ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي > مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~ يوجد هنا [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~ قراءة القرآن أدعية أذكار شريفة و أحاديث إسلامية


 
قديم   #6

[ حبينآ وأبتلينآ ] ~


رد: [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~


[ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~

حوار في السماء

يقول الله تبارك وتعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة : 29]
هذه الآية يستدل بها أهل العلم على أن كل ما في الأرض فيه الإباحة ،وانه مباح ، وهي قاعدة أصولية أخذوها من هذه الآية .
إن الله عز وجل قد احل الطيب المفيد وحرم الخبيث الضار ، وقوله تعالى:{خَلَقَ لَكُم} فلكم هنا للملكية أي : مباحا لكم وطيبا لكم ، ومهيئا لكم ؛ بشرط أن يكون هذا الشيء نافعا ومفيدا ، أما إذا كان ضارا فلا ، بل هو محرم .
وإنما ذكر الله هذه الآية ؛ كما قال أهل التفسير بعد قوله ، سبحانه وتعالى : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} (البقرة: من الآية28) ليذكر منته على الخلق سبحانه وتعالى .
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} (البقرة: من الآية29) .
جميعا :تعود إلى ما في الأرض .
وبعضهم يقول : تعود إلى الناس : لكم أيها الناس جميعا .
والأقرب : أنها تعود على ما في الأرض .
{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (البقرة: من الآية29) فسبحان الخالق ! ولكن نحن لا نتدبر ولا نتفكر ولا نعي .
يقول بعض أهل العمل : إن المساس يبطل الإحساس ، فمن كثرة تعودنا على رؤية السماء ، ورؤية القمر ، ورؤية الشمس ، ورؤية النجم ، أصبحنا لا نتدبر ولا نتفكر ، لكن إذا خرج مصنوع جديد صنعه الإنسان تفكرنا فيه وتدبرنا.
أعرابي يمشي في ليلة من الليالي ، ليلة مظلمة ، وفجأة طلع عليه القمر ، والقمر أزهى شيء عند العرب ، فدائما يشيدون به في أشعارهم ،ودائما يصفون الجمال بالقمر والبدر ، فنظر في القمر ، وقال : سبحان من سواك ! سبحان من رفعك ! إن قلت : جملك الله فقد جملك الله ، وإن قلت : رفعك الله فقد رفعك الله ،وإن قلت : بهاك الله وحسنك الله فقد حسنك الله ، والمقصود أن ما يعتاده الإنسان لا يأبه به دائما لطول العهد.
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } (البقرة: من الآية29) ربما يقول أحدكم : هذه تدل على استواء الله على العرش .
فأقول : هذه الآية لا تدل على ذلك ، بل غيرها يدل على ذلك بوضوح ؛ كقوله ،سبحانه وتعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه : 5] فهذه هي التي تدل على ذلك.
أما هذه الآية فقالوا : أي : قصد ، سبحانه وتعالى ؛ لأنه عدى ذلك بإلى.
وهنا سؤال يطرح بين طلبة العلم : هل خلق الله الأرض خبل خلق السماء ؟ أم العكس ؟ فهو سبحانه يقول : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ) فكأن الأرض خلقت قبل السماء .
لكن في آية أخرى يقول سبحانه وتعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت : 11] ، ويقول سبحانه وتعالى {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}النازعات : 30] ، وقبلها قوله : {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا } .
فان في هذه الآية : دلالة على أن الأرض خلقت بعد السماء.
وفي آية البقرة : دلالة على أن السماء خلقت قبل الأرض . فما هو الجواب لهذا التساؤل؟
قد أجاب عن هذا حبر الأمة ، وترجمان القران ابن عباس ، رضي الله عنهما : بان الله خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء ، ثم دحا الأرض ، سبحانه وتعالى ، فالأرض أخذت مدة يومين ، والسماء أربعة أيام ، فكلها ستة أيام .
قال : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }(البقرة: من الآية29) . هنا لم يذكر ، سبحانه وتعالى ، الأرض .
وذكر ، سبحانه وتعالى ، في القران {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[ الطلاق 12] يعني : سبع أراضين مثلهن ، ومما اكتشف ، كما سمعنا من كثير من الثقات الذين اعتنوا بعلم الهيئة والجيولوجيا ، أن الأرض سبع طبقات طبقة على طبقة ، وكل طبقة لها لون آخر ، ولها مزاج آخر ، ولها تكيف آخر ، ولها تضاريس تختلف عن الأخرى .
إما السماوات ؛ فهي سبع مرتفعة ، بين السماء والسماء مسيرة خمسمائة عام.
وبعض أهل العلم يقول : سماء من حديد ، وسماء من نحاس ، وسماء من فضة ، لكن ما علمت على هذا دليلا من المعصوم صلى الله عليه وسلم ، لكنها كواكب تدور فيها.
وقد رأى صلى الله عليه وسلم السماوات السبع ، وقابل فيها الملائكة والأنبياء السابقين ، كما في حديث الإسراء .
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكته *** والرسل في المسجد الأقصى على قدم
كنت الإمام لهم والجمع محتفل *** أعظم بمثلك من هاد ومؤتمم
لما خطرت به التفوا بسيدهم *** كالشهد بالدر أو كالجند بالعلم

