|
#1 | |
عضوة شرفية |
وانفلق العرب
وانفلَقَ العرب ! هذا الكائن مدينٌ لنفسه بكثيرٍ من السعادة , لم يعد يملك ماء الوجه ليقدم لنفسه مزيداً من الأسى والتعاسة ! هرب من ملاقاة نفسه كما يهرب التعيس من وجه السعادة ! لقد تمادى كثيراً في تعاسته , حتى أن الفرح مرّ من جانبه يوماً ولم يقبض عليه ! لأنّه تمادى في الغياب عنه فأنكره ! أنا على ضفة الانتظار المؤبّد , وهي على الضفّة الأخرى , ضفّة النسيان الحتميّ ! ما بيننا نهرٌ من الفراغ , تطفو فوقه قطع قليلة باقية من صرح العذاب الذي شيّدته لي حين غيابٍ مؤبد ! أعطني ماضٍ نظيف وأهديك باقي عمري ! حياتي : تنفّس الصباح وعسعس الليل ولا شيء غير ذلك ! أنحتُ كلماتي لكم من جلمودٍ قاسٍ , لكنّه_ على أيّةِ حال _ ليس أقسى من قلبي ! قلبي الذي يحوي كتاب ألف خيبة وخيبة ! كتاب صدر حديثاً , من مطابع قلبي ! _ وكما قال من قبلي , الكتابة هي ما نملكه , وهي نتاج عطالة ما , والأشياء وإن تحوّرت لا تذهب بعيداً عن أصلها , هي تتشوّه من الخارج , حتى أنّه لا يسومها مفلس , ويبقى جوهرها لا تراه إلاّ روح شفّافة ! أن يكون لك مبدأ ليس له من التفعيل نصيب فإنك تذهب مباشرةً للقلم ! هذا إن لك بقايا قلب , ولم تذهب لنعمة التأمل في بعض مخلوقات العرب , وتصبح ديدنك السرمدي ! وتلك المخلوقات تتأملها ولا ينقضي عجبك , وهي محفّز لدراسة شبه بيطرية , إن لم تكن بيطرية جملةً وتفصيلا ! تأتي مباراة كرة قدم بين إيران والسعودية , والتحليل الرياضي بعدها يدور حول الرافضة !! وليس فيهم من يركع لله ركعةً واحدة ! يخفق الطالب _ الذي طالما احترف الغشّ _ في إحدى المقرات , ثم تأتي ردّة فعل أبيه ( عين ما صلّت على النبي ) !! إذا طلّق الرجل زوجته , فهو بالضرورة _ و بالتواتر والقطع والجزم وبما لا يدع مجالاً للشك , وبنص كتاب الله _ مسحور !! هؤلاء العامة , أمّا خاصتهم فهاكم : عادل إمام يخجل من كونه عربي, وله الحق في ذلك , لأنّه يعرف أنّ نجوميته قِيست بمخلوقات يخجل منها الواد سيّد الشغّال , وسيد القمني يقول بأن العلمانية الشاملة هي خلاص العالم العربي من الهوان والذل , ثم يخالفه المفكّر الإسلامي عبد الوهاب المسيري ويقول بل العلمانية الجزئية !! وينتهي اللقاء ! علماً بأن العلمانية الشاملة تتلخص _ عند العلمانية العرب _ بنقطة واحدة : 1_ تحرير المرأة . 1_ قيادة المرأة للسيارة . عليك فقط أيها القارئ الكريم أن تستخلص براعة " العلمانية الجزئية " ! وستتحرّر القدس لا محالة ! _ يسألني أحدهم عن الظلم المتفشّي في العالم , وهذا السؤال من جملة الأسئلة العبقرية التي على غرار : _ لماذا يكره الناس الوادع لأشخاص لم يشعروا بقيمتهم إلاّ عند الفراق ؟! _ لماذا الأم تحبّ ابنها أكثر من غيره ؟! ولماذا هو في عينها غزال , وفي عين غيرها قرد أحول ؟! _ لماذا لا تحبّنا أمريكا ؟! ولكني لم أتضايق من سؤاله , فمعظم الأسئلة غبيّة ومكررة , ولا تجد إجابة , لأنها لم تكن يوماً أسئلة , وإنما شبيه ب " كيف الحال " ؟! ولأني عربي لابد أن أجيبه , فالعربي كائن يجد الإجابات لأي شيء , فقلت : الظلم بات يبيعهُ النّاس على الأرصفة بتغاضٍ واضحٍ من الرقابة الاجتماعيّة ! والمبرّر : الله يرزقه ... مسكين ! والعدل يبيتُ في زقاقٍ مهجور , ينخرُ البرد عظامه , وتقصم ظهره البطالة والفقر , وموت محبّيه ! وإن خرج ليتنفّس تناولته الأحذية ! كان يظن أن محبّيه قد ماتوا , وهم في الحقيقة قد سافروا منه للقمة العيش ! غبيٌ هو .. لو عقد صلحاً مع الظلم , لو طبّع علاقته مع الظلم , لو أصبح أكثر مرونة , لو تمسّح بجوخ الظلم ! لما أصبح غريباً طريداً تركله أرجلُ الأطفال والمجانين والمراهقين ومحبّيه السابقين ! فقال : ومن قال أنّه لم يفعل ذلك ؟! فقلنا أنا وأحدهم بلغة العيون : لا كرامة ولا أي شيء آخر ! وانتهى الحوار , وهو من روائع الحوارات العربية , لقد انتهى بلغة العيون , ولم ينتهي ب " يا أخي أنت حمار " ! لا تحسبوني أعترض.. كلا ! إنّما أنا فردٌ من حاشية الظلم ! لكنّ العدل كسر خاطري ! ولا تحمّلوني أكثر من ذلك فيسمعكم سيدي الظلم , فله من الآذان ما الله بهِ عليم ! وأنا رعديدُ جبان , أرضى بالألف والثمان , يطيب لي العيشُ بلا هويّة أو كيان ! ومن ذلّ سلم ! _ عربيٌ أنا .. الليل يرمي على وجهي رداءه بكلّ وقاحة , ثم يأمرني : اغسله ! وطوال وقتهِ وهو على رأسي يراقبني ! ثم يأتي النهار فيأخذ رداء الليل نظيفاً مشرقاً ويترك لي سواد الليل لأتوشّحه ! أبات كلّ ليلة على جنبي الأيمن , وأعرف أنه ليس ثمّة شيء سيتغيّر , وأحلم بأني سأجرّب الموت , حتماً هو شيء آخر , يختلف عن كلّ عن موت أحبّائي , وإن كنتُ وفيّاً وبكيتهم حتى موتي , فلن يكون الأمر مثل موتي على كلّ حال , الفاصل بيني وبينهم هو موتي , ولكل وفاءً نهاية , وإن كانت مؤقتة ! المجرّات تأخذ من وقتي الشيء الكثير , ولا أخذ من وقتها شيء , سحقاً لها , ليس للوقت عندها أي أهمية ! أتطاول لأصِلَها , وأحاول ذلك كلّ وقت , ولا تنهرني ولا تسخر ولا تنصحني بتوفير وقتي , صامتة ورأسها للأعلى , وتظلّ متلازمة المحاولة تلازمني ولا تفارق ! عربيٌ أنا .. لا أريد من أحدٍ أن يدهس قلبي اليوم , ابحثوا عن طريقٍ آخر ... فقط ليومٍ واحد ! اعتبروه طريقاً تحت سيطرة بلدية جدّة وارحموه ! أخفيت نفسي عنكم وجبنت عن ملاقاتكم , ولكنّكم تبحثون عني ولا تختارون طريقاً منّي غير قلبي ! وأنا الذي لم يكن لي من ديناكم غير قلبي وأمي! تركت لكم الضحك والبكاء وما بينهما ! تركت لكم الصمت والكلام ورضيت لنفسي ما بينهما ! فأنا الذي بين أشيائكم ولستُ بينكم ! تجاوزتموني كمن يتجاوز إشارةً مروريّة تومض بالأصفر الساعة الثالثة ليلاً في ليلةٍ باردة خرج فيها لحالة طارئة ! أزحتموني لا شعورياً كما يزيح العطشان سدّادة علبة الماء ليشرب في نهم ! ولم تشكروا تلك السدّادة على حفظت الماء الذي شربتموه ...ولا أعترض ! _ أن تشعر بأنّك بلا شعور فتلك مشكلة , وأن لا تشعر بأنّك بلا شعور فتلك مصيبة , أمّا أن تشعر بأنّك بشعور مرهف وأنت حقيقةً بلا شعور فتلك الطامة القاصمة لمن حولك ! أنت تسومهم سوء العذاب , حتى أنّك أشدّ وطأةً عليهم من الزكام الشديد المصحوب بذبابةٍ ملعونة تستقر في لحظة عذاب على أنفك ! العرب هم الطامة وهم الزكام وهم تلك الذبابة على وجه الإسلام ! _ يا وطن ... يا وجه الغريب الوقح , والضيف الثقيل المستحلّ , هل أتاك حديث المواطن المستحلّ المستقِل ؟ يا كوكتيل الأمجاد والمخازي , يا خيمة الأفراح والتعازي , يا أيّها الذي استقبل و ودّعْ , ورقّع يا عمي ... شيء يترّقع وشيء ما يترقّعْ ! يا عقوق الأبناء , يا جهجهة المصباح في وسط ظهيرة , زدتنا حرّاً , ونورك " ما لأمّه داعي " ! تظلّ هكذا , حتى إذا ما جنّ الظلام , وتوعّدنا الليل بموجاتٍ من زمهرير , نكصت على عقبيك صائحاً: _ اخلدوا إلى مضاجعكم , ضوئي يزعجكم ! الأوطان تستحي وأنت وجهك " مغسول بمرقة كلب " ! هذا إن كان لك وجه معلومٌ بالأساس ! تمنّ علينا بالأمن والأمان , وهو دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام ! أقطعك طولاً وعرضاً ولولا الحرمين ما عرفتك ! _ مضحكٌ هذا الكائن .. السعادة واقفةُ على بابِ روحه , تُطالب بديونها وترفض أن تدخل حتى للتفاوض ! مضحكٌ هذا الكائن .. لم يعد هناك ما يبرر له العيش ولكنّه يعيش ويحبّ أن يعيش ! وهذا ما يفسّر القول العربي المأثور : يعيش .. يعيش .. يعيش !! ولقد أخبرتني الحياة بأنّ الكائن العربي يكون في أقصى درجات القوّة والمنعة عندما ينطق بهذه الكلملة ! لذا يسعدني أن أزف أسمى آيات التهاني والتبريكات إليكم وذلك لأننا : نعيش .. نعيش .. نعيش ! مواضيع ذات صلة |