رد: انتبهي لا تفوتك قصه انتي بطلتها .
انتبهي لا تفوتك قصه انتي بطلتها .
كانت رغباتي أوامر في ذيك الساعة، ركضت أمي وردّته من عند الباب، ما كنت أبي أشوفه، كنت متأكدة إني ما راح أتحمل شوفته هو بالذات، حسّيت إنه بيذكرني بأيام الرخاء وأنا ألحين في شدة. وينكم يا أهلي؟!! بس ما أبي غيركم. ما بكيت ولا نزلت مني ولا دمعة، وكأن الخبر كان فوق مستوى البكاء، بالعكس تحمست وقلت:
- يا الله أبطلع.
أكملت إجراءات خروجي، وقبل لا أطلع جت المريضة اللي بتاخذ غرفتي، طالعت عيونها فيها بريق أمل تختلف تماماً عن نظرتي أنا، كانت نظرتي ميتة عميقة مالها لمعة. سبحان الله للأمل بريق في العيون. وطلعت قلت لأخوي:
- محمد ما أبي بيتي، أبي أروح لغرفتي قبل لا أعرف خالد.
وفعلاً أخوي بدون أوامري كان رايح لبيت أهلي. ونزلت ودخلت البيت بس ما لقيت في استقبالي إلا خواتي الكبار!! والبيت كأنهم أخلوه لي! هذا بيت أهلي العامر اللي الكل داخل طالع!! ألحين هادي كأنه مقبرة!!!.
رحت لغرفتي ورميت عبايتي، كنت ناوية أتحمم وأغير ملابسي، وأستعد علشان أضم سارة لصدري بس ألحين غيرت راي، ما أبي أشوف سارة، ما أبي أشعر إنها معتمدة علي في شيء، أبي أوكل أمرها لله، ونِعم بالله. أبخليها في وداعة الرحمن ومن يحفظ الودائع مثل الله! دخلت أمي وهمست بصوت واطي، قالت:
- العنود وش تبين تاكلين؟!!!
- ولاشيء.
قلتها بحزم وقوة.
- يمّه ما أبي شيء.
أمي أوّل كانت دايم تتابع أكلي وتجبرني إني آكل، حتى بعد ما تزوجت كانت تحرجني عند زوجي اللي كان يضحك من حرصها على أكلي، وكأني طفلة، بس اليوم ولأول مرة احترمت رغبتي وسكت وكأنها تقول:
- ماله داعي الأكل ما دام آخرته للدو.
- يا بنيتي زوجك يبي يشوفك.
قلت بصوت عالي وكأني أكلمهم من العالم الآخر…
- لا ما أبي أشوفه.
وطلعت ورجعت مرة ثانية، قالت:
- ترى خالد يقول إذا وافقتي تشوفينه هو ينتظر في المجلس مع أخوك.
بس أنا قررت إني ما أعذب أحد وإني أقضي آخر أوقاتي لحالي، قلت:
- يمّه روحي… إن بغيتك ناديتك.
- أبقعد عندك أوسّع صدرك.
- يمّه ماني فاضية وقتي قصير.
طلعت وأنا أتذكر الوقت اللي كنت أضيعه في أمور تافهة مثلاً مجلة الأزياء اللي اخترت موديل زواج ماجد منها، جلست في المكتبة ساعتين علشان أختارها وأشتريها، وألحين تركتها في المستشفى ونسيت رقم الصفحة، وما راح ألبس الفستان أبداً.
يا الله يا وقتي أثرك كنت غالي ألحين!!!! عندي أشياء كثيرة أبي أسويها بس ما عرفت!! زي الطالب إذا أعلن المدرس إنه باقي له عشر دقايق من وقت الامتحان، وهو ما بعد كتب في الورقة شيء، بيسلم ورقته قبل العشر الدقايق ما تنتهي، لأنه راح يتوه بين الأسئلة.
