبذل جهده فيما أريد منه، أو لعدم توكله واعتماده على الله.

{ 43 - 44 ْ} { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ْ}
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ْ} أي: لست ببدع من الرسل، فلم نرسل قبلك ملائكة بل رجالا كاملين لا نساء. { نُوحِي إِلَيْهِمْ ْ} من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم، { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ْ} أي: الكتب السابقة { إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ْ} نبأ الأولين، وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا أهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر والبينات فعلموها وفهموها، فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى، وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.

وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ْ} أي: القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة، { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ْ} وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه، { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ْ} فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه.

{ 45 - 47 ْ} { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ْ}
هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده .

ولكنه رءوف رحيم لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب، فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليتب إليه، وليرجع في جميع أموره إليه فإنه رءوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم، ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه.

{ 48 - 50 ْ} { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ْ}
يقول تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا ْ} أي: الشاكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله، { إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ْ} أي: إلى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ أظلتها، { عَن الْيَمِينِ ْ} وعن { الشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ ْ} أي: كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله، { وَهُمْ دَاخِرُونَ ْ} أي: ذليلون تحت التسخير والتدبير والقهر، ما منهم أحد إلا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده.

{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ ْ} من الحيوانات الناطقة والصامتة، { وَالْمَلَائِكَةِ ْ} الكرام خصهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم ولهذا قال: { وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ْ} أي: عن عبادته على كثرتهم وعظمة أخلاقهم وقوتهم كما قال تعالى: { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ْ} { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ْ} لما مدحهم بكثرة الطاعة والخضوع لله، مدحهم بالخوف من الله الذي هو فوقهم بالذات والقهر، وكمال الأوصاف، فهم أذلاء تحت قهره. { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ْ} أي: مهما أمرهم الله تعالى امتثلوا لأمره، طوعا واختيارا، وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان: سجود اضطرار ودلالة على ما له من صفات الكمال، وهذا عام لكل مخلوق من مؤمن وكافر وبر وفاجر وحيوان ناطق وغيره، وسجود اختيار يختص بأوليائه وعباده المؤمنين من الملائكة وغيرهم [من المخلوقات].

{ 51 - 55 ْ} { وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }
يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له، ويستدل على ذلك بانفراده بالنعم والوحدانية فقال: { لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ } أي: تجعلون له شريكا في إلهيته، وهو { إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } متوحد في الأوصاف العظيمة متفرد بالأفعال كلها. فكما أنه الواحد في ذاته وأسمائه ونعوته وأفعاله، فلتوحِّدوه في عبادته، ولهذا قال: { فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي: خافوني وامتثلوا أمري، واجتنبوا نهيي من غير أن تشركوا بي شيئا من المخلوقات، فإنها كلها لله تعالى مملوكة.

{ وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا } أي: الدين والعبادة والذل في جميع الأوقات لله وحده على الخلق أن يخلصوه لله وينصبغوا بعبوديته. { أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ } من أهل الأرض أو أهل السماوات فإنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، والله المنفرد بالعطاء والإحسان { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ } ظاهرة وباطنة { فَمِنَ اللَّهِ } لا أحد يشركه فيها، { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ } من فقر ومرض وشدة { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } أي: تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده. ولكن كثيرا من الناس يظلمون أنفسهم، ويجحدون نعمة الله عليهم إذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة، ولهذا قال:

{ ِليَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ } أي: أعطيناهم حيث نجيناهم من الشدة، وخلصناهم من المشقة، { فَتَمَتَّعُوا } في دنياكم قليلا { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } عاقبة كفركم .

يتبع



 
قديم   #75

" عزي ايماني "


رد: تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )


تفسير القرآن الكريم كاملآ (ارجو التثبيت للاستفاده )



16- تفسير سورة النحل عدد آياتها 128 ( آية 56-76 )

وهي مكية

{ 56 - 60 } { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم على الله الكذب، وأنهم يجعلون لأصنامهم التي لا تعلم ولا تنفع ولا تضر -نصيبا مما رزقهم الله وأنعم به عليهم، فاستعانوا برزقه على الشرك به، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة، كما قال تعالى: { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ } الآية، { لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } ويقال: { ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.