حتى بلغت مكانا لا يطار له *** على جناح ولا يسعى على قدم
فبلغ صلى الله عليه وسلم منزلة علية .
قال ، سبحانه وتعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة 29] فبعد أن خلق الله الأرض أتى إلى السماء ، فسواهن سبع سماوات وخلقها بلا عمد ترونها .
يقول بعض أهل العلم : {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [ لقمان 10] .
لها عمد لكن لا ترونها ، ولكن الصحيح بلا عمد ، هكذا قائمة على قبة الفلك.
فانظر : هل ترى في خلق الرحمن من تفاوت ؟
فانظر : هل ترى فيها من فروج؟
فانظر : هل ترى فيها من عيب؟
لان الذي بناها هو الله ، ولو كان مخلوقا لرأيت النقص ولرأيت العيب.
ولذلك يقول بعض العلماء : لا يخلو عمل ابن آدم من نقص {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } [النساء : 82] .
أتى رسام هندي إلى ملك من ملوك الهند بلوحة ، قد رسم فيها سنبلة قمح ، ثم رسم على السنبلة عصفورة ، ثم عرضها للناظري ، فأعجبت المشاهدين فهل الملك من حسن الرسمة.
فأخذها هذا الملك وعرضها للناس ، وأعطى ذاك الرجل جائزة ، وقال للناس : من أراد منكم أن ينظر فلينظر.
فاجمع أهل الهند على أن لا عيب فيها .
فأتى رجل من غير الهند اعور ، فدخل عند الملك وقال : رأيت عيبا باللوحة!.
قالوا : ما هو العيب ؟
قال : العصفور إذا نزل على السنبلة تميل ولا تبقى مستقيمة ، وهذا لما رسمها جعلها مستقيمة!
قال الملك : صدقت وشطب على اللوحة ، واسترد الجائزة من الرسام !
قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: من الآية29) فيها قضايا :
أولها : أن هذا عام لا مخصص له ؛ فالله عليم بكل شيء .
وإذا قلت للإنسا : انك بكل شيء عليم ، فلا بد من مخصص ؛ لقوله تعالى : {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف : 76] .
ولكن من معتقد أهل السنة والجماعة : أن الله مع علمه بائن عن خلقه ، مستو على عرشه.
ومن زعم أن الله حال مع خلقه ، قد افترى على الله ، وكذب على الله .
بل الله ، عز وجل ، موصوف بصفات الكمال ، مستو على عرشه ، ينزل كل ليلة في ثلث الليل إلى سماء الدنيا ، فينادي فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيبه ؟ فإذا طلع الفجر عاد سبحانه عودة تليق بجلاله ، ونزولا يليق بجلاله ، لكن لا يغيب عنه شيء فهو يعلم السر وأخفى .
فما تناجى متناجيات إلا علم الله ما دار بينهما ، وما فكرت أنت فيه علم ما فكرت فيه ، وهو يعلم السر و أخفى.
قالوا : ما أخفى من السر ؟
قيل : الشيء الذي تريد أن تفكر به.
وقف صفوان بن أمية عند ميزاب الكعبة مع عمير بن وهب ، وهو يحاوره فقال : أتقتل محمداً؟
قال : اقتله ، لكن من لي بأطفالي وذريتي وزوجتي.
قال : اهلك أهلي ، وأطفالك أطفالي ، اذهب واقتله ، وأنا أكفيك أطفالك.
فذه وتسلح بسيفه ،ولكن غارة الله أقوى من عمير بن وهب.
يا غارة الله جدي السير مسرعة *** في سحق أعدائنا يا غارة الله
وصل إلى المدينة ، يحمل قلبا كله حقد ، وكله ضغينة ، وكله بغضاء ، يريد الانقضاض على سيد البشر ليقتله ، ليرتكب أعظم جريمة ، وأعظم لعنة في التاريخ ، فدخل المدينة ، رآه الرجل المسجد الملهم عمر بن الخطاب.
قد كنت اعدي اعدايها فصرت لها *** بفضل ربك حصنا من أعاديها
فانطلق إليه عمر ، وكان رجلا سديدا ملهما ، فأخذ بتلابيبه وأتى يجره حتى ادخله المسجد.
فرآه صلى الله عليه وسلم فقال : (( اتق الله يا عمير بن وهب ما لك ؟))
قال : يا رسول الله أتيت لأفك الاسارى اسارى بدر ، وأفك أصحابي من الاسارى.
قال : (( كذبت وإنما جلست أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة ، فقال لك : كيت وكيت ، وقلت له : كيت وكيت )).
قال : اشهد أن لا إله إلا الله ، واشهد انك رسول الله(9) ! {يَا أيها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[التحريم : 1] إلى قوله :{قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } [التحريم : 3] فقد آخره تعالى بما تبيته عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، له .
يا من يرى مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الاليل
ويرى نياط عروقها في جسمها *** والمخ في تلك العظام النحل

اغفر لعبد تاب من زلاته *** ما كان منه في الزمان الأول

فعلمه ، تعالى ، وسع المخلوقات ، وما علم الناس في علمه ، سبحانه وتعالى ، إلا كما يأخذ العصفور من البحر بمنقاره مرة واحدة.
ذهب موسى رضى الله عنه والخضر رضى الله عنه في رحلة بحرية ، فأتى عصفور فأخذ بمنقاره قطرة ماء .
فقال الخضر لموسى : يا موسى أتدري ما مقدار علمي وعلمك في علم الله ؟ قال : الله اعلم .
قال : كما أخذ هذا العصفور من هذا الماء(10) .
هذا علم المخلوق إلى علم الخالق ، سبحانه وتعالى .
قال سبحانه وتعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: من الآية30) الآن ابتدأت قصة أبينا المجهود التائب إلى الله ، ومن يشابه أباه فما ظلم!
فما معنى الخليفة ؟ قالوا : هو آدم .
والصحيح : أن الخليفة ، يعني : قوما يخلفون قوما ، وهذا الذي رجحه ابن كثير ؛ كما قال تعالى{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام 165] فبعضنا يخلف بعض قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وأمة بعد أمة .
قال الشاعر :
خف الوطء ما أظن أديم الأرض *** إلا من هذه الأجساد
صاح هذه قبورنا تملأ الرحب *** فأين القبور من عهد عاد


يقول : قبورنا ملأت الدنيا فكيف بالقبور التي سلفت وسلفت وسلفت ؟

وحكمة خلق الخليفة أن يسكن الأرض لمقاصد :
منها : أن يعمر الأرض كما قال تعالى : {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود :61] .
ومنها : أن يأتي من ذرتيه الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم والشهداء والعلماء والصائمون والمصلون .
ومنها : أن يبتليه ، سبحانه وتعالى .
كما قال:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان : 2].
ومنها : أن يظهر ، سبحانه وتعالى ، قدرته للعالمين ، لأنه لا يكون الملك ولله المثل الأعلى ملكا ، إلا إذا كانت له رعية يتصرف فيهم يقتل هذا ويعفو عن هذا ، ويعطي هذا ويولي هذا ويعزل هذا .
فالله أراد أن يظهر سلطانه في الأرض ، وحكمته البالغة وقدرته النافذة ، ويظهر رحمته وعقابه فأتى بآدم.
ومنها : انه أراد سبحانه وتعالى أن يظهر غفرانه ، ويظهر شديد عقابه ، فانه الغفور الرحيم شديد العقاب ، فكيف نعرف انه غفور رحيم إذا لم يغفر ؟
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ } (البقرة: من الآية30) هذا مجتمع من الملائكة الأطهار في السماء ، ومن حكمته سبحانه وتعالى انه لم يجعل في الأرض من الملائكة ، ولم يجعلهم من الجن ولا من الحيوانات ؛ لان الحيوان شهوة بلا عقل ، والملك عقل بلا شهوة ، والإنسان عقل وشهوة ، فإذا أطاع ارتقى إلى أفضل من الملائكة ، وإذا عصى انحدر تحت البهائم.
وذكر عن بعض المفسرين أن الملائكة قالت : يا رب ، لو أنزلتنا في الدنيا كنا حبسنا شهواتنا وما عصيناك أبدا .
فقال ، سبحانه وتعالى : ( إني اعلم ما لا تعلمون ).
فانزل الله ملكين ( هاروت وماروت ) وأعطاهم الشهوة مع العقل .
فلما نزلا في الأرض جلسا في المحكمة يحكمان بين الناس ، فأت امرأة جميلة ، فتنت هاروت وماروت ، فبقيت بهما حتى زنيا بها.
فخيرهم الله ، عز وجل بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة .
BrB

