ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > قصص و روايات > روايات طويلة
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
روايات طويلة ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ يوجد هنا ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ روايات سعودية افضل روايات طويله long novels رويات بنات للجوال و روايات حب رومانسية TXT

فساتين العيد


 
قديم   #71

نودى نينو


رد: ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


تتـــــــمه
*******

لحقت به إلى غرفته.. نفس الغرفة التي كان يقيم فيها في الماضي والتي نظفتها الخادمة يوم أمس.. ووضع فيها حقائبه وبات على سريره القديم فيها البارحة.
كان يستخرج شيئا من إحدى حقائبه.. سألته:
"ألست تمزح يا سامر؟؟"
فالتفت إلي وقال:
"وهل تراني بمزاج جيد ومناسب للمزاح؟ ها هي التذكرة على المنضدة أمامك".
ولمحت التذكرة بالفعل على المنضدة...
قلت:
"سامر لماذا تفعل ذلك؟؟"
أجاب:
"قلت لك أن لدي حاجيات ضرورية سأحضرها ومهام سأنجزها".
قلت:
"وهذه لم تظهر إلا الآن؟؟ أجل سفرك للأسبوع المقبل أو على الأقل لحين عودتي"
قال:
"مستحيل سفري ضروري وملح الآن".
وأخذ بضع أشياء معينة في حقيبة يد صغيرة ثم يأتي باتجاه الباب.. قاصدا المغادرة حاصرت عينيه بنظراتي.. كانتا كوردتين ذبلتا فجأة بعد انقطاع المطر.. شعرت بألم فظيع في صدري وفي معدتي.. استوقفته وقلت بصوت حنون:
"تمهل يا سامر.. حسنا.. دعنا نناقش الأمر بعد عودتي من السفر.. أعد حقيبتك إلى مكانها".
توقف سامر عن الحركة وصمت قليلا ثم قال:
"نناقش ماذا؟"اجترعت المرارة وقلت:
"ما كنا نناقشه البارحة نبين مواقفنا ووجهات نظرنا... وحقائق الأمور".
قال سامر والحزم جلي على وجهه:
"بالنسبة لي هناك حقيقة واحدة لا جدوى من محاولة اللف والدوران بعيدا عن محورها إما أن تعطيني وعدا بإعادتها إلي, أو سأخرج من حياتكما نهائيا".
قلت:
"هل أنت مجنون؟"
فتجاهل سامر تعقيبي وسار مغادرا الغرفة. لحقت به وناديته مرارا ولكنه واصل طريقه, عند أعلى الدرج التفت إلي وأشار بسبابته نحوي وقال:
"أنت السبب يا وليد.. تذكر هذا".
وهبط الدرجات واختفى من المنزل
قرب أسفل العتبات, كانت تقف الفتاة التي تعاركنا بسببها.. سامر خرج مسرعا ولم يلتفت إليها.. استندت إلى السياج وسبحت في بحر من الضياع..
لماذا وقع شقيقي الوحيد.. في حب الفتاة التي هي حبيبتي أنا.. فتاتي أنا..التي لن أتنازل عنها لأجل أي مخلوق.. حتى وإن.. كنت أنت يا سامر..
وبسبب سفره اضطررت لأن ألغي رحلتي وأبقى مع رغد.. فيما النار مشتعلة في المزرعة.. تنتظر عودتي كي أخمدها..
مع بداية أسبوع جديد.. عادت رغد إلى جامعتها كانت لاتزال بالجبيرة والعكاز.. ولكن ذهابها إلى جامعتها كان الحل الأمثل للوضع الحالي المضطرب..
ولأنها لاتزال بحاجة للمساعدة, فقد وجدنا الحل في أن ترافقها صديقتها المقربة ذهابا وعودة في الفترة الراهنة, على أن أتولى بنفسي إيصالهما.
وفي إحدى المرات, وفيما كنت في اجتماع مهم في مكتبي في مبنى إدارة المصنع, وردتني مكالمة من رغد. كانت الساعة الثانية عشر والنصف ظهرا, ورغد لم تكن تتصل إلا للضرورة ولما أجبتها أخبرتني بأنها أنهت محاضراتها لهذا اليوم وتريد العودة إلى المنزل.
لم يكن التوقيت مناسبا فطلبت منها أن تنتظر اتصالي لاحقا.
وبعد نحو أربعين دقيقة, اتصلت بها كي أخبرها بأنني مشغول ولن أوافيها قبل ساعة, ففوجئت بها تخبرنب بأنها وصديقتها الآن في طريق العودة إلى المنزل, في سيارة شقيقها.
هذا الشقيق لم يكن إلا... الأستاذ عارف.
تمالكت نفسي, وأنهيت المكالمة بهدوء ظاهري, وتابعت عملي دون تركيز حقيقي...
وعندما عدت إلى المنزل, حاملا طعام الغداء كالعادة, كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا...
توجهت إلى غرفة رغد, لا أطيق صبرا... ولما اقتربت من الباب سمعت صوت ضحكات.. كانت ضحكات رغد ممزوجة مع ضحكات فتاة أخرى...
ذهبت إلى المطبخ وسألت الخادمة, فأخبرتني أن لدى رغد ضيفة تناولت معها غداء أحضرتاه معهما ظهرا... وهما تجلسان في الغرفة منذ فترة.
انزويت على نفسي في غرفة المعيشة.. بعد ساعة ونصف الساعة, سمعت صوت حركة في الممر... ومعها صوت الفتاتين تودعان بعضهما البعض, ثم صوت الباب الرئيسي يغلق.
هببت واقفا وسرت نحو الباب وأنا أتنحنح لألفت الانتباه... وفي الممر رأيت رغد تسير باتجاه غرفتها فناديت:
"رغد".
التفت إلي, وسرعان ما لمحت البهجة على وجهها... كان واضح أنها مسرورة..
سألتني:
"أنت هنا؟ متى عدت؟"
سرت نحوها وأنا أجيب:
"قبل ساعة ونصف تقريبا".
وأضفت:
"آسف. لقد كنت في اجتماع مهم".
قالت:
"لا بأس".
ثم استدارت تريد متابعة السير إلى غرفتها.
انتظري! إلى أين تذهبين...؟؟ قلت:
"إذن... عدتما مع... الأستاذ عارف؟"
فالتفتت إلي ولاتزال تعبيرات السرور بادية على وجهها وقالت:
"أجل...فقد أنهينا محاضرات اليوم باكرا ولم نشأ تضييع الوقت في الانتظار... عدنا ودعوت مرح للغداء والمذاكرة معي".
كتمت ما في نفسي وتركتها تعود إلى غرفتها بسلام.
وعدت إلى غرفة المعيشة.. وكررت الاتصال بشقيقي عدة مرات بلا جدوى.. إنني لم أتمكن من محادثته منذ سافر.
اتصلت بالمزرعة وكالعادة رفضت أروى التحدث معي.. وأعاد العم إلياس تأكيده بأن الوضع حرج وأن علي الحضور فورا...
وككل يوم... دخلت مكتبي وبقيت فيه, وبقيت رغد في غرفتها... في الواقع لم نكن نلتقي إلا على مائدة العشاء التي نتناول طعامنا حولها شبه أخرسين...
شعرت بملل شديد وأنا في المكتب... ولم يفلح حاسوبي في شغل تفكيري... لدي أمور أعمق وأهم لأفكر بها...
غادرت مكتبي طالبا بعض الاسترخاء... وفي الواقع... بحثا عن رغد.كانت في غرفتها...
"هل كنت تدرسين؟"
أجابت وهي تفتح الباب وتشير إلى مجموعة من كراسات الرسم الموضوعة على سريرها:
"كنت أتصفح رسماتي".
قلت محاولا إذابة بعض الجليد من حولنا:
"ألديك الجديد؟ أيمكنني التفرج؟؟"
ظهر على رغد وجه رغد تعبير لم أفهمه... ثم توهج قليلا...وقالت:
"نعم,بالطبع... تفضل".
آذنة لي بدخول الغرفة, فقلت مفضلا:
"دعينا نذهب إلى المطبخ... سأعد بعض الشاي".
وسبقتها إلى المطبخ وبدأت بالتحضير للشاي.وافتني بعد قليل تحمل إحدى كراستها. وضعتها على الطاولة وجلست وهي تقول:
"لا أظنك شاهدت هذه".
وقد كنت فيما مضى أتفرج على لوحاتها الجديدة من حين لآخر... وكانت صغيرتي تسر بذلك... أقبلت نحوها وجلست على المقعد المجاور لها, وتناولت الكراسة وشرعت في تصفحها...
