ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي > مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول) يوجد هنا تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول) قراءة القرآن أدعية أذكار شريفة و أحاديث إسلامية


 
قديم   #6

أميرة بخطواتى


رد: تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)


تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)

[‏28‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏
هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي‏:‏ كيف يحصل منكم الكفر بالله‏;‏ الذي خلقكم من العدم‏;‏ وأنعم عليكم بأصناف النعم‏;‏ ثم يميتكم عند استكمال آجالكم‏;‏ ويجازيكم في القبور‏;‏ ثم يحييكم بعد البعث والنشور‏;‏ ثم إليه ترجعون‏;‏ فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه‏;‏ وتدبيره‏;‏ وبره‏;‏ وتحت أوامره الدينية‏;‏ ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي‏;‏ أفيليق بكم أن تكفروا به‏;‏ وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة‏؟‏ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه‏;‏ وترجوا ثوابه‏.‏
‏[‏29‏]‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏
‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏ أي‏:‏ خلق لكم‏,‏ برا بكم ورحمة‏,‏ جميع ما على الأرض‏,‏ للانتفاع والاستمتاع والاعتبار‏.‏
وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة‏,‏ لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث‏,‏ فإن ‏[‏تحريمها أيضًا‏]‏ يؤخذ من فحوى الآية‏,‏ ومعرفة المقصود منها‏,‏ وأنه خلقها لنفعنا‏,‏ فما فيه ضرر‏,‏ فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته‏,‏ منعنا من الخبائث‏,‏ تنزيها لنا‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏
‏{‏اسْتَوَى‏}‏ ترد في القرآن على ثلاثة معاني‏:‏ فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها‏,‏ الكمال والتمام‏,‏ كما في قوله عن موسى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى‏}‏ وتارة تكون بمعنى ‏"‏علا‏"‏ و ‏"‏ارتفع‏"‏ وذلك إذا عديت ب ـ ‏"‏على‏"‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ ‏{‏لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ‏}‏ وتارة تكون بمعنى ‏"‏قصد‏"‏ كما إذا عديت ب ـ ‏"‏إلى‏"‏ كما في هذه الآية، أي‏:‏ لما خلق تعالى الأرض‏,‏ قصد إلى خلق السموات ‏{‏فسواهن سبع سماوات‏}‏ فخلقها وأحكمها‏,‏ وأتقنها‏,‏ ‏{‏وهو بكل شيء عليم‏}‏ فـ ‏{‏يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها‏}‏ و ‏{‏يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ‏}‏ يعلم السر وأخفى‏.‏
وكثيرًا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية‏,‏ وكما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ‏}‏ لأن خلقه للمخلوقات‏,‏ أدل دليل على علمه‏,‏ وحكمته‏,‏ وقدرته‏.‏



يتبع ان شاء الله

 
قديم   #7

أميرة بخطواتى


رد: تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)


تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)