 
قديم   #7

[ حبينآ وأبتلينآ ] ~


رد: [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~


[ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~

قالوا : نريد عذاب الدنيا فنكسهما ، سبحانه وتعالى ، في بئر هاروت وماروت في العراق بأرجلهما .
والقصة ذكرها مجاهد بسند ضعيف كما في (( سير أعلام النبلاء )) ، وذكرها كثير من المفسرين (11) .
المقصود: أن الله علم انه لا يصلح للأرض إلا آدم وذرية آدم.
والقرطبي يذهب إلى أن إقامة الخليفة واجب بهذه الآية ، وفي استدلاله نظر ؛ لان الخليفة هنا هو الذي يخلف بعضهم بعضا .
{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية30) 0
كيف تعترض الملائكة على الله عز وجل ؟
كيف وقد قال ، تعالى عنهم في آية أخرى : {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم : 6 ].
والصحيح : أن هذا ليس اعتراضا ، وإنما أرادوا أن يظهر الله لهم الحكمة .
قم لماذا قالوا : ( يفسد فيها ) فما هو دليلهم على انه سوف يكون فساد؟
قال بعضهم : إن الجن عمرت الأرض فترة من الفترات ، فتقاتلوا وافسدوا في الأرض ، فظنت الملائكة أن آدم سيكون مثلهم ، ذكر هذا ابن كثير وغيره.
والإفساد يكون بالمعاصي والظلم والمنكرات.
{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ} فكأنهم يقولون : نحن أولى منهم فنحن أهل التسبيح والتقديس.
قال سبحانه وتعالى : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ أي : اعلم حكمة لا تعلمونها ، واعلم سرا لا تدركونه ، واعلم مقصدا لا تصلون إليه .
قال أهل العلم : مما علمه ، سبحانه ، من هذا انه سوف يكون من ذرية آدم : رسل ، وأنبياء ، وشهداء ، وعلماء ، ودعاة ، وصالحون ، كإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ومحمد ، عليهم الصلاة والسلام ، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي ومعاذ وزيد بن ثابت ، ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد ، وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ، وأمثالهم كثير .
قال تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأسماءَ كُلَّهَا } (البقرة: من الآية31) أراد الله ، سبحانه وتعالى ، أن يجعل خصيصة لآدم ، فعلمه الأسماء كلها : أسماء البشر والحيوانات والمخلوقات .
قال ابن عباس : علمه اسم كل شيء : البقرة والحمار والفرس ، فهذا الجبل اسمه جبل، وهذه سارية ، وهذا مسجد ، وهذه شجرة ،وهذه زهرة ، وهذا ماء ، وهذا رجل ، وهذا طير ، وهذه دابة إلى غير ذلك من الأسماء .
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( أن موسى عليه السلام التقى بآدم فقال له: يا آدم أنت أبونا خلقك الله بيده ،و أسكنك جنته ، وعلمك أسماء كل شيء ))(12).
لأن الخليفة والمسؤول لا بد أن يكون على علم وبصيرة ،ولذلك لما اختار الله لنبي إسرائيل طالوت قالوا : كيف يكون علينا ملكا ، ولم يؤت سعة من المال ؟
قال الله : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة 247] في العلم عالم ، وفي الجسم كذلك طويل يصلح للملك .
والحسن من كرم الوجود وخيره *** ما أوتي القواد والزعماء
{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} (البقرة: من الآية31) أتى سبحانه وتعالى بالحيوانات والحشرات والدواب والعجماوات ، وقال للملائكة : ما أسماء هؤلاء ؟
فسكتوا ، ثم قالوا : لا ندري ، اله اعلم ، { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأسماءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: من الآية31) أي : صادقين في إنكم أولى بالخلافة في الأرض ، وسكون الأرض من آدم .
أو إنكم اعلم من آدم .
{قَالُوا سُبْحَانَكَ}(البقرة: من الآية32) ما أحسن الرد، (سُبْحَانَكَ) تنزيه له تعالى عن النقص.
{لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} (البقرة: من الآية32) فهذا أدب طالب العلم أن يقول : لا علم لنا إلا ما علمنا الله ، والله اعلم ، ولا يتسرب بالفتيا ، ولا يفتي بجهل ؛ لأنهم سو يخطئ ، ويصيبه من الخذلان والحرمان ما الله به عليم ، وينطفئ نوره ، ويأخذ ذمم وحج الناس على كتفه ، ويكون جسرا إلى جهنم للناس .
ولذلك كان الصحابة من اشد الناس حذرا من الفتيا ، فكانوا يتدافعون الفتيا .
ويقولون : كان يتغير وجه الواحد منهم إذا سئل عن مسالة يخاف أن يغلط فيها .
قال علي ، رضي الله عنه : ما أردها على صدري إذا سئت عن مسالة لا اعرفها ، فقلت : لا ادري .
قالوا : نضرب لك أكباد الإبل من العراق ، وتقول : لا ادري .
قال : اذهبوا إلى الناس ،وقولوا لهم : مالكا لا يعرف شيئا ! {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة:32) فعلم بلا حكمة اضطراب ، وحكمة بلا علم جهل ، والإنسان يجمع في اصله بين صفتين : ظلوما جهولا .
قال ابن تيمية : ظلوما : يحكم بلا عدل ،وجهولا : يحكم بلا علم .
ولذلك يشترط في الحاكم أن يكون عالما عادلا ، وهما صفتان جميلتان جليلتان .
{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأسمائِهِمْ } (البقرة: من الآية33) أي : بأسماء هؤلاء المخلوقات ،{ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (البقرة: من الآية33)
فالباطن لا يعلمه إلا الله ، أما الظاهر فيعلمه الناس {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخرة هُمْ غَافِلُونَ } [الروم : 7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخرة بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ }[النمل : 66] .
وفي هذه الآية : شرف العلم ، وانه من أعظم المطالب في الحياة ، وان من جلس في حلقة العلم عند أهل العلم جميعا هو أفضل ممن تنفل ، ومن يصلي ومن يقرأ القرآن وحده .
وأن من طلب مسالة ليعمل بها ، ويرفع الجهل عن نفسه فهو أحسن من أن يركع سبعين ركعة.
واللم له وسائل ، فلا يكفي القراءة وحدها ، ولا يكفي الجلوس عند العلماء ، ولا يكفي حضور الدروس والمحاضرات ، بل تجمع الجميع : التدبر والحفظ والجلوس مع العلماء ، ولو كانوا اقل منك علما وبصيرة ، فإن الله يمنحك بالجلوس في مجالس الذكر والعبادة فتحا عظيما ، حتى يقول معاذ في سكرات الموت : ما كنت أحب الحياة إلا لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر .
وكان معاذ يجلس في حلقة بعض الناس الذين هم اصغر منه علما واقل فقها ؛ ليفتح الله عليه من المعارف.
فعلى المسلم أن يحرص على طلب العلم ، وان يقوي علمه ومطالعته ، وان يكون عنده وسائل عديدة في العلم .



