ـآلـقـصـة ـآلـثـانـيـة ... فـرٍصـة لـلـصــبــرٍ
حـوٍارٍ مـع صـديـقـي ـآلـزٍوٍج..!!
بـسـم الله ـآلـرحـمـن ـآلـرحـيـم
ـآلـقـصـة ـآلـثـانـيـة ... فـرٍصـة لـلـصــبــرٍ
كان من الشباب الذين آتاهم الله من فضله ، أنعم الله تعالي عليه بالثراء الذي ظهرت آثاره عليه .. في بيت كان أشبه بالقصر وسيارتين وخادمين ، ورصيد لا أعرف مقداره لكني واثق من ضخامته
فقد ورث عن أبيه ثروة كبيرة ، وعقارات كثيرة ...
وعلي الرغم من هذا الثراء فقد كان شاكراً متصدقاً محافظاً علي صلاته ملتحياً ولم تبطره النعمة ..
كان قد تزوج منذ عشر سنوات لكنه كما علمت لم يكن سعيداً جداً بزواجه .. اتصل بي هاتفيا ، ..
قال:- أريد أن أراك لأمر أريد مشورتك فيه ..اتفقت معه علي أن يزورني في بيتي المتواضع متعمداً الابتعاد عن قصره المنيف ..
لم يتأخر عن موعده بل إنه وصل قبله بقليل رحبت به وأنا اتساءل في نفسي عن المشورة التي جاء يطلبها مني وإن كنت أخمن أنها حول زوجته ...
بعد سؤالي عن حاله واطمئناني علي أخباره ...
قال لي :- أريد أن أستشيرك في شأن .. وجدت عندك فيه خبرة ودراية .. من خلال كتاباتك الموفقة عن والعلاقات الزوجية ..
قلت له :- هذا حسن ظن منك يا أخي .. تفضل ..فإني مصغ إليك ...
قال :- تعلم يا أخي أني تزوجت منذ عشر سنوات ولعلك تحيط بشئ من خلافاتي المزمنة مع زوجتي التي يبدو أني لم أوفق بها ...
قلت له :- أجل .. أعلم ..
قال :- لا أقول لك حياتي معها لا تخلو من تنغيص .. بل هي تنغيص خالص لا يخلو من ..
قاطعته قائلاً :- ماذا لا يعجبك منها .؟
قال :- لأكن صريحاً معك ياأخي فأنا أطمئن إليك ... وإلي صدق نصحك ..
قلت له :- قل يا أخي ..
قال :- لقد ابتليت بزوجة غير جميلة مشاكسة تغار علي تتملكها خشية دائمة من زواجي عليها وبخاصة هي تري المال يفيض بين يدي ..
قلت له :- ألم تجرب مقابلة مشاكستها بالرفق واللين ..
قال :- لا فائدة .. جربت ..
قلت له :- أوعظتها كما أمر الله تعالي
قال :- ثم هجرتها .. ثم ضربتها .. لم ينفعها هذا كله ...
قلت له :- وماذا تنوي أن تفعل .؟
قال :- أفكر بطلاقها !!
قلت له :- هل رزقك الله منها بأطفال .؟
قال :- أربعة .. ثلاثة ذكور وأنثي ..
قلت له :- هل فكرت بمصيرهم ..
قال :- يبقون مع أمهم حتي يكبروا .. فيكونوا معي ..
قلت له :- وهل تثق برعاية أمهم لهم في غيابك عنهم بعد طلاقك لها .؟
قال :- هي لهم أحسن ما تكون .. وأنا لم أشك من تربيتها لهم .. إنما أشكو من تعاملها معي وسأعطيها النفقة التي تستحقها وأزيدها ..
قلت له :- قد رتبت لكل شئ عدته .. فما المشورة التي تطلبها مني .؟
قال :- أردت أن تشير علي : أتراني أظلمها بطلاقها .؟
قلت له :- استشارتك هذه مؤشر خير فيك مؤشر إلي خشية لله في نفسك ليس من ارتكاب حرام فالطلاق مباح ولكن خشية ارتكاب ظلم اتجاه زوجتك وما دامت هذه الخشية في نفسك فإني لن أجيب
عن سؤالك بـ " نعم او لا " .. بل سأحاورك .. لتختار أنت بنفسك إبقاء زوجتك أم تطليقها ..
