| أي الصدقة أعظم أجراً ؟
 
 
 
 
                        عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
 ( يا رسول الله ، أي الصدقة أعظم أجراً ؟ قال :
 أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر ، وتأمل الغنى ،
 ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت :
 لفلان كذا ولفلان كذا ، وقد كان لفلان ) متفق عليه
 (الحلقوم) : مجرى النفس .
 
 شـــرح الحــديــث هذا الحديث فيه الحث على المبادرة إلى فعل الخيرات ،
 وعدم التردد في فعلها إذا أقبل عليها .
 فإن هذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل ؟
 وهو لا يريد أي الصدقة أفضل في نوعها ، ولا في كميتها ،
 وإنما يريد ما هو الوقت الذي تكون فيه الصدقة أفضل من غيرها ،
 فقال له : ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح ) يعني صحيح البدن شحيح النفس ؛
 لأن الإنسان إذا كان صحيحاً كان شحيحاً بالمال ؛ لأنه يأمل البقاء ، ويخشى الفقر ،
 أما إذا كان مريضاً ، فإن الدنيا ترخص عنده ، ولا تساوي شيئاً فتهون عليه الصدقة .
 
 وقوله : ( تأمل البقاء ) يعني : أنك لكونك صحيحاً تأمل البقاء وطول الحياة ؛
 لأن الإنسان الصحيح يستبعد الموت ، وإن كان الموت قد يفجأ الإنسان ،
 بخلاف المريض ؛ فإنه يتقارب الموت .
 
 وقوله : ( وتخشى الفقر ) يعني : لطول حياتك ، فإن الإنسان يخشى الفقر إذا طالت به الحياة ؛
 لأن ما عنده ينفد ، فهذا أفضل ما يكون ؛ أن تتصدق في حال صحتك وشحك .
 
 (ولا تهمل ) أي لا تترك الصدقة ، ( حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ولفلان كذا )
 يعني لا تمهل ، وتؤخر الصدقة ، حتى إذا جاءك الموت وبلغت روحك حلقومك ،
 وعرفت أنك خارج من الدنيا، ( قلت : لفلان كذا ) يعني صدقة ،
 ( ولفلان كذا ) يعني صدقة ، (وقد كان لفلان ) أي قد كان المال لغيرك ،
 ( لفلان ) : يعني للذي يرثك .
 فإن الإنسان إذا مات انتقل ملكه ، ولم يبق له شيء من المال .
 
 ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه الموت ،
 وأنه إذا تصدق في حال حضور الأجل ، كان ذلك أقل فضلاً مما لو تصدق وهو صحيح شحيح.
 وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنه يعتبر كلامه إذا لم يذهل ،
 فإن أذهل حتى صار لا يشعر بما يقول فإنه لا عبرة بكلامه، لقوله :
 ( حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان : كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) .
 وفيه دليل على أن الروح تخرج من أسفل البدن ،
 تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن ، ثم تقبض من هناك ،
 ولهذا قال : ( حتى إذا بلغت الحلقوم )، وهذا كقوله تعالى :
 { فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ(83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ } (الواقعة:83-84)
 فأول ما يموت من الإنسان أسفله ، تخرج الروح بأن تصعد في البدن،
 إلى أن تصل إلى الحلقوم ، ثم يقبضها ملك الموت .
 نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة .
 والله الموفق.
 شرح رياض الصالحين (ابن العثيمين)
 
 |