الغريق

قال سبحانه وتعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وأنتمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وأنتمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)} [البقرة] .
لا زال الحديث مع بني إسرائيل ، ولا زال الخطاب لبني إسرائيل ، حيث يحدثهم الله بنعمه عليهم فيناديهم قائلا :
أما نجيناكم من آل فرعون ؟
أما واعدنا موسى وأعطيناه التوراة لمصلحتكم ؟
أما عفونا عنكم ؟
أما فرقنا بكم البحر ؟
أما فعلنا وفعلنا ؟
فلماذا هذه الجرائم ؟ ولماذا هذه العظائم ؟
فهي - ولله المثل الأعلى – كأن تؤدب ابنك ، فتقول : أما علمتك ؟ أما بنيت لك بيتا ؟ أما اشتريت لك سيارة ؟
وفي هذه دروس أولها :
مجمل القصة أن موسى ، عليه السلام ، يقاتل قتالا بريا وبحريا ، وصراعا ميدانيا وعلميا ، يرسله الله أي فرعون في ديوانه ، وفي إيوانه ، وفي قصره،ويجعل معه أخاه هارون ؛ لأنهم أفصح منه لسانا ،وهو لا شك أفضل من أخيه .
وقال بعض المؤرخين بأن هارون أكبر منه بسنة ، ولكن الله اصطفاه دونه .
فقال له : {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} ، فقال : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)} لأنهم أمر صعب وتكليف لا يحتمله .
تخيل انك راعي غنم ،ومعك عصا تهش بها على غنمك ، ثم تكلف بالدخول على طاغية من طغاة الدنيا ، هو فرعون حاكم مصر ، وحرسه كما قال أهل العلم : ستة وثلاثون ألفاً ، منتشرون في كل مكان ،بجوار القصر وخارجه وداخله.
قال : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} ما أحسن الدعاء ! الله هو الذي ألهمه أن يدعو بهذا الدعاء ، {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)} يا رب أنت تعلم أن لساني يتلعثم فحله لي .
قال الحسن البصري : رحم الله موسى ، ما سأل إلا أن تحل عقدة واحدة من لسانه .
وسبب طلبه من الله أن يحلل هذه العقدة ؛ كما قال موسى : {يَفْقَهُوا قَوْلِي} ليفهموا قوله ويفقهوه ، ولم يقل : اجعلني أعظم خطيب في مصر ، ولا أفضل متحدث في مصر ، ولكن {يَفْقَهُوا قَوْلِي} فقط لأبلغ الرسالة.
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29)} يساعدني ، ويكون من أهلي ؛ لأنهم لو كان من غير أهلي ربما كان حاقدا أو حاسدا .
ثم عينه باسمه ؛ لان أهله كثيرون ، كبار وصغار وأبناء عمومة وأقارب فقال : {هَارُونَ أَخِي(30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35)}.
فجاء الجواب مباشرة (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)) لم يقل سؤالاتك ، لأنها سؤال واحد في علم الله {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أراد شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }[يس : 82 ]
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)} فبدأ اله من هذه الآية يذكره بشريط حياته ، وبتلك النعم التي أسداها له في الماضي لعله يتذكرها ولا ينساها ، فيشكر ولا يكفر .
لما ذهبا واصبحا في عرض الطريق أوصاهما الله بأدب الدعوة ، فقال : {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} انتبهوا من الخبيث لينوا في الخطاب ، وعليكم بالأسلوب السهل ، والله يعلم في علم الغيب أن فرعون لا يؤمن فهو من أهل النار .
لماذا؟ {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال:23] فيقول موسى وهو في الطريق وفرائصه ترتعد ، فهناك أمامه سيوف ورماح وخناجر ، وجيش وأسطول ، وفرعون وهامان وقارون ،فقال هو وأخوه : {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} (طه:45) أي : أن يستعجل بالعقوبة أو أن يطغى في الحكم.
قال الله – وما احسن العبارة - : { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه: من الآية46) .
لا إله إلا الله ! انتم في الإيوان ،وعلمي معكم .
أنتم في الصحراء ، وأنا معكم بعلمي وإحاطتي .
أنتم في البحر وأنا معكم بعلمي {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة 7] الله معكم بعلمه و إحاطته وشهوده.
ألزم يديك بحبل الله معتصما *** فانه الركن إن خانتك أركان

