|
#1 | |
:: كاتبة ألماسيّـة :: |
واقع الأمة مع شهر رمضان
واقع الأمة مع شهر رمضان
الحمد لله يمن على عباده بمواسم الخير أفراحاً، ويدفع عنهم بلطفه أسباب الردى شروراً وأتراحاً، أحمده تعالى وأشكره شكراً يتجدد ويتألق غدواً ورواحاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مبدع الكائنات أرواحاً وأشباحاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله رافع لواء الدين دعوة وإصلاحاً، والهادي إلى طريق الرشاد سعادة وفلاحاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خيار هذه الأمة تقىً وصلاحاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام مساءً وصباحاً، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فهي العدة العتيدة لمن رام خيراً وصلاحاً، ونشد عزاً وفلاحاً، وقصد براً وتوفيقاً ونجاحاً. أيها المسلمون: أرأيتم بماذا تقاس أفراح أهل الإيمان؟ إنها أفراح علوية، ومسرات روحية، تطلق النفوس من قيد المطامع الشخصية، وتحررها من أسر الأغراض المادية، وتحلق بها في آفاق أسمى وأولى، وترقى بها في طموحاتٍ أرحب وأعلى، لذلك كانت أفراح أهل الإيمان عن الملذات تتسامى، وعن المشتهيات تترفع وتعالى، أفراح المؤمنين تت بتمواس الخير والعطاء، ومناسبات الطهر والصفاء، والمحبة والمودة والإخاء، والبر والسعادة والهناء. فرحة الأمة بحلول هذا الشهر الكريم إخوة الإسلام: ويا لها من فرحة غامرة تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام، فهي إزاء دورة جديدة من دورات الفلك السيار، والزمن الدوار، وإن في مرور الليالي والأيام لعبراً، وفي تصرم الشهور والأعوام لمزدجراً ومدكراً. تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، فبعد ساعاتٍ معدودات يهل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة، ونظامه الفريد المتميز، وأحكامه وحِكَمه السامية. هو من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة لما له من الخصائص والمزايا، ولما أعطيت فيه أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الهبات وخصت فيه من الكرامات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين }. فيا لها من فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير، تفتح الجنات، وتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، يجزل الله فيها العطايا والمواهب، ويفتح أبواب الخير لكل راغب، ويعظم أسباب التوفيق لكل طالب، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف منه وآلائه. حاجة الأمة لهذه الفترة الروحية معاشر المسلمين: إن الأفراد والأمم لمحتاجون لفترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان، وإصلاح ما فسد من أحوال، وعلاج ما جد من أدواء، وشهر رمضان المبارك هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تأريخها، وإعادة أمجادها، وإصلاح أوضاعها. إنه محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها الأمة، بل يتطلع إليها كل فردٍ في المجتمع، إنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الأرواح، وإصلاح النفوس، وضبط الغرائز، وكبح جماح الشهوات، إنه مضمار يتنافس فيه المتنافسون للوصل إلى قمم الفضائل، ومعالي الشمائل، وبه تتجلى وحدة الأمة الإسلامية. الصيام مدرسة للبذل والجود والبر والصلة، هو حقاً معين الأخلاق ورافد الرحمة، ومنهل عذب لأعمال الخير في الأمة. فما أجدر الأمة الإسلامية وهي تستقبل شهرها أن تقوم بدورها! وتحاسب نفسها! وتراجع حساباتها! وتعيد النظر في مواقفها. ما أحوجها إلى استلهام حكم الصيام، والاستفادة من معطياته، والنهل من معين ثمراته ونمير خيراته. أصناف الناس في استقبال هذا الشهر الكريم أمة الإسلام: بماذا عسانا أن نستقبل شهرنا الكريم، وموسمنا الأغر العظيم؟ إن الناظر في واقع الناس اليوم إزاء استقبال هذا الشهر الكريم يجدهم أصنافاً. فمنهم: من لا يرى فيه أكثر من حرمانٍ لا داعي له، وتقليدٍ لا مبرر له، بل قد يرفع عقيرته مدعياً أنه قيودٌ ثقيلة وطقوسٌ كليلة تجاوزها عصر الحضارة وتطور الثقافة وركب المدنية الحديثة. ومنهم من لا يرى فيه إلا جوعاً لا تتحمله البطون، وعطشاً لا تقوى عليه العروق. ومنهم من يرى فيه موسماً سنوياً للموائد الزاخرة باللذيذ المستطاب من الطعام والشراب، وفرصة سانحة للسمر والسهر واللهو إلى هجيعٍ من الليل، بل إلى بزوغ الفجر، ممتطين صهوة الفضائيات، وما تقذف به شتى القنوات، وما تعج به شبكات المعلومات، يتبع ذلك استغراق في نومٍ عميق نهاراً، فإذا كان من ذوي الأعمال تبرم بعمله، وإذا كان من أصحاب المعاملات ساءت معاملاته وضاق عطنه، وإذا كان موظفاً ثقل عليه الالتزام بأداء مسئولياته، وقلَّ إنتاجه وعطاؤه، وغالب هذا الصنف هم من يملأ الأسواق هذه الأيام تبضعاً وتخزيناً للمواد الغذائية المتنوعة زاعمين أن ذلك يترجم الاستقبال الأمثل لرمضان. وفي الأمة بحمد الله وهم الأكثرون إن شاء الله من يرى في رمضان غير هذا كله، وأجلَّ منه جميعه، يرون فيه دورة إيمانية تدريبية لتجديد معانٍ عظيمة في النفوس، من الإيمان العميق، والخلق القويم، والصبر الكريم، والعمل النبيل، والإيثار الجليل، والتهذيب البليغ، والإصلاح العام للأفراد والمجتمعات. من محاضرات عبد الرحمن السديس رمضان مدرسة لتجديد الإيمان مواضيع ذات صلة |