رد: قصه ندمت من بعدك ياسعود لا تفوتكم روعه والله محزنه جدا
قصه ندمت من بعدك ياسعود لا تفوتكم روعه والله محزنه جدا
يتبع
أخذ ملفه وخرج من المؤسسة
كنت أرمقه عند الباب ذكرايات رائعة تجمعني بهذا الإنسان الصبور
أربع سنين عشتها في سعادة وإخاء معه
سنتين في الجامعة وسنتين خارجها
تبادلنا خلالها الحب والإخوة والإحترام والتقدير
وثلاث سنين ؟
لا أدري كيف مرت بغفلة
أردت أن أتبعه لكن لحظة كرامتي أولى
لن يكلمني بعد الآن لقد أذيته وآذيت والده الذي دخل في غيبوبة منذ شهرين
لن يسامحني .. ما فعلته به أقسى من أن يسامحني عليه
لن أتبعه سنفترق وقد لا نلتقي بعد الآن
سنفترق بدون وداع
يا ترى كيف سيكون حاله بعد الوظيفة ؟
هل سيبحث عن أخرى ؟
أم هل سيبقى بجانب والده في المستشفى ؟
هل سيأتي إلي يوماُ ؟
هل سيطلب من أحد مساعدة مالية ؟
أم أنه قد جمع الكثير من المال الذي سيكفيه ؟
لا أدري
أحسست باهتمام له
بعد أن أفرغت غروري وجعلته موظفاً عادياً عندي يعود شعور الصداقة والأخوة إلي ؟
بالفعل أنا مغفل
قررت أن اتبعه
خرجت وركبت سيارتي ولحقته
أخيراً وصل إلى أحد شقق العزاب
نزل ودخل فيها أنتظرته بعيداً دقائق فقط ويخرج وبيده حقيبة سفر متوسطة الحجم
دار في مخيلتي ألف سؤال
هل سيسافر الآن ؟
والده في غيبوبة كيف سيذهب ويتركه ؟
ربما أراد تغيير مكانه السكني ؟
ولكن لما ؟؟
وضع الحقيبة في المرتبة الخلفية للسيارة وركب ومشى
تبعته , أتجه للمستشفى الذي ينام فيه والده دخل ودخلت خلفه
وضعت يدي على كتفه وقف والتفت إلي مصدوماً
سعود : ماجد !!!
أنا ابتسمت : وش أخبارك وأخبار أبوك ؟
أجاب مختصراً : بخير !
لاحظت نفوره مني ولا أحد يستطيع لومه
أنا : تحتاج فلوس وإلا أي شيء ؟
سعود : شكراً ما أحتاج شيء
أنا ربت على كتفه : إذا احتجت شيء لا تت
هز رأسه علامة الموافقة وأدار ظهره لي وذهب تماماً كما كنت أقوم أنا بفعله معه
كنت واقفاً وأنظر إليه وصل للمصعد الكهربائي وضغط على الزر
وعندما فتح الباب التفت إلي
التقت نظراتي بنظراته
أحسست بصمت مشحون بشوق وشعور غريب في داخلي
لا أدري كيف مرت كل هذه السنين ولم انتبه لنفسي
لا أعرف ما هو سبب غفلتي ونومي عنه ؟
ثلاث سنين طويت وفي صفحاتها آلام وجروح لا زالت تنزف
ما ذنبه ؟ لما فعلت له ذلك ؟
بصراحة شعرت بعض الندم ؟
من المستحيل جداً أن يسامحني ؟
وبالرغم من أنه كان يسامح كل من يخطئ بحقه بسرعة إلا أني لا أعتقد أنه سيسامحني
ثلاث سنين ليست قصيرة أبداً
دخل المصعد وذهب من دون أن أرى على وجهه تغير في ملامحه وهذا ما زادني شوقاً
أريد أن أجلس معه أريد أن أعرف رأيه فيما حدث
ترى ماذا سيقول لي؟
عدت أدراجي للبيت بعد أن سألت عن غرفة والده وسبب وجوده
أخبروني أنه في غيبوبة منذ فترة وأحياناً كان يستيقظ ثم يعود للإغماء
وهذه حالته بسبب تقدم المرض فيه
ومرت الأيام دون أن أذهب لسعود لأراه أو أسلم عليه
مر شهر كامل على ذلك
وفي أحد الأيام أخبرني أبي أنه يريد زيارة قريب له مريض وينام في نفس المستشفى الذي ينام فيه والد سعود ويريدني أن أذهب معه
وافقت لأني رأيتها فرصة لذهاب لسعود والاطمئنان عليه
دخلنا وسلمنا على قريبنا ثم استأذنت وخرجت بينما أبي ما زال موجوداً عند قريبه
اتجهت إلى غرفة والد سعود والتي ينام فيها أكثر من شخص
دخلت وكان سعود جالساً عند أحد الأسرة يقرأ في كتاب تبين لي بعدها أنه مصحف يقرأ فيه على والده الذي كان نائماً بهدوء