سمعنا صوت فقعات الماء المغلي... فوقفت رغد قائلة:
"سأعده أنا".
وأمسكت بعكازها. قلت وأنا انظر إلى العكاز وأتذكر موعد الطبيب:
"غدا نذهب إلى الطبيب وينزع جبيرتك وتستغنين عن هذا أخيرا".
فابتسمت ابتسامة مشرقة وواصلت طريقها.
كنا جالسين على مقعدين متجاورين, كما لم نفعل منذ زمن... نحتسي الشاي الدافىء... أنا أقلب صفحات الكراسة, وهي تلقي بتعليق على الصفحات من حين لآخر... لا شيء غير ذلك... لا شيء أقرب من ذلك... أخفي ما يدور في رأسي خلف صفحات الكراسة... أخاول أن أتحدث عن شيء خارج حدود الصفحة, ولا أجرؤ...
يا ترى... ما الذي تفكرين به الآن أنت يا رغد؟؟
على الورقة التالية, وجدت ورقة ملاحظات صغيرة, ملصقة على الصفحة المقابلة للرسمة... وكان كتوب عليها وبخط صغير ومرتب كلمات مختصرة فهمت منها أنها تعليق على الرسمة المقابلة..
كانت الرسمة بالفعل خلابة... تفوق ما سبقها روعة... أخذت أتأملها مطولا... ورغم أنني لا أفهم في فن الرسم شيئا.. إلا أنني انبهرت بها تماما...
قلت:
"بالفعل رائعة! ما شاء الله".
ابتسمت رغد وتودر خداها قليلا ثم قالت:
"هذه الأجمل بين المجموعة... حسب شهادة الخبراء".
التفت إليها وسألت:
"الخبراء؟"
فقالت وهي تشير إلى ورقة الملاحظات الملصقة على الصفحة المقابلة:
"هل قرأت هذا؟"
قلت:
"نعم. أهي إحدى مدرساتك في الجامعة؟"
ابتسمت رغد وقالت:
"لا! إنه الرسام عارف... فقد اطلع على رسومي في هذه الكراسة وأبدى ملاحظاته".
كدت أوقع قدح الشاي من يدي وأسكبه على هذه الصفحة بالذات... فوجئت... وتسمرت عيناي على ورقة الملاحظات... وعبثا حاولت إبعادهما عنها...
ماذا تعنين يا رغد؟؟ تعنين أن عارف... عارف هو الذي كتب هذا؟؟ عارف أمسك بكراستك هذه... وتأمل رسماتك؟؟ كيف تجرأت على اقتراف هذا يا رغد؟؟
التفت إليها أخيرا... وبدأ الشرر يتطاير من عيني... لكن عينيها كانتا تحملقان في ورقة الملاحظات... والبهجة مشعة على وجهها...
وضعت كوب الشاي جانبا... وشددت على قبضتي غيظا... ثم سألت:
"و... وكيف شاهد الأستاذ كراستك؟؟"
فأجابت:
"أعطيتها لمرح قبل يومين وأعادتها إلي اليوم".
ازدرت ريقي وابتلعت حنقي معه وتظاهرت بالتماسك وقلت:
"لكن... لماذا؟؟ أهي فكرتك؟"
أجابت رغد:
"فكرة مرح! إنها كانت تصر علي بأن تعرض لوحاتي على شقيقها الفنان منذ مدة... تقول أنها واثقة من أنها ستعجبه وسيرحب بعرضها في أحد معارضه ذات يوم... وأخذت كراستي كعينة".
عضضت على شفتي وقلت:
"و... ما رأيك أنت؟؟"
فقالت بسرور واضح:
"إذا رسمت لوحة مميزة فلا أحب إلي من أن تعرض ضمن مجموعة لفنان مبدع! سيكون هذا نجاحا كبيرا لي!"
وكانت عيناها تبرقان سرورا...
قلت غير قادر على تحمل المزيد:
"يبدو... يبدو... أنك... مبهورة بالفنان عارف المنذر... ألست كذلك؟؟"
وانتظرت إجابتها وأعصابي تحترق من الغيظ... رغد رفعت بصرها من الكراسة ونظرت إلي... ثم طأطأت رأسها وتوهجت وجنتاها واضطربت تعبيراتها...
ماذا تعنين بربك يا رغد؟؟ كيف تجرئين؟؟
تبا! أي مصيبة ألقت بك علينا أيها العارف؟؟ ومن أين خرجت؟؟
أنا لا أسمح لك بهذا يارغد...
أغلقت الكراسة لأنني لم أستطع تحمل شيء بعد... وبدا الاضطراب على أصابع يدي... لم أقو على كبت مشاعري أكثر... كيف... وأنا أقرأ الإعجاب في عين فتاتي برجل ما... أيا كان؟؟
مددت يدي حتى أمسكت بيدها... وشددت عليها... رغد حملقت بي... وكسا الجد وجهها... رمقتها بنظرات مزجت الغيظ والعتاب والرفض والتوسل... لا أدري إن كانت رغد فهمت أيا منها... تجرأت أخيرا وقلت:
"رغد... لا بد... وأنك... تعرفين أنه... طلب يدك مني".
وتفحصت تعبيراتها بالتفصيل... هربت بناظرها عني... وعلاها الارتباك... وحاولت سحب يدها مني... فشددت عليها أكثر... وقلت:
"إذن...؟؟"
وتأملتها بتركيز شديد... لم تقل شيئا... ولم تحرك ساكنا... غير أن توهج وجهها تفاقم... ما أشعرني بالأم أكثر فأكثر... فشددت على يدها بقوة أكبر... علها تحس بما أعانيه... هذه الحبيبة الخائنة...
قلت:
"ما هو موقفك يا رغد... أخبريني؟؟"
لكنها لم تتفوه بشيء ولم تنظر إلي... أجيبيني يا رغد أرجوك... قولي أنك لا تفكرين في شيء كهذا... وأنك ترين في العالم رجلا غيري أنا... أريحيني أرجوك!.
ولما لم تجب... أرسلتني الأفكار إلى الجنون...
قلت بنيرة عنيفة وقد تفجر الغضب في صوتي:
"تكلمي يا رغد... أطلعيني على ما تفكرين به الآن".
نبرتي القوية أخافت رغد.. فألقت نظرة وجلة ثم حاولت تحرير يدها من قبضتي وقالت بتوسل:
"أرجوك... اتركني".
وأرادت الوقوف والهرب بعيدا... غير أنني لم أطلق سراح يدها ووقفنا معا... هي تحاول الابتعاد وأنا أعيق تحركها...
"أرجوك وليد.."
قلت مباشرة:
"أرجوك أنت... أطلعيني على ما يدور في رأسك".
قفزت دمعة فجأة من عين الصغيرة واجتاحها الحزن...
حرت في تفسير موقفها... قلت:
"أنا من لم يعد يفهمك... ماذا تريدين؟ بمن تفكرين؟"
صاحت رغد ووجهها ينكمش:
"لا أحد...لا شيء... أنا لا أريد أن أتزوج أصلا... أبدا... أنت لن تفهمي.."
وسحبت يدها... وسارعت بالتقاط عكازها ومغادرة المطبخ...
رميت بثقل جسمي على الكرسي... وأسندت رأسي إلى الطاولة... وزفرت زفرة طويلة...
وهذا الموقف العصيب... لم يزد العلاقة بيننا إلا برودا وتباعدا ... وبعد أن كنا نلتقي على الأقل على مائدة الطعام, صرنا لا نلتقي إلا في السيارة... وأنا أقلها ذهابا وعودة إلى ومن الجامعة.
أما الأحاديث التي بيننا فقد تضاءلت لحد التلاشي... ولم نعد نكلم بعضنا البعض غير كلمة أو اثنتين في اليوم الواحد.
كان مأزقا شديدا جدا... أثقل كاهلي وأحنى ظهري... إلا أن الورطة التي تلته... تخطت كل شدة وتجاوزت كل حدة... إنها الكارثة التي قصمت ظهري نهائيا...
كانت ليلة أربعاء... وكنت مستلق في غرفة المعيشة, على وشك النوم, حين وردتني مكالمة هاتفية هيجت كل خلايا اليقضة في دماغي, وغيرت مجرى حياتي مائة وثمانين درجة... على الفور...
كان المتصل أبا حسام... وهو لم يتصل بي منذ فترة.
في البداية تجاهلت الاتصال.. فقد كنت أريد الاسترخاء بعيدا عن أي مؤثر خارجي... غير أن إلحاح المتصل... أثار فضولي.
"مرحبا.."
أجبت فتحدث أبو حسام مباشرة:
"مرحبا يا وليد. كيف حالك؟ أين أنت".
أقلقتني نبرته وسؤاله... فقلت:
"خيرا؟؟"
وفوجئت به يقول:
"هل أنت في المنزل الآن؟؟ أنا عند الباب".
ماذا؟؟!!
"عند الباب؟؟"
سألت مندهشا فأجاب:
"نعم. فإذا كنت موجودا فافتح لي فهناك ما جئت أخبرك عنه".
هببت جالسا بهلع... وسألت:
"ما الأمر؟؟"
فقال:
"دعني أدخل أولا".