ثم كان اللقاء التاريخي المشهود بين فرعون رئيس الضلالة ، وبين موسى كليم الله ، فكان ما كان من إظهار الحجة أمامه ، ومشاهدته لمعجزة العصا واليد .
فكر وقدر ، فاختار المبارزة في الميدان أمام الجموع الهائلة والحشود الضخمة ، لتكون النهاية الفاصلة : إما الهزيمة ، وإما الظهور في الأرض .
فتواعدا ضحى يوم الزينة ،وهو يوم العيد الأكبر عندهم .
فجاء السحرة من كل مكان تلبية لسلطان الزمان ، وربهم الأعلى فرعون ، واصطفوا متهيئين للانقضاض بسحرهم على عصا موسى ؛ التي سمعوا بها ، وما رأوها ، وظنوها كحبالهم التي معهم .
فاختار موسى أن يلقوا هم بالأول لكي تكون الخاتمة له ، وهذا من حكمته أن يجعلهم يخرجوا ما في كيدهم ،وآخر ما عندهم من حيل ومغالطات.
ثم يأتي هو فيقصم ظهرهم بعد أن عرف منتهاهم .
فألقوا حبالهم ، فكانت تتراقص كالحيات ، وهذا أقصى ما لديهم أن يجعلوا الحبال تتراقص ويسحروا أعين الناس بها .
فألقى موسى عصاه بعد أن داخله شيء من خوف طبيعي ينتاب البشر لما رأى حياتهم الكثيرة .
فقال له تعالى : {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (طه: من الآية68) الأعلى مكانة ، والأعلى حجة وغلبة .
فألقى العصا ، فأخذت تلتقم سحرهم وحبالهم واحدة تلو الأخرى ، فدهش السحرة ؛ لأنهم لم يروا في حياتهم منظرا كهذا ، قد خبروا السحر وعلموه ، ولكنهم في حياتهم كلها التي ضاعت بين تلكم الخزعبلات لم يشاهدوا كمثل هذا اليوم .
فعلموا انه ليس بسحر ، وإنما معجزة من رب الأرباب .
فخروا سجدا لله رب هارون وموسى.
فكانت النهاية الأليمة لفرعون وحزبه ، عندما انهارت على رؤوسهم الحيل والتدابير .
فلما سقط الخيار الجدلي ، كان لا بد عند فرعون أن يختار الفصل والحسم العسكري ، أمر بمطاردة موسى وقومه بعد أن تشاور مع وزرائه ، فأتوه بذلك لكي لا يكسب مزيدا من الناس حوله .
فخرج فرعون بجيش قوامه كما يقال ألف ألف ، وأما موسى فلم يكن معه إلا بني إسرائيل من الأطفال والنساء وقليل من الرجال ، ولكن الله معه.
فلما بلغ موسى وقومه البحر رأوا عجاجة في السماء ، فالتفتوا فإذا فرعون وجيشه ، وقد اقتربوا منهم ، فجزعوا وهلعوا من الموقف ، فالبحر أمامهم ، وفرعون وجنوده من خلفهم .. فأين المفر .
أما موسى فقد علمه الله طيلة تلك السنين انه ناصره في كل موقف .
فأصبح هذا عنده عقدية ويقينا فقال : {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} أي : لن يضيعني في آخر الجولة بعد أن كان معي سابقاً.
فاقترب موسى من البحر وضربه بعصاه انفلق ، وأصبح كالجبل العظيم ، وحسر عن القاع وبنو إسرائيل ينظرون مبهوتين دهشين من هذا المنظر .
فأمرهم موسى بالدخول في البحر والمضي ، بعد أن جعله الله طريقا يابسا ، فسلكوه وهم لا زالوا في عجبهم .
وأما فرعون فانه اقترب من البحر ولم يعثر على موسى وقومه ، وإنما شاهد هذا المنظر الغريب الذي يشاهده لأول مرة ، فتقهقر في البداية .
وفي هذا الموضع يورد المفسرون بعض الأخبار الإسرائيلية التي لا باس بالاستئناس بها؛ لأنها لا تعارض نصا عندنا ، وإنما هي من جملة الأخبار .
قالوا : إن فرس فرعون رأى بغلة في البحر ، قيل : بغلة كان يركبها جبريل فأرادها ، لأن الفرس يهيج عند رؤية البغلة ، فاقتحم بفرعون البحر ، فتبعه الجنود لأنه قائدهم ، فلما اكتملوا في وسط البحر أنصك عليهم واضطرب ، فقتلوا جميعا جزاء نكالاً.
فقال فرعون في اللحظات الأخيرة : {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس :90] .
ولكن لم ينفعه ذلك {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)}[يونس 91] فلفظه البحر جثة ميتة ليراها من خلفه ، ويعلموا انه رجل حقير لا يستحق أن يجعل ملكا ، فضلا عن أن يجعل ربا ألهاً .
فقال تعالى مذكرا بني إسرائيل بهذه النعمة العظيمة عندما اهلك عدوهم الطاغية فرعون وآله وجنوده {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة : 49] .
والنجاة معنوية وحسية :
فالحسية أن تنجو من العذاب ، ومن السجن ، ومن المرض.
وأما المعنوية فان تنجو من الفسق ، ومن المعصية ، ومن المعتقدات الباطلة.
يقول حسان ن رضي الله عنه ، في هجو الحارث بن هشام ، الذي كان من سادات قريش:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني *** فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم *** ونجا بفضل طمرة ولجام

أي : انه فر يوم بدر على خيل له ، وترك أهل بدر من المشركين يقتلهم المسلمون ، فلم يدافع عنهم .
وقال معاوية ،رضي الله عنه :
نجوت وقد بل المرادي سيفه *** من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

أي :أن الله نجاني يوم مقتل علي ، رضي الله عنه ؛ لأن الخوارج كان في مخطهم أن يقتلوا عليا ومعاوية وعمرو بن العاص ، رضي الله عنهم جميعا ، ولكنهم لم يستطيعوا إلا قتل علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، لحكمة قدرها الله .
فقال معاوية هذا .
قوله :{ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ} [ يعني: تلقون منهم شدة ومشقة وعنتا ، وهو اشد العذاب لا اقله .
يقول عمرو بن كلثوم في (( معلقته ):
إذا ما الملك سام الناس خسفا *** أبينا أن نقر الخسف فينا