ذهبت إليه وقفت عند طرف السرير الأخر
أنا : السلام عليكم
سعود رفع بصره ونظر إلي باستغراب وبهدوء قال : وعليكم السلام
وقف وصافحني ثم أشار لي بالجلوس فجلست وجلس هو
سألته وأنا أنظر لوالده : وش أخباره ؟
أجاب وهو لا يزال ينظر إلي : بخير
لم أعرف بعدها ما يجب علي قوله لم يساعدني في الكلام
نظرت إليه وسألته محاولتاً مني أن ابدأ بالحوار : وأخبارك أنت ؟
سعود عض على أسنانه وكأنه يكتم غيضه : بخير
تجاهلت حركته وسألته : أذكر أنك قلت لي أنك بتسافر لبريطانيا ؟
سعود : أيه ما حصل لنا حجز
أنا وقد صدقت عذره : تبي أحجز لكم يمكن أنت مشغول ما تقدر تحجز خلن أنا أحجز
سعود : لا شكراً ما أحتاج منك شيء
أنا : سعود شفيك أنا ماجد؟
رفع بصره نظر إلي بنظرة مملؤة بالحزن والقهر والآلام والأوجاع المريرة
كأنه يقول لي أبعد كل هذه السنين تعود لتقول أنا ماجد
تذكرت حينها موقفاً حصل لي معه في العمل
(( كنت جالساً أمام مكتبي وقد زارني أحد أصدقائي وهو لا يعرف سعود
كان صديقي قد جلس مقابلي في المكتب وكنا نتحدث عن أمور عامة لولا أن هذا الصديق كان دائماً ما يخبرني بأني ضعيف الشخصية ولا استطيع فرض احترامي على الأخرين لذلك وجدت أن الفرصة مناسبة لأثبت له العكس وجدت أيضاً (سعود) فرصة مناسبة لذلك فهو مكان الإهانة والذل عندي ومن الصدفة أيضاً أنه أتصل على مكتبي ليخبرني أن هناك من يريد ترتيب موعداً لمقابلتي لكني صرخت به قائلاً : أنت يا حمار ما بغيت تتصل تعال الحين لمكتبي لا والله جيت أنا عندك وعلمتك الأصول
وأغلقت السماعة بعصبية
سألني صديقي : شفيك عسى ما شر ؟
أنا أجبت متظاهراً أني أحاول ضبط أعصابي : من هالسكرتير الفاشل ما أقدر اعتمد عليه بشيء
وبعد ثواني دخل سعود , قمت مسرعاُ من مكاني واتجهت بسرعة إليه رفعت يدي ثم صبت على خده جام غيضٍ كاذب وبدأت أصرخ في وجهه كلاماً لا أدري من أين جئت به كل ما في الأمر أني أريد أن أثبت لصديقي هذا أني أنسان قوي وكما يقال (عند كلمتي)
ومن الضحية ؟ (سعود)
ومن كلامي المسموم الذي قلته لسعود : حيوان أنت ما قلت لك إذا صار فيه شيء تقدر تنهيه بنفسك لا تجي تقول لي فاهم
سكت وهز برأسه ثم انزله للأرض وقد وضع يده على خده وهو لا يدري ماهي غلطته
أنا : يالله أطلع ما أبي أشوف وجهك
رفع بصره ونظر إلي تلك النظرة التي ملؤها الحزن والهم الكبير )) للأسف لم استطع وأنا عند سعود في المستشفى مسح سحابة الحزن التي غطت على ملامحه ولم يستطع إخفاءها
أجاب سعود على سؤالي وكان يحاول أكثر مني إنهاء الحوار : أقول يا ماجد سبحان مقلب القلوب
سكت ولم استطع الرد عليه لكني ابتسمت له بود
أما هو فلم يرد الإبتسامة (على غير عادته)
وقفت : تبي شي قبل أمشي ؟؟
سعود : لا سلامتك
أنا : سلملي على الوالد إذا قام ولو احتجت شيء تراي بالخدمة
لم يجب بل كان ينظر إلي بنظرات صامته
قلت له وأنا أخرج : مع السلامة أشوفك على خير
رد علي : مع السلامة
خرجت من عنده وأنا أشعر باختناق بضيق في الحقيقة كنت أشعر بندم حقيقي
ذهبت لأبي وخرجنا للبيت كنت طوال الطريق صامتاً وذهبت محاولات أبي لاستنطاقي أدراج الرياح
دخلت غرفتي وتمدت على فراشي ودارت في مخيلتي كل ذكرياتي التي تجمعني بسعود أي منذ تعرفت عليه
ابتساماته الرائعة ضحكاته البشوشة لعبه وركضه صوته العذب وجهه الصبوح قلبه الطاهر روحه الندية نواياه الحسنة مقالبه الحلوه نظراته البريئة سعود