قال :- تفضل ياأخي فوالله هذا ماسعيت إليه فتفصيل الحديث يريحني ويبعث الطمأنينة في نفسي ..
قلت :- كيف سكنك .؟
قال :- تعني بيتي .؟
قلت :- أجل ..
قال :- تعلم أن بيتي فيلا فيها كل وسائل الراحة ،ووفرت فيها كل شئ فيها خادمتان مع سيارتين عدا سيارتي الخاصة ..
قلت :- وطعامك .؟
قال :- من أطايب الطعام وليتنا نأكله جميعه فالقمامة لها النصيب الأكبر منه ..
قلت :- لعلك تعلم أخي أن هناك ملايين المسلمين يصبرون علي حرمانهم من السكن .. لا أقول السكن الجيد .. بل حتي من السكن الصحي .. منهم ملايين الأفغان المهاجرين يعيشون في الخيام .. وملايين
الفلسطينيين في المخيمات كذلك .. وملايين غيرهم في أفريقيا .. وملايين الملايين من المسلمين لا يعيشون في المخيمات لكنهم لا يجدون السكن الذي يستأجرونه لا يتملكونه ليتزوجوا فيه أطرق صاحبي
قليلاً .. بينما واصلت حديثي :-
وملايين ملايين المسلمين لا يملكون من المال مايشترون به كل أصناف الطعام .. أو أن أسعارها مرتفعة وترتفع يوماً بعد آخر .. وهم يصبرون علي هذا ..
قال :- أكمل ياأخي فإني مصغ إليك ..
قلت :- أتشعر بالأمن في دعوتك إلي الله .؟
قال :- الأمن كله ولله الحمد ..أنت تعلم أن حكومتنا تدعو إلي الإسلام .. وتكفل الحرية إلي دعاته .. بل هي تناصرهم وتمكنهم من دعوتهم وما تحتاج إليه من جمعيات ومؤسسات وهيئات .. وتتبع هذا
كثيراً بالدعم المالي ...
قلت :- ولا شك في أنك تعلم أن ملايين المسلمين في أقطار مختلفة لا ينعمون بهذا الأمن الذي ننعم به في الدعوة إلي الله ولا يجدون مانجده من تأييد ودعم ..مع حرية وتمكين ..
قال :- وهم يصبرون علي هذا ويحتسبونه عند الله ويبتغون من ورائه الأجر ..
قال :- ولكن ما صلة كلامك بما أعانيه من زوجتي ..
قلت :- ملايين ملايين المسلمين يصبرون علي السكن غير المناسب .. أو علي فقدانه كله .. ويصبرون علي قلة ما في أيديهم من مال .. ويصبرون علي الفقر .. ويصبرون علي اضطهاد المتسلطين أو
علي حرمانهم من أوطانهم بعد فرارهم من بطشهم .. عشرات الملايين من المسلمين إن لم يكونوا مئات الملايين يصبرون في هذه الدنيا وهم يطمعون في الأجر الذي وعد به الله تعالي عباده الصابرين
فعلام تصبر أنت ياأخي .. وترجو من الله الأجر عليه ..؟
صمت صديقي .. وهو ينظر إلي سارحاً متأملاً متفكراً .. ثم ابتسم كأنه فطن إلي غاية كلامي وسؤالي ..
فقال :- أنا أصبر علي زوجتي ..!!
قلت :- وهو صبر لك فيه من الأجر الكثير إن شاء الله إن احتسبته عند الله ، ألا أقص عليك تلك القصة التي حكاها الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر ..؟
قال :- تفضل ...