يقول هذا عندما ذهب هو وأمه إلى عمرو بن هند ، فقال أم عمرو بن كلثوم لأم عمرو بن هند : ناوليني هذا الطبق ، تريد إذلالها .
فرفضت ، فضربتها كفا على وجهها ،فصاحت تنادي ولدها وتولول ، فقام ابنها وقتل عمرو بن هند ،وقال معلقته في تلك الساعة .
فكان الإسرائيليون خدما عند أهل مصر في ذلك الزمان ، يقومون بالأعمال الحقيرة عندهم ؛ من كنس وطبخ وتحضير للطعام وهكذا .
{يذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ } (البقرة: من الآية49) أي : بعد أن علم فرعون بواسطة السحرة ، انه سيقتل في مصر على يد طفل ذر لبني إسرائيل يولد بعد ذاك الزمان .
فأخذ لغبائه يقتل كل ولد يولد لبني إسرائيل ، ولكن الله تعالى بإرادته غلب إرادة هذا السفيه ، فجعل الله موسى يتربى في قصر فرعون إذلالا له وتحقيرا .
{ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} (البقرة: من الآية49) ، أي : نقمة شديدة حلت بكم ، فلا تنسوها ولا تنسوا نعمة الله إذ نجاكم منها.
ولكنهم نسوا واعرضوا ، فلا زالوا في سخط من الله إلى اليوم
وفي هذا الدرس دروس وعبر :
أولها : أن اعتصامنا بلا اله إلا الله ، فلا اله إلا الله من اجلها الكتب نزلت ،ومن اجلها الرسل أرسلت ، ومن اجلها الدنيا دمرت خمس مرات ، ومن اجلها أقيمت المعالم ، وبثت .

الأجيال ،وبذلت الأموال ، ورفعت السيف ، فلا اله إلا الله لا بد أن تسيطر على كل واحد منا ، على الملك ، على الأمير، على الوزير ، على العالم ، على القاضي ، على المسؤول ، لا بد أن يعتقد في ضميره أن لا إله إلا الله على الصحفي يوم يكتب ، على الشاعر ، يوم ينظر ، على الأديب يوم يتوج أن يكون عبدا لله ، وإذا لم يفعل ذلك فسوف يكون من أعداء الله ومن المحادين لله .
والقضية الثانية : أن الدين يكون بالصلاة ، ولا صلاة إلا بدين ، ولا دين بغير صلاة.
والقضية الثالث : أنا إذا لم نجعل في أذهاننا الإيمان باليوم الآخر ، فوالله لا نعيش في سلام ولا أمن ، ولا في استقرار ولا في طمأنينة ، لأن الذين نسوا اليوم الآخر تقاتلوا ودمروا بعضهم ، وأطلقوا صواريخهم وقتلوا الآمنين والنساء والأطفال ودمروا البيوت ، لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر .
والقضية الرابعة: أن الله ، عز وجل ، ينصر أولياءه ، ولو ظهروا على الساحة انهم مهزومون ، أو انهم قليلون ، أو انهم مضطهدون ، فالنصر معهم والعاقبة لهم .
والقضية الخامسة : أن الله ، عز وجل ، يطلب من العبد أن يحفظ النعم والأيادي ، وان يتذكر المعروف ، وان يتذكر الجميل .
والقضية السادسة : أن على الداعية أن يعرف مداخل القلوب ، وان لا يكون عنيفا في أسلوبه مجرحا للشعور منتهكا للقيم.
دخل أحد الأعراب على هارون الرشيد ، الخليفة العباسي الكبير ، فقال الأعرابي : يا هارون .
قال : نعم .
قال : إن عندي كلاما شديدا قاسيا فاسمع له
قال : والله لا اسمع له .
قال : ولم
قال : لان الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني ، قال :
{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) }.

فأسلوب الأدب ومراعاة الشعور ، و إقامة حقوق الناس مطلوبة في الدعوة ليصل الداعية إلى القلوب .
والقضية السابعة : أن لا خوف على المسلم ، فالنفوس بيد الله ، والأرزاق في خزائن الله ، فهو الذي يحي ويميت ، وهو الذي يغني ويعدم ،وبيده مقاليد الأمور سبحانه وتعالى .
هذا درس من دروس التوحيد ؛ لأن أغلبية سور القران دائما تحلق بنا مع موسى ، ولا تكاد تقرا سورة في الغالب إلا وتسمع {وَلَقَدْ أرسلنَا مُوسَى}[هود 96] فسلام على موسى في الأولين ، وسلام عليه في الآخرين ، وشكر الله سعيه يوم رفع لا إله إلا الله .
وأما فرعون ، وآل فرعون ، حالهم كما ذكر المولى ، عز وجل : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر : 46] .

BrB

 
قديم   #8

[ حبينآ وأبتلينآ ] ~


رد: [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~


[ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~

المناظرة

يقول تعالى : { وَإِذْ قَالَ إبراهيم لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام : 74 ] إمام التوحيد يريد أن يثبت التوحد أولا ، وهو قد أثبته في نسه قبل أن يثبته لأبيه ثم يثبته للناس .
إمام التوحيد يعيش صراعا رهيبا في نفسه ، حتى يعلم أن لا إله إلا الله .
والله ، إذا أراد أن يرسل رسولا من الرسل ابتلاه بالمصائب والأزمات ، حتى يعلم أن لا إله إلا الله ، ولا نافع إلا الله ، ولا ضار إلا الله ، ولا محي ولا مميت إلا الله .
مكث صلى الله عليه وسلم يذوق التوحيد ، ويتجرع التوحيد من صغره ، فلما بلغ الأربعين انزل الله عليه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد : 19] .
يقول أهل التفسير : خرج إبراهيم ، عليه السلام ، إلى البحر وجد جيفة حيوان قد ألقيت على الشاطئ ، فأت الذئاب والوحوش والكلاب والطيور تفترسها.
فوقف متأملا وقال : سبحان الله ، أيعيد هذه الله بعد أن تأكلها الطيور والوحوش؟
ثم التفت ورفع يديه وقال : {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة : 260] .
هل شك في القدرة ؟ وقدرة الواحد الأحد ثابتة وهو يعرف ذلك ، وهو الذي علم الناس بان الله قدير ،وهو الذي أتى بهذا العلم( علم التوحيد الخالص ).
عند البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(( نحن أحق بالشك من إبراهيم )) (13).
ولأهل العلم معنيان في هذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم :
1- المعنى الأول : لو كان إبراهيم يشك ، لكنا نحن أكثر منه شكا ؛ لأنهم ارفع منا إيمانا .
2- والمعنى الآخر : انه لا يسلم من الشك أحد حتى نحن ؛ لأن إبراهيم وهو أفضلنا قد انتابه شيء منه ، والأول اصح وأولى .
قال : {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة : 260] بعد أن أصبحت في بطون الوحوش والطيور والعجماوات والكلاب والزواحف .
قال الله ، عز وجل : { أولم تؤمن } ؟
أفيك شك من لا إله إلا الله ؟ ومن قدرة القدير ؟ وقدرة الواحد الأحد ؟ الذي يقول فيها الإمام مالك : تعدد الأصوات والنغمات واختلاف اللغات يدل على قدرة الله .
وقيل لأحدهم : ما دليل القدرة ؟
قال : نقض العزائم .
أي : انك تعزم على أمر ، ثم ينق عزيمتك . مثلا : تصمم على السفر ثم يلقى سفرك لسبب أو لآخر.
يقول أبو العلاء المعري ، وهو من أحسن أبياته – ولو أن له أبياتا قبيحة -:
تقضون والفلك المسير ضاحكا *** وتقدرون فتضحك الأقدار
يقول : انتم في الأرض خفافيش تقدرون ، وتوقعون ، ويأتي الله فيلغي تقديراتكم ويفنيها {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }[الأنعام : 62 ] {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام : 115].
قال ابن كثير : صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأحكام
وهذا التعريف من الدر ، وهذا هو الإكسير والمعنى القليل .
(قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)
يعني : أريد أن يطمئن القلب ، وهو دليل على أن درجة الإحسان أعلى من درجة الإيمان ، وان من رأى الشيء كان أكثر يقينا ممن سمع به .
يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به *** في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

