|
#1 | |
:: كاتبة نشيطة :: |
رمل وزبد
جبران خليل جبران....
خُيِّل إليَّ في الأمس أنني ذرَّةٌ تتمَوَّج مرتجفةً في دائرة الحياة بغير انتظام. واليوم .. أُدرك أنِّي أنا الدَّائرة، وأنَّ كلّ الحياة تتحرَّك فيَّ بذرَّاتٍ منتظمة. في يقظتهم يقولون: "أنتَ والعالَم الذي تعيش فيه حبَّةُ رملٍ على شاطىء غير متناهٍ لبحرٍ لا حدَّ له". وفي حلمي أقول لهم: "أنا البحر الذي لا حدَّ له، والعالم كلُّه حبَّاتُ رمل على شاطئي". ما اخترتُ الصَّمت جواباً إلاَّ لمَن سألَني: "من أنتَ؟". فكَّرَ الله فكان فِكْرُه الأوَّل ملاكاً. وتكلَّم، فكانتْ كلمتُه الأولى إنساناً. كنَّا، بني البشر، مخلوقاتٍ هائمةً تُنْشِدُ ذاتَها الضَّالَّةَ في الأحراج، قبل أنْ تمنحَنا البحارُ والرِّيحُ كلماتِها بألفِ ألفِ سنة. كيف إذن نستطيع أنْ نعبِّرَ عن غابر الأيام بأصواتٍ متواضعةٍ تعلَّمْناها ما سوى في الأمس القريب؟!. تكلَّم "أبو الهول" مرَّةً في حياته. قال: "حبَّة الرَّمل صحراء. والصَّحراء حبَّة رمْل. فلنعدْ إلى صَمْتِنا". سمعتُ ما قالَه أبو الهول، لكنني لم أفهم. رقدْتُ طويلاً فوق تراب مِصْرَ صامتاً غافلاً عن الفصول. وما إن ولَدتْني الشَّمس حتى انتصبتُ ورحتُ أمشي على ضَفَّتي النِّيل، أرنِّم مع الأيام وأحلم مع الليالي. وها الشَّمس تدوسني الآن بألف قدمٍ كيما أعودَ إلى رقادي فوق تراب مِصْر. هذا هو الُّلغز، وتلك هي الأعجوبة: الشَّمس ذاتها التي جمعتْني ليس بوسعها أن تفرِّقني الآن. وها أنا ما زلت منتصباً أمشي بخطىً ثابتة على ضَفَّتي النِّيل. التذكُّرُ إحدى صور اللقاء. النِّسْيانُ أحد أشكال الحرِّيَّة. نقيسُ الزَّمن وفق حركة نجوم لا تحصى، وهم يقيسون الزَّمن بآلاتٍ صغيرة يحملونَها في جيوبهم. كيف لنا أن نلتقي في مكان واحد ووقت واحد؟ الفضاء بين الأرض والشمس ليس فضاءً لمن ينظر إليه من فُتُحات المجرَّة. الإنسانية نهرٌ من نور تجري مياهُه من الأزل إلى الأبد. ألا تحسُدُ الإنسانَ على آلامه تلك الأرواحُ السَّاكنة في الأثير؟ في طريقي إلى المدينة المقدَّسة صادفت حاجَّاً، فسألته: خُيِّل إليَّ في الأمس أنني ذرَّةٌ تتمَوَّج مرتجفةً في دائرة الحياة بغير انتظام. واليوم .. أُدرك أنِّي أنا الدَّائرة، وأنَّ كلّ الحياة تتحرَّك فيَّ بذرَّاتٍ منتظمة. في يقظتهم يقولون: "أنتَ والعالَم الذي تعيش فيه حبَّةُ رملٍ على شاطىء غير متناهٍ لبحرٍ لا حدَّ له". وفي حلمي أقول لهم: "أنا البحر الذي لا حدَّ له، والعالم كلُّه حبَّاتُ رمل على شاطئي". ما اخترتُ الصَّمت جواباً إلاَّ لمَن سألَني: "من أنتَ؟". فكَّرَ الله فكان فِكْرُه الأوَّل ملاكاً. وتكلَّم، فكانتْ كلمتُه الأولى إنساناً. كنَّا، بني البشر، مخلوقاتٍ هائمةً تُنْشِدُ ذاتَها الضَّالَّةَ في الأحراج، قبل أنْ تمنحَنا البحارُ والرِّيحُ كلماتِها بألفِ ألفِ سنة. كيف إذن نستطيع أنْ نعبِّرَ عن غابر الأيام بأصواتٍ متواضعةٍ تعلَّمْناها ما سوى في الأمس القريب؟!. تكلَّم "أبو الهول" مرَّةً في حياته. قال: "حبَّة الرَّمل صحراء. والصَّحراء حبَّة رمْل. فلنعدْ إلى صَمْتِنا". سمعتُ ما قالَه أبو الهول، لكنني لم أفهم. رقدْتُ طويلاً فوق تراب مِصْرَ صامتاً غافلاً عن الفصول. وما إن ولَدتْني الشَّمس حتى انتصبتُ ورحتُ أمشي على ضَفَّتي النِّيل، أرنِّم مع الأيام وأحلم مع الليالي. وها الشَّمس تدوسني الآن بألف قدمٍ كيما أعودَ إلى رقادي فوق تراب مِصْر. هذا هو الُّلغز، وتلك هي الأعجوبة: الشَّمس ذاتها التي جمعتْني ليس بوسعها أن تفرِّقني الآن. وها أنا ما زلت منتصباً أمشي بخطىً ثابتة على ضَفَّتي النِّيل. التذكُّرُ إحدى صور اللقاء. النِّسْيانُ أحد أشكال الحرِّيَّة. نقيسُ الزَّمن وفق حركة نجوم لا تحصى، وهم يقيسون الزَّمن بآلاتٍ صغيرة يحملونَها في جيوبهم. كيف لنا أن نلتقي في مكان واحد ووقت واحد؟ الفضاء بين الأرض والشمس ليس فضاءً لمن ينظر إليه من فُتُحات المجرَّة. الإنسانية نهرٌ من نور تجري مياهُه من الأزل إلى الأبد. ألا تحسُدُ الإنسانَ على آلامه تلك الأرواحُ السَّاكنة في الأثير؟ في طريقي إلى المدينة المقدَّسة صادفت حاجَّاً، فسألته: مواضيع ذات صلة |