ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
منتدى اسلامي مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن .. يوجد هنا مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن .. منتدى اسلامي, قران, خطب الجمعة, اذكار,

فساتين العيد


 
قديم   #1

مجاهدة فى سبيل الله

:: كاتبة مقتدره ::

الملف الشخصي
رقم العضوية: 77857
تاريخ التسجيـل: Aug 2009
مجموع المشاركات: 328 
رصيد النقاط : 0

قلب جديد مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ..


مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ..



قصة إبراهيم الخليل عليه السلام



هو إبراهيم بن تارخ (250 ) بن ناحور ( 148 ) بن ساروغ ( 230 ) بن راغو ( 239 ) ابن فالغ ( 439 ) بن عابر ( 464 ) بن شالح ( 433 ) ابن أرفخشذ ( 438 ) ابن سام ( 600 ) بن نوح عليه السلام .

هذا نص أهل الكتاب في كتابهم ، وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي كما ذكروه من المدد وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه السلام فأغنى عن إعادته .

وحكى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه ، عن إسحاق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب المبتدأ أن اسم أم إبراهيم أميلة ثم أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة وقال الكلبي : اسمها بونا بنت كربتا بن كرثي ، من بني أرفخشذ بن سام بن نوح .

وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال : كان إبراهيم عليه السلام يكنى أبا الضيفان .

قالوا : ولما كان عمر تارخ خمساً وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام يكنى ، وناحور وهاران ، وولد لهاران لوط .

وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط ، وأن هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي ولد فيها ، وهي أرض الكلدانيين ، يعنون أرض بابل .

وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار ، وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر ، بعد ما روى من طريق هشام بن عمار ، عن الوليد ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، عن ابن عباس قال : ولد إبراهيم بغوطة دمشق ، في قرية يقال لها برزة ، في جبل يقال له قاسيون ثم قال : والصحيح أنه ولد ببابل ، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً للوط عليه السلام .

قالوا : فتزوج إبراهيم سارة وناحور ملكا ابنة هاران يعنون ابنة أخيه .

قالوا : وكانت سارة عاقراً لا تلد .

قالوا : وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران ، فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين ، فنزلوا حران فمات فيها تارخ وله مائتان وخمسون سنة .

وهذا يدل على أنه لم يولد بحران ، وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها .

ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانعيين ، وهي بلاد بيت المقدس ، فأقاموا بحران وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان ، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً ، وكانوا على الكواكب السبعة ، والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين ، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال والمقال . ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب منها ، ويعملون لها أعياداً وقرابين .

وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفاراً ، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليه السلام .

وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور ، وأبطل به ذاك الضلال ، فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره ، وابتعثه رسولاً واتخذه خليلاً في كبره ، قال الله تعالى : " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين " أي أهلاً لذلك .

وقال تعالى : " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين * فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " .

ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله تعالى .

* * *

وكان أول دعوته لأبيه ، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام ، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له كما قال تعالى : " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا * قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " .

فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة ، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة ، بين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ، ولا تبصر مكانه ، فكيف تغني عنه شيئاً أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر ؟ ثم قال له منبهاً على ما الله من الهدى والعلم النافع ، وإن كان أصغر سناً من أبيه : " يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا " أي مستقيماً واضحاً سهلاً حنيفاً يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك .

فلما عرض هذا الرشد عليه ، وأهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه ولا أخذها عنه ، بل تهدده وتوعده قال : " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك " قيل : بالمقال ، وقيل : بالفعال . " واهجرني مليا " أي واقطعني وأطل هجراني . فعندها قال له إبراهيم : " سلام عليك " أي لا يصلك منى مكروه ولا ينالك منى أذى ، بل أنت سالم من ناحيتي ، وزاده خيراً فقال : " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا " قال ابن عباس وغيره أي لطيفاً ، يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له . ولهذا قال : " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " .

وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى : " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم " .

وقال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله : حدثني أخى عبد الحميد ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول له أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يارب . . إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزي من أبي الأبعد ؟ فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم يقال : يا إبراهيم . . ما تحت رجليك ؟ فينظل فإذا هو بذبح متلطخ . فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " . هكذا رواه في قصة إبراهيم منفرداً .

وقال في التفسير : وقال إبراهيم بن طهمان ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه عن أبي هريرة .

وهكذا رواه النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن طهمان به . وقد رواه البزار عن حديث حماد بن سلمة عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي سياقه غرابة ، ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال تعالى : " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين " هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر ، وجمهور أهل النسب ، منهم ابن عباس ، على أن اسم أبيه تارح وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء المعجمة ، فقيل : إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر .

وقال ابن جرير : والصواب أن اسمه آزر ولعل له اسمان علمان ، أو أحدهما لقب والآخر علم . وهذا الذي قاله محتمل . . والله أعلم .

* * *

ثم قال تعالى : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم " .

وهذا المقام مقام مناظرة لقومه ، وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة ، لا تصلح للألوهية ، ولا أن تعبد مع الله عز وجل ، لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة ، تطلع تارة وتأفل أخرى ، فتغيب عن هذا العالم ، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية ، بل هو الدائم الباقي بلا زوال ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .

فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكوكب لذلك ، قيل هو الزهرة ، ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها ، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء ، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة ، كما قال تعالى : " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " .

ولهذا قال : " فلما رأى الشمس بازغة " أي طالعة " قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا " أي لست أبالي هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله ، فإنها لا تنفع شيئاً ولا تسمع ولا تعقل ، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها ، أو مصنوعة منحوتة منجورة .

والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران ، فإنهم كانوا يعبدونها . وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً ، كما ذكره ابن إسحاق وغيره ، وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها ، ولا سيما إذا خالفت الحق .

* * *

وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام ، وهم الذين ناظرهم في عبادتهم وكسرها عليهم ، وأهانها وبين بطلانها ، كما قال تعالى : " وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " .

وقال في سورة الأنبياء : " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم * قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون * قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .

وقال في سورة الشعراء : " واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين " .

وقال في سورة الصافات : " وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم * إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون * أئفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين * فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين * فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين " .

يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام ، أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها ، فقال : " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " ؟ أي معتكفون عندها وخاضعون لها ، قالوا : " وجدنا آباءنا لها عابدين " أي ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد ، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد .

" قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين " كما قال تعالى : " إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون * أئفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين " قال قتادة : فما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ؟

وقال لهم : " هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " سلموا له أنها لا تسمع داعياً ولا تنفع ولا تضر شيئاً ، وإنما الحامل لهم على عبادتها الإقتداء بأسلافهم ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال . ولهذا قال لهم : " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " .

وهذا برهان قاطع على بطلان إلهية ما ادعوه من الأصنام ، لأنه تبرأ منها وتنقص بها فلو كانت تضر لضرته ، أو تؤثر لأثرت فيه . " قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين " ؟ ويقولون : هذا الكلام الذي تقوله لنا وتتنقص به آلهتنا ، وتطعن بسببه في آبائنا أتقوله محقاً جاداً فيه أم لاعباً ؟

" قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين " يعني بل أقول لكم ذلك جاداً محقاً ، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ، ربكم ورب كل شيء ، فاطر السموات والأرض ، الخالق لهما على غير مثال سبق ، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، وأنا على ذلكم من الشاهدين .

وقوله : " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم .

قيل : إنه قال : هذا خفية في نفسه . وقال ابن مسعود : سمعه بعضهم .

وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد ، فدعاه أبوه ليحضره فقال : إني سقيم . كما قال تعالى : " فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم " عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم ونصرة دين الله الحق ، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر وأن تهان غاية الإهانة .

فلما خرجوا إلى عيدهم ، واستقر هو في بلدهم " راغ إلى آلهتهم " أي ذهب إليها مسرعاً مستخفياً ، فوجدها في بهو عظيم ، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها فقال لها على سبيل التهكم والإزدراء : " ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين " لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر ، فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى : " فجعلهم جذاذا " أي حطاماً ، كسرها كلها " إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون " قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير ، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار !

فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم : " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " .

وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون ، وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها ، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخيالهم : " من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " .

" قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " أي يذكرها بالعيب والتنقص لها والإزدراء بها ، فهو المقيم عليها والكاسر لها وعلى قول ابن مسعود ، أي يذكرها بقوله : " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " .

" قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون " أي في الملأ الأكبر على رءوس الأشهاد ، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه ، ويعاينون ما يحل به من الإقتصاص منه .

وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم ، فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه ، كما قال موسى عليه السلام لفرعون : " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " .

* * *

فلما اجتمعوا وجاءوا به كما ذكروا : " قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا " قيل معناه : هو الحامل لي على تكسيرهم ، وإنما عرض لهم في القول " فاسألوهم إن كانوا ينطقون " .

وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق ، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات .

" فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون " أي فعادوا على أنفسهم بالملامة ، فقالوا : إنكم أنتم الظالمون . أي في تركها لها ولا حارس عندها .

" ثم نكسوا على رؤوسهم " قال السدي : أي ثم رجعوا إلى الفتنة ، فعلى هذا يكون قوله : " إنكم أنتم الظالمون " أي في عبادتها .

