|
رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
اليوم المصيبة ليست واحدة ,,
أحسست أن البلدة كلها اهتزت ,,
لحسن سيرة خالي و لحبهم له و قد كان من يصل رحمه حتى وهو في الغربة , و لعظم مصيبته ,
اليوم مصيبة الموت على أهله و علينا ,
اليوم مصيبة فقدانه الأبدي في الدنيا ,, بعد اِنتظار طويل ,
اليوم مصيبة الأهل الذين ...
...
مصيبة الأهل الذين يفكرون في اٍرسال ميتهم ليُدفن في بلدهم المسلم ,, بلد الأهل ,, بلد عسى يكون لهم فيه مستقر الدنيا في يوم ما ,
هكذا كان اِقترح خالي الذي في بلدنا على أخيه المغترب ,, فكّر ,, ثم قر أن يرسله بمشيئة الله ,,
يا الله ,, يا الله كم قوّاك الله يا خالي لتقر ذلك القرار ,,
...
بعد ساعات من الحادثة ,, أكّلم مريم ,, محاولة أن أصبّرها ,, و لكن من التي تتكلم ,, عسى الله أن يرحمنا برحمته ,,
" مريم حبيبتي ,, صبركم الله ,, ثبتكم الله ,, الحمد لله ,, اصبروا "
كنت أكلمها و لا أعرف كيف أكلمها ,, و لكن لعلي كنت أحاول أن أسيطر على حزني الشديد في ذلك الوقت و أن أثبتها قليلا ,,
فوجئت بها الا و تقول :" الحمد لله , الحمد لله , فقط ترحموا عليه ,, فقط ترحموا عليه ,, الحمد لله , ثابتون باٍذن الله , ثابتون باٍذن الله "
"اٍن شاء الله غاليتي ,اٍن شاء الله ,, صبركم الله"
فوجئت أنها ليست في حالة انهيار ,, فوجئت أنها قدرت على أن تكلمني ,, فوجئت أنها تتكلم و الحزن يملأ كلامها و لكن الثبات قد غلب عليه و الله أعلم ,
يا الله ,, هذا توأمها ,, هذا أخوها الذي عاش معها السراء و الضراء ,,
لكن ,, لكن رحمة ربك فوق كل شيئ ,, فاٍنّ من أنزل البلاء ينزل الصبر و ينزل الثبات ,, و ماذلك علىّاللهبعزيز.
تزاحم المُعزّون ,, و دخل أهل زوجة خالي حيث يقطنون بلدة غير بلدتنا ,, و الكل بدأ يعزي بعضه ,,
دار عزاء ,, معزون ,, باكون ,, و الميت و لا أهله موجودون ,,
الحمد لله على كل حال ,,
...
أما هناك فقد التف أهل الغربة من الجيران و الأصحاب على أهل خالي يواسونهم و يصبرونهم ,, كيف لا و قد كانوا يسعدون في أعراسهم و أفراحهم معا,, فاليوم يتعاونون على الثبات ,, و على التذكير بالله ,,
*****
بدأت اٍجراءات سفر الميت وبدأت الاتصالات من هنا و هنالك ,,
أما عن أهل الغربة فقد سارعت زوجة خالي اٍلى القنصلية تاركة صفيها المتوفى في المستشفى حتى أنها لم تره من بعد ما اخذوه من أحضانها , و تحاول بشتى الطرق أن تسافر معه ,,
لم يهتموا لشيئ ,, المهم تسافر مع اِبنها ,, المهم ترى اِبنها وتودعه قبل أم يدفن ,, المهم تجد أهلا يصبرونها ,, ضاقت عليها الدنيا بما رحبت ,,