قلت :- قيل لأبي عثمان النيسابوري : ما أرجي عملك عندك .؟
قال :- كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبي ..فجاءتني امرأة فقالت : يا أبا عثمان إني قد هويتك .. وأنا أسألك بالله أن تتزوجني فأحضرت أباها وكان فقيراً فزوجني وفرخ بذلك .. فلما دخلت إلي
.. رأيتها عوراء عرجاء مشوهه وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج .. فأقعد حفاظاً لقلبها .. ولا أظهر لها ن البغض شيئاً ..وكأني علي جمر الغضا من بغضها ، فبقيت هكذا .. خمس عشرة سنة حتي
ماتت ..فما من عمل هو أرجي عندي من حفظي قلبها ..
قال:- وبم وصف ابن القيم أبي عثمان النيسابوري .؟
قلت :- لقد قال : " إن هذا من عمل الرجال " ...
قال :- سبحان الله ..
قلت :- لقد وعد تعالي علي الصبر وعداً حسناً حتي تجاوزت الآيات الكريمة التي تحث علي الصبر وتثني عليه وتعد الصابرين ين آية في القرآن الكريم ..أأتلو عليك بعضها .؟
قال :- ليتك تفعل ...
قلت : قال تعالي : " سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " .... الرعد : 24 ...
وقال سبحانه : " وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ " ... النحل : 126
وقال جل شأنه : " وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ..النحل : 96
وقال تعالي : " إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ " ... المؤمنون : 111
وقال سبحانه : " أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا " ... الفرقان : 75
وقال تعالي : " أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " .. القصص:54
وقال سبحانه : " إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " ..يوسف:90
وقال تعالي : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ " .... لقمان:17
وغيرها من الآيات الكريمات التي حملت البشارة للصابرين : " وٍبشر الصابرين " البقرة:155
" إن الله مع الصابرين " .. الأنفال :46 وغيرها وغيرها ...
قال :- علي الرغم من كثرة قراءتي وتلاوتي للقرآن الكريم فإنك بجمعك لآيات الصبر معاً .. نبهتني إلي قيمته ومكانته .. وعظم الأجري الذي وعد به الصابرين
قلت :- أما وإنك ولله الحمد تنعم بسكن ولا تصبر علي فقده ويفيض المال بين يديك ولا تصبر علي فقر وتتاح لك الدعوة إلي الله ولا تصبر علي حاكم يطاردك ..فأحمدالله علي أن أتاح لك فرصة الصبر
علي امرأتك ...
قال:- إنك علي حق ..
قلت :- ولو نظرت إليها علي أنها مصدر أجر لك بصبرك علي مايصدر عنها لحرصت عليها ولم تتضايق من مشاكستها لك بل ربما رغبت في هذه المشاكسة لإدراكك أنك بصبرك علي هذه المشاكسة
تحظي بالأجر والثواب ..
قال :- لقد جلوت همي .. وأرحت بال .. وسأصرف عن عقلي فكرة طلاقها ..وإني ادعو الله أن يعينني علي هذا ..
قلت :- وزد يا أخي من شغل نفسك بعمل مساءً في الجمعيات الخيرية ومشاركتك الطيبة فيها ثم قلل من جدالك لزوجتك ولا تكرر تهديدك لها بالطلاق وأشعرها بصورة غير مباشرة أنك معلق بالآخرة
وأن همك منصرف إلي هذه الجمعيات الخيرية كما هو حالك فعلاً فتطمئن إليك ولا تخشي من فيض المال بين يديك ..
قال :- وهذا خير لأولادي أيضاً
قلت :- أصبت وبخاصة أنك ذكرت لي أنها لأولادها أحسن ماتكون فلماذا تبعدهم عنك زمناً .. ثم تبعدهم عن أمهم بعد انتهاء حضانتهم زمناً آخر ..؟!
قال : ألم أكنر علي حق في قصدي لك وتوجهي إليك ... لقد كنت أبحث عن هذا وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم " ماخاب من استخار .. وما ندم من استشار " .. أخرجه الطبراني بسند ضعيف ..
قلت :- ليت الأزواج جميعهم مثلك يسرعون في الاستجابة للنصيحة ..
|