وقال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء ، أي فأطرقوا ثم قالوا : " لقد علمت ما هؤلاء ينطقون " أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق ، فكيف تأمرنا بسؤالها ؟ !

فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام : " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " .

كما قال : " فأقبلوا إليه يزفون " قال مجاهد : يسرعون . قال " أتعبدون ما تنحتون " أي كيف تعبدون أصناماً أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة ، وتصورونها وتشكلونها كما تريدون " والله خلقكم وما تعملون " .

وسواء أكانت : ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضي الكلام أنكم مخلوقون ، وهذه الأصنام مخلوقة ، فكيف يتعبد مخلوق لمخلوق مثله ؟ فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم ، وهذا باطل ، فالآخر باطل للتحكم ، إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له .

* * *

" قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين " .

عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا ةغلبوا ، ولم تبق لهم الحجة ولا شبهة إلى استعمالقوتهم وسلطانهم ، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم ، فكادهم الرب جل جلاله ، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى : " قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .

وذلك أنهم شرعوا يجمعوه خطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة يجمعون له ، حتى إن منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحريق إبراهيم ، ثم عمدوا إلى حوية عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأطلقوا فيه النار ، فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط .

ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقالله هيزن وكان أول من صنع المجانيق ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك ، لا شريك لك .

فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً ثم ألقوه منه إلى النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، كما روى البخاري عن ابن عباس أنه قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، وقالها محمد حين قيل له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " الآية .

وقال أبو يعلى : حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا إسحاق ابن سلمان ، عن أبي جعفر الرازي ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم : " لما ألقى إبراهيم في النار قال : اللهم إنك في السماء واحد ، وأنا في الأرض أعبدك " !

وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا !

ويروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنه قال : جعل ملك المطر يقول : متى أومر فأرسل المطر ؟ فكان أمر الله أسرع .

" قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قال علي بن أبي طالب : أي لا تضر به . وقال ابن عباس وأبو العالية : لولا أن الله قال : " وسلاما على إبراهيم " لآذى إبراهيم بردها .

وقال كعب الأحبار : لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار ، ولم تحرق منه سوى وثاقه .

وقال الضحاك : يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لم يصبه منها شيء غيره .

وقال السدي : كان معه أيضاً ملك الظل ، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الحوية حوله نار وهو في روضة خضراء ، والناس ينظرون إليه لايقدرون على الوصول ، ولا هو يخرج إليهم .

فعن أبي هريرة أنه قال : أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم : إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال : نعم الرب يا إبراهيم !

وروى ابن عساكر عن عكرمة أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته : يا بني . . إني أريد أن أجيء إليك فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك ، فقال نعم . فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار ، فلما وصلت إليه اعتنقته وقبلته ثم عادت .

وعن المنهال بن عمرو أنه قال : أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوماً ، وأنه قال : ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها ، وودت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها . صلوات الله وسلامه عليه .

فأرادوا أن ينتصروا فخذلوا ، وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا ، وأرادوا أن يغلبوا فغلبوا . قال الله تعالى : " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " وفي الآية أخرى : " الأسفلين " ففازوا بالخسارة والسفال هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم برداً ولا سلاماً ، ولا يلقون فيها تحية ولا سلاماً ، بل هي كما قال تعالى : " إنها ساءت مستقرا ومقاما " .

قال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، أو ابن سلام عنه ، أنبأنا ابن جريج ، عن عبد الحميد بن جبير ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم شريك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ ، وقال : " كان ينفخ على إبراهيم " .

ورواه مسلم من حديث ابن جريج ، وأخرجه النسائي و ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة ، كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عنه .

وقال أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية ، أن نافعاً مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه السلام قال :" اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم " قال : فكانت عائشة تقتلهن .

وقال أحمد : حدثنا إسماعيل : حدثنا أيوب عن نافع ، أن امرأة دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب فقالت : ما هذا الرمح ؟ فقالت : نقتل به الأوزاغ : ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن إبراهيم لما ألقى في النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ ، فإنه جعل ينفخها عليه " .

تفرد به أحمد من هذين الوجهين .

وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جرير ، حدثنا نافع ، حدثتني سمامة مولاة الفاكه بن المغيرة ، قالت : دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحاً موضوعاً ، فقلت : يا أم المؤمنين . . ما تصنعين بهذا الرمح ؟ قالت : هذا لهذه الأوزاغ نقتلهن به ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : " أن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة ألا تطفى عنه النار ، غير الوزغ كان ينفخ عليه ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله " .

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن شيبة عن يونس بن محمد عن جرير بن حازم به .

· * *

 
قديم   #2

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ( أيـوٍب عليـه السلام )


مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ..



قصة أيوب عليه السلام



قال ابن إسحاق : كان رجلاً من الروم . وهو أيوب بن موص بن رازح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل .

وقال غيره : هو أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب ، وقيل غيره ذلك في نسبه .

وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام ، وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه .

والمشهور الأول ، لأنه من ذرية إبراهيم ، كما قررنا عند قوله تعالى : " ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون " الآيات ، من أن الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام .

وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب " الآية .

فالصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحاق وامرأته قيل : اسمها ليا بنت يعقوب ، وقيل رحمة بنت أفراثيم ، وقيل ليا بنت منسا بن يعقوب . وهذا أشهر فلهذا ذكرناه هاهنا .

ثم نعطف بذكر أنبياء بني إسرائيل بعد ذكر قصته إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان .

قال الله تعالى : " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " وقال تعالى في سورة ص : " واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب " .

وروى ابن عساكر من طريق الكلبي أنه قال : أول نبي بعث إدريس ، ثم نوح ، ثم إبراهيم ، ثم إسماعيل ، ثم إسحاق ، ثم يعقوب ، ثم يوسف ، ثم لوط ، ثم هود ، ثم صالح ، ثم موسى وهارون ، ثم إلياس ، ثم اليسع ، ثم عرف بن سويلخ بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب ، ثم يونس بن متى من بني يعقوب ، ثم أيوب بن زراح ابن آموص بن ليفرز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم . وفي بعض هذا الترتيب نظر : فإن هوداً وصالحاً : المشهود أنهما بعد نوح وقبل إبراهيم . . والله أعلم .

* * *

قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم : كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه ، من الأنعام والعبيد والمواشي ، والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران ، وحكى ابن عساكر : أنها كلها كانت له . وكان له أولاد وأهلون كثير .

فسلب منه ذلك جميعه ، وابتلى في جسده بأنواع من البلاء ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر الله عز وجل بهما . وهو في ذلك صابر محتسب . ذاكر الله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه .

وطال مرضه حتى عافه الجليس ، وأوحش منه الأنيس ، وأخرج من بلده وألقى على مزبلة خارجها ، وانقطع عنه الناس ، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته ، كانت ترعى له حقه ، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها . فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه ، وتعينه على قضاء حاجته ، وتقوم بمصلحته ، وضعف حالها وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر ، لتطعمه وتقوم بأوده ، رضي الله عنها وأرضاها ، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد ، وما يختص بها من المصيبة بالزوج ، وضيق ذات اليد وخدمة الناس ، بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " وقال : " يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " .

ولم يزد هذا كل أيوب عليه السلام إلا صبراً واحتساباً وحمداً وشكراً حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام ، ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع البلايا .

وقد روى عن وهب بن منبه وغيره من علماء بني إسرائيل في قصة أيوب خبر طويل ، في كيفية ذهاب ماله وولده ، وبلائه في جسده . . والله أعلم بصحته .

وعن مجاهد أنه قال : كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري .

وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال : فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص . وقال أنس : ابتلي سبع سنين وأشهراً ، وألقى على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده حتي فرج الله عنه وأعظم له الأجر وأحسن الثناء عليه . وقال حميد : مكث في بلواه ثماني عشرة سنة . وقال السدي : تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب ، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته ، فلما طال عليها ، قالت : يا أيوب . . لو دعوت ربك لفرج عنك ، فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحاً ، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟ فجزعت من هذا الكلام ، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام .

ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها ، لعلمهم أنها امرأة أيوب ، خوفاً أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته ، فلما لم تجد أحداً يستخدمها ، عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدي ضفيرتيها بطعام طيب كثير ، فأتت به أيوب ، فقال : من أين لك هذا ؟ وأنكره ، فقالت : خدمت به أناساً . فلما كان الغد لم تجد أحداً فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به ، فأنكره وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فكشفت عن رأسها خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقاً قال في دعائه : " ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا جرير بن حازم ، عن عبد الله ابن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان ، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع مثله من شيء قط ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني ، فصدق من السماء وهما يسمعان . ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني . فصدق من السماء وهما يسمعان . ثم قال : اللهم بعزتك وخر ساجداً ، فقال اللهم : بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني ، فما رفع رأسه حتى كشف عنه .

وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني نافع بن يزيد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين . قال صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به ، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب : لا أدرى ما تقول ؟ غير أنا الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق .

قال : وكان يخرج في حاجته ، فإذا قفاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه : أن " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " فاستبطأته فتلقته تنظر ، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء ، وهو أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذا كان صحيحاً . قال : فإني أنا هو ، قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض" .

