قصة الخصمان اللذان أتيا إلى سيدنا داود
ما يحدث عندما نتصدق
ما زال السياق في تسلية الرسول وحمله على الصبر على ما يعاني من كفار قريش من تطاول وأذى فقال له ربه تعالى { هل أتاك } إلى آخر الآيات. وذلك أن داود[17] عليه السلام ذكر مرة في نفسه ما اكرم الله تعالى به إبراهيم واسحق ويعقوب من حسن الثناء الباقي لهم في الناس، فتمنى مثله فقيل له إنهم امتحنوا فصبروا فسأل أن يبتلى كالذي ابتلوا به ويعطى كالذي أعطوا إن هو صبر فاختبره الله تعالى بناء على رغبته فأرسل إليه ملكين[18] في صورة رجلين فتسورا عليه المحراب كما يأتي تفصيله في الآيات وهو قوله تعالى {وهل أتاك} يا رسولنا نبأ الخصم[19] وهما ملكان في صورة رجلين، ولفظ الخصم يطلق على الواحد والأكثر كالعدو فيقال هذا خصمي وهؤلاء خصمي، وهذا عدوي، وهؤلاء عدو لي. وقوله { إذ [20] تسوروا المحراب} أي طلعوا على سور المنزل الذي هر المحراب في عرف بني إسرائيل ولم يدخلوا من الباب لأن الحرس منعهم من ذلك، لأن لداود وقتا ينقطع فيه للعبادة فلا يسمح بمقابلة أحد وقوله {إذ دخلوا على داود وهو في محرابه ففزع منهم}، أي ارتاع واضطرب نفسا { فقالوا لا تخف خصمان}، أي نحن خصمان {بغى بعضنا على بعض} أي اعتدى بعضنا على بعض جئنا نتحاكم إليك {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط}، أي لا تجر في الحكم { واهدنا إلى سواء الصراط} أي إلى[21] وسط الطريق فلا تمل بنا عن الحق. ثم عرضا عليه القضية فقال أحدهما وهو المظلوم عارضاً مظلمته{ إن هذا أخي} أي في الإسلام { له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال لي أكفليها} أي ملكنيها أضمها إلى نعاجي ،{ وعزني في الخطاب } أي وغلبني في الكلام والجدال وأخذها مني فقال داود على الفور وبدون أن يسمع من الخصم الثاني أ لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وعلل لذلك بقوله { وإن كثيراً من الخلطاء}، أي الشركاء في زرع أو ماشية أو تجارة {ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وهم أهل الإيمان والتقوى فانهم يسلمون من مثل هذه الاعتداءات،{وقليل ما هم} أي وهم قليل جداً، وهنا طار الملكان من بين يدي داود وعرجا إلى السماء فعلم عندئذ أنما فتنه ربه كما رغب إليه وأنه لم يصبر حيث قضى بدون أن يسمع من الخصم الثاني فكانت زلة صغيرة أرته أن ما ناله إبراهيم واسحق ويعقوب من الكمال كان نتيجة ابتلاء عظيم، وهنا استغفر داود ربه { [22] وخر راكعا} يبكي ويطلب العفو وأناب إلى ربه في أمره كله، وذكر تعالى أنه قبل توبته وعفا عنه فقال تعالى {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى} أي لقُربة عندنا }وحسن مآب} أي مرجع وهو الدرجات العلا في دار الأبرار، جعلنا الله تعالى من أهلها بفضله ورحمته.
|