وبسرعة ذهبت إلى الفناء وفتحت الباب فوجدت أبا حسام يقف أمام مرآي...
انتابنب الهلع... فوجوده وفي كثل هذا الوقت وبهذه الحال ينذر بالخطر...
قدت الرجل إلى الداخل...وكان يسير بحذر... وذهبنا إلى المجلس الرئيسي وأنا بالكاد أسيطر على ذهولي...
بمجرد أن جلس على المقعد وقبل أي كلام آخر سألته:
"ماذا هناك؟؟"
أبو حسام تلفت يمنة ويسرة... وكأنه يريد أن يستوثق من أن أحدا لا يسمعنا... وكان الجد مجتاحا قسمات وجهه بشكل مخيف...
لطفك يا رب...
تحدث أخيرا وقال:
"هناك أمر خطير يجب أن تعرفه وتتصرف حياله فورا يا وليد".
أفزعتني الجماة, فحملقت به بأوسع عيني... وقلت:
"أي أمر؟؟"
قال وهو يخفت صوته:
"المصادر التي حصلت منها على المعلومات موثوقة مائة في المائة. وأنا أخاطر بإفشائها لك... وقد أتيت سرا لأبلاغك... يجب أن تعيها جيدا وتتصرف حيالها بمنتهى الحذر... وبمنتهى السرعة".
قلت مضطربا:
"جففت حلقي يا عم... أخبرني ماذا هناك؟؟"
وهنا قرب أبو حسام رأسه مني وقال بصوت حذر:
"يتعلق الأمر... بشقيقك".
توقف قلبي عن النبض فجأة... وصدري عن التنفس... واجتاحني فزع مهول... رفعت يدي إلى صدري وقلت بفزع:
"ما به شقيقي؟؟"
أبو حسام ركز أنظاره على وجهي وكأنه يقيس مدى الفزع فيه... ثم سأل:
"أهو هنا؟؟"
فقلت باضطراب:
"لا... لكن مابه شقيقي؟ أرجوك أفصح؟؟ هل أصابه شيء؟؟"
هز أبو حسام رأسه بنفي ممزوج بالأسف... ثم قال:
"ليس بعد... لكنه على حافة الخطر..."
ثم استنشق نفسا قويا من فمه وزفره أسفا ثم قال:
"هل تابعت خبر محاولة اغتيال الوزير... الذي نفذته المنظمة المتمردة قبل أيام؟؟"
أجبت بنظرة من عيني... تابع بعدها أبو حسام قائلا:
"أخوك... متورط مع هذه المنظمة... وشارك في العملية بكل تأكيد".
جفلت... تسمرت في وضعي... تصلبت أطرافي وتيبست عضلاتي... حتى كلمة (ماذا؟؟) لم أقو على النطق بها... أنا ربما... لا أسمع جيدا... ربما أنا نائم؟؟... ماذا... ماذا قلت؟؟
حملقت في أبي حسام... غير مصدق... مذهولا لأبعد حد... فرأيت الجد ينبثق بقوة من عينيه... ثم إذا بي أحس بيده تمسك بكتفي... وصوته يطن في أذني:
"الخبر أكيد تماما... طرت إليك من فوري لأبلغك... أحد الأعضاء وقع في أيدي السلطات وانتزعت منه اعترافات خطيرة... وهي في طريقها للقبض على العناصر جميعا..."
وصمت لحظة... يراقب ردة فعلي وانفعالاتي المذهولة غير المصدقة, ثم أضاف:
"سامر أحد العناصر... متى ما وقع في قبضتهم, فسيعدمونه لا محالة".
أخيرا استطاع فمي النطق متلعثما هاتفا:
"مستحيل!! م... ما... ما الذي... تقوله؟؟"
شد أبو حسام الضغط على كتفي وقال:
"أنا واثق من معلوماتي تماما..."
شهقت ونطقت:
"ما الذي تقوله؟؟ سامر أخي... عضو في... آه... ماذا؟؟ ما هذا الهراء؟؟"
شد أبو حسام على كتفي بحزم أكبر وقال:
"أعرف أنها صدمة... لكن... هذا ليس وقت المفاجأة يا وليد. شقيقك في خطر.. يجب أن تعمل فورا وفي الحال على إخراجه من البلد... الآن يا وليد.. قبل فوات الآوان".
زفرت ونظرت من حولي... علي أجد ما يؤكد لي أنني لست في حلم... كنت رافضا تماما القبول بفكرة أن أخي... أخي أنا... آه كلا... مستحيل...
قلت رافضا ومشككا:
"ربما... ربما".
لكن أبا حسام قال بحزم وجدية بالغين:
"أنا لم أحضر من الشمال إلى الجنوب وبهذه السرعة وهذا الشكل وهذا الوقت لمجرد ( ربما ). وليد... أرجوك أن تستوعب الحقائق بسرعة. حياة شقيقك في خطر حقيقي... إنه متورط مع المنظمة منذ شهور... بعض العناصر هم زملاؤه في العمل في المدينة الصناعية... والعضو المعتقل وتحت وطأة التعذيب أفشى عن خطتهم التالية ومن سينفذها... سينفذونها هنا في المدينة الساحلية قريبا. السلطات ستنصب كمينا وتبتاغهم وترسلهم جميعا إلى الجحيم... لن ينجو إذا ما وقع في قبضتهم... لا مخرج أبدا".
أمسكت برأسي الذي أحسست به يتأرجح على عنقي... وأغمضت عيني لأحول دون رؤية الأشياء بدأت تتراقص من حولي...
أبو حسام وهو يراني هكذا قال حازما:
"يجب أن تتماسك ياوليد... لا وقت للانهيار... يجب أن تنقذه قبل أن يقبض عليه وحينها... لا أمل في إنقاذه".
حركت رأسي تأييدا وأنا لا أزال في مرحلة الصدمة, أجبر نفسي على تخطيها وسباق الزمن...
قلت:
"ماذا أفعل؟؟ كيف أتصرف؟؟"
فقال:
"يجب أن نخرج الشاب من البلد بأسرع أسرع ما يمكن... استخدم كل نفوذك وافعل المستحيل لترحيله إلى الخارج. لا أحد يقع في أيدي السلطات ويعود سالما. وخصوصا في قضية بهذه الخطورة... لا تدخر وسيلة مهما كانت".
مسحت العرق الذي تصبب على وجهي كشلال مياه مالحة... وأخذت أفتح أزرار قميصي العلوية وكأن ذلك يساعد في إزاحة الكتم عن صدري... ثم قلت:
"أنا... لا أعرف أين هو الآن".
فنظر إلي أبو حسام بانزعاج فأوضحت:
"سافر إلى الشمال الجمعة الماضي, ولم يجب على اتصالاتي".
ثم قلت مستنتجا بذعر:
"أخشى أنه..."
فقاطعني:
"لا يزال طليقا... وسيشارك في العملية التالية. لا بد وأنه في الجوار الآن.."
في تلك الليلة... انحرفت الكرة الأرضية عن محور دورانها... وتخبطت واصطدمت في جميع الأجرام السماوية... ولم تبق لا نجما ولا قمرا... إلا وصفعته في رأسي...
غادر أبو حسام المنزل... مخلفا إياي وسط كومة ضخمة هائلة... من حطام الكواكب...
بقيت على ذات المقعد... أتلقى الصفعة تلو الأخرى... فاقدا الحواس الخمس... يحسبني الناظر إلي... جثة متصلبة تنتظر من يواريها...
بعد حقبة من الزمن... الله الأعلم بمداها... عادت الروح إلى جسدي واستطعت التحرك...
وقفت وأنا مفلوق الهامة... يأمرني الشقي الأيمن بالسير يمينا ويأمرني الأيسر بالسير يسارا... حتى إذا ما سرت... ترنحت وكدت أختتم صدماتي بارتطام بالجدار...
صعدت السلم وقادتني قدماي إلى غرفة سامر, في الطابق العلوي.
ربما خيل إلي... أنني سأستيقظ من الكابوس وأرى أخي ينام بسلام على سريره...
لكنه لم يكن على سريره! أشعلت المصابيح غير أن النور لم يكتشف شيئا مستترا....
ولا شعوريا أخذت أفتش بين أغراضه...
مسكين وليد! هل خيل لك دماغك المفلوق... أنك ستجد شقيقك الغائب... مختبئا في أحد الأدراج؟؟
ما وجدته في أحد الأدراج... كان صندوقا... إنه ذات الصندوق الذي رأيته في شقة أخي في المدينة التجارية... والذي تغلبت على فضولي ولم أفتحه...!
ولكن لماذا تتحرك يدي لفتحه الآن؟؟ أي من شقي دماغي يأمرها بذلك؟؟
فتحته... أخيرا فتحته ووقع بصري مباشرة على ما فيه!
اشرأب عنقي... جحظت عيناي... تصادمت قطرات دمي وهي تتدفق بتهور وعشوائية من قلبي...
أتعرفون ماذا رأيت؟؟
لا لن تحزروا...!
لقد كان... مسدسا!!!