[‏30 ـ 34‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏
هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك‏,‏ وأن الله مستخلفه في الأرض‏.‏
فقالت الملائكة عليهم السلام‏:‏ ‏{‏أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا‏}‏ بالمعاصي ‏{‏وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ‏}‏ ‏[‏و‏]‏هذا تخصيص بعد تعميم‏,‏ لبيان ‏[‏شدة‏]‏ مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك‏,‏ فنزهوا الباري عن ذلك‏,‏ وعظموه‏,‏ وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ‏{‏وَنُقَدِّسُ لَكَ‏}‏ يحتمل أن معناها‏:‏ ونقدسك‏,‏ فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون‏:‏ ونقدس لك أنفسنا، أي‏:‏ نطهرها بالأخلاق الجميلة‏,‏ كمحبة الله وخشيته وتعظيمه‏,‏ ونطهرها من الأخلاق الرذيلة‏.‏
قال الله تعالى للملائكة‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَعْلَمُ‏}‏ من هذا الخليفة ‏{‏مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم‏,‏ وأنا عالم بالظواهر والسرائر‏,‏ وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة‏,‏ أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك‏,‏ إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين‏,‏ والشهداء والصالحين‏,‏ ولتظهر آياته للخلق‏,‏ ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة‏,‏ كالجهاد وغيره‏,‏ وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان‏,‏ وليتبين عدوه من وليه‏,‏ وحزبه من حربه‏,‏ وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه‏,‏ واتصف به‏,‏ فهذه حكم عظيمة‏,‏ يكفي بعضها في ذلك‏.‏
ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام‏,‏ فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض‏,‏ أراد الله تعالى‏,‏ أن يبين لهم من فضل آدم‏,‏ ما يعرفون به فضله‏,‏ وكمال حكمة الله وعلمه فـ ‏{‏عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا‏}‏ أي‏:‏ أسماء الأشياء‏,‏ وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى‏,‏ أي‏:‏ الألفاظ والمعاني‏,‏ حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة‏.‏
‏{‏ثُمَّ عَرَضَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ عرض المسميات ‏{‏عَلَى الْمَلَائِكَةِ‏}‏ امتحانا لهم‏,‏ هل يعرفونها أم لا‏؟‏‏.‏
‏{‏فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ في قولكم وظنكم‏,‏ أنكم أفضل من هذا الخليفة‏.‏
‏{‏قَالُوا سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك من الاعتراض منا عليك‏,‏ ومخالفة أمرك‏.‏ ‏{‏لَا عِلْمَ لَنَا‏}‏ بوجه من الوجوه ‏{‏إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا‏}‏ إياه‏,‏ فضلا منك وجودا، ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}‏ العليم الذي أحاط علما بكل شيء‏,‏ فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السموات والأرض‏,‏ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر‏.‏
الحكيم‏:‏ من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق‏,‏ ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئًا إلا لحكمة‏:‏ ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة‏:‏ وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا‏,‏ واعترفوا بعلم الله وحكمته‏,‏ وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم‏;‏ وتعليمه إياهم ما لا يعلمون‏.‏
فحينئذ قال الله‏:‏ ‏{‏يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة‏;‏ فعجزوا عنها، ‏{‏فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ تبين للملائكة فضل آدم عليهم‏;‏ وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، ‏{‏قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ‏}‏ وهو ما غاب عنا‏;‏ فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب‏;‏ فالشهادة من باب أولى، ‏{‏وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ‏}‏ أي‏:‏ تظهرون ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏
ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم‏;‏ إكراما له وتعظيما‏;‏ وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله‏;‏ وبادروا كلهم بالسجود، ‏{‏إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى‏}‏ امتنع عن السجود‏;‏ واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال‏:‏ ‏{‏أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏ وهذا الإباء منه والاستكبار‏;‏ نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه‏;‏ فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره‏.‏
وفي هذه الآيات من العبر والآيات‏;‏ إثبات الكلام لله تعالى‏;‏ وأنه لم يزل متكلما‏;‏ يقول ما شاء‏;‏ ويتكلم بما شاء‏;‏ وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه‏;‏ التسليم‏;‏ واتهام عقله‏;‏ والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة‏;‏ وإحسانه بهم‏;‏ بتعليمهم ما جهلوا‏;‏ وتنبيههم على ما لم يعلموه‏.‏
وفيه فضيلة العلم من وجوه‏:‏
منها‏:‏ أن الله تعرف لملائكته‏;‏ بعلمه وحكمته ، ومنها‏:‏ أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم‏;‏ وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها‏:‏ أن الله أمرهم بالسجود لآدم‏;‏ إكراما له‏;‏ لما بان فضل علمه، ومنها‏:‏ أن الامتحان للغير‏;‏ إذا عجزوا عما امتحنوا به‏;‏ ثم عرفه صاحب الفضيلة‏;‏ فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها‏:‏ الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن‏;‏ وبيان فضل آدم‏;‏ وأفضال الله عليه‏;‏ وعداوة إبليس له‏;‏ إلى غير ذلك من العبر‏.‏