هذا لفظ ابن جرير ، وهكذا رواه بتمامه ابن حبان في صحيحه عن حمد بن الحسن بن قتيبة ، عن حرملة ، عن ابن وهب به . وهذا غريب رفعه جداً ، والأشبه أن يكون موقوفاً .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أنبأنا على بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية ، فجاءت امرأته فلم تعرفه ، فقالت : يا عبد الله . . أين ذهب هذا المبتلى الذي كان ها هنا ؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ، وجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك أنا أيوب ! قالت : أتسخر منى يا عبد الله ؟ فقال : ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي .

قال ابن عباس : ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ، ومثلهم معهم .

وقال وهب بن منبه : أوحي الله إليه : قد رددرت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم ، فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك . وقرب من صحابتك قرباناً ، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما عافي الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب ، فجعل يأخذ منه بيده ويجعل في ثوبه . قال : فقيل له : يا أيوب . . أما تشبع ؟ قال : يارب . . ومن يشبع من رحمتك ؟ "

وهكذا رواه الإمام أحمد عن أبي داود الطيالسي ، وعبد الصمد عن همام ، عن قتادة به . ورواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد الأزدي ، عن إسحاق بن راهويه ، عن عبد الصمد به ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، وهو على شرط الصحيح . . والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أرسل على أيوب رجل من جراد من ذهب ، فجعل يقبضها في ثوبه ، فقيل : يا أيوب . . ألم يكفك ما أعطيناك ؟ قال : أي رب . . من يستغني عن ذلك ! هذا موقوف ، وقد روى عن أبي هريرة من وجه مرفوعاً .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل أيوب يحثى في ثوبه . فناداه ربه عز وجل : يا أيوب . . ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى يارب ، ولكن لا غني لي عن بركتك " . رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به .

وقوله : " اركض برجلك " أي اضرب الأرض برجلك ، فامتثل ما أمر به ، فأنبع الله عيناً باردة الماء ، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها ، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذي ، والسقم والمرض . الذي كان في جسده ظاهراً وباطناً ، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة ، وجمالاً تاماً ومالاً كثيراً ، حتى صب له من المال صباً ، مطراً عظيماً جراداً من ذهب .

وأخلف الله له أهله ، كما قال تعالى : " وآتيناه أهله ومثلهم معهم " فقيل : أحياهم الله بأعيانهم ، وقيل : آجره فيمن سلف ، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة ، وقوله : " رحمة من عندنا " أي رفعنا عنه شدته ، وكشفنا ما به من ضر ، رحمة منا به ورأفة وإحساناً . " وذكرى للعابدين " أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده ، فله أسوة بنبي الله أيوب ، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حق فرج الله عنه .

ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال : هي رحمة من هذه الآية فقد أبعد النجعة وأغرق النزع . وقال الضحاك عن ابن عباس : رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولداً ذكراً .

وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ثم غيروا بعده دين إبراهيم .

وقوله : " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب " هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام ، فيما كان من خلفه ليضربن امرأته مائة سوط . فقيل حلفه ذلك لبيعها ضفائرها ، وقيل لأنه عارضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان ، فحلف ليضربنها مائة سوط ، فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثاً وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ ، فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة ، ويكون هذا منزلاً منزلة الضرب بمائة سوط ويبر ولا يحنث .

وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة ، المكابدة الصديقة البارة الراشدة ، رضي الله عنها .

ولهذا عقب الله الرخصة وعللها بقوله : " إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب " وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الأيمان والنذور ، وتوسع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الأيمان ، وصدروه بهذه الآية الكريمة وأتوا فيه بأشياء من العجائب والغرائب وسنذكر طرفاً من ذلك في كتاب الأحكام ، عند الوصول إليه إن شاء الله تعالى .

وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ : أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثاً وتسعين سنة ، وقيل إنه عاش أكثر من ذلك .

وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه : أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء ، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء ، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء .

* * *

وأنه أوصى إلى ولده حومل وقال بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب ، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم .

ومات ابنه هذا وكان نبياً فيما يزعمون وكان عمره من السنين خمساً وسبعين .

ولنذكر ها هنا قصة ذي الكفل ، إذ قال بعضهم : إنه ابن أيوب عليهما السلام وهذه هي .

· * *

 
قديم   #3

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ( هود عليـه السلام )


مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ..



قصة هود عليه السلام



وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام .

ويقال إن هوداً هو عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، ويقال هود بن عبد الله ابن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن إرم ابن سام ابن نوح عليه السلام . ذكره ابن جرير .

وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح ، وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف - وهي جبال الرمل - وكانت باليمن بين عمان وحضرموت ، بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر واسم واديهم مغيث .

وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام ، كما قال تعالى : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " أي مثل القبيلة ، وقيل مثل العمد . والصحيح الأول كما بيناه في التفسير .

ومن زعم أن إرم مدينة تدور في الأرض ، فتارة في الشام ، وتارة في اليمن ، وتارة في الحجاز ، وتارة في غيرها ، فقد أبعد النعجة ، وقال ما لا دليل عليه ، ولا برهان يعول عليه ولا مسند يركن إليه .

وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه : منهم أربعة من العرب : هو ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر .

ويقال إن هوداً عليه السلام أول من تكلم بالعربية ، وزعم وهب ابن منبه أن أباه أول من تكلم بها ، وقال غيره ك أو من تكلم بها نوح ، وقيل آدم وهو الأشبه ، وقيل غير ذلك . . والله أعلم .

ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام ، العرب العاربة ، وهم قبائل كثيرة : منهم عاد ، وثمود وجرهم ، وطسم ، وجديس ، وأميم ، ومدين ، وعملاق ، وجاسم ، وقحطان ، وبنو يقطن ، وغيرهم .

وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل . وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم العربية الفصيحة البلغية وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذي نزلوا عند أمه هاجر بالحرم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان . وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

* * *

والمقصود أن عاداً - وهم عاد الأولى - كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان ، وكانت أصنامهم ثلاثة صمداً ، وصموداً ، وهراً .

فبعث الله فيهم أخاهم هوداً عليم السلام فدعاهم إلى الله ، كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح ، وما كان من أمرهم في سورة الأعراف : " وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون * قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين * فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين " .

قال تعالى بعد ذكر قصة نوح في سورة هود : " وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون * يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون * ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين * قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم * فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ * ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود " .

وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون بعد قصة قوم نوح : " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون * قال عما قليل ليصبحن نادمين * فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " .

وقال تعالى في سورة الشعراء بعد قصة قوم نوح أيضاً : " كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين * فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .

وقال تعالى في سورة حم السجدة : " فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون " .

وقال تعالى في سورة الأحقاف : " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون * فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين " . وقال تعالى في الذاريات : " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " .

وقال تعالى في النجم : " وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فما أبقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى " .

وقال تعالى في سورة اقتربت : " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " .

وقال في الحاقة : " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية " .

وقال في سورة الفجر : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد " .

وقد تكلمنا على كل من هذه القصص في أمكانها من كتابنا التفسير . ولله الحمد والمنة .

وقد جرى ذكر عاد في سورة براءة ، وإبراهيم ، والفرقان ، والعنكبوت ، وفي سورة ص ، وفي سورة ق .

* * *

ولنذكر مضمون القصة مجموعاً من هذه السياقات ، مع ما يضاف إلى ذلك من الأخبار .

وقد قدمنا أنهم أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان . وذلك بين قوله لهم : " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة " أي جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش . وقال في المؤمنون : " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " وهم قوم هود على الصحيح .

وزعم آخرون أنهم ثمود لقوله : " فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء " قالوا : وقوم صالح هم الذين أهلكوا بالصيحة " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية " وهذا الذي قالوه لا يمنع من اجتماع الصيحة والريح العاتية عليهم كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات ، ثم لا خلاف أن عاداً قبل ثمود .

والمقصود أن عاداً كانوا جفاة كافرين ، عتاة متمردين في عبادة الأصنام ، فأرسل الله فيهم رجلاً منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له ، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه ، فأهذهم الله أخذ عزيز مقتدر .

فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته وإستغفاره ، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة ، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة : " قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة " أي هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق ، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك .

" قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين " أي ليس الأمر كما تظنون ولا تعتقدون : " أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين " والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المبلغ ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه ، ويستلزم أداءه بعبارة فصيحة وجيزة جامعة مانعة لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب .

وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم ، ولا يبتغي منهم أجراً ولا يطلب منهم جعلاً ، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه والنصح لخلقه ، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله ، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه وأمره إليه ، ولهذا قال : " يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون " أي أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها ، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً وأهلك من خالفه من الخلق . وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجراً عليه ، بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع ، ولهذا قال مؤمن يس : " اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون " .

وقال قوم هود له فيما قالوا : " يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به ، ، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته ، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه . وعندنا أنه إنما أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك ، وهو قولهم : " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " .

" قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون " .

وهذا تحد منه لهم ، وتبرأ من آلهتهم وتنقص منه لهم ، وبيان أنها لا تنفع شيئاً ولا تضر ، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله ، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا بريء منها ، لاعن لها ، فكيدوني ثم لا تنظرون أنتم جميعاً بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه ، ولا تؤخروني ساعة واحدة ، ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ، ولا أفكر فيكم ، ولا أنظر إليكم . " إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " أي أنا متوكل على الله ومتأيد به ، وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه ، فلست أبالي مخلوقاً سواه ، لست أتوكل إلا عليه ولا أعبد إلا إياه .