 
قديم   #72

نودى نينو


رد: ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ

الجزء التاسع والأربعون


يا شقيقي الوحيد



تقترب الساعة من السابعة والنصف ووليد لم يظهر بعد! سأتأخر عن الجامعة... ألا يزال نائما حتى هذه الساعة؟؟
كان لا بد لي من الذهاب إلى غرفة المعشية – حيث ينام – وطرُقِ الباب...
نحن لا نكلم بعضنا منذ أيام... في الواقع العلاقة بيننا شبه منقطعة منذ زمن... وبعد موضوع الفنان عارف هذا الأخير... لم نعد نتبادل غير التحية...
لكن أنا أرضى من وليد بأي شيء... حتى لو قرر أن يتجاهلني تماما... سأقبل... أريد فقط أن يبقيني تحت جناحه... وأن يسمح لي بأن أراه ولو مرة واحدة كل يوم...
واليوم سيأخذني إلى الطبيب حتى تنزع جبيرة رجلي أخيرا... وأستعيد كامل حركتي... أخيرا...
طرقت الباب مرارا ولم يجبني. كان الوقت يداهمني لذلك لم أتردد كثيرا قبل فتح الباب... والمفاجأة كانت أنه لم يكن في الداخل!
بحثت عنه في المطبخ والغرف المجاورة ولم أجده. شعرت بالقلق... ورجحت أن يكون في الطابق العلوي. لم تكن الخادمة قد استيقظت بعد... اتصلت بغرفته العلوية عبر الهاتف الداخلي وما من مجيب... ازداد قلقي... فاتصلت بهاتفه المحمول... وأخيرا تلقيت ردا:
"نعم رغد"
قالها بسرعة وكأنه على عجلة من أمره أو مشغول... سألته مستغربة:
"أين أنت؟؟"
فأجاب:
"في الجوار... سأصل بعد قليل"
ولكن! إلى أين ذهبت في هذا الصباح الباكر؟؟ وكيف غادرت وتركتني!؟؟
قلت:
"حسنا"
وأنهيت المكالمة وجلست أنتظره في المطبخ. جاء بعد قليل وكان يحمل معه كيسا يحوي أقراص الخبز وفطائر وأطعمة أخرى, فاستنتجت أنه كان في المخبز.
قاد وليد السيارة بسرعة كبيرة نحو الجامعة, على غير العادة... وتلقى ثلاثة اتصالات هاتفيه أثناء الطريق... وكان ظاهرا من كلامه... أن هناك ما يقلقه...
لم أجرؤ على سؤاله... فالتواصل بيننا مؤخرا كان مجمدا... ذهبت إلى جامعتي وقضيت نهاري بين زميلاتي بشكل اعتيادي... دون أن يخطر ببالي... أنه سيكون النهار الأخير...
بعد انتهاء المحاضرات, جلسنا أنا ومرح عند المواقف ننتظر وصول سيارة وليد كالعادة... فهو من كان يوصلنا يوميا ذهابا وإيابا إلى ومن الجامعة. مرت بضع دقائق ولم تظهر السيارة... ووجدت مرح في الانتظار فرصة لتطرح علي السؤال التالي:
"هل من جديد... عن موضوعنا؟؟"
تعني موضوع عرض الزواج!
آه يا مرح! وهل هذا وقته؟؟
لم أشأ أن أكون فظة... وأخبرها مباشرة بأن تنسى الموضوع نهائيا... خصوصا وأن هناك طلب رسمي من عائلتها مقدم رسميا إلى وليد... ولي أمري.. والذي يجب أن يتولى بنفسه الرد الرسمي على الطلب, لم أشأ أن أحرجها وأحرج نفسي لذا قلت متظاهرة بالمرح:
"انتظروا رد أبي!"
لكنني لم أتخلص منها إذ سألت من جديد:
"ماذا عن رأيك أنت؟؟ هل توافقين على الفكرة مبدئيا؟؟"
واحترت بم أجيب؟!
ربما فسرت مرح حيرتي بأنها قبول وخجل... فها هي تبتسم بسرور!
أظهرت الجد على ملامح وجهي وقلت:
"مرح... هناك شيء لم أطلعك عليه من قبل"
فاتسعت ابتسامتها وقالت بفضول مندفع ممزوج بالمزح:
"ما هو؟؟ أخبريني!سرك في بئر!"
آه! يبدو أنه من الصعب أن تأخذ مرح الأمور بجد حقيقي!
قلت وأنا مستمرة في نبرة الجد:
"لقد... كنت مخطوبة في السابق"
اتسعت حدقتا مرح بشدة... وحملقت بي غير مصدقة, فقلت مؤكدة:
"نعم... ولعدة سنوات!"
قالت بعد ذلك وفمها مفغور:
"أحقا!! لا أصدق! كيف!؟؟ متى؟؟ أين؟؟ من؟؟"
انتظرت حتى تستفيق من أثر المفاجأة ثم قلت:
"بلى صدقي"
فقالت مباشرة:
"متى رغد!؟"
أجبت:
"منذ سنين... كنت صغيرة...و... لقد انفصلت عنه... قبل شهور"
لم تخف مرح دهشتها الشديدة...
أستغرب من نفسي!!
كيف أذكر هذا الموضوع وكأنه موقف عابر وانتهى... بينما كان في الواقع حدثا استمر لأربع سنين؟؟!!
أربع سنين عشتها مخطوبة لسامر... وأنا لا أعرف ما هي حقيقة مشاعري نحوه... أصلا... لم أكن أعرف أن هناك أنواع من الشعور... لم أذق منها سوى طعما واحدا... إلى أن ظهر وليد في حياتي من جديد... وأذاقني أصنافا أخرى...
سألت مرح:
"من كان؟؟"
فنظرت إليها نظرة قوية... ثم أبعدت بصري عنها وطأطأت رأسي... وبعد تردد قصير أجبت:
"ابن عمي"
حينها هتفت مرح بدهشة وهي ترفع يدها إلى فمها:
"المليونير!!! وليد شاكر!!؟؟"
التفت إليها بسرعة وقد لسعني تعليقها بقوة فأجبت بتوتر:
"لا... لا..."
ثم زممت شفتي وأضفت:
"شقيقه الأصغر"
فقالت مرح وقد بدا وكأنها آخذة في الاستيعاب:
"هكذا... إذن!"
ثم صمتت قليلا... وعادت تسأل:
"و... لماذا انفصلتما؟؟"
وعند هذا الحد كان يجب أن نتوقف... قلت وأنا أفتح حقيبتي وأستخرج هاتفي وأتظاهر بعدم الاكتراث:
"لا نصيب"
واتصلت مباشرة بوليد... أسأله عن سبب تأخره...
وأدهشني وحيرني حين أجاب:
"أنا آسف يا رغد. لا أستطيع الحضور الآن. مشغول جدا. عودي مع صديقتك"