[‏35 ـ 36‏]‏ ‏{‏وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏
لما خلق الله آدم وفضله‏;‏ أتم نعمته عليه‏;‏ بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها‏;‏ ويستأنس بها‏;‏ وأمرهما بسكنى الجنة‏;‏ والأكل منها رغدا‏;‏ أي‏:‏ واسعا هنيئا، ‏{‏حَيْثُ شِئْتُمَا‏}‏ أي‏:‏ من أصناف الثمار والفواكه‏;‏ وقال الله له‏:‏ ‏{‏إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى‏}‏
‏{‏وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ‏}‏ نوع من أنواع شجر الجنة‏;‏ الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء ‏[‏أو لحكمة غير معلومة لنا‏]‏ ‏{‏فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ دل على أن النهي للتحريم‏;‏ لأنه رتب عليه الظلم‏.‏
فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه‏;‏ حتى أزلهما، أي‏:‏ حملهما على الزلل بتزيينه‏.‏ ‏{‏وَقَاسَمَهُمَا‏}‏ بالله ‏{‏إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏}‏ فاغترا به وأطاعاه‏;‏ فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد‏;‏ وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة‏.‏
‏{‏بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ‏}‏ أي‏:‏ آدم وذريته‏;‏ أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو‏;‏ يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق‏;‏ وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا‏,‏ تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى ‏{‏إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏ ‏{‏أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا‏}‏
ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ‏}‏ أي‏:‏ مسكن وقرار، ‏{‏وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ انقضاء آجالكم‏,‏ ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها‏,‏ وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة‏,‏ مؤقتة عارضة‏,‏ ليست مسكنا حقيقيا‏,‏ وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار‏,‏ ولا تعمر للاستقرار‏.‏
‏[‏37‏]‏ ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ‏}‏
‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ‏}‏ أي‏:‏ تلقف وتلقن‏,‏ وألهمه الله ‏{‏مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ‏}‏ وهي قوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‏}‏ الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته ‏{‏فَتَابَ‏}‏ الله ‏{‏عَلَيْهِ‏}‏ ورحمه ‏{‏إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ‏}‏ لمن تاب إليه وأناب‏.‏
وتوبته نوعان‏:‏ توفيقه أولا‏,‏ ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيًا‏.‏
‏{‏الرَّحِيمِ‏}‏ بعباده‏,‏ ومن رحمته بهم‏,‏ أن وفقهم للتوبة‏,‏ وعفا عنهم وصفح‏.‏
‏[‏38 ـ 39‏]‏ ‏{‏قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏
كرر الإهباط‏,‏ ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله‏:‏ ‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى‏}‏ أي‏:‏ أيَّ وقت وزمان جاءكم مني ـ يا معشر الثقلين ـ هدى‏,‏ أي‏:‏ رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني‏,‏ ويدنيكم مني‏;‏ ويدنيكم من رضائي، ‏{‏فمن تبع هداي‏}‏ منكم‏,‏ بأن آمن برسلي وكتبي‏,‏ واهتدى بهم‏,‏ وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب‏,‏ والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، ‏{‏فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏
وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى‏}‏
فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء‏:‏
نفي الخوف والحزن والفرق بينهما‏,‏ أن المكروه إن كان قد مضى‏,‏ أحدث الحزن‏,‏ وإن كان منتظرًا‏,‏ أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا‏,‏ حصل ضدهما‏,‏ وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه‏,‏ حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه‏,‏ من الخوف‏,‏ والحزن‏,‏ والضلال‏,‏ والشقاء، فحصل له المرغوب‏,‏ واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه‏,‏ فكفر به‏,‏ وكذب بآياته‏.‏
فـ ‏{‏أولئك أصحاب النار‏}‏ أي‏:‏ الملازمون لها‏,‏ ملازمة الصاحب لصاحبه‏,‏ والغريم لغريمه، ‏{‏هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون‏.‏
وفي هذه الآيات وما أشبهها‏,‏ انقسام الخلق من الجن والإنس‏,‏ إلى أهل السعادة‏,‏ وأهل الشقاوة‏,‏ وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب‏,‏ كما أنهم مثلهم‏,‏ في الأمر والنهي‏.‏



يتبع ان شاء الله

 
قديم   #8

أميرة بخطواتى


رد: تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)


تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)