و أما عن الاهل هنا ,, في البلدة ,, فالكل مرتبك ,, أحاسيس متضاربة على الاخر ,, حزن ,, "فرح" ,, شوق ,, مصائب قد التفت حولنا فلا تجد على أيها تصبر ,, الا ,, الا أن هنالك أمل في رؤيته قبل موته ,,
المعزون لما سمعوا بخبر قدومه ,, لعلهم أصروا على البقاء حتى يرونه ,,
مرت الساعات ,, و الاتصالات بين خالي الحبيب و اخوته لا تتوقف ,,
تهيأ الشاب المتوفى للسفر ,, نعم تهيأ ,, هيؤوه بأبهى الحلل ,, اليوم يومك يا محمد ,, اليوم تسافر اٍلى البدة التي تحب و تشتاق ,, اليوم ترى أهلك ,, اليوم تكلم زملائك عن وطنك و لا يحدثونك هم عنه ,, اليوم الموعود يا محمد ,, اليوم الموعود ,, " أليس هذا هو اليوم الذي تنتظر من سنين ؟؟ "
و بعد محاولات ,, يا حسرتاه على أم اختارت أن لا تذهب اٍلى اِبنها في المستشفى لتودعه و تحاول هنا و هنالك للسفر معه ,, ثم ,, ثم ,,
ثم يقدر الله أن لا تنال لا هذا و لا ذاك ,, كان ألم لا يعلمه اٍلا من ذاقه ,, اِنتهى ,, كتب الله لك غاليتي أن يكون آخر عهدك باِبنك بين أحضانك ,,
...
قرب العصر و الكل ينتظر ,,
الكل على أحر من الجمر ,,
اليوم يصل محمد اِبن خالي بعد خمسة عشر سنة ,,
و الله ما بقي من الوقت لرؤيته لكأنه أطول مما مضى ,,
لا أنسى تلك الساعات و الدقائق و الحظات الاخيرة كم كانت صعبة ,,
القلوب مشتاقة ,, و كأنه هنالك أمل أننا سنراه ثم سيبقى بيننا ,,
كيف سنتركه يذهب ,, لقد اِفتقدناه و اشتقنا اٍليه خمسة عشر سنة ,,
اليوم يعود الى أهله , اٍلى جدّاته , الى أعمامه و عمّاته , اٍلى أخواله و خالاته , الى أهل البلدة و الجيران و الصحبة التي لم تنس ذلك الشخص ,, ينتظرون رؤية اِبنه عساه يخبرهم عن حال ابيه ,, لكن اين هو من الكلام الآن,,
...
الدموع تجري و ناس تصبر هنا و ناس تصبر هنالك ,,
كنا نسعى اٍلى تنفيذ ما أراد خالي في كل شيئ ,, كان يوصينا بالهاتف ,, لا تفعلوا كذا ,, اِفعلوا كذا ,, قبره هكذا ...اٍلخ . كان يحاول اِجتناب بعض البدع التي أصبحت عادة و لاحول و لا قوة اٍلا بالله ,
الكل يحاول الثبات ,, منهم من علم أمر الله و يحاول القول سمعنا و أطعنا ,, و منهم تلبية لرغبة خالي ,,
قرُب الوقت ,, و دقّات القلوب بدأت تتسارع ,, لا أتذكر نفسي اٍلا و كنت في حالة اِرتجاف شديدة ,, لا أكاد أقوى على الوقوف ,, جمدت الدموع لبعض الوقت ,,
" أتحبون محمد ,, أتحبون محمد ؟؟؟ اثبتوا ,, لا تصيحوا ,, خالي يوصيكم ,, ارجوك يا فلانة ,, ارجوك يا فلانة ..."
كانت هذه بعض الكلمات التي كنت أرددها و أنا في حالة الارتجاف ,,
اِصطف الجميع وكأنه هنالك عريس سيدخل ,, أو أمير متوج ,,
أحسست قلبي ازدادت نبضاته عن العادة حتى يكاد يخرج من صدري ,,
حالة ارتجاف شديدة ,, لم أعد أحتمل ,,
لا أسمع الى أصوات رجال ,, و صلوا !! وصلوا !!