وأنا هذا شعوري أبدأ بإيش ولاّ إيش!! جلست أفكر شوي وطلّعت ورقة وقلم، قلت أبكتب وصية… وصية؟!!!! زي الأفلام اللي كنت أتابعها. يا ما سهرت أطالع ناس (أظنهم) أردى خلق الله، وهم يفتعلون حكايات تافهة مالها بالواقع صلة!! يا خسارة ذاك الوقت كان ربي نازل في السماء يقول: هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من داعي فأجيبه؟!!
يا خسارة ليتني قمت وصليت ودعيت إن الله يخليني لسارة وأبوها، يا ليتني على الأقل رحت لسارة وضميتها لصدري.
وفجأة رميت الورقة والقلم، وقمت وفتحت الدولاب، وطلعت فستان حرير كان خالد يحب يشوفه علي، ولبسته ولبست جزمة مناسبة، وفكيت شعري وطلعت دهن العود وحطيته على شعري، وقفت قدام المراية وتأملت صورتي.
يا الله كم باقي من الوقت ويندس هالجمال في التراب؟!! كم باقي من الوقت وتمشي الحشرات على هالخد النظر؟!! كنت أعتني بجسمي، حمامات زيت وكريمات، وأكافح التجاعيد، بس ليتني وصلت لسن التجاعيد!! خسارة الوقت الممل اللي قضيته وأنا أوزّع شرائح الخيار على وجهي! يا خسارة! ليتني رحت قريت سورة من القرآن ولا لعبت مع سارة حبيبتي قبل لا تفقدني.
وقفت وطالعت جسمي هالجسم الممشوق بيتمدّد في القبر بعد ساعات. يا ترى ضلوعي هذي بتلتقي بضمة القبر؟! يا ترى رقبتي اللي يا ما رفعت راسي لفوق بتنحني على صدري؟! ولاّ بتغل إلى رجولي؟! وتذكرت كيف أصرّيت إني أنضم لنادي، وكيف احتلت على أبو سارة واستخدمت جميع الوسائل لين سحبت منه الموافقة سحب، بالرغم من إنه ما كان موافق من قلبه، وكان كاره، ويقول:
- هالوقت أنا أولى به يا العنود .
بس لا زواج ماجد قرب، وكنت ناوية أكون فتنة الحفل فيه، وألحين الله ينجيني من فتنه الممات. طلّعت علبة مجوهراتي ومسكت خاتم كبير اشتريته أيام زواجي، كانت في الخاتم نقوش، تفحصت النقش، وطرا على بالي طاري… يا ترى أنا كنت أزكي عن هالذهب ولاّ لا؟! أظن أبو سارة كان يزكي عن ذهبي، أظن بس ماني متأكدة، ما قد سألته أبد، وتفحصت النقش مرّة ثانية وفركت جبهتي وأنا أتسال… يا ترى هالرسوم بتطبع في جبهتي وأكوى بها ولا بينجيني الله؟!!! تأملات غريبة طرت على بالي، ومشى الوقت بسرعة وأنا بين أدويتي المهدئة وبين صلواتي وقرآني.
في الليل طلعت من الغرفة ولقيت سجادة أمي عند الباب، أمي ما نامت تصلي وتدعي وجلست عندها والتفت علي، نظراتها تجمع فيها حنان أمهات الدنيا كلها، ناظرتني نفس نظراتها لي يوم كنت طفلة، قالت:
- تبين شيء يا بنيتي؟!!
- يمّه أبي رضاكِ.
وانفجرت تبكي. بكت... بكت... وأنا تحجّرت الدموع في عيوني ولا دمعة هلّيتها، وانتظرت لين هدت، وقالت:
انا راضية عنّك يا بنتي. والله إنك من بين إخوانك كلهم أقل وحده تعبتني في الحمل والولادة والتربية، أنا راضية عنّك يا بنتي والله يرضى عنّك
تنهدت براحه وقمت من عندها ومشيت لمحت أختي طالعة من الغرفة، أختي من أسبوع ما شفتها، بس غطت وجهها بيدها وكأنها شايفة شبح، ودخلت لغرفتها بسرعة، ومشيت. كنت أدوّر في البيت مثل مومياء أعدّوها لتابوتها، أمشي بطء.