وهذا مثل ما يذكر أن علي بن أبي طالب قال : والله ، لو كشف لي الله الغطاء، فرأيت الجنة والنار ، ما زاد ما عندي من إيمان مثقال ذرة . يعني : انه بلغ درجة اليقين .
يقول حافظ الحكمي عنه :
هو رسوخ القلب في الإيمان *** حتى يكون الغيب كالعيان
ما دام بان هناك جنة ، فقد صدقوا بذلك وأيقنوا ، وهذا كحال الصحابة الذي يقول أحدهم في معركة أحد : ( إياك عني يا سعد ، والذي نفسي بيده أني لأجد ريح الجنة من دون أحد ).
هذا هو اليقين ، لا علم الدكتوراه التي جعلت الإنسان في القران الخامس عشر لا يعرف يصلي جماعة في المسجد ، ثم يقول : هذا هو العلم !! {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخرة هُمْ غَافِلُونَ } [الروم : 7] .
قال : ( ولكن ليطمئن قلبي ) فقال له الله : {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إليك} (البقرة: من الآية260) وسبق أن قلت : لا يهمنا استطرادات المفسرين في ذكر نوع الطيور ، هي بط أو حمام أو إوز ؟ إنما هو طير ، ولو كان هناك مصلحة ، لكان سمي لنا الطير .
{فَصُرْهُنَّ} قيل : قطعهن ، فقطعها إبراهيم وخلطها ونثرها على أربعة جبال ونزل في وسط الوادي .
قال :{ ثم ادعهن } {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} (البقرة: من الآية260) فنزل فدعاهن ، وأحياها الله ورد الأرواح فيها ، فكان إبراهيم يقدم الرأس للطائر لا يقبله ؛ لأنه ليس رأسه ، ويقدم الرجل للطائر فلا يقبلها ؛ لأنه ليست رجله.
ثم قال : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: من الآية260) .
لماذا قال الله قبلها في قصة صاحب الحمار : {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: من الآية259) ، وهنا قال : ( عزيز حكيم ).
قال أهل العلم : لأن إبراهيم هو أستاذ التوحيد وصاحب العقيدة ، وهو لا يصل إلى أن لا يعلم أن الله على كل شيء قدير ، ولكنه بعد القصة ازداد علما بعزة الله وحكمة الله فقيل له : {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة :260] .
فذهب إبراهيم إلى أبيه ، وهو أول ما يدعو أباه .
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ } (الأنعام: من الآية74) قيل : انه ليس بأبي بالنسب ، والصحيح انه أبوه بالنسب .
قال : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً} (الأنعام: من الآية74) هذه القضية الكبرى .
إن من مبادئ الجدل : انك إذا أردت أن تهدم شيئا أن تورث الشك في نفس من تجادل.
فإذا أردت أن تجادل معتنقي النصرانية مثلا ، فتقو لهم : هل الله ثالث ثلاثة ؟ هل يعقل أن الواحد ثلاثة ؟ تعالوا بنا إلى الحساب ، هل سمعتم أن الواحد يصبح ثلاثة ؟ من هنا نهدم عقائدهم .
قال : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً} أتخذ الحجارة آلهة ؟ فهل هي تسمع أو تعقل أو ترى ؟
{ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
نعم ! يطلب من الداعية أن يكون حكيما ولا يواجه بعنف ، لكن إبراهيم هنا استخدم الأسلوب المناسب للموقف المناسب ، وهذا لا ينافي الحكمة ، فان الله لما أرسل موسى وهارون قال :{ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } مع العلم أن موسى يقول لفرعون :{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً } [الإسراء : 102] ، لأنه سمع اليقين والعلم والخبر ولكنه تكبر ، فاستدعى ذلك الإغلاظ معه.
كحال إبراهيم ، عليه السلام ، هنا.
{وَكَذَلِكَ نُرِي إبراهيم مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام : 75]
ما الذي يدل على الله ؟ الشجر والزهرة والغدير والسماء والأرض .
وفي كل شيء له آية *** تدل على انه واحد
كلها تشير على الوحدانية {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[يونس : 101] الرابية : الهضبة ، والتل والماء كلها تدل على الله .
يقول علماء الكلام : لا بد قبل أن تقول اشهد أن لا إله إلا الله ، واشهد أن محمدا رسول الله ، فانه عليك أن تتفكر بالنظر والاستدلال حتى تشهد .
وهذا خطأ عند علماء السنة ، ونبه عليه الشيخ عبد العزيز بن باز ، رحمه الله ، في تعليقه على (( فتح الباري )) وقال : لا ، بل الواجب أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتشهد أن محمدا رسول الله ، لا النظر والاستدلال .
قال صلى الله عليه وسلم (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ))(14).
وقال سبحانه : {وَكَذَلِكَ نُرِي إبراهيم مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهذا دأب الأنبياء ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ما كان يقرأ ، ولا يكتب ، لكنه كان يقرأ في الكون وفي كتاب الكون ، وقيل في قوله تعالى : {اقْرَأْ} وهي أول سورة نزلت عليه ، أي : اقرأ في الكون.
ولذلك يكثر القران من التذكير بآيات الله في الآفاق وفي الأرض {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} [الغاشية]
( وليكون من الموقنين ) هذه درجة الرسوخ واليقين .
واليقين له شروط:
منها : أن تتدبر آيات الكون .
ومنها : أن تكثر من العبادة ،وهو طريق أهل السنة ؛ لان المناطقة لم يكونوا متعبدين ، بل كان يهم فجور .
والمعتزلة من افجر الناس ، حتى أن بعضهم كان ممن يشرب الخمر .
قال : {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً}.
جن معناها : ستر ، وإنما سمي الجن جنا ؛ لأنهم يسترون .
وقال عمر بن أبي ربيعة:
وكان مجني دون ما كنت اتقي *** ثلاث شخوص كأعيان ومعصر