**********

كنت ساعتها أبذل كل الجهود الممكنة والمستحيلة من أجل تسهيل أمر ترحيل أخي إلى الخارج في أي لحظة تصل يدي إليه... اتخذت عشرات التدابير... ووضعت عدة خطط وبدائل خطط... استعدادا للعملية...
لم يعد لدي شك في أن أخي بالفعل متورط مع تلك المنظمة... ولم أعد بحاجة إلى دليل إضافي بعد ما وجدت في الصندوق...
لا وقت لدي كي أستوعب وأحلل... أنا هنا فقط لأعمل وأعمل... بشتى الطرق... لأعثر عليه وأخرجه من البلد قبل أن تسبقني السلطات إليه...
ولشخص مثلي... عاش في السجن ثمانية أعوام... ورافق مجرمي أمن البلد... وعاصر مصارعهم أمام عينيه, لا أحد بحاجة لأن يشرح لي... ما الذي يمكن أن يلاقيه أخي... لو تم اعتقاله...
عدت إلى المنزل عند الخامسة... في أشد أشد حالات الإعياء والتعب...
عند وصولي استقبلتني رغد بوجه قلق... وسألتني مباشرة:
"تأخرت وليد..."
وسرعان ما لاحظت أثر الإعياء صارخا على وجهي... فقالت هلعة:
"ماذا هناك..."
فركت عيني اللتين لم تذوقا للنوم طعما منذ البارحة ثم قلت:
"متعب من العمل... سأخلد للنوم"
وخطوت خطوة باتجاه غرفة المعيشة, فاستوقفتني رغد قائلة:
"موعدي مع الطبيب"
فتذكرت... أن اليوم... هو موعد نزع جبيرة رغد... وهو أمر ألغاه من ذاكرتي ما حل مكانه بكل قوة...
التفت إليها وقلت:
"لا وقت لدينا"
فنظرت إلي بحيرة واستغراب وحزن... عندها اقتربت منها خطوة وقلت:
"رغد... اجمعي أهم أشياءك في حقيبة... جهزيها في أسرع وقت اليوم"
بدا الذعر على وجه صغيرتي ورفعت يدها نحو عنقها وقالت متوجسة خيفة:
"ستعيدني إلى خالتي؟؟... كلا أرجوك"
فحملقت فيها قارئا مخاوفها وتوسلاتها ثم قلت:
"ليس هذا... قد نضطر إلى سفر طارئ وحرج في أية لحظة... استعدي"
وتابعت سيري إلى غرفة المعيشة تاركا إياها في حيرتها... واستلقيت على الكنبة وغرقت في النوم بسرعة...
"وليد... سامر هنا"
فتحت عيني... واستفقت لأكتشف أنني لا زلت نائما على الكنبة... وأرى رغد تقف أمامي...
لكن... مهلا... ماذا كانت تقول؟؟ ماذا كنت أحلم؟؟ ماذا سمعت؟؟ ماذا هيئ لي؟؟
استويت جالسا وأنا لا أزال بين النوم والصحوة... ونظرت إلى ساعة يدي... فرأيتها تشير إلى الثامنة مساء...
أوه... الصلاة...
قلت:
"لماذا لم توقظيني عند المغرب؟"
كان شيئا من القلق علو وجهها... وسمعتها تقول:
"لم أكن أعلم أنك لا تزال نائما... أحسست بحركة في المنزل فبحثت عنك... ووجدتك نائما هنا... سألت الخادمة فأخبرتني بأنها رأت السيد الأصغر يصعد السلم... أتيت لأوقظك وأخبرك بهذا"
لخمس ثوان بقيت محملقا فيها أستوعب ما قالته... ثم... وبسرعة البرق... قفزت من مكاني وركضت طائرا نحو الطابق العلوي...
أقبلت باندفاع نحو غرفة شقيقي وكان الباب مغلقا... ففتحته بسرعة واقتحمت الغرفة...
وكم كاد قلبي أن ينفجر من البهجة... حين رأيت شقيقي سامر... يقف أمام عيني...
"الحمد لله"
انسكبت الجملة من لساني وطرت نحو شقيقي وطوقته بذراعي وضممته إلى صدري...
"حمدا لك يا رب... حمدا لك يا رب"
ألف حمد لك يا رب... فقد رددت إلي شقيقي سالما... حيا... معافى... الآن أستطيع أن أخبئه... أن أحميه بحفظك... وأبعده عن الخطر...
أزحت ذراعي عن أخي ونظرت إلى عينيه... فرأيت الشك... والاتهام ينبعثان منهما... وانتبهت حينها إلى الصندوق الذي كان سامر يخبئ فيه السلاح... موضوعا ومفتوحا على السرير...
كلانا نظر إلى الصندوق... ثم إلى بعضنا البعض... ونظرتنا تبلغ إحداها الأخرى... بما استنتجت...
أخيرا نطق سامر قائلا:
"أين هو؟؟"
يقصد المسدس.. والذي أخذته أنا من صندوقه ذلك اليوم, وأخفيته...
لم أجب... فكرر سامر وبنبرة أغلظ وأشد:
"أين هو؟؟"
حدقت به برهة ثم قلت:
"تخلصت منه"

 
قديم   #73

نودى نينو


رد: ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ

بدأ وجه شقيقي يضطرب... تغيرت ألوانه وتبدلت سحنته... وزفر بنفاذ صبر وعاد يكرر:
"وليد... أخبرني أين وضعته؟؟ ولماذا سمحت لنفسك باقتحام غرفتي والعبث بأشيائي؟؟"
قلت محاولا امتصاص غضبه وأنا أمسك بذراعه:
"دعنا نجلس ونتحدث"
غير أن أخي سحب ذراعه من يدي وهتف بعصبية:
"أعده إلي يا وليد الآن... لا وقت عندي"
فنظرت إليه بعطف وقلت:
"لا وقت... لماذا؟؟ ما أنت فاعل؟؟"
فرد باقتضاب:
"ليس من شأنك... ولا تقحم نفسك في ما لا يخصك"
فرددت مباشرة معترضا:
"لا يخصني؟؟ أنت شقيقي يا سامر... شقيقي الوحيد وكل ما يتعلق بك يخصني ويعنيني"
قال سامر بعصبية وصبر نافذ:
"وليد لو سمحت... لا داعي لتضييع الوقت في الكلام... أعد السلاح إلي في الحال ودعني أذهب"
وكلمة (أذهب) هذه هزت جسدي من شعر رأسه إلى أظافر قدميه... ثم هززت رأسي بــ (كلا) فما كان من أخي إلا أن تجاوزني وسار مندفعا نحو الباب وهو يقول:
"سأفتش عنه بنفسي"
وانطلق نحو غرفة نومي... دخلها وباشر بتقليب الأشياء وبعثرة كل ما تقع يده عليه, بحثا عن المسدس...
وقفت عند الباب أراقبه... وأنا لا أصدق أنها الحقيقة... أخي أنا... عضو في منظمة للمتمردين... يشارك في تنفيذ عمليات إجرامية؟؟ أخي أنا... يملك سلاحا... ويغتال البشر...؟؟
"أين أخفيته يا وليد تبا لك!"
قال ذلك بعد أن اشتط به الغضب ويأس من العثور على ضالته... فقلت: "لا تتعب نفسك... إنه ليس هنا"
التفت إلي والشرر يتطاير من عينيه وزمجر:
"إذن... لن تدلني على مكانه؟؟"
فأجبت بحزم مع مرارة:
"أبدا"
وما كان من شقيقي إلا أن ألقي ما كان في يده وسار منطلقا إلى خارج الغرفة وباتجاه السلم...
تبعته وأنا أقول:
"إلى أين ستذهب؟؟ إنه ليس في المنزل"
فسمعته يرد:
"إذن... سأترك لك أنت المنزل"
انفجرت القنابل في رأسي... ركضت خلفه وأنا أهتف:
"انتظر... انتظر"
قفزت الدرجات قفزا حتى أدركته عند أواخرها وأطبقت بيدي على ذراعه... قلت:
"لن أدعك تخرج"
سامر حاول تحرير ذراعه من قبضتي فشددت أكثر... فصرخ في وجهي:
"اتركني"
غير أنني شددته أكثر وأعقته عن التقدم...
حينها سدد ركلة بركبته إلى معدتي مباشرة... وفرط الألم أصابني بشلل مفاجئ... فتمكن من الإفلات من قبضتي وهرول مبتعدا...
لحقت به بسرعة وأدركته عند الممر فأمسكت به وجذبته وأنا أهتف:
"لن أدعك تذهب يا سامر... لن ادعك"
ودارت بيننا معركة عنيفة... أشد شراسة وضراوة من تلك التي أشعلناها ليلة زيارة (عارف المنذر) لنا...
كنت أضربه وأنا أتألم... أمزق ملابسه وأنا أتمزق... أدميه وأنا أنزف... يستحيل أن أتركك تخرج يا سامر... وإن اضطررت لكسر ساقيك فسأفعل... لكنني لن أدعك تقع في أيدي السلطات... لن أدعهم يلمسوا منك ولا شعرة واحدة...