ثم شرع تعالى يذكِّر بني إسرائيل نعمه عليهم وإحسانه فقال‏:‏
‏[‏40 ـ 43‏]‏ ‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏
‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ المراد بإسرائيل‏:‏ يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل‏,‏ الذين بالمدينة وما حولها‏,‏ ويدخل فيهم من أتى من بعدهم‏,‏ فأمرهم بأمر عام، فقال‏:‏ ‏{‏اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ‏}‏ وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافًا‏,‏ وباللسان ثناء‏,‏ وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه‏.‏
‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِي‏}‏ وهو ما عهده إليهم من الإيمان به‏,‏ وبرسله وإقامة شرعه‏.‏
‏{‏أُوفِ بِعَهْدِكُمْ‏}‏ وهو المجازاة على ذلك‏.‏
والمراد بذلك‏:‏ ما ذكره الله في قوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ‏}‏
ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده‏,‏ وهو الرهبة منه تعالى‏,‏ وخشيته وحده‏,‏ فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه‏.‏
ثم أمرهم بالأمر الخاص‏,‏ الذي لا يتم إيمانهم‏,‏ ولا يصح إلا به فقال‏:‏ ‏{‏وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ‏}‏ وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمرهم بالإيمان به‏,‏ واتباعه‏,‏ ويستلزم ذلك‏,‏ الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب‏,‏ غير مخالف لها‏;‏ فلا مانع لكم من الإيمان به‏,‏ لأنه جاء بما جاءت به المرسلون‏,‏ فأنتم أولى من آمن به وصدق به‏,‏ لكونكم أهل الكتب والعلم‏.‏
وأيضًا فإن في قوله‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏ إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به‏,‏ عاد ذلك عليكم‏,‏ بتكذيب ما معكم‏,‏ لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم‏.‏
وأيضًا‏,‏ فإن في الكتب التي بأيدكم‏,‏ صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به‏,‏ كذبتم ببعض ما أنزل إليكم‏,‏ ومن كذب ببعض ما أنزل إليه‏,‏ فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول‏,‏ فقد كذب الرسل جميعهم‏.‏
فلما أمرهم بالإيمان به‏,‏ نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بالرسول والقرآن‏.‏
وفي قوله‏:‏ ‏{‏أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ أبلغ من قوله‏:‏ ‏{‏ولا تكفروا به‏}‏ لأنهم إذا كانوا أول كافر به‏,‏ كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به‏,‏ عكس ما ينبغي منهم‏,‏ وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم‏.‏
ثم ذكر المانع لهم من الإيمان‏,‏ وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا‏}‏ وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل‏,‏ التي يتوهمون انقطاعها‏,‏ إن آمنوا بالله ورسوله‏,‏ فاشتروها بآيات الله واستحبوها‏,‏ وآثروها‏.‏
‏{‏وَإِيَّايَ‏}‏ أي‏:‏ لا غيري ‏{‏فَاتَّقُونِ‏}‏ فإنكم إذا اتقيتم الله وحده‏,‏ أوجبت لكم تقواه‏,‏ تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل‏,‏ فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم‏.‏
ثم قال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَلْبِسُوا‏}‏ أي‏:‏ تخلطوا ‏{‏الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ‏}‏ فنهاهم عن شيئين‏,‏ عن خلط الحق بالباطل‏,‏ وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم‏,‏ تمييز الحق‏,‏ وإظهار الحق‏,‏ ليهتدي بذلك المهتدون‏,‏ ويرجع الضالون‏,‏ وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته‏,‏ ليميز الحق من الباطل‏,‏ ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم‏,‏ فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم‏.‏
ومن لبس الحق بالباطل‏,‏ فلم يميز هذا من هذا‏,‏ مع علمه بذلك‏,‏ وكتم الحق الذي يعلمه‏,‏ وأمر بإظهاره‏,‏ فهو من دعاة جهنم‏,‏ لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم‏,‏ فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين‏.‏
ثم قال‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ‏}‏ أي‏:‏ ظاهرا وباطنا ‏{‏وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ مستحقيها، ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله‏,‏ فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة‏,‏ وبين الإخلاص للمعبود‏,‏ والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ صلوا مع المصلين‏,‏ ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها‏.‏



يتبع ان شاء الله

 
قديم   #9

أميرة بخطواتى


رد: تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)


تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)

[‏44‏]‏ ‏{‏أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‏}‏
‏{‏أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‏}‏ أي‏:‏ بالإيمان والخير ‏{‏وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تتركونها عن أمرها بذلك، والحال‏:‏ ‏{‏وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏ وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير‏,‏ وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به‏,‏ وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله‏,‏ أو نهاه عن الشر فلم يتركه‏,‏ دل على عدم عقله وجهله‏,‏ خصوصًا إذا كان عالما بذلك‏,‏ قد قامت عليه الحجة‏.‏
وهذه الآية‏,‏ وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل‏,‏ فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ‏}‏ وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف‏,‏ والنهي عن المنكر‏,‏ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين‏:‏ أمر غيره ونهيه‏,‏ وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما‏,‏ لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين‏,‏ والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر‏,‏ فليس في رتبة الأول‏,‏ وهو دون الأخير، وأيضًا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة‏.‏
‏[‏45 ـ 48‏]‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏
أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها‏,‏ والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور‏,‏ ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان‏,‏ وتنهى عن الفحشاء والمنكر‏,‏ يستعان بها على كل أمر من الأمور ‏{‏وَإِنَّهَا‏}‏ أي‏:‏ الصلاة ‏{‏لَكَبِيرَةٌ‏}‏ أي‏:‏ شاقة ‏{‏إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ‏}‏ فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع‏,‏ وخشية الله‏,‏ ورجاء ما عنده يوجب له فعلها‏,‏ منشرحا صدره لترقبه للثواب‏,‏ وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك‏,‏ فإنه لا داعي له يدعوه إليها‏,‏ وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه‏.‏
والخشوع هو‏:‏ خضوع القلب وطمأنينته‏,‏ وسكونه لله تعالى‏,‏ وانكساره بين يديه‏,‏ ذلا وافتقارا‏,‏ وإيمانا به وبلقائه‏.‏
ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَظُنُّونَ‏}‏ أي‏:‏ يستيقنون ‏{‏أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏ فيجازيهم بأعمالهم ‏{‏وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏}‏ فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات‏,‏ ونفس عنهم الكربات‏,‏ وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه‏,‏ كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه‏.‏
ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته‏,‏ وعظا لهم‏,‏ وتحذيرا وحثا‏.‏
وخوفهم بيوم القيامة الذي ‏{‏لَا تَجْزِي‏}‏ فيه، أي‏:‏ لا تغني ‏{‏نَفْسٌ‏}‏ ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين ‏{‏عَنْ نَفْسٍ‏}‏ ولو كانت من العشيرة الأقربين ‏{‏شيئًا‏}‏ لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه‏.‏
‏{‏وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا‏}‏ أي‏:‏ النفس‏,‏ شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له‏,‏ ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، ‏{‏وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ‏}‏ أي‏:‏ فداء ‏{‏ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب‏}‏ ولا يقبل منهم ذلك ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله‏:‏ ‏{‏لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئًا‏}‏ هذا في تحصيل المنافع، ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ هذا في دفع المضار‏,‏ فهذا النفي للأمر المستقل به النافع‏.‏
‏{‏ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل‏}‏ هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض‏,‏ كالعدل‏,‏ أو بغيره‏,‏ كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين‏,‏ لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع‏,‏ وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع‏,‏ ويدفع المضار‏,‏ فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته‏.‏