وهذا وحده برهان قاطع على أن هوداً عبد الله ورسوله ، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله ، لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ، ولا نالوا منه مكروهاً . فدل على صدقه فيما جاءهم به ، وبطلان ما هم عليه وفساد ما ذهبوا إليه .

وهذا الدليل بعينه قد استدل به نوح عليه السلام قبله في قوله : " يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون " .

وهكذا قال الخليل عليه السلام : " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم " .

" وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون " .

استبعدوا أن يبعث الله رسولاً بشرياً . وهذه الشبهة أدلى بها كثير من جهلة الكفرة قديماً وحديثاً ، كما قال تعالى : " أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس " وقال تعالى : " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا * قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " .

ولهذا قال لهم هود عليه السلام : " أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم " أي ليس هذا بعجيب ، فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته .

وقوله : " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون " استعبدوا الميعاد وأنكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها تراباً وعظاماً ، وقالوا : هيهات هيهات ، أي بعيد بعيد هذا الوعد ، " إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين " أي يموت قوم ويحيا آخرون . وهذا هو اعتقاد الدهرية ، كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة : أرحام تدفع وأرض تبلع .

وأما الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذا الدار بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة .

وهذا كله كذب وكفر وجهل وضلال ، وأقوال باطلة وخيال فاسد بلا برهان ولا دليل ، يستميل عقل الفجرة من بني آدم الذي لا يعقلون ولا يهتدون ، كما قال تعالى : " ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون " .

وقال لهم فيما وعظهم به : " أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " يقول لهم : أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيماً هائلاً كالقصور ونحوها ، تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه ، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام ، كما قال تعالى : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " . فعاد إرم هم عاد الأولى الذين يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام .

ومن زعم أن إرم مدينة من ذهب وفضة وهي تنتقل في البلاد ، فقد غلط وأخطأ وقال ما لا دليل عليه .

وقوله : " وتتخذون مصانع " قيل هي القصور ، وقيل بروج الحمام ، وقيل مآخذ الماء " لعلكم تخلدون " أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعماراً طويلة " وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " .

وقالوا له مما قالوا : " أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " أي أجئتنا لنعبد الله وحده ، ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه ؟ فإن كنت صادقين فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال ، فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك .

كما قالوا : " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين " . أما على قراءة فتح ( الخاء ) فالمراد به اختلاق الأولين ، أي إن هذا الذي جئت به إلا اختلاق منك ، أخذته من كتب الأولين . هكذا فسر غير واحد من الصحابة والتابعين . وأما على قراءة ضم ( الخاء واللام ) فالمراد به الدين ، أي إن هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين الآباء والأجداد من الأسلاف ، ولن نتحول عنه ولا نتغير ، ولا نزال متمسكين به .

ويناسب كلا القراءتين الأولي والثانية قولهم : " وما نحن بمعذبين " قال : " قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين " أي قد استحققتم بهذا المقالة الرجس والغضب من الله ، أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له ، بعبادة أصنام نحتموها وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم ؟ اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم ، ما نزل الله بها من سلطان . أي لم ينزل علي ما ذهبتم إليه دليلاً ولا برهاناً . وإذ أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل ، وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا ، فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم ، وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد .

* * *

وقال تعالى : " قال رب انصرني بما كذبون * قال عما قليل ليصبحن نادمين * فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " وقال تعالى : " قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون * فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين " .

وقد ذكر الله تعالى خبر أهلاكهم في غير ما آية كما تقدم مجملاً ومفصلاً ، كقوله : " فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين " وكقوله : " ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود " وكقوله : " فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " وقوله تعالى : " فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .

وأما تفصيل أهلاكهم فكما قال تعالى : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم " كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب ، أنهم كانوا ممحلين مسنتين فطلبوا السقيا فرأوا عارضاً في السماء وظنوه سقيا رحمة ، فإذا هو سقيا عذاب ، ولهذا قال تعالى : " بل هو ما استعجلتم به " أي من وقوع العذاب وهو قولهم : " فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " ومثلها في الأعراف .

وقد ذكر المفسرون وغيرهم ها هنا الخبر الذي ذكر الإمام محمد بن إسحاق بن يسار ، قال : فلما أبوا إلا الكفر بالله عز وجل ، أمسلك عنهم القطر ثلاث سنين ، حتى جهدهم ذلك ، قال : وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمه ومكان بيته ، وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان ، وبه العماليق مقيمون ، وهم من سلالة معليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيدهم إذا ذاك رجلاً يقال له معاوية بن بكر ، وكانت أمه من قوم عاد واسمها جلهذة ابنة الخيبري . قال : فبعث عاد وفراد قريباً من سبقين رجلاً ليستسقوا لهم عند الحرم ، فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة ، فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهراً ، يشربون الخمر ، وتغنيهم الجرادتان ، قينتان لمعاوية ، وكانوا قد وصلوا إليه في شهر . فلما طال مقامهم عنده ، وأخذته شفقة على قومه ، واستحيا منهم أن يأمرهم بالإنصراف ، عمل شعراً يعرض لهم فيه بالإنصراف ، وأمر القينتين أن تغنيهم به ، فقال :

ألا يقيــــل ويحــــــك قم فهبنم لعـل الله يصبحنـا غمـــامــا

فيسقي أرض عـــاد إن عـــاداً قد أمسوا لا يبينون الكلاما

من العطش الشديد فليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغـلاما

وقـــد كانت نســـــــاؤهم بخير فقـد أمست نساؤهم أيامى

وأن الــوحش يــأتيهم جهــاراً ولا يخشى لعــــاد سهــامــا

وأنتم هــــاهنـــا فيما اشتهيتم نهـــاركم وليلكــم تمـــامــــا

فقبـح وفــدكم من وفــد قــوم ولا لقــوا التحيـــة والســلامــا

قال : فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم ، فدعا داعيهم وهو قيل بن عنز ، فأنشأ الله سحابات ثلاثة : بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه مناد من السماء : اختر لنفسك - أو لقومك - من هذا السحاب ، فقال : اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء ، فناداه مناد : اخترت رماد رمدداً ، لا تبقى من عاد أحداً ، لا والداً يترك ولا ولداً ، إلا جعلته همداً إلا بني اللوذية الهمدا قال : وهم بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة ، فلم يصبهم ما أصاب قومهم . قال : ومن بقي من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة .

قال : وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد ، حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث ، فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا فيقول تعالى : " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها " أي تهلك كل شيء أمرت به .

فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها مهد فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت . فلما أفاقت قالوا : ما رأيت يا مهد ؟ قالت : رأيت ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها . فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، والحسوم : الدائمة ، فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك .

قال : واعتزل هود - عليه السلام - فيما ذكر لي - في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ، ما يصيبهم إلا ماتلين عليه الجلود ، وتلذ الأنفس ، وإنها لتمر على عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض ، وتدمغهم بالحجارة . وذكر تمام القصة .

وقد روى الإمام أحمد حديثاً في مسنده يشبه هذه القصة فقال : حدثنا زيد بن الخباب ، حدثنى أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي ، حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن الحارث - وهو ابن حسان - ويقال ابن يزيد البكري ، قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالزبذة ، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقال لي : يا عبد الله . . إن لي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ؟

قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، إذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ما شأن الناس ؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً .

قال : فجلست ، قال : فدخل منزله - أو قال رحله - فاستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت فسلمت فقال : هل كان بينكم وبين بني تميم شيء ؟ فقلت : نعم . وكانت لنا الدائرة عليهم ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك وها هي ذي بالباب ، فأذن لها فدخلت ، فقالت : يا رسول الله . . إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزاً ، فاجعل الدهناء فإنها كانت لنا ، قال : فحميت العجوز واستوفزت وقالت : يا رسول الله . . فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال : قلت : إن مثلي ما قال الأول : معزى حملت حتفها ، حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت لي خصماً ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : هيه . . وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث مني ولكن يستطعمه .

قلت : إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له : قيل ، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما : الجرادتان ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه . فمرت به سحابات سود فنودى منها : اختر . فأومأ إلى سحابة منها سوداً ، فنودي منها : خذها رماداً رمدداً ولا تبقى من عاد أحداً ، قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا .

قال أبو وائل : وصدق : وكانت والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد .

وهكذا رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن زيد بن الحباب به . ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر ، عن عاصم بن بهدلة ، ومن طريقه رواه ابن ماجه . وهكذا أورد هذا الحديث وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين كابن جرير وغيره .

وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة ، فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل ، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل ، فنزلت جرهم عندهم كما سيأتي ، وعاد الأولى قبل الخليل ، وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره ، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى ، ولا يشبه كلام المتقدمين . وفيه أن في تلك السحابة شرر نار ، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر ، وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين : هي الباردة والعاتية الشديدة الهبوب .

" سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " أي كوامل متتابعات . قيل : كان أولها الجمعة ، وقيل الأربعاء .

" فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية " شبههم بأعجاز النخل التي لا رؤس لها ، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس ، كما قال : " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " أي في يوم نحس عليهم ، مستمر عذابه عليهم .

" تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر " ومن قال إنه اليوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم ، فقد أخطأ وخالف القرآن ، فإنه قال في الآية الأخرى : " فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات " ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات ، فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها مشئومة ، وهذا لا يقوله أحد ، وإنما المراد في أيام نحسات ، أي عليهم .

وقال تعالى : " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم " أي التي لا تنتج خيراً ، فإن الريح المنفردة لا تثير سحاباً ولا تلقح شجراً ، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها ، ولهذا قال : " ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " أي كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية .

وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " .

وأما قوله تعالى : " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " فالظاهر أن عاداً هذه هي عاد الأولى ، فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود وثم الأولى ، ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عاد الثانية . ويدل عليه ما ذكرنا وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها .

وأما قوله : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا " فإن عاداً لما رأوا هذا العارض وهي الناشيء في الجو كالسحاب ظنوه سحاباً ممطراً ، فإذا هو سحاب عذاب ، اعتقدوه رحمه فإذا هو نقمة ، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر . قال الله تعالى : " بل هو ما استعجلتم به " أي من العذاب ، ثم فسره بقوله : " ريح فيها عذاب أليم " يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب ، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحداً ، بل تتبعهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم ، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة ، فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا : من أشد منا قوة ؟ سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة ، وأقدر عليهم ، وهو الريح العقيم .

ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ، ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم ، وغياث لمن بقي منهم ، فأرسلها الله عليهم شرراً وناراً . كما ذكره غير واحد . ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين ، وجمع لهم بين الريح الباردة والمذاب النار ، وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة ، مع الصيحة التي ذكرها في سورة قد أفلح المؤمنون . . والله أعلم .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس ، حدثنا ابن فضيل عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد ، الريح وما فيها " قالوا هذا عارض ممطرنا " فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة ".

وقد رواه الطبراني عن عبدان بن أحمد ، عن إسماعيل بن زكريا الكوفي ، عن أبي مالك ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم ، ثم أرسلت عليهم البدو إلى الحضر ، فلما رآها أهل الحضر قالوا : هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا . وكان أهل البوادي فيها ، فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا " .

قالت : عتت على خرانها حتى خرجت من خلال الأبواب : قلت : وقال غيره : خرجت بغير حساب .

والمقصود أن هذا الحديث في رفعه نظر ، ثم اختلف فيه على مسلم الملائي ، وفيه نوع اضطراب . . والله أعلم .

وظاهر الآية أنهم رأوا عارضاً والمفهوم منه لغة السحاب ، كما دل عليه حديث الحارث بن حسان البكري ، إن جعلناه مفسراً لهذه القصة .

وأصرح منه في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال : حدثنا أبو بكر الظاهر ، حدثنا ابن وهب قال : سمعت ابن جريج ، حدثنا عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة رضي الله عنها قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به " . قالت : وإذا غيبت السماء تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر . فإذا أمطرت سرى عنه ، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال : لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا " .

رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه ، من حديث ابن جريج .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أنبأنا عمرو - وهو ابن الحارث - أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار ، عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً قط حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يبتسم وقالت : كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه ، قالت : يا رسول الله . . إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : " يا عائشة . . ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ! قد عذب قوم نوح بالريح "، وقد رأى إليه أولاً ، فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبراً عن قوم عاد الثانية وتكون بقية السياقات في القرآن خبراً عن عاد الأولى . . والله أعلم بالصواب .

وهكذا رواه مسلم عن هارون بن معروف ، وأخرجه البخاري و أبو داود من حديث ابن وهب .

وقدمنا حج هود عليه السلام عند ذكر حج نوح عليه السلام . وروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه ذكر صفة قبر هود عليه السلام في بلاد اليمن . وذكر آخرون أنه بدمشق وبجامعها مكان في حائطه القبلى يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام . . والله أعلم .

 
قديم   #4

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ( صالح عليـه السلام )


مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ..

قصة صالح عليه السلام

نبي ثمود

وهم قبيلة مشهورة ، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عائر بن إرم بن سام بن نوح .

وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك . وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين .

وكانوا بعد قوم عاد ، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك .

فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله : صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئاً . فآمنت به طائفة منهم ، وكفر جمهورهم ، ونالوا منه بالمقال والفعال ، وهموا بقتله ، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .

كما قال تعالى في سورة الأعراف : " وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين * قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين " .

وقال تعالى في سورة هود : " وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب * قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير * ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب * فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب * فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز * وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود " .

وقال سبحانه في سورة الحجر : " ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين * وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " .

وقال سبحانه وتعالى في سورة سبحان : " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " .

وقال تعالى في سورة الشعراء : " كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتتركون في ما هاهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون * قالوا إنما أنت من المسحرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين * قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .

وقال تعالى في سورة النمل : " ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون * قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون * قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون * وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون * قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون * ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " .

وقال تعالى في سورة حم السجدة : " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " .

وقال تعالى في سورة اقتربت : " كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر * أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر * إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " .

وقال تعالى : " كذبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها " .

وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة ، وإبراهيم والفرقان ، سورة ص ، وسورة ق ، والنجم ، والفجر .

ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب ، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ، ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما ، كما قال تعالى في سورة إبراهيم : " وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد * ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات " الآية . الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه ، ولكن كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيداً ، ولا اعتنوا بحفظه ، وإن كان خبرهما كان مشهوراً في زمان موسى عليه السلام . وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير مستقصى . . ولله الحمد والمنة .

* * *

والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم ، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام ومن آمن به ، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم ، ومخالفتهم رسولهم عليه السلام .

وقد قدمنا أنهم كانوا عرباً ، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم . ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام : " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين " أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم ، وتعلموا بخلاف عملهم . وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور ، " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " ، والعبادة له وحده لا شريك له ، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته ، فإن عاقبة ذلك وخيمة .

ولهذا وعظهم بقوله : " أتتركون في ما هاهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم " أي متراكم كثير حسن بهي ناضج " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " .

وقال لهم أيضاً : " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها " أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض ، وجعلكم عمارها ، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار ، فهو الخالق الرزاق ، وهو الذي يستحق العبادة وحده لا ما سواه ، " فاستغفروه ثم توبوا إليه " أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته ، فإنه يقبل ويتجاوز عنكم " إن ربي قريب مجيب " .

" قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا " أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة ، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة ، وترك ما كنا نعبده من الأنداد والعدول عن دين الآباء والأجداد ولهذا قالوا : " أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب " .

" قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير " .

وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب ، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير ، أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه ؟ ما عذركم عند الله ؟ وماذا يخلصكم من بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته ؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي ، ولو تركته لما قدر أحسن منكم ولا من غير أن يجيرني منه ولا ينصرني . فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له ، حتى يحكم الله بيني وبينكم .

وقالوا له أيضاً : " إنما أنت من المسحرين " أي من المسحورين ، يعنون مسحوراً لا تدري ما تقوم في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وخلع ما سواه من الأنداد . وهذا القول عليه الجمهور ، وهو أن المراد بالمسحرين : المسحورين . وقيل من المسحرين : أي ممن له سحر - وهو الرئي - كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر . والأول أظهر قولهم بعد هذا : " ما أنت إلا بشر مثلنا " وقولهم : " فأت بآية إن كنت من الصادقين " سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به . " قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم " كما قال : " قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم " وقال تعالى : " وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها " .

وقد ذكر المفسرون أن ثموداً اجتمعوا يوماً في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم ، فقالوا له : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة هناك - ناقة ، من صفتها كيت وكيت . وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها وتعنتوا فيها . وأن تكون عشراء طويلة ، من صفتها كذا وكذا ، فقال لهم النبي صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم ، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به ؟ قالوا : نعم . فأخذ عهدهم ومواثيقهم على ذلك .

ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا . فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء ، على الوجه المطلوب الذي طلبوا ، أو على الصفة التي نعتوا .

فلما عاينوها كذلك رأوا أمراً عظيماً ومنظراً هائلاً ، وقدرة باهرة ودليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم . ولهذا قال : " فظلموا بها " أي جحدوا بها ولم يتبعوا الحق بسببها ، أي أكثرهم . وكان رئيس الذين آمنوا : جندع ابن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس وكان من رؤسائهم وهم بقية الأشراف بالإسلام فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صعر بن جلمس . ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة وكان من أشرافهم ، فهم بالإسلام فنهاه أولئك ، فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه الله :

وكانت عصبــــة من آل عمرو إلى دين النبي دعـــوا شهـابــا

عــزيــز ثمــود كلهم جميعـــاً فهم بــأن يجيب ولــو أجـــابــا

لأصبـح صـالـح فينـا عـزيــزاً ومـا عـدلــوا بصــاحبهم ذؤابـــا

ولكن الغـــــــواة من آل حجر تــولــوا بعــد رشـــــدهم ذبابــا

ولهذا قال لهم صالح عليه السلام : " هذه ناقة الله " أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله : بيت الله وعبد الله " لكم آية " أي دليلاً على صدق ما جئتكم به " فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب " .

فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ، ترغي حيث شاءت من أرضهم ، وترد الماء يوماً بعد يوم ، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك ، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم . ويقال : إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ، ولهذا قال : " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم " .

ولهذا قال تعالى : " إنا مرسلو الناقة فتنة لهم " أي اختباراً لهم ، أيؤمنون بها أم يكفرون ؟ والله أعلم بما يفعلون " فارتقبهم " أي انتظر ما يكون من أمرهم " واصطبر " على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية " ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر " .

فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع علماؤهم ، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ، ليستريحوا منها ويتوافر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم . قال الله تعالى : " فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين " .

وكان الذين تولى قتلها منهم رئيسهم : قدار بن سالف بن جندع ، وكان أحمر أزرق أصهب . وكان يقال إنه ولد زانية ، ولد على فراش سالف ، وهو ابن رجل يقال له صيبان ، وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ، فلهذا نسب الفعل إليهم كلهم .

وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين : أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما صدوق ابنة المحيا بن زهير بن المختار ، وكانت ذات حسب ومال ، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته ، فدعت ابن عم لها يقال له مصرع بن مهرج بن المحيا ، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة . واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز ، وتكنى أم غنمة وكانت عجوزاً كافرة ، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الروساء ، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف ، إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء ، فانتدب هذا الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك ، فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة . وهم المذكورون في قوله تعالى : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها ، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك . فانطلقوا يرصدون الناقة ، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها ، وجاء النساء يذمرن القبيلة في قتلها ، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم في ذلك ، فأسرعهم قدار بن سالف ، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وانطلق سقبها - وهو فصيلها - فصعد جبلاً منيعاً ورغا ثلاثاً .

وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن أنه قال : يا رب . . أين أمي ؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها . ويقال : بل اتبعوه فعقروه أيضاً .

قال الله تعالى : " فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر " وقال تعالى : " إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها " أي أحذروها : " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها " .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا هشام - أبو عروة - عن أبيه ، عن عبد الله بن زمعة قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال : " إذ انبعث أشقاها : انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه ، مثل أبي زمعة " .

أخرجاه من حديث هشام به . عارم : أي شهم . عزيز : أي رئيس منيع : أي مطاع في قومه .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن محمد بن خثيم ، عن محمد بن كعب ، عن محمد بن خثيم بن يزيد ، عن عمار بن ياسر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " ألا أحدثك بأشقى الناس " ؟ قال : بلى . قال : " رجلان أحدهما أحمير ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك ياعلى هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعني لحيته - " .

رواه ابن أبي حاتم .

وقال تعالى : " فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين " فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه :

منها : أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية .

ومنها : أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين : أحدهما الشرط عليهم في قوله : " ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب " وفي آية " يوم عظيم " وفي الأخرى " أليم " والكل حق . والثاني استعجالهم على ذلك .

ومنها : أنهم كذبوا الرسول الذي قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه ، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً ، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم ، قال الله تعالى : " فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " .

وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا قدار بن سالف ، لعنه الله ، فعرقبها فسقطت إلى الأرض ، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما عاين ذلك سقبها - وهو ولدها - شرد عنهم فعلاً أعلى الجبل هناك ، ورغا ثلاث مرات .

فلهذا قال لهم صالح : " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " أي غير يومهم ذلك ، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد . بل لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا - فيما يزعمون - أن يلحقوه بالناقة : " قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله " أي لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه ، ثم نجحدن قتله ولننكرن ذلك إن طلبنا أولياؤه بدمه ، ولهذا قالوا : " ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون " .

* * *

قال الله تعالى : " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " .

وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذي قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم ، وأصبحت ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوهم مصفرة ، كما أنذرهم صالح عليه السلام . فلما أمسوا نادوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ، ووجوهم محمرة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى يومان من الأجل . ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت - ووجوههم مسودة ، فلما أمسو نادوا : ألا قد مضى الأجل .

فلكما كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة ، لا يدرون كيف يفعل بهم ، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب .

فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ورجفة من أسفل منهم . ففاضت الأرواح وزهقت النفوس ، وسكنت الحركات ، وخشعت الأصوات ، وحقت الحقائق ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ، جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها ، قالوا ولم يبق منهم أحد إلى جارية كانت مقعدة واسمها كلبة بنت السلف - ويقال لها : الذريعة - وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام ، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شيء ، فأتت حيا من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها واستقتهم ماء ، فلما شربت ماتت .

قال الله تعالى : " كأن لم يغنوا فيها " أي لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء " ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود " أي نادى عليهم لسان القدر بهذا .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : " لا تسألوا الآيات فقد سألهم قوم صالح فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها ، وكانت تشر ماءهم يوماً ويشربون لبنها يوماً ، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله " قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : " هو أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " .

وهذا الحديث على شرط مسلم وليس هو في شيء من الكتب الستة . . والله تعالى أعلم .

وقد قال عبد الرزاق أيضاً : قال معمر : أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغال ، فقال : " أتدرون من هذا " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . فقال : " هذا قبر أبي رغال ، رجل من ثمود ، كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن هاهنا ، ودفن معه غصن من ذهب . فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن " .

قال عبد الرزاق : قال معمر : قال الزهري : أبو رغال أبو ثقيف . هذا مرسل من هذا الوجه .

وقد جاء من وجه آخر متصلاً كما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة عن إسماعيل بن أمية ، عن بجير بن أبي بجير ، قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله حين خرجنا معه إلى الطائف ، فمررنا بقبر ، فقال : " إن هذا قبر أبي رغال ، وهو أبو ثقيف ، وكان من ثمود ، وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه ، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب ، وإن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن .

وهكذا رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق به .

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله : هذا حديث حسن عزيز .

قلت : تفرد به بجير بن أبي بجير هذا ، ولا نعرف إلا بهذا الحديث ، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية . قال شيخنا : فيحتمل أنه وهم في رفعه ، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه والله أعلم .

قلت : لكن في المرسل الذي قبله وفي حديث جابر أيضاً شاهد له . والله أعلم .

وقوله تعالى : " فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين " إخبار عن صالح عليه السلام ، أنه خاطب قومه بعد هلاكهم ، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم : " يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم " أي جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني ، وحرصت على ذلك بقولي وفعلي ونيتي .

" ولكن لا تحبون الناصحين " أي لم تكن سجايكم تقبل الحق ولا تريده ، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم ، المستمر بكم المتصل إلى الأبد ، وليس لي فيكم حيلة ولا لى بالدفع عنكم يدان . والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلته وبذلته لكم ولكن الله يفعل ما يريد .

وهكذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال : وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال : " يا أهل القليب . . هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً " وقال لهم فيما قال : " بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، قاتلتموني ونصرني الناس ، فبئس الناس ، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم " .

فقال له عمر : يا رسول الله . . تخاطب أقواماً قد جيفوا ؟ فقال : " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يجيبون " .

ويقال : إن صالحاً عليه السلام انتقل إلى حرم الله فأقام به حتى مات .

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال : " يا أبا بكر . . أي واد هذا " ؟ قال : وادي عسفان . قال : " لقد مر به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف ، أزراهم العباء ، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق " .

إسناد حسن . وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام من وراية الطبراني ، وفيه نوح وهود وإبراهيم .

 
قديم   #5

مجاهدة فى سبيل الله


Thumbs up مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ( داوود عليـه السلام )


مـن قـصـص ـآ‘لـقـرآن ..



قصة داود عليه السلام

وما كان في أيامه وذكر فضائله وشمائله ودلائل نبوته وأعلامه

هو داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن مسلمون بات نحشون بن عوينادب بن إرم بن حصرون بن فرص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه وخليفته في أرض بيت المقدس .

قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه : كان داود عليه السلام قصيراً أزرق العينين قليل الشعر طاهر القلب ونقيه .

تقدم أنه لما قتل جالوت وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر ، فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلى ملكه عليهم ، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلى داود عليه السلام ، وجمع الله له بين الملك والنبوة ، بين خير الدنيا والآخرة ، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر فاجتعا في داود هذا .

وهذا ؟ قال تعالى :" وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " أي لولا إقامة الملوك حكاماً على الناس ، لأكل قوي الناس ضعيفهم . ولهذا جاء في بعض الأمثلة السلطان ظل الله في أرضه . وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان : إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن .

وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن جالوت لما بارز طالوت فقال له : اخرج إلي وأخرج إليك ، فندب طالوت الناس فانتدب داود فقتل جالوت .

قال وهب بن منبه : فمال الناس إلى داود حتى لم يكن لطالوت ذكر ، وخلعوا طالوت وولوا عليم داود . وقيل إن ذلك عن أمر شمويل حتى قال بعضم إنه ولاه قبل الوقعة .

قال ابن جرير : والذي عليه الجمهور أنه إنما ولى ذلك بعد قتل جالوت . . والله أعلم ، وروى ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز : أن قتله جالوت كان عند قصر أم حكيم وأن النهر الذي هناك هو المذكور في الآية . . فالله أعلم .

وقال تعالى :" ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير " وقال تعالى :" وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ".

أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فقال :" وقدر في السرد " أي لا تدق المسماء فيفلق ولا تغلظه فيفصم . قاله مجالهد وقتادة والحكم وعكرمة .

قال الحسن البصري وقتادة و والأعمش : كان الله قد ألان له الحديث حتى كان يتفله بيده لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة . قال قتادة : فكان أول من عمر الدروع من زرد وإنما كان قبل ذلك من صفائح . قال ابن شوذب : كان يعمل كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم .

وقد ثبت في الحديد أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده .

وقال تعالى :" واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ".

قال ابن عباس ومجاهد : الأيد القوة في الطاعة . يعني ذا قوة في العبادة والعمل الصالح .

قال قتادة : أعطي قوة في العبادة وفقها في إسلام قال : وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر .

وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :" أحب الصلاة إلي صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى ".

وقوله :" إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق * والطير محشورة كل له أواب " كما قال :" يا جبال أوبي معه والطير " أي سبحي معه . قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد في تفسير هذه الآية " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق " أي عند آخر النهار وأوله ، وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحد بحيث إنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشياً ، صلوات الله وسلامه عليه .

وقال الأوزاعي : حدثني عبد الله بن عامر قال : أعطي داود من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط ، حتى إن كان الطير والوحش ينعكف حوله حتى يموت عطشاً وجوعاً وحتى إن الأنهار لتقف ! وقال وهب ابن منبه : كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص ، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله ، فيعكف الجن والإنس والطير والدواب على صوته حتى يهلك بعضها جوعاً . وقال أبو عوانة الأسفراييني : حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا محمد ابن منصور الطوسي سمعت صبيحاً أبا تراب رحمه الله قال أبو عوانة : حدثني أبو العباس المدني ، حدثنا بن محمد بن صالح العدوي ، حدثنا سيار هو ابن حاتم عن جعفر ، عن مالك ، قال : كان داود عليه السلام إذا أخذ في قراءة الزبور تفتقت العذارى . . وهذا غريب .

وقال عبد الرزاق عن ابن جريج ، سألت عطاء عن القراءة على الغناء فقال : وما بأس بذلك ؟ سمعت عبيد بن عمر يقول : كان داود عليه السلام يأخذ المعزفة فيضرب بها فيقرأ عليها فترد عليه صوته يريد بذلك أن يبكي وتبكي .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال :" لقد أوتي أبي موسى من مزامير آل داود ".

وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه .

وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا حمادة بن سلمة ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :" لقد أعطي أبو موسى من مزامير داود ". على شرط مسلم .

وقد روينا عن أب عثمان النهدي أنه قال : لقد سمعت البربط والمزمار ، فما سمعت صوتاً أحسن من صوت أبي موسى الأشعري .

وقد كان مع هذا الصوت الرخيم سريع القراءة لكتابة الزبور ، قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عمر ، عن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" خفف على داود القراءة ، فكان يأمر بدابته فتسرج فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته ، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه ".

وكذلك رواه البخاري منفرداً به عن عبد الله بن محمد ، عن عبد الرزاق به . ولفظه :" خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ، ولا يأكل إلا من عمل يديه ".

ثم قال البخاري : ورواه موسى بن عقبة ، عن صفوان ، هو ابن سدليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) .

وقد أسنده ابن عساكر في ترجمة داود عليه السلام في تاريخه من طرق عن إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، ومن طرق أبي عاصم عن أبي بكر السبري ، عن صفوان بن سليم به .

والمراد بالقرآن ها هنا الزبور ألذي أنزله الله عليه وأوحاه إليه ، وذكر رواية أشبه أن يكون محفوظاً فإنه كان ملكاً له أتباع ، فكان يقرأ ألزبور بمقدار ما تسرج الدواب ، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع ، صلوات الله وسلامه عليه .

وقد قال الله تعالى :" وآتينا داود زبورا " والزبور كتاب مشهور وذكرنا في التفسير الحديث الذي رواه أحمد وغيره أنه أنزل في شهر رمضان ، وفيه من المواعظ والحكم ما هو معروف لمن نظر فيه .

وقوله :" وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " أي أعطيناه ملكأ عظيماً وحكماً نافذاً .

روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجلين تداعيا إلى داود عليه السلام في بقر ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه . فأنكر المدعى عليه فأرجأ أمرهما إلى الليل ، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعى ، فلما أصبح قال له داود : إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك فأنا قاتلك لا محالة ، فما خبرك فيما ادعيته على هذا ؟ قال : والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه ، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا . فأمر به داود فقتل . فعظم أمر داود في بني إسرائيل جداً وخضعوا له خضوعاً عظيماً . قال ابن عباس : وهو قوله تعالى :" وشددنا ملكه " وقوله تعالى :" وآتيناه الحكمة " أي النبوة " وفصل الخطاب " قال شريح والعشبي وقتادة وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم : فصل الخطاب الشهود والأيمان يعنون بذلك : البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقال مجاهد : والسدي : هو إصابة القضاء وفهمه . وقال مجاهد : وهو الفصل في الكلام وفي الحكم . واختاره ابن جرير .

وهذا لا ينافي ما روي عن أبي موسى أنه قول : أما بعد .

وقال وهب بن منبه : لم كثر الشر وشهادات الزور في بني إسرائيل أعطى داود سلسلة لفصل القضاء . فكانت ممدودة من السماء إلى صخرة بيت المقدس ، وكانت من ذهب ، فإذا تشاجر الرجلان في حق فأيهما كان محقاً نالها والآخر لا يصل إليها . فلم تزل كذلك حتى أودع رجلاً فجحدها منه وأخذ عكازاً وأودعها فيه ، فلما حضرا عند الصخرة تناولها المدعى فلما قيل للآخر خذها بيدك عمد إلى العكاز فأعطاه المدعي وفيه تلك ال ، وقال : اللهم إنك تعلم أني دفعتها إليه . ثم تناول السلسلة فنالها . فأشكل أمرها على بني إسرائيل . ثم رفعت سريعاً من بينهم .

ذكره بمعناه غير واحد من المفسرين . وقد رواه إسحاق بن بشر عن إدريس بن سنان عن وهب به بمعناه .

" وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب * قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ".

وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف هاهنا قصصاً وأخباراً أكثرها إسرائيليات ومنها ما هو مكذوب لا محالة . تركنا إيرادها في كتابنا قصداً اكتفاء واقتصاراً على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

وقد اختلف الأئمة في سجدة ً : هل هي من عزائم السجود أو إنما هي سجدة شكر ليست من عزائم السجود ؟ على قولين :

قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام ، قال سألت مجاهداً في سجدة صلى الله عليه وسلم فقال : سألت ابن عباس من أين سجدت ؟ قال : أو ما تقرأ :" ومن ذريته داود وسليمان " " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " فكان داود ممن أمر نبيكم (صلى الله عليه وسلم) أن يقتدي به فسجدها داود عليه السلام فسجدها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل - هو ابن علية - عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : في السجود في ص ليست من عزائم السجود . وقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسجد فيها .

وكذا رواه البخاري وأبو داود و الترمذي و النسائي من حديث أيوب وقال الترمذي : حسن صحيح . وقال النسائي أخبرني إبراهيم ابن الحسن المقسمي ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن عمر ابن ذر ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سجد في ص وقال : سجدها داود توبة ونسجدها شكراً . تفرد به أحمد ورجاله ثقات .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عياض بن عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد معه الناس فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال :" إنما هي توبة نبي ولكن رأيتكم تشزنتم " فنزل وسجد . تفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيح .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد ، حدثنا بكر ، هو ابن عمر ، وأبو الصديق الناجي ، أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رأى رؤيا أنه يكتب ص فلما بلغ إلى التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجداً . قال فقصها على النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فلم يزل يسجد بها بعد ، تفرد به أحمد .

وروى الترمذي و ابن ماجه من حديث محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : قال لي ابن جريج : حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : يا رسول الله . . إني رأيت فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة ، فقرأت السجدة فسجدت الشجرة بسجودي ، فسمعتها تقول وهي ساجدة : اللهم اكتب لي بها عندك أجراً واجعلها عندك ذهراً وضع عني بها وزراً ، واقبلها مني كما قبلت من عبدك داود .

قال ابن عباس : فرأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل عن كلام الشجرة . ثم قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقد ذكر بعض المفسرين أنه عليه السلام ، مكث ساجداً أربعين يوماً وقاله مجاهد والحسن وغيرهما وورد في ذلك حديث مرفوع ، لكنه من رواية يزيد الرقاشي وهو ضعيف متروك الرواية .

قال الله تعالى :" فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " أي إن له يوم القيامة لزلفى ، وهي القربة التي يقربه الله بها ويدنيه من حظيرة قدسه بسببها ، كما ثبت في حديث :" المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يقسطون في أهليهم وحكمهم وما ولوا ".

وقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا فضيل عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل ، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذاباً إمام جائر ".

وهكذا رواه الترمذي من حديث فضيل بن مرزوق الأغر به ، وقال : لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر بن سليمان ، سمعت مالك بن دينار في قوله :" وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال : يقوم داود عليه السلام يوم القيامة عند ساق العرش فيقول الله : يا داود . . مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني في الدنيا ، فيقول : وكيف وقد سلبته . فيقول : إني أرده عليك اليوم . قال : فيرفع داود بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان .

" يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " هذا خطاب من الله تعالى مع داود ، والمراد ولاة الأمور وحكام الناس ، وأمرهم بالعدل بغير ذلك ، وقد كان داود عليه السلام هو المقتدى به في ذلك الزمان في العدل ، وكثرة العبادة ، وأنواع القربات ، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلاً ونهاراً كما قال تعالى :" اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ".

قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ، حدثنا صالح المري ، عن أبي عمران الجولي ، عن أبي الجلد ، قال : قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال : يا رب . كيف لي أن أشكرك وأنا لأصل إلى شكرك إلا بنعمتك ؟ قال : فأتاه الوحي : أن يا داود ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني ؟ قال : بلى يا رب . قال : فإني أرضى بذلك منك .

وقال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن بالويه ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثني عبد الله بن لاحق ، عن ابن شهاب قال : قال داود : الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ، فأوحى الله إليه : إنك أتعبت الحفظة يا داود !

ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن علي بن الجعد ، عن الثوري مثله .

وقال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد أنبأنا سفيان الثوري ، عن رجل ، عن وهب ابن منبه قال : إن في حكمة آل داود : حق على العقل ألا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذي يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب ، وحق على العاقل أن يعرف زمانه ويحفظ لسانه ويقبل . على شأنه ، وحق على العاقل ألا يظعن إلا في إحدي ثلاث : زاد لمعاده ومرمة لمعاشه ، ولذة في غير محرم .

وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن أبي بكر بن أبي خيثمة ، عن ابن مهدي عن سفيان ، عن أبيه الأغر ، عن وهب بن منبه ، فذكره . . ورواه أيضاً عن على بن الجعد ، عن عمر بن الهيثم الرقاشي عن أبي الأغر ، عن وهب بن منبه فذكره ، وأبو الأغر هذا هو الذي أبهمه ابن المبارك في روايته . قاله ابن عساكر .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا بشر بن رافع ، حدثنا شيخ من أهل صنعاء يقال له : أبو عبد الله ، قال : سمعت وهب بن منبه ، فذكر مثله ، وقد أورد الحافظ بن عساكر في ترجمة داود عليه السلام أشياء كثيرة مليحة منها قوله : كن لليتيم كالأب الرحيم ، واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد .

وروى بسند غريب مرفوعا قال داود : يا زارع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها .

وعن داود عليه السلام أنه قال : مثل الخطيب الأحمق في نادي القوم كمثل المغني عند رأس الميت . وقال أيضاً : ما أقبح الفقر بعد الغني وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدي . وقال :أنظر ما تكره أن يذكر عنك في نادي القوم فلا تفعله إذا خلوت .

وقال : لا تعدن أخاك بما لا تنجزه له فإنا ذلك عداوة بينك وبينه .

وقال محمد بن سعد : أنبأنا محمد بن عمر الواقدي ، حدثني هشام بن سعيد ، عن عمر مولي عفرة ، قال : قالت يهود ، لما رأت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتزوج النساء ! انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ولا والله ماله همة إلا إلى النساء : حسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك فقالوا : لو كان نبيا ما رغب في النساء . وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب فأكذبهم الله وأخبرهم بفضل الله وسعته على نبيه صلوات الله وسلامه عليه فقال :" أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " يعني بالناس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " يعني ما آتي الله سليمان بن داود كانت له ألف امرأة . سبعمائة مهرية وثلاثمائة سرية ، وكانت لداود عليه السلام مائة امرأة منهن امرأة أرويا أم سليمان بن داود التي تزوجها بعد الفتنة هذا أكثر مما لمحمد (صلى الله عليه وسلم) . وقد ذكر الكلبي نحو هذا وأنه كان لداود عليه السلام مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة منهن ثلاثمائة سرية .

وروى الحافظ في تاريخه في ترجمة صدقة الدمشقي الذي يروى عن ابن عباس من طريق الفرج بن فضالة الحمصي ، عن أبي هريرة الحمصي عن صدقة الدمشق ، أن رجلاً سأل ابن عباس عن الصيام فقال : لأحدثنك بحديث كان عندي في البحث مخزوناً ، إن شئت أنبأتك بصوم داود فإنه كان صواماً قواماً وكان شجاعاً لا يفر إذا لاقى ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" أفضل الصيام صيام داود " وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتاً يكون فيها ، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شيء ويصرف بصوته المهموم والمحموم .

وإن شئت أنبأتك بصوم ابنه سليمان فإنه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة أيام ، ومن وسطه ثلاثة أيام ومن آخره ثلاثة أيام يستفتح الشهر بصيام ووسطه بصيام ويختمه بصيام .

وإن شئت أنبأتك بصوم ابن العذراء البتول عيسى ابن مريم ، فإنه كان يصوم الدهر ويأكل الشعير ويلبس الشعر ، ويأكل ما وجد ولا يسأل عما فقد ، ليس له ولد يموت ولا بيت يخرب ، وكان أينما أدركه الليل صف بين قدميه وقام يصلي حتى يصبح ، وكان رامياً لا يفوته صيد يريده ، وكان يمر بمجالس بني إسرائيل فيقضي لهم حوائجهم .

وإن شئت أنبأتك بصوم أمه مريم بنت عمران ، فإنها كانت تصوم يوماً وتفطر يومين .

وإن شئت أنبأتك بصوم النبي العربي الأمي محمد (صلى الله عليه وسلم) فإنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ويقول : إن ذلك صوم الدهر وقد روى الإمام أحمد عن أبي النضر ، عن فرج بن فضالة ، عن أبي هرم عن صدقة عن ابن عباس مرفوعاً في صوم داود .



ذكر كمية حياته وكيفية وفاته

قد تقدم في ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم أن الله لما استخرج ذريته من ظهره فرأى فيهم الأنبياء عليهم السلام ورأى فيهم رجلاً يزهر فقال : أي رب . . من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود . قال : أي رب . . كم عمره ؟ قال : ستون عاماً . قال : أي رب زد في عمره . قال : لا ، إلا أن أزيده من عمرك . وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً فلما انقضى عمر آد جاءه ملك الموت فقال : بقي من عمري أربعون سنة ونسي آدم ما كان وهبه لولده داود فأتمها الله لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة .

رواه أحمد عن ابن عباس ، و الترمذي وصححه عن أبي هريرة ، وابن خزيمة وابن حبان . وقال الحاكم : على شرط مسلم . وقد تقدم ذكر طرقه وألفاظه في قصة آدم .

قال ابن جرير ، وقد زعم أهل الكتاب أن عمر داود كان سبعاً وسبعين سنة . قلت : هذا غلط مردود عليهم ، قالوا ؟ وكانت مدة ملكه أربعين سنة ،وهذا قد نقله لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولم لا ما يقتضيه .

وأما وفاته عليه السلام فقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا قبيصة . حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع . قال : فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ، والله لنفضحن بداود . فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار فقال له داود : من أنت ؟ فقال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب ، فقال داود : أنت والله إذن ملك الموت مرحباً بأمر الله : ثم مكث حتى قبضت روحه فلما غسل وكفن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس ، فقال سليمان للطير : أظلي على داود ، فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض ، فقال سليمان للطير : اقبضي جناحاً . قال أبو هريرة : فطفق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرينا كيف فعلت الطير ، وقبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده ، وغلبت عليه يومئذ المضرحية .

انفرد بإخراجه الإمام أحمد وإسناده جيد قوي رجاله ثقات ، ومعنى قوله : وغلبت عليه يومئذ المضرحية ، أي وغلبت على التظليل عليه المضرحية وهي الصقوع الطوال الأجنحة واحدها مضرحي ، قال الجوهري : هو الصقر الطويل الجناح .

وقال السدي عن أبي مالك ، عن ابن مالك ، عن ابن عباس قال مات داود عليه السلام فجاء وكان بسبت ، وكانت الطير تظله . وقال السدي أيضا ، عن أبي مالك وعن سعيد بن جبير قال : مات داود عليه السلام يوم السبت فجأة .

وقال إسحاق بن بشر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن ألحسن ، قال : مات داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة ومات يوم الأربعاء فجأة . وقال أبو السكن الهجري : مات إبراهيم الخليل فجأة وداود فجأة وابنه سليمان فجأة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . رواه ابن عساكر.

وروى عن بعضهم أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه فقال له : دعني أنزل أو أصعد ، فقال : يا نبي الله . . قد نفدت السنون والشهور والآرثار والأرزاق ، قال : فخر ساجداً على مرقاة من تلك المراقي فقبضه وهو ساجد .

وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا وافر بن سليمان ، عن أبي سلمان الفلسطيني عن وهب بن منبه قال : إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام فجلسوا في الشمس في يوم صائف قال :وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس ، ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد كانت بنو إسرائيل أشد جزعا عليه منهم على داود . قال : فآذاهم الحر فنادوا سليمان عليه السلام أن يعمل لهم وقاية لما أصابهم من الحر ، فخرج سليمان فنادى الطير فأجابت فأمرها أن تظل الناس ، فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه ، حتى استمسكت الريح فكاد الناس أن يهلكوا غما فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم ، فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحي الريح . ففعلت فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح ، فكان ذلك أول ما رأواه من ملك سليمان .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع ، حدثني الوليد بن مسلم ، عن الهيثم بن حميد ، عن الوضين بن عطاء ، عن نصر بن علقمة ، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء . قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لقد قبض الله داود من بين أصحابه ما فتنوا ولا بدلوا ، ولقد مكث أصحاب المسيح على سننه وهديه مائتي سنة" .

هذا حديث غريب وفي رفعه نظر ، والوضين بن عطاء كان ضعيفاً في الحديث . . والله أعلم .

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 12:23 AM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0