{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ } حيث قالوا عن الملائكة العباد المقربين: إنهم بنات الله { وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } أي: لأنفسهم الذكور حتى إنهم يكرهون البنات كراهة شديدة، فكان أحدهم { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا } من الغم الذي أصابه { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي: كاظم على الحزن والأسف إذا بشِّر بأنثى، وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه ويتوارى منهم من سوء ما بشر به.

ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد فيما يصنع بتلك البنت التي بشّر بها { أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ } أي: يتركها من غير قتل على إهانة وذل { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } أي: يدفنها وهي حية وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين، { أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله من نسبة الولد إليه.

ثم لم يكفهم هذا حتى نسبوا له أردأ القسمين، وهو الإناث اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها، فكيف ينسبونها لله تعالى؟! فبئس الحكم حكمهم.

ولما كان هذا من أمثال السوء التي نسبها إليه أعداؤه المشركون، قال تعالى: { لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ } أي: المثل الناقص والعيب التام، { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } وهو كل صفة كمال وكل كمال في الوجود فالله أحق به، من غير أن يستلزم ذلك نقصا بوجه، وله المثل الأعلى في قلوب أوليائه، وهو التعظيم والإجلال والمحبة والإنابة والمعرفة. { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي قهر جميع الأشياء وانقادت له المخلوقات بأسرها، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها فلا يأمر ولا يفعل، إلا ما يحمد عليه ويثنى على كماله فيه.
{ 61 } { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }
لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه ذكر كمال حلمه وصبره فقال: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } من غير زيادة ولا نقص، { مَا تَرَكَ عَليها مِنْ دَابَّةٍ } أي: لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم، من أنواع الدواب والحيوانات فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل. { وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ } عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه.
{ 62 - 63 } { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وأَنَّهُم مُفْرَطُونَ * تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم }
يخبر تعالى أن المشركين { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } من البنات، ومن الأوصاف القبيحة وهو الشرك بصرف شيء من العبادات إلى بعض المخلوقات التي هي عبيد لله، فكما أنهم يكرهون، ولا يرضون أن يكون عبيدهم -وهم مخلوقون من جنسهم- شركاء لهم فيما رزقهم الله فكيف يجعلون له شركاء من عبيده؟"

{ وَ } هم مع هذه الإساءة العظيمة { تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى } أي: أن لهم الحالة الحسنة في الدنيا والآخرة، رد عليهم بقوله: { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } مقدمون إليها ماكثون فيها غير خارجين منها أبدا.

بيَّن تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه ليس هو أول رسول كُذِّب فقال [تعالى]: { تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ } رسلا يدعونهم إلى التوحيد، { فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } فكذبوا الرسل، وزعموا أن ما هم عليه، هو الحق المنجي من كل مكروه وأن ما دعت إليه الرسل فهو بخلاف ذلك، فلما زين لهم الشيطان أعمالهم، صار وليهم في الدنيا، فأطاعوه واتبعوه وتولوه.

{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة حيث تولوا عن ولاية الرحمن، ورضوا بولاية الشيطان فاستحقوا لذلك عذاب الهوان.

{ 65 } { وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }
عن الله مواعظه وتذكيره فيستدلوا بذلك على أنه وحده المعبود، الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، لأنه المنعم بإنزال المطر وإنبات جميع أصناف النبات، وعلى أنه على كل شيء قدير، وأن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأموات وأن الذي نشر هذا الإحسان لذو رحمة واسعة وجود عظيم.