يتبع ان شاء الله

 
قديم   #10

أميرة بخطواتى


رد: تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)


تفسير سورة البقرة ( الجزء الاول)

[‏49 ـ 57‏]‏ ‏{‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏
هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏}‏ أي‏:‏ من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك ‏{‏يَسُومُونَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ يولونهم ويستعملونهم، ‏{‏سُوءَ الْعَذَابِ‏}‏ أي‏:‏ أشده بأن كانوا ‏{‏يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ خشية نموكم، ‏{‏وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم‏.‏
‏{‏وَفِي ذَلِكم‏}‏ أي‏:‏ الإنجاء ‏{‏بَلَاءٌ‏}‏ أي‏:‏ إحسان ‏{‏مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ‏}‏ فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره‏.‏
ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده‏,‏ أي‏:‏ ذهابه‏.‏
‏{‏وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ‏}‏ عالمون بظلمكم‏,‏ قد قامت عليكم الحجة‏,‏ فهو أعظم جرما وأكبر إثما‏.‏
ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضًا فعفا الله عنكم بسبب ذلك ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ الله‏.‏
‏{‏وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً‏}‏ وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله، ‏{‏فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ‏}‏ إما الموت أو الغشية العظيمة، ‏{‏وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏}‏ وقوع ذلك‏,‏ كل ينظر إلى صاحبه، ‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏
ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال‏:‏ ‏{‏وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ‏}‏ وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك‏.‏
‏{‏وَالسَّلْوَى‏}‏ طائر صغير يقال له السماني، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم ‏{‏كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ‏}‏ أي‏:‏ رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين‏,‏ فلم يشكروا هذه النعمة‏,‏ واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب‏.‏
‏{‏وَمَا ظَلَمُونَا‏}‏ يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين‏,‏ كما لا تنفعه طاعات الطائعين، ‏{‏وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ فيعود ضرره عليهم‏.‏
‏[‏58 ـ 59‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ‏}‏
وهذا أيضًا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه‏,‏ فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا‏,‏ ويحصل لهم فيها الرزق الرغد، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل‏,‏ وهو دخول الباب ‏{‏سجدا‏}‏ أي‏:‏ خاضعين ذليلين، وبالقول وهو أن يقولوا‏:‏ ‏{‏حِطَّةٌ‏}‏ أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته‏.‏
‏{‏نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ‏}‏ بسؤالكم المغفرة، ‏{‏وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ بأعمالهم‏,‏ أي‏:‏ جزاء عاجل وآجلا‏.‏
‏{‏فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏ منهم‏,‏ ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا ‏{‏قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ‏}‏ فقالوا بدل حطة‏:‏ حبة في حنطة، استهانة بأمر الله‏,‏ واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم‏,‏ ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم، قال‏:‏ ‏{‏فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏ منهم ‏{‏رِجْزًا‏}‏ أي‏:‏ عذابا ‏{‏مِنَ السَّمَاءِ‏}‏ بسبب فسقهم وبغيهم‏.‏



يتبع ان شاء الله

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 02:14 AM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0