قال : {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً} هذا أسلوب القران وهذا إبداع القران ، من يستطيع أن يصوغ مثل هذا الكلام ؟
الله وحده جل جلاله .
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً} فلا تظهر الكواكب إلا في الليل ، وإبراهيم أراد أن يجري الحوار أمام الناس ، وهو يدري أن الله هو الواحد الأحد ، وهو النافع الضار ، كان يريد أن يلفت أنظارهم إلى أن هذه الكواكب لا تنفع ولا تضر ولا تدبر أمرا هي لا تستحق العبادة.
{هَذَا رَبِّي} يقول إبراهيم : الكوكب ربي ، فسمعه قومه سكتوا ما أنكروا ، لأن أمته كانت تعبد الكواكب ، وتعبد الشجر والحجر ، وتعبد صبرة التمر .
{فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} أفل : أي : غاب .
لماذا قال هذا ؟ لأنه يريد أن يثبت لهم أن الله حي لا يموت {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] وهذا سر الأسرار ، بان الحي الذي لا يموت هو الله .
أما غيره أحياء يموتون.
{فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} فكأن قومه وافقوه وسكتوا ، فما دام إبراهيم لا يحب الآفلين فقد أصاب إبراهيم .
{فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام] هذا في الليلة الثانية .
{فَلَمَّا أَفَلَ} قال : وهذا أيضا لا يصلح للعبادة ؛ لأنه يختفي فلا يراقب عباده .
{قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} .
{فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكبر} لأنه يبحث عن الكبير ، ولذلك من صفات الواحد الأحد انه الأكبر .
وكانت العرب تأخذ أكبر الحجارة لعبادتها!
{فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} .
أخيرا قال : هذه كلها خزعبلات ؛ لأن قومه يعبدون الكوكب والشمس والقمر ، فلما أفلت جميعها صرف نفسه عن هذا وقال : {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} الحنيف : المائل من الشرك إلى التوحيد.
وهذا هو الذي أتى به صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحب كل الأنبياء والرسل ،كان يحب إبراهيم حبا خاص {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ } [آل عمران : 68] .
ويقول في حديث الإسراء : (( ورأيت إبراهيم عليه السلام وكان أشبه الناس به صاحبكم ))(15) أي : هو صلى الله عليه وسلم .
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} الآن بدأت المناظرة .
{قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} يقول : أنا اهتديت والحمد لله ، ولكنكم تريدون أن تزيلوني عن هذا المعتقد الحق ، وهذا من الخبث بأنهم لم يكتفوا بضلالهم ، بل يريدون أن يضلوه معهم كشأن بعض الناس الذين يريدون غواية الصالحين.
{وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} سبحان الله !.
بعض أهل العلم له تعليق على هذه الآية ؛ بأن إبراهيم يعلم أن الله لو شاء لجعله مثلهم ،ولم يهده إلى التوحيد ،ولكنه عصمه سبحانه وتعالى.
معنى ذلك : أن العبد مفتقر إلى الله مهما بلغ في الهداية .
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحد أبدا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور :21] .
والله ، سبحانه وتعالى ، إنما عصم الرسول صلى الله عليه وسلم من القتل بآية في سورة المائدة هي: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة : 67] فهو العاصم سبحانه من كل شيء .
ثم قال إبراهيم :{ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} (الأنعام: من الآية80).
و أهل السنة والجماعة يقولون : ( يعلم الله ) ، ولا يقولون ( يعرف ) ؛ لأنه ليس من الألفاظ الشرعية أن تقول : ( عرف الله هذه المسالة ) مثلا ، بل تقول : ( علم الله هذه المسالة ؛ لان العرفان يسبقه جهل ، فهو علم نسبي مؤقت ،أما علم الله هو مطلق لا محدود.
وقد علم الله الغيب واختص به سبحانه دون غيره فقال {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل : 65] .
وقد جاء في السنة والآثار عدة حوادث تبين سعة علمه تبارك وتعالى ، وقد مر بنا بعضها في دروس سابقة ، كقصة عمير بن وهب الذي اجتمع مع صفوان بن أمية عند البيت يخطان لاغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ، أخبر الله رسوله بمخطهم ، فلما جاء عمير في المدينة اخبره صلى الله عليه وسلم بما تم بينهما وهما في مكة وهو في المدينة فأسلم عمير رضي الله عنه .
وهكذا في قصة خولة بنت ثعلبة التي اشتكت زوجها ، فان عائشة كانت في طرف البيت ، لكنها لم تعلم حرفا مما كانت تقوله المشتكية للرسول صلى الله عليه وسلم ، فانزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة : 1] .
قال إبراهيم : {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} [الأنعام : 81] أي : أن المؤمن لا يخاف هذه الخرافات الوثنية في كل زمان ومكان .
قيل للإما احمد : أيخاف المؤمن ؟
قال : لو اخلص لما خاف .
ولذلك لم نسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر في معركة ما -وحاشاه ذلك- ؛ لأنه أعظم المخلصين والموحدين.
يقول علي : كنا إذا اشتدت الحرب وحمي الوطيس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال إبراهيم : {وَلا تَخَافُونَ إنكم أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنعام: 81 ] . أي : إنكم انتم أولى بالخوف مني ، لأني أنا موحد وأنتم مشركون .


 
قديم   #9

احلام شاعرة


رد: [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~


[ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~

جزاك الله خير

 
قديم   #10

[ حبينآ وأبتلينآ ] ~


رد: [ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~


[ شًخْصِيآتِ مِنْ آلقُرآنَ الِكرًيمْ ] ~

ولكِ بالمثل آن شآء الرحمن !
مشكوره حبيبتي على آلرد آلرآئع :)

 

أدوات الموضوع



الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 07:18 PM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0