كل أهل البيت سهرانين، وش هالليلة الغريبة؟! كل واحد ماخذ له زاوية وجالس لحالة، هالليلة تشبه ليلة السفر، صح هي فعلاً ليلة سفر، وتذكرت كيف كنت أقلق في كل ليلة سفر ولا أنام، صحيح إن سفري كان سياحة إلاّ إني أتقلب في فراشي، وكل شوي أروح أتاكد إن أغراضي جاهزة.
يوه اليوم سفرتي غير، سفرتي ما فيها رجعة، ومفاجأة وماني مستعدة لها أبد.
مشيت على صوت ترتيل أخوي محمد للقرآن، كنت أتّبع الصوت لين دخلت عليه، محمد أعز إخواني على قلبي. ما أنسى أول أيام التزامه كيف كانوا أهلي يعلقون عليه بحجة إنه متشد، وكنت أشجعه، أعرف إن هذا صالحه دنيا وآخرة، وقلت له يصبر عليهم ويحتسب، وهو الربحان في الأخير.
وفعلاً بدا يجني ثمار صبره وألحين الكل يثق فيه وياخذ شوره.
جلست جنبه وهو يقرأ تغيرت نبرة صوته يوم دخلت وبدت تتذب، وباين كيف كان يكافح علشان يثبتها في مستوى واحد وارتفع صوته علشان يسيطر على ضعفه، وأنهى السورة والتفت علي، قلت:
- محمد… وش أنا مقبلة عليه؟!!
ابتسم بحماس ودموعه تهل وقعد يحكي لي عن رحمه الله، وهو محافظ على ابتسامته الطيبة بالرغم من دموعه، وحكى لي كيف إن الله رحيم بعباده، وإنه أحن عليهم من الأم على ولدها، قلت:
محمد كيف الموت؟!!!
وقاطعته وقلت:
محمد وش البرزخ؟!!!!
كنت أفكر بصوت عالي وأبي أحد يسمعني، بس قال:
- البرزخ هي الحياة بين الدنيا والآخرة و....
- محمد كيف بيكون حالي فيها إذا ما دعيتوا لي؟!!!
ورفع يدينه للسماء واجتهد بالدعاء، وأنا طلعت من عنده، وبدون لا أشعر ساقتني رجليني للمجلس، كنت أبي أعرف أبو سارة هناك ولاّ راح ينام على سريره اللي أعرف إنّه ما يرتاح إلاّ عليه، وجا في بالي فكرة… يا ترى بيتزوج بعدي؟!!!! أكيد أنا أعرف أبو سارة ما يحب الوحدة… يا خسارة.
دخلت المجلس ورفع راسه لي تمنيت إني ما لقيته، وتراجعت وناداني، قال:
- العنود تعالي يا حبي الأول والأخير.
وبكى ساعتها بس بكيت، أنا كنت عارفة إني ما راح أتحمل شوفته هو بالذات، قلت:
ما لك عندي شيء يا خالد خلاص الموت بيخطفني منك اليوم, يمكن أشوفك في الجنة كاننا من أهلها
إنك من أهلها، أنا راضي عنك يا العنود، ومن مات وزوجها عنها راضي دخلت الجنة
- بس أنا كنت مقصرة معك كثير.
- بالعكس حياتي معك كانت حلم جميل، ما تمنيت إني أفيق منه يا العنود. كل شيء معك كان له طعم حتى زعلك ودموعك وغضبك، كنت في جنة يا العنود، وكنت متأكد إنها ما راح تستمر السعادة اللي كنت فيها… العنود والله ما أنساكِ.
وحرّك يده بقوة وصرخ:
- والله العظيم ما تغيبين عن بالي.
وهو يحلف أنا كنت أتخيله وهو ماسك يد عروسه الجديدة، ويطالعها بفرح وهي تبادله النظرات!! خسارة كان زوج نموذجي وكنت أحبه، خسارة… الله يخلفه علي، وقمت طلعت وكملت رحلتي الكئيبة.