*********

وقفت أشاهد عراك ابني عمي الجنوني مذعورة... ألصق جسدي بالجدار خشية أن تنالني صفعة طائشة من أي من قبضتيهما!
كلما ضرب أحدهما الآخر أطلقت صيحة ذعر وأخفيت عيني خلف راحة يدي.. وانتفض جسمي. كان سامر يحاول التوجه إلى المدخل.. إلى الباب.. لكن وليد كان يجره في الاتجاه المعاكس وهو يصرخ:
"لن أسمح لك بالذهاب... لن أدعهم يمسكون بك... لن أسلمك للموت بهذا الشكل أبدا"
وسامر يحاول التحرر من يده وهو يصرخ:
"اتركني... لا شأن لك بي..."
فيرد وليد:
"سيقبضون عليك ألا تفهم؟؟ سيلقون بك في السجن إلى أن يعدموك بأبشع وسيلة.. أنا لن أسمح لهم بالوصول إليك"
ويحتدم العراك بين الشقيقين وأرى اللون الأحمر يشق جداول وبركا على جسديهما...
يضرب سامر ساق وليد بقوة فيجثو أرضا... ويحاول سامر الفرار فتقبض يدا وليد على رجله ويشده بعنف فيفقد توازنه ويقع أرضا... يطبق وليد على رجلي سامر ويجره في الممر عنوة... يحاول سامر النهوض ويفشل.. يصرخ:
"اتركني... ابتعد"
ويوجه ركلة بقدمه نحو وليد فتصيب أنفه مباشرة... لكن وليد لم يطلق سراح سامر من قبضته بل جره وهو يحك جسده بالأرض... ويحاول سامر غرس أظافره في الرخام الأملس دون جدوى... فيصرخ بصوت أقوى وأعنف:
"اتركني أيها الوحش"
ووليد مستمر في جر أخيه إلى أن أدخله مجلس الضيوف... لم أعد من مكاني أستطيع رؤيتهما لكن صراخهما كان يدوي في كل المنزل... وسمعت أيضا صوت المزيد من الركلات والضربات والآهات المتوجعة القوية... والتي جعلتني أرجح أن كسرا ما قد أصاب عظام منهما...
لم أشعر إلا ودموع الرعب تنسكب فائضة من عيني...
لقد... سبق وأن عاصرت عراكا بينهما,ولكن ما يحدث الآن... يفوق حد الجنون...
"رغد"
فجأة انتفض جسمي على صرخة أحد يهتف مناد باسمي...
"رغد... تعالي بسرعة"
حتى أنني لقوة الزمجرة لم أعرف صاحبها...
"رغد أسرعي"
أمسكت بعكازي وهرولت نحو المجلس تاركة قلبي معلقا على الجدار الذي كنت أستند إليه... فور وصولي إلى فتحة الباب وقع بصري على وليد يلوي ذراع سامر وهو يلصقه بالجدار بينما يحاول سامر التملص ويسدد رفسات عشوائية نحو رجلي وليد...
"أغلقي الباب بالمفتاح"
قال ذلك وليد, فنظرت إليه غير مستوعبة... ماذا يقول..؟؟
فصرخ:
"هيا بسرعة.."
ارتجفت من صرخته ونظرت إلى الباب ورأيت المفتاح مغروسا في ثقبه...
صرخ وليد:
"أقفليه بسرعة هيا"
وفي نفس الوقت صرخ سامر:
"إياك يا رغد"
فصرخ وليد صرخة مجلجلة:
"تحركي"
انصعت بعدها لأمره بلا إدراك, وأغلقت الباب وأقفلته...
وقفت خلف الباب المقفل واضعة يدي على صدري... وأنا أحملق في المفتاح... ولم يعطني العراك الذي هز الباب أمام مرآي, أي فرصة للتفكير واستيعاب ما يجري...
ابتعدت عن الباب وأنا أتوقع أن يقلع في أية لحظة... كان جسد أيا منهما يرتطم به المرة بعد الأخرى... ثم أخذت قبضتا أحدهما تدكه دكا...
"افتحي يا رغد"
لقد كان سامر...
"إياك أن تفتحي... ابقي مكانك"
صوت وليد...
وتداخلت الأصوات الصارخة الثائرة المجنونة... افتحي لا تفتحي... حتى شعرت بالدوار وخررت على الأرض...
انطلق البكاء المكبوت من صدري أخيرا وأخذت أصرخ:
"ماذا يحدث... ما الذي تفعلانه؟؟ ماذا حل بكما؟؟"
وأنا لا أفهم شيئا...
ثم سمعت ضربات قوية على الباب أوشكت على اختراقه من شدتها... وصراخ سامر يهتف:
"افتحي الباب يا رغد"
يليه صوت وليد:
"لا تستمعي إليه يا رغد... إذا خرج فسوف يقتلونه... إياك يا رغد..."
التفت إلى الباب وهتفت:
"من يقتلون من؟؟"
فجاءني رد وليد:
"الشرطة تطلبه... سيجدونه حتما... أنا سأنقذه قبل أن يصلوا إليه..."
أنا... لا أفهم شيئا... لا أفهم شيئا...
"رغد"
ناداني وليد:
"رغد أتسمعين؟؟"
أجبت:
"نعم"
قال:
"أحضري هاتفي المحمول بسرعة"
لم أعقب... فقال:
"هل تسمعينني يا رغد؟؟"
قلت:
"ما الذي يجري؟؟ أنا لا أفهم؟؟"
فقال:
"أحضري هاتفي... ولا تفتحي الباب إلا حين أطلب أنا ذلك... بسرعة يا رغد"
ونهضت, وامتثلت لأمر وليد وجلبت هاتفه من غرفة المعيشة. وقفت عند الباب وقلت:
"الهاتف"
فسمعته يخاطب سامر:
"دعني أنقذك يا سامر... أنا أعرف سبيلا لذلك... لا تعترضني أرجوك"
لكن الظاهر أن سامر انكب مجددا على وليد وتعاركا ثانيا...
"ما الذي تريده مني؟؟ لماذا لا تتركني وشأني؟؟"
قال سامر, فأجاب وليد:
"لن أتركك وشأنك يا سامر... إنهم سيقبضون عليك ويقتلونك ألا تفهم؟؟"
فقال سامر:
"وما الذي يهمك أنت؟؟ هذه حياتي أنا"
فيرد وليد بصوت شجي متألم:
"كيف تقول ذلك؟؟ إنك أخي الوحيد... كل من تبقى لي من عائلتي... أنا لا أقبل أن يصيبك أي ضرر"
فرد سامر:
"منافق"
فجاء صوت وليد يرد بألم أشد:
"أنا يا سامر؟؟"
فيقول سامر:
"أنت أصلا لم تكترث لي ولمشاعري... أي أخوة وأي نفاق"
وحل صمت مفاجئ... بعد طول جلبة وضجيج... ثم سمعت وليد يقول:
"أكترث لك ولكل ما يعنيك يا سامر... ألا ترى ما أنا فيه؟؟ ألا ترى؟؟ ألا تعرف ما حل بي منذ عرفت؟؟"
ثم أضاف:
"دعني أجري اتصالاتي وأتصرف بسرعة قبل فوات الأوان"
فقال سامر:

 
قديم   #74

نودى نينو


رد: ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ

"وفر جهودك... لقد فات الأوان... أنا لا يهمني أي شيء... لا الحياة ولا الموت"
فرد وليد:
"لم يفت الأوان... سأعمل على إخراجك من البلد ومن كل بد"
ثم تغيرت نبرته إلى الرجاء وقال:
"ابق مكانك... أرجوك أنا مرهق... لا طاقة لي بالمزيد"
ثم اقترب صوته... صار عند الباب مباشرة... خاطبني أنا قائلا:
"رغد افتحي الباب"
وبقيت لثوان مترددة... وسألت:
"هل أفتح؟؟"
فأجاب:
"نعم افتحي"
بحذر أدرت المفتاح في ثقبه... ثم رأيت قبضة الباب تدور... والباب ينفتح ويظهر منه وليد... بمظهر فظيع ومرعب...
تحرك وليد بسرعة إلى الخارج وصد محاولة سامر للحاق به وأغلق الباب وأقفله فورا...
أخذ سامر يضرب على الباب بيديه ورجليه وهو يصرخ طالبا منا فتحه ووليد واقف على الناحية الأخرى يقول:
"لن أفتحه يا سامر... أرجوك لا تعقد علي الأمر... انتظر حتى أؤمن فرارك... أرجوك ثق بي"
صرخ سامر:
"جبان... ستدفع ثمن هذا..."
ولم يجب وليد...
رأيته يطأطئ رأسه... ثم يمسح براحته على وجهه ثم يرفه رأسه متأوها ويمسد على ذراعه... ثم يستدير إلي...
هل أصف لكم كيف كان؟؟
يفوق الوصف...
الملابس... ممزقة... ملطخة بالدماء... العنق... مخطط بالخدوش الدامية... الشعر مبعثر في كل الاتجاهات... كعش هجره عصفوره قبل أن يكمله... الوجه متورم شديد الاحمرار... متغير الملامح... يحملق الناظر فيه بضع دقائق... ليعرف صاحبه... وشارعان متوازيان من الرواسب المالحة... يمتدان من المقلتين شاقين الوجنتين... ينتهي أحدهما إلى غابة من الشعر الأسود... والآخر يصب كنهر ناضب في بركة من الدماء الغزيرة...تنبع من أنفه...
وليد... قلبي!!!
مد وليد يده باتجاهي... ومن فرط ذهولي بفظاعة منظره... لم أفهم ما يعني...
هل... هل يريد أن... أشد على يده وأربت عليه؟؟
أم... يريد أن... أنظف جراحه وأضمدها؟؟
أم... يريد أن يستند إلي... نعم... فهو في حالة فظيعة... وربما لا يستطيع السير بمفرده...
لما أحس وليد ضياعي, قال:
"الهاتف"
هنا ضرب سامر الباب وصرخ:
"افتحوا الباب... دعوني أخرج من هنا"
تناول وليد الهاتف من يدي, ثم نزع المفتاح من ثقبه, ونظر إلي وقال:
"إياك يا رغد... أن تفتحي له... إياك"
وربما لاحظ تيهي... وعدم استيعابي لشيء... فقال مؤكدا ومحذرا:
"حياته بين أيدينا... إياك وفتح الباب مهما حصل... أتفهمين؟؟"
أفهم؟؟ أفهم ماذا يا وليد؟؟
هززت رأسي كيفما اتفق... وحاولت أن أنطق بسؤال, غير أن وليد كان قد باشر بالاتصال الهاتفي... وابتعد عني... واختفى...
بعد ذلك بأربعين دقيقة وفيما كنت أجلس في غرفتي في حيرتي وهلعي أتاني وظاهر عليه أنه استحم ونظف جروحه وبدل ملابسه وأخبرني بأنه سيخرج في مشاوير مهمة وسيعيد الخادمة إلى مكتب التخديم... وسألني إن كنت قد جهزت حقيبة السفر وانزعج عندما أجبته بالنفي...
"لا وقت أمامنا يا رغد... اجمعي أهم أشياءك واستعدي للسفر الطارئ خلال يومين أو ثلاثة"
تفاقم القلق على وجهي وسألت:
"ألن توضح لي ما يحصل؟؟"
فأجاب إجابة مقتضبة وهو يستدير ويغادر:
"تورط في عمليات شغب خطيرة... السلطات ستقبض عليه... أريد أن أفر به من البلد وبعدها نوضح الأمور"
توقف وليد واستدار إلي ونظر إلي نظرة جد وتحذير:
"لا تفتحي الباب يا رغد... إياك"
أطال النظرة إلي, ثم غادر... تاركا إياي في ذهول ما بعده ذهول...
بعد ذلك بفترة قصيرة... خرجت من غرفتي وتسللت بحذر نحو غرفة المجلس... اقتربت من الباب, وألصقت أذني به مسترقة السمع لأي حركة أو صوت يصدران من الداخل... كان الهدوء التام يغمر الغرفة بحيث لا تصدق أنها كانت تعج بالصراخ كالبركان قبل فترة...
همست بصوت خفيف:
"سامر"
ولم أجد جوابا, فطرقت الباب طرقا خفيفا وأنا أنادي:
"سامر... هل تسمعني؟؟"
جاء صوت سامر يجيب:
"رغد"
ثم أحسست بحركة... سمعت سامر بعدها يقول وقد اقترب صوته من الباب:
"أين وليد يا رغد؟؟"
أجبت:
"خرج من المنزل"
فسأل:
"إلى أين ذهب؟؟"
قلت:
"قال أن لديه مشاوير ضرورية ليقطعها"
صمت سامر... فقلت:
"كيف إصاباتك؟؟"
فأنا لا أستبعد أن يكون عظم منه قد كسر... بعد العراك الوحشي مع وليد. لم يجب سامر فالتزمت الصمت قليلا ثم سألت:
"ماذا يحدث يا سامر؟؟ أخبرني"
ولكنه لم يجب. فواصلت:
"أرجوك قل لي... ما الذي فعلته ويعرض حياتك للخطر؟؟ ولماذا؟؟ أنا لا أصدق..."
قال سامر فجأة:
"رغد افتحي الباب"
ابتعدت عن الباب, وكأنني أخشى أن أنصاع للأمر بمجرد قربي منه... ولم أعقب... فقال سامر بنبرة رجاء شديد:
"أرجوك يا رغد... افتحي الباب... هناك من ينتظرني... الأمر مهم جدا"
فتشجعت وسألت:
"أي أمر؟؟"
فسكت سامر برهة ثم أجاب:
"لا أستطيع أخبارك... افتحي الباب ودعيني أخرج قبل عودة وليد... إنه لا يعرف شيئا ولا يفهم الحقيقة"
أعدت ذات السؤال:
"أي حقيقة؟؟"
فقال بنفاذ صبر:
"لا أستطيع أن أشرح لك الآن... يجب أن أخرج وإلا فإن كارثة ستحل بأصدقائي... أرجوك يا رغد... افتحيه ودعيني ألحق بالأوان قبل فواته"
تراجعت للوراء خطوة وأنا أهز رأسي رفضا... وكأنني أحذر نفسي وأنذرها من مغبة الانصياع...
سمعت سامر يطرق على الباب وهو يقول:
"أين أنت يا رغد... أرجوك... افتحيه"
فقلت:
"لا أستطيع"
قال:
"لماذا؟؟"
فأجبت:
"وليد..."
وقبل أن أتم الجملة قاطعني قائلا بحنق:
"وليد لا يعرف الحقيقة... إنه سيندم كثيرا حينما يكتشفها... لا وقت لأوضح لك يا رغد... أرجوك افتحيه وخلصيني"
قلت:
"انتظر حتى يأتي وليد وبين له الحقيقة... ثم... ثم إن المفتاح معه هو"
فقال:
"ستجدين مجموعة المفاتيح الاحتياطية في درج مكتبه كما يتركها عادة... هاتي المجموعة وفتشي عن المفتاح المناسب. بسرعة يا رغد... أرجوك"
قلت وأنا أبعد يدي خلف ظهري:
"لا أستطيع يا سامر... وليد حذرني"
فإذا به يقول فجأة:
"طبعا ستطيعينه هو"
فوجئت من كلامه, وسحبت يدي نحو صدري ثم قلت مبررة:
"لأنه... قال... إن هذا خطر على حياتك"
فرد سامر بعصبية:
"غير صحيح... إنه مخطئ... بقائي هنا خطر على حياتي وحياة أصدقائي"
ثم أضاف:
"أنت تشاركين في تعريض حياتنا للخطر... هل هذا يرضيك؟؟"
قلت:
"لا"
فقال:
"إذن افتحي الباب... وأنا أضمن لك بأننا سنكون بخير وممتنين لك على إنقاذنا"
"أحقا؟؟"
"أجل يا رغد... هيا الآن افتحيه... وأنا سأتصل بوليد وأشرح له كل شيء... عجلي أرجوك"
احترت في أمري... فسامر يبدو صادقا جدا فيما يقول... وكان يقنعني بأنني أعرض حياته للخطر بإبقائه حبيسا... لكن نظرات وليد المهددة... وهو يخاطبني قبل خروجه مباشرة تجعلني أتردد... وأبتعد عن الباب...
"رغد... الآن"
قال سامر... غير أنني أجبت حاسمة الأمر:
"لا أستطيع يا سامر... سامحني"
وسمعت على أثرها ضربة قوية تصدع الباب لها...
عدت إلى غرفتي وبدأت أحاول جمع أهم حاجياتي في حقيبة صغيرة... وبعد نصف ساعة سمعت ضربا على باب غرفة المجلس, وصوت سامر يناديني...
توجهت إليه مسرعة وقلت:
"نعم سامر أنا هنا"
فقال:
"رغد هل لي ببعض الماء من فضلك؟؟"
ولما لاحظ صمتي قال بنبرة رجاء:
"أكاد أموت عطشا... اجلبي لي قارورة كبيرة رجاء"
قلت بتردد:
"لكن..."
فقال بنبرة أشد رجاء... تذوب لها الصخور الصلبة:
"لكن ماذا يا رغد؟؟ سألتك بالله... حلقي تجرّح من شدة الجفاف... تكاد دمائي تتخثر في عروقها... أرجوك ولو كأسا واحدا"
انفطر قلبي لكلامه... لم أتحمل... ألقيت بثقل جسدي على الباب وقلت بنبرة توشك على البكاء:
"لا تخدعني يا سامر... أرجوك"
فقال:
"أخدعك؟؟ أقول لك إنني أكاد أموت عطشا... تبخرت سوائل جسمي في العراك مع ابن عمك... ألا ترحمين بحالي؟؟"
وللألم المرير الذي أحسسته, عزمت على أن أقدم له الماء... ولكنني ما كدت أبتعد بضع خطوات حتى سمعت صوت جرس المنزل يقرع...
كان قرعا متواصلا مربكا... شعرت بالخوف, وعدت أدراجي إلى الباب أخاطب سامر:

 
قديم   #75

نودى نينو


رد: ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


ღ رواية أنت لىَ (وليد ورغد) ღ


"جرس الباب يقرع"
قال:
"أسمعه"
قلت:
"من يكون؟؟ ولماذا يقرع بهذا الشكل؟؟"
فقال سامر:
"تجاهليه... إياك وأن تجيبيه"
وزادت الجملة فزعي... فقلت:
"من هذا؟؟ لا أشعر بالطمأنينة... أنا خائفة"
فقال:
"اسمعي يا رغد... اتصلي بوليد وأخبريه عن هذا وقولي له أن يتوخى الحذر"
فقلت وقلقي يتفاقم:
"هل تعرف من يكون؟؟"
فأجاب:
"لا ولكن الحذر واجب"
توقف القرع وأنا أتصل بوليد...
أخبرته فحذرني من الإجابة على أي طارق وأمرني بأن أبقى ساكنة لحين عودته.
سألني عن سامر فأخبرته بأنه يشعر بالعطش ويطلب الماء فنهاني عن تصديقه وأكد علي بألا أقترب من الباب نهائيا, وأخبرني بأنه سيعود بعد قليل...
وهذا القليل استمر قرابة الساعة... ولم تكن كأي ساعة...
جلست قرب عتبات متصلة بالممر المؤدي إلى غرفة المجلس... في منتصف المسافة ما بين باب المدخل الرئيسي للمنزل وباب المجلس... وألصقت أذنا على كلا البابين...
الأذن اليمنى كانت تسمع سامر وهو يسأل بمرارة:
"أين الماء يا رغد؟؟"
والأذن اليسرى تترقب عودة وليد... وأخيرا التقطت هذه الأذن صوت باب المدخل يفتح...
هببت واقفة ويممت أنظاري شطر المدخل... متلهفة لرؤية وليد يدخل... فيسكن قلبي...
إن مجرد الإحساس بوجوده فيما حولي... يشعرني بالطمأنينة والأمان... "لم تقفين هنا؟؟"
سألني بقلق وهو ربما يلحظ التعبيرات المتلهفة على وجهي, قلت:
"تأخرت"
فقال:
"توخيت المزيد من الحذر..."
فقلت بشيء من الاندفاع:
"سامر عطشان... عجل إليه بالماء أرجوك"
ورأيت عضلات فكه تنقبض ثم عقب:
"لعن الله الظالمين"
وسار مباشرة إلى المطبخ, وحمل قارورة ماء وكأسا فارغا واتجه بهما إلى غرفة المجلس...
"سامر... جلبت لك الماء"
قال وليد بعد أن طرق الباب واستخرج المفتاح من جيبه... ثم أضاف:
"أرجوك... لنتصرف كراشدين"
وبعد تردد قصير, فتح الباب ودخل...