{ 66 - 67 } { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

أي: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ } التي سخرها الله لمنافعكم { لَعِبْرَةً } تستدلون بها على كمال قدرة الله وسعة إحسانه حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم، فأخرج من بين ذلك لبنا خالصا من الكدر سائغا للشاربين للذته ولأنه يسقي ويغذي، فهل هذه إلا قدرة إلهية لا أمور طبيعية.

فأي شيء في الطبيعة يقلب العلف الذي تأكله البهيمة والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح لبنا خالصا سائغا للشاربين؟

وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والأعناب منافع للعباد، ومصالح من أنواع الرزق الحسن الذي يأكله العباد طريًّا ونضيجا وحاضرا ومدخرا وطعاما وشرابا يتخذ من عصيرها ونبيذها، ومن السكر الذي كان حلالا قبل ذلك، ثم إن الله نسخ حلَّ المسكرات، وأعاض عنها بالطيبات من الأنبذة، وأنواع الأشربة اللذيذة المباحة.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآية لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } عن الله كمال اقتداره حيث أخرجها من أشجار شبيهة بالحطب، فصارت ثمرة لذيذة وفاكهة طيبة وعلى شمول رحمته حيث عم بها عباده ويسرها لهم وأنه الإله المعبود وحده حيث إنه المنفرد بذلك.

{ 68 - 69 } { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.

{ 70 } { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

يخبر تعالى أنه الذي خلق العباد ونقلهم في الخلقة، طورا بعد طور، ثم بعد أن يستكملوا آجالهم يتوفاهم، ومنهم من يعمره حتى { يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } أي: أخسه الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة حتى العقل الذي هو جوهر الإنسان يزيد ضعفه حتى إنه ينسى ما كان يعلمه، ويصير عقله كعقل الطفل ولهذا قال: { لِكَيلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } أي: قد أحاط علمه وقدرته بجميع الأشياء ومن ذلك ما ينقل به الآدمي من أطوار الخلقة، خلقا بعد خلق كما قال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }

{ 71 } { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }

وهذا من أدلة توحيده وقبح الشرك به، يقول تعالى: كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون إلا أنه تعالى { فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } فجعل منكم أحرارا لهم مال وثروة، ومنكم أرقاء لهم لا يملكون شيئا من الدنيا، فكما أن سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا { بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } ويرون هذا من الأمور الممتنعة، فكذلك من أشركتم بها مع الله، فإنها عبيد ليس لها من الملك مثقال ذرة، فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى؟!

هل هذا إلا من أعظم الظلم والجحود لنعم الله؟" ولهذا قال: { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } فلو أقروا بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها، لما أشركوا به أحدا.

{ 72 } { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها.

{ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } أي: أيؤمنون بالباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا ثم أوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الأمر شيئا، وهذا عام لكل ما عبد من دون الله فإنها باطلة فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟"

{ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } يجحدونها ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به، هل هذا إلا من أظلم الظلم وأفجر الفجور وأسفه السفه؟"

{ 73 - 76 } { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ * فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض، فلا ينزلون مطرا، ولا رزقا ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون.

فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات الذي له الملك كله والحمد كله والقوة كلها؟"

ولهذا قال: { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه، أحدهما عبد مملوك أي: رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا، والثاني حرٌّ غنيٌّ قد رزقه الله منه رزقا حسنا من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان مع أنهما مخلوقان، غير محال استواؤهما.

فإذا كانا لا يستويان، فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة، بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء؟"

ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بأنواعه فقال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ } فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلم سوَّى المشركون آلهتهم بالله؟ قال: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرؤوا على الشرك العظيم.

والمثل الثاني مثل { رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ } لا يسمع ولا ينطق و { لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } لا قليل ولا كثير { وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ } أي: يخدمه مولاه، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه فهو ناقص من كل وجه، فهل يستوي هذا ومن كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فأقواله عدل وأفعاله مستقيمة، فكما أنهما لا يستويان فلا يستوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه، فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئا منها، ولا يكون كفوا وندا لمن لا يقول إلا الحق، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه.


يتبع


 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 01:24 AM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0