هالمرة وقفت عند الباب اللي سارة تنام وراه، وقفت وأنا أحاول أبلع عبرتي، تردّدت أدخل ولاّ لا. سارة كانت متعلقة فيني كثير أوّل أيام مرضي، كانت تبكي طول الليل تبيني، بس في الأخير رضخت للظروف وتعلمت كيف تنام بعيد عن حضني، حاولت إني ما أدخل علشان خاطرها، ليش أقلب مواجعها؟!! بس حسيت إني إذا ما شفتها بتتحول آخر ساعاتي إلى ثواني، ولأول مرة أتصرف بأنانية وأفتح الباب وأدخل، كانت أختي نورة تنام جنبها على الأرض، وجلست وانحنيت على سارة وشمّيتها.
يا حبيبتي يا سارة، وحسّت أختي نورة فيني، وقامت مرتاعة وقالت: العنود؟!!!.
نورة ماشفتها من كم أسبوع بس ما سلمت عليها، كنت أودّع العالم وماني فاضية أسلم، قلت:
- نورة أنا أبنام جنب سارة اليوم.
وابتعدت وهي مترددة، وتمدّدت جنب سارة وضميتها وبكيت، والتفت على نورة، قلت:
- نورة تراني كان ودي أشوف سارة وهي تكبر، كنت أتمنى أشوفها عروس، قولي لها في يوم زواجها يا نورة. الله يخليكِ كنت أبيهم يذكروني ويترحمون علي بس في ذاك اليوم.
ولاّ سارة ما أظن إنها بتهل دمعتها علي لأنها ما عرفتني زين، تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إن الابن الصالح ينفع والديه، والتفت على سارة، ودّي أصب عليها التربية كلها في ذيك الساعة كنت أبيها تطلع صالحة. وتمدت جنبها.
وما أدري كم من الوقت مر؟!! ولأوّل مرّة أسمع صوت أذان الفجر ولا أقدر أتحرك، أحس رجولي مكبلة كأني في كابوس، عيني ثابتة على سقف الغرفة. حاولت أتحرك ما قدرت وصورة سارة في عيوني وهي نايمة، كنت أبي أضمها ثانية ما شبعت منها.
أغيب عن الوعي وأصحا ثانية، شفت العالم يصرخون حواليني، غرفة بنتي الهادية امتلت بالناس اللي يبكون، هذي أمي وهذا أخوي محمد وهذا زوجي وهذا واحد ما أعرفه، أظنه طبيب.
جسمي الغض كان متشنج، والتفت سيقاني بعض، كنت أبي أبكي أستغيث بس ما أقدر أتحرك، قلبني الطبيب يمين ويسار كنّي خرقة بين يديه،
وكلّم أهلي وسمعت صوت بكاء شديد.
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيا
والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك كي تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكا مسرورا
وهنا حسيت بقبلة رطبة على خدي، وفتحت عيوني، لقيت وجه قريب من وجهي، وابتسامه هبلا!!!
سارة!! هذي سارة بنتي!! ضمّيتها وبكيت… بكيت… وش صار؟! وين أنا فيه؟!! وسمعت صوت خالد من دورة المياه، وهو يغسل، ويقول:
- العنود وش فيكِ رجعت لك كوابيسك مرة ثانية؟!! تعوذي من الشيطان وقومي يا الله أنا ألغيت كل مواعيدي علشان أوديكِ للخياطة.
وحمدت الله إن هذا كان حلم، وإني إلى الآن أقدر أضم سارة، قلت:
- لا ما أبي أروح للخياطة؟! ما أبي أتركم يا خالد.
طلع من دورة المياه، وهو مبتسم بتعجب، وقال:
وزواج ماجد؟!!!
عندي فستان عادي أبلبسه.
وابتسم وكأنه مو مصدق كلامي وفتحت الشباك وشفت العصافير، واستنشقت هواء نقي، وحمدت الله إن ذيك الليلة الرهيبة كانت حلم،
بس حلم ممكن يصير من يضمن حياته؟!! وقررت إني أستعد لها من اليوم.
|