**********

رأيت شقيقي جالسا على أحد المقاعد... مبعثر الشعر والملابس, وعليه إمارات الإعياء... وتصبغ ألوان الطيف وجهه المجروح... اقتربت منه وأنا أحمل القارورة الماء وكأسا... ملأته بالماء ثم قربته إليه وقلت:
"تفضل"
رمقني أخي بنظرة حادة... وبدا كأنه متردد... ثم حرك يده باتجاه الكأس.
تناول الكأس مني, وألقى علي نظرة, ثم... إذا به يسكب محتواه فجأة نحو وجهي...
وقف بسرعة وألقى بالكأس وهرول نحو الباب. وضعت القارورة جانبا وركضت خلفه مسرعا وأمسكت به وجررته إلى الداخل, ثم دفعت به بقوة نحو المقعد وجريت نحو الباب وخرجت وأقفلته على الفور.
سمعت صوت أخي يصرخ:
"افتح يا وليد... أنا لست حيوانا لتحبسني هكذا"
فرددت بانفعال:
"ستبقى حبيسا هنا يا سامر إلى حين موعد السفر. لن أسمح لأي مخلوق بأن يصل إليك. أتسمعني؟؟ سأخرجك من البلد بعد الغد"
فصرخ سامر:
"ومن قال لك أنني أريد أن أخرج؟؟"
فقلت بعصبية:
"ستخرج يا سامر. ستفعل ما أطلبه منك حرفيا.. أفهمت؟؟ أنا دبرت كل شيء... لا فكرة لديك عما فعلته وما بذلته لأجل ترحيلك... مهما صرخت ومهما قاومت ومهما تعاركت.. ستفعل ما أريده أنا... شئت أم أبيت ستنفذ خطتي"
هاج سامر من جديد, وأخذ يضرب الباب حتى خشيت أن ينجح في اقتلاعه... التفت إلى رغد فرأيتها تنظر إلي نظرات ذعر واتهام...
لا أنقصك الآن يا رغد... أرجوك...
ابتعدت عن الممر وقلبي يعتصر لحالة شقيقي... ذهبت إلى مكتبي لأخذ بعض الأشياء ثم صعدت إلى الطابق العلوي لأعد حقيبة سفري...
كانت الأشياء مبعثرة في غرفة نومي... فقد قلبها أخي رأسا على عقب وهو يفتش عن السلاح...
استخرجت حقيبة سفر صغيرة وبدأت أجمع فيها أهم الحاجيات... وفي ذات الوقت أحاول إعادة النظام إلى الغرفة ولو قليلا...
فجأة... رأيت شيئا لم أكن أتمنى أن أراه آنذاك... شيئا أسطواني الشكل... مرميا مع مجموعة من الأشياء المبعثرة على الأرض...
صندوق أماني رغد!
وصدقوني... لم أنتبه ليدي وهي تضعه في الحقيبة خطأ... كنت شاردا... ولم أكتشف ذلك إلا لاحقا...
بعد أن انتهيت من إعداد تلك الحقيبة, أقفلت باب غرفتي ثم ذهبت لتفقد غرفة سامر... وأخذت منها هاتفه وحقيبته اليدوية والتي كانت تحتوي وثائق مهمة, وأشياء أخرى... ثم أقفلتها وبقية الغرف, وحملت الحقيبتين إلى الطابق السفلي, ثم ذهبت إلى رغد واستلمت منها حقيبتها, ونقلت الحقائب الثلاث إلى السيارة المركونة في المرآب... عندما عدت للداخل وجدت رغد تقف في انتظاري, وطبعا ألف علامة استفهام تدور حولها... لكنها لم تسألني عن شيء... ربما من هول الموقف... ألقت علي نظرة... وعادت أدراجها إلى غرفتها.
يدرك كلانا أن المأزق خطير وأنه ليس بالوقت المناسب للكلام...
اقتربت من باب غرفة المجلس, تحسسته... وداهمني ألم فظيع في معدتي... فانسحبت إلى غرفة المعيشة وابتلعت قرصين من دوائي لم يأتيا بمفعول يذكر وبقيت أتلوى على المقعد لوقت طويل...
الساعة الرابعة فجرا يرن منبه هاتفي المحمول, يوقظني لتأدية الصلاة...
أنهيت صلاتي وتلاوتي لآيات الذكر الحكيم ودعائي للرب الرحيم... ثم ذهبت إلى المطبخ ولا شيء يشغل تفكيري غير أخي...
وضعت بعض الطعام والماء على صينية, وتوجهت بها إلى غرفة المجلس...
كان نائما بكل هدوء على الأرض, وقد توسد إحدى الوسائد التابعة للمقعد... وتلحف بأخرى... رق قلبي له... أردت أن أربت عليه بحنان... لكني ربت بقوة أشد قليلا لأوقظه للصلاة...
استيقظ سامر وأخذ ينظر إلى ما حوله بهلع... يبدو أن تربيتي كان أقوى مما تصورت... قلت مطمئنا إياه:
"بسم الله... لا تفزع... إنه وقت الصلاة"
نظر إلي أخي ولم يكلمني... ثم نهض وجعل يمدد أطرافه بإعياء... وتوجه إلى دورة المياه التابعة للغرفة. أسرعت وجلبت سجادتي وفرشتها على الأرض... خرج أخي بعد قليل وقال:
"أريد أن أستحم"
ترددت قليلا... ثم خرجت وأقفلت الباب وعدت مجددا أحمل إليه ملابس نظيفة... وبقيت في الغرفة إلى أن أنهى حمامه وأدى صلاته... وعيني ترقبه من كل الزوايا...
قلت:
"تقبل الله"
فأجاب دون أن ينظر إلي:
"منا ومنكم"
ثم رأيته يضطجع على المقعد... قلت:
"جلبت لك بعض الطعام... أرجوك تناول شيئا"
ولم يلتفت أخي إلي...
قلت:
"سننطلق قبل طلوع فجر الغد... أخبرني إن كنت تحتاج شيئا لنأخذه معنا"
ولم يرد...
اقتربت منه وتحدثت إليه بكل عطف... بقلب يحمل كل الحب والقلق... إذ قلت:
"أخي... يا نور عيني... أنا لن أسألك لماذا فعلت هذا... ولا يهمني أن أعرف أي تفاصيل... إنني أريد فقط أن تنجو بحياتك وتبتعد عن الخطر بأسرع ما يمكن"
وتابعت:
"إنني عشت تجربة السجن... وقد كان معي في زنزانتي مجرمو سياسة وأمن بلد... ورأيت كيف عاملتهم السلطات وكيف عذبتهم أشد التعذيب وقتلتهم أمام ناظري"
قال أخي أخيرا:
"نحن لسنا مجرمين"
تفحصت رده ثم قلت:
"السلطات تعتبركم مجرمين. تصف كل من يعارضها علنا ويثير الشغب والفوضى بأي شكل من الأشكال تحت اسم مجرمي أمن"
التفت إلي أخي وكأنه يبدي إلي شيئا من الاهتمام لكلامي أخيرا... فتابعت:
"كانوا يعذبوننا أشد التعذيب... حتى أنا ورغم أنني لا أنتمي لتلك المجموعة, نلت نصيبي من الضرب المبرح المتوحش... لحبسي في الزنزانة الخطأ"
وأضفت وأنا أكشف عن صدري وظهري:
"انظر... كل هذا... وأكثر..."
مشيرا إلى الندب التي خلفتها يد التعذيب على جسدي... ثم أشرت إلى أنفي وتابعت:
"حتى أنفي كسروه كما ترى..."
وتابعت:
"وصديقي... والد أروى... عذبوه شر تعذيب حتى قضى نحبه وهو على ذراعي..."
وتخيلت صورة نديم... في آخر لقطة له قبل أن يسلم الروح... وانتفض جسدي وامتقع وجهي وعصرت عيني لأمحو الصورة الفظيعة...
قلت:
"بعد كل هذا... كيف تظن بأنني سأسمح لهم بأن يقبضوا عليك؟؟ أبدا... أبدا"
هنا جلس أخي ورد منفعلا:
"أنا لا يهمني الموت ولا التعذيب..."
ارتعدت من رده... وسألت:
"ما الذي يهمك إذن؟؟"
فقال:
"لا شيء... لاشيء يهمني في هذه الدنيا التعيسة... لا شيء"
وصمت قليلا ثم أضاف:
"لا شيء... بعد كل من فقدت... انتهى كل معنى للحياة في نظري... فأهلا بالموت..."
وجذب نفسا ثم تابع:
"لكنني لن أموت قبل أن أنتقم منهم"
تضاعف هلعي وسألت:
"ممن؟؟"

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 01:54 PM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0