عندها فهِمت!!.........
ازدادت الدوشة في تلك الغرفة من قسم الباطني في المستشفى ،
هَرَعَ أغلب الكادر مُسرعًا ..
ماذا يحدث ؟
رجلٌ يصارعُ الموت !
على عجلة ، أغلقوا الستائر وبدؤوا بإجراء الإنعاش القلبي الرئوي ،
كان هذا مع وصول الزوجة المُترقّبة !
يبدو أن الكادر حاولَ غيرَ مرّة ، لكن .. سبحان من خلق كلّ شيءٍ بقدر ..
خرجَ الطلابُ بوجوهٍ مُرهَقة ، وألسنةٍ صامتة !
فاضّطربت الزوجة ، وأدرَكت حرَج الموقف .
خرجوا واحدًا تلوَ الآخر ..
والزوجة التي كانت تفرُكُ يديها بعضهما ، سقطت على الأرض !
أمام الغرفة .. كان الناس قد تجمّعوا بعدد لا يقل عن أربعين .
كثيرون انسحبوا بصمت ..
ومنهم من انسحب مُردّدًا : " لا إله إلا الله " أو " كاس ومار عكل الناس " ..
ومَضَوا بعيدًا ..
لكنّ قلّةً وقفوا بجانب الزوجة ، سَنَدوها ، وذكّروها بالله ..
ذهبوا ..
ولَم ْ تنتهِ أحداث القصة بعد !
:
فمع انفضاض الناس عنها ، وغزارة المكالمات الهاتفيّة عليها ، التهبت النار في صدرِ تلك الزوجة التي أصبحت أرملة ..
فنطق لسانُها : " ليش هيك ؟ " .. " وين رُحتُ وترَكتنا ؟ " ..
فرَجَعت قِلّةٌ قليلةٌ من القلة السابقة ..
ردّدوا أمامها : " لا إله إلا الله " .. " إنّا لله وإنا إليه راجعون "
مُرشدينها بذلك لما يُستحسنُ لها أن تقول ، ومُبيّنين عدَمَ جواز ما كانت تقول قبلها .
قالت : " إنّا لله وإنا إليه راجعون "
استمرّوا بتعزيتِهم لها ، وتذكيرها برحمة الله الذي هُوَ أرحم بفقيدها منّا ،
وصلَ أولادُها ، فعَلَت أصواتُ البكاء مرّةً أخرى
استمروا بالتعزية .. " مين خلّف ما مات يا خالتو .. "
وإن كان ربّنا قد توّفاهُ فقد أبقى لكِ أولادَك .. فحَمدت الله بصدق
أحضروا لها كُرسيّا .. أجلسوها .. وشرّبوها قليلا من الماء ..
ذكّروها بمصائبِ الناس .. ف سَكَنتْ
قالوا لها: " إن كنتِ تُحبّينه فاجتهدي بالدعاء له "
فانطلق لسانها : " رَحِمَهُ الله ، ثبّتَهُ الله ، رَحِمَهُ الله ، ثبّتَهُ الله .. "
استفسَرَ الأبناء : " ماذا نفعل الآن ؟ أين نذهب؟ وكيف؟ هل ندفنه اليوم ؟ " ..
أجابوهم عن استفساراتهم ب " دقّة "
بل وزادوهم نُصحًا وإرشادًا أيضًا .
وقبل مُغادرتهم ، أوصوهم بقراءة " يس "
واطمأنّوا على استقرارهم حتى غادروا القسم ، ب سَكينة .
.. :: ..
عندها فهِمت : ( من عزّى مُصَابًا فلَهُ مِثلُ أجرِه )
وقتها وقتها فقط أدركت كيفَ أن لمُعزّيٍ أن يأخُذَ بمجرّد تعزيتِه مثل أجرِ الصابرين .
كانت " تعزيةً مُستَميتة " و تحويلا من حالٍ حال ..
عزّاهم ، فتغيّر لفظُهم واعتراضُهم إلى ذكرٍ لله واسترجاع ..
عزّاهم ، فتحوّلوا من اضطرابٍ إلى سكينة ..
عزّاهم ، حتّى تقلّبَ قلبُهم بإذن الله من سَخَطٍ إلى صبرٍ ، وبعدها إلى رضى ..
• •
|