كم أحب ذلك الإنسان أجل أحبه وفعلت ما فعلت به لأني أحبه من المستحيل أن أنساه
لن أذهب إليه ولن اعتذر له قد يأتي اليوم الذي سنلتقي فيه ونجلس معاً عندها سأشرح له كيف كنت في غفلة سأخبره بأن غروري قد غلبني أعرف أن هذا لن يرضيه ولن يجعله يسامحني مطلقاً ولكن لا بأس سأحاول ولكن ليس الآن هو مشغول بوالده المريض إن احتاج مني شيئاً سيأتي إلي لقد أخبرته بأني سأكون في الخدمة وهذا يكفي
ومر شهرين سمعت أنه سافر لبريطانيا لم أحاول الإتصال به ولا السؤال عنه
وانقطعت عني كل أخباره
ومرت السنين تلو السنين
أصبحت في السابعة والعشرون من عمري بدأت أفكر بالزواج ولم أسمع عن سعود أي خبر
وفي أحد الأيام حدث حادث مروع لابن عمي وكسر حوضه
ذهبت لزيارته (في الرياض) دخلت وذهبت لغرفته و سلمت عليه إلى أن خرجت من عنده وبطبعي أحب الاستكشاف رأيت ممراً طويلاً ممتلئ بالمقاعد ولأسف كان شكله يوحي بالخراب مشيت من عنده اردت أن أرى ماذا يوجد في نهايته
كان كلما تقدمت يبدأ بالظلام حتى وصلت إلى أخره
سمعت صوت شهقات مكتومة ورجلاً قد جلس على الأرض واستند بأحد المقاعد الخشبية المتكسرة يبكي لم استغرب في مكان كهذا أن اجد مثل هذه الأشكال
وضعت يدي على كتفه وسألته : أخوي وش مقعدك هنا ؟
رفع رأسه وبعيون مليئة بالدموع وبصوت مبحوح من كثرة البكاء : وأنا ناقصك بعد أنت ؟
سعو ود
مالذي حدث يا ترى؟ ما به ؟
من الذي جعله يجلس في هذا المكان؟ ولم يبكي ؟
جلست وامسكت يديه وسألته : وش صار سعود شفيك ؟
نظر إلي بوجه شاحب : أبوي ماتت
وخنقته العبرة وبكى
ضممته لصدري وأنا اسأله : من متى ؟؟
رد وقد دفن وجهه في صدري : من شهور
يا إلهي هل يبكي على أباه الذي مات منذ شهور هكذا وبهذا الشكل وهذا المكان كنت متوقعاً أنه سيقول لي منذ يوم أو يومين وأن كان طويلاً منذ أسبوع
سألته : طيب ليش جالس هنا ؟
تكلم بجدية أكثر : أنا وديت أبوي لبريطانيا عشان العلاج وجلس يعالج هناك وأنا عنده بس قال مدير المستشفى أنه يحتاج زيادة فلوس ورجعت وتركت أبوي هناك عشان أشتغل وأجمع فلوس وهم هناك توقفوا عن علاجه ومات خبروا السفارة السعودية وهي ارسلت جثته للسعودية وصلوا عليه ودفنوه وأنا ما دريت ما أحد قال لي بس توي أدري لأني أشتغلت هنا بالمستشفى هذا
سكت وهو يكتم عبراته وشهقاته
أما أنا فلقد ابعدته عن جسمي وقفت : سعود أنت الي قتلت أبوك
استغرب من كلماتي ورغم الألم الذي كان يحس به إلا أنه سألني : ليش ؟
أجبت وأظني كنت يهودياً لقولي تلك الكلمات له : لأني قلت لك من قبل أذا كنت تحتاج فلوس أو أي شيء أنا بالخدمة بس أنت ما جيت لي وتأخرت على أبوك بالعلاج ومات يعني أنت سبب موته يا سعود وفاعلين الخير كثارين وراه ما طلبتهم يساعدونك لازم تشتغل
ابتعد عني واقترب للكرسي وامسكه بقوة وبكى بمرارة
ذلك المشهد الذي حدث أمامي يشبه مايحدث في الأفلام ولكنه حقيقة
أما أنا فلقد ادرت له ظهري وقلت له وأنا ابتعد عنه : أنت ما فهمت للدنيا عشان كذا بهذلتك
وتركته في ذلك المكان يبكي لفراق أباه أخر من بقي له من أهله لم أعزيه ولم أهون عليه بل على العكس زدته آلاماً قلبي قاسي ولا يعرف معنى الرحمة كم أنا لئيم وشرير هذا كل ما استطيع قوله عن نفسي
تركته على الأرض ممسكاً بكرسي متحطم ويبكي بكاء الوحدة والخوف من المجهول والقلق والعذاب المرير ويا أسفي وعذابي فلقد كانت هذه آخر مرة أرى سعود فيها
ومرت أيام وشهور وسنه كاملة على ذلك
حتى اتصل علي رقم غريب
|