كاد قلبي أن يقف لولا رحمة ربي بي ..
نظرنا فرأينا خالتي قد دخلت باكية بشدة ,, دخلت و معها بعض أبنائها ,,
قد كانوا هم من ذهبوا لاستقبال الميت من المطار لكونهم يقطنون بالعاصمة ,,
سلم البعض على خالتي و عزّاها ,,
انتظرنا بعض الحظات ,, و سمعنا السيارة قد وقفت ,,
لم أعد أحتمل ,, بدأت بالبكاء ,, و الارتجاف يزدادا ,,
وجدت أخت زوجة خالي التي أحب جدا ,, وهي تقول لي " ألست من كنت تصبريننا الآن و تثبتيننا " ,,
أمسكت بيدي بقوة تثبتني و قد كنا أول من بالباب الداخلي للمنزل ,,
ترى بعضهم يصبّر بعض ,,
الكل يربط على قلب أخيه ,,
الكل يتهامس ,,
قد حان الوقت ,,
الآن نرى الغائب ,,
مابك يا نفسي ,,
أليس هذا حلم حياتك الأكبر ,,
أليس هذا ما تتمني ,,
ألست كنت تحملين بهذا اليوم منذ طفولتك ,,
الأحبة يصلون اليوم يا نفسي ,,
سترينهم اٍن شاء الله ,,
مابك يا نفسُ لا أراك سعيدة ,,
أحساسي لا يُعبّر عنها ,,
اختلطت الاحاسيس و اضطربت ,,
أصبحت أحس من نوع من الخوف الشديد ,, لا أعرف من ماذا ,,
أحسست بنوع من الدوار ليس لشيئ الا لأن أمل سنوات طوال صعُب تحقيقه ,, و اليوم في ساعات يتحقق ,, لا أنفُس مُهدت لهذا القاء و لا قلوب تجهزت ,,
أحسست في لحظات و كأني بين عالم الدنيا و الآخرة ,,
فعلا ,, كان ذلك هو الاحساس ,,
...
قدم موكب الميت ,,
و يا الله على هذا الموقف ,,
دخلوا وكان النعش فوق الأكتاف ,,
يا الله ,, دخلت يا محمد لمنزل حلمت كثيرا بالدخول اٍليه ,,
لكن الدخول غير الدخول ,,
الحمد لله رب العالمين ,, رب حليم كريم ,,
سارع الرجال بوضع النعش بالداخل ,, على كنبة كانت قد هُيئت له ,
تسارعت القلوب الى ابن الاخ , ابن الاخت , ابن الابن , ابن الابنة , ابن الصديق , ابن الجار , ابن القريب ,, اٍلخ ,
للأسف دخل الحابل و النابل قبل أن يدخل بعض الأقارب ,,
كان للغرفة بابان بحيث دخل حتى من يعرف خالي من بعيد لرؤية الميت ,
تنظر فيصعب عليك التميز بين دموع رجل و امراة ,,
الكل يبكي بكاء مريرا,,
أثبتُ الناس في ذلك الموقف لا يقدر على تمالك نفسه أمام ما رأى ,,
الحمد لله الحليم الكريم ,,
الكل يريد الدخول ,,
و الرجال يحرسون الباب و يقولون ,, سارعوا و اٍلا سنأخذه ,, سيؤذن العصر قريبا ,,
يا الله ,, رحماك يا أرحم الراحمين ,,
تفطر قلبي و تمزق أشلاء مما سمعت ,,
انتهى القاء ؟؟؟؟
اٍنتهت الزيارة ؟؟؟؟
متى قدم حتى تأخذوه ؟؟؟؟
...
كلمات يقولها الرجال في ذلك الوقت ويكررونها كأنها السكين التي تمر على أعناقنا فلا تقطعه فيعيدون التمرير ,,
يا الله ,, اللهم ارحم ضعفنا ,, اللهم ارحم ضعفنا ,,
...
|