|
رد: سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
سلسلة رحلتي إلى النور طالبة الحق
المكالمات بالهاتف كانت نادرة جدا ,, لغلائها في ذلك الوقت ,, و ليس هنالك من سبيل آخر غيرالرسائل عبر البريد ,,
كنا نراسله من حين لاخر ,,
و كانت رسائله تصلنا بشريات ,, كنا نتخاطف الرسالة و ما تحمل معها احيانا من بطاقات دعوية أو عطور صغيرة ,,
كانت رسائل خالي كلها تقريبا طمأنة على حاله و أحوال أفراد أسرته في البداية ثم تكون بمثابة الدعوة ,,
كان كثيرا ما يرسل لنا رسائل كلًُ باسمه ,, يعني يرسل للاطفال رسائل خاصة تحمل من الدعوة ما تحمل ,, و منا من يحتفظ بها اٍلى الآن ,, كانت تدخل علينا السرور و كنا نتفاخر بين بعضنا البعض ان وصلتنا رسالة من خالي أو من أحد أفراد عائلته ,
مرت الأيام و الأشهر و السنوات,, عانت أسرة خالي ما عانت من ضنك العيش في تلك لبلاد ,, لا راحة في الدين و لا دنيا ,,
أما عن الدين فقد كانور غرباء غربة شديدة ,, وطوبى للغرباء ,, و أما عن الدنيا فقد وصلوا لحد الجوع,,
نعم ,, جاع خالي و أهله في تلك البلاد و كانوا يصطبرون بالايمان و بما رزقهم الله من ثبات و صبر على الابتلاء ,,
اشتغل في الفلاحة و اشتغل هنا و هنالك ليسترزق لأهله ,, و صبروا على رزق الله و الحمد لله ,,
بعد زمن ,, رزق خالي و زوجه بمولود جديد ,, سماه على اسم أبيه رحمه الله ,, كان المولود بمثابة الاشراقة الجديدة في حياتهم و كان بسمتهم ,,
أنعم الله على خالي بأن ربى أبنائه تربية صالحة وسط ضجيج المعاصي و أصوات الكبائر التي تكاد أن تطفئ نور الايمان , تربية عجز عنها من كان بين المسلمين و الشيوخ و الدعاة ,, و الحمد لله رب العالمين ,,
كنا نحن الاطفال في ذلك الوقت نراه و نرى أهله أناسا فوق السحاب ليسوا كل الناس ,,
كنا نحترمه جدا ,, و سبحان الله كان احترامنا له حتى من قبل سفره ,, خلقه و حسن تعامله هما من فرض ذلك ,,
زوجته كانت أُمّا بعد أمّ ,, كان كلامها حكما و صبرا و ثباتا ,, رغم كل الابتلاءات التي مروا بها و لله الحمد ,,
أبنائه كانوا نعم التربية ,, كثيري الحياء ما شاء الله ,, لا يتكلمون كثيرا ,, و اٍذا تكلموا نطقوا شهدا ,, أسرعت اٍليهم أحضان والديهم المسلمة قبل أن تتلقفهم أحضان الكفرة ,,
كانوا اٍذا رأوا بعض صور أو فيديوات " المناسبات السعيدة" للمسلين في بلادنا ,, حيث كانت افراح حينها كأغلب أفراح المسلمين ,, تقاليد مقدسة و شرع منسي و متجاهل ,, و لاحول و لاقوة الا بالله ( غفر الله للجميع ) , كانوا يقولون لامهم : "أمي ,, هؤلاء كفرة , صح ؟", فتجيبهم الأم و حياءها يعلوها :" لا يا أحبتي ,, هؤلاء عصاة فقط ,, و ليسوا كفرة " ,, فيصر الابن الكبير و يقول : " لا , انما هؤلاء كفرة و اٍلا لما فعلوا ما فعلوا" ,,
تربوا على المحافظة على فطرتهم النقية ,, حيث لا يكذبون و لا يغرقون في بحور المجاملات المعهودة حتى ولو كان الحياء صفتهم ,, و أستشهد بذلك أن مرة كانت أمي تكلم ابن خالي الكبير , فقالت له " يا محمد أني أحبك جدا " و كانت تقولها بقلب يتفطر شوقا للقائه و حضنه ,, ثم سألته "و أنت هل تحب عمتك ؟" ,, قال براءة الكبير الصغير ,, براءة المسلم الذي لا يؤثر حياءه على صدقه : "لا عمتي ,, أنا لا أحبك الان ,, لاني لا اعرفك ,, ولكني اذا قدمت الى بلدكم ان شاء الله ,, فسأعرفك جيدا و أصبح محبا لك باٍذن الله " ,, ابتسمت امي امام هذا الصدق, وكبر في عينها اكثر و ازدادت له شوقا ,,
هكذا ربى خالي أطفاله وزوجُه ,,و كانوا قرة أعين والديهم , كانوا خير ما رُزقا في هذه الدنيا,
*****
سبع سنين مروا كأنهم الغمام ,, و لكن بصيص الامل لا ينطفئ في أعين المؤمنين ,,
شاء ربي بعد هذه السنون أن يسر له عن طريق أحد أصدقائه السفر اٍلى بلد أوروبي آخر ,,
لم يكن سفرهم في الأول مع تلك الأوضاع المادية قد بدا عليه التيسير ,, و لكن سبحان من اٍذا قضى شيئا أن يقول له كن فيكون ,,
انتقلوا اٍلى بلد كفر آخر ,, لكن عسى أن يكون أهون من سابقه ,, و أن يفتح الله عليه بجيرة مسلمة أو بصحبة طيبة يرتمي بين أحضانها فيتعاونا على اجتناب الفتن ما ظهر منها و بطن ,, وعلى مواصلة السير في طريق حيث الاخرة هدف ,, و الدنيا معوقاته ,, عسى هذه الصحبة تعوض حضن العائلة الذي افتقده من سنوات ,, فيحط رحال ايمانيات قد اشتاقت الى الجهر بها و اعلاء صوتها و تثبيتها ,
الحمد لله ,, من الله على خالي و زوجه بجيرة و صحبة مسلمة ,, كثير منهم فروا باسلامهم الى ذلك الركن من البلاد ,, يبتغون عرض الآخرة من دون الدنيا ,,
كبر الأطفال قليلا و ترعرعوا في ظل أبويهم و بعض الصحبة الصالحة التي رزقوها في تلك البلاد و لله الحمد ,,
ذات يوم كان خالي يهاتفنا و كانت أمور الاتصالات بدأت تتيسر و الحمد لله ,, حيث الهواتف القارة بات تقريبا في أغلب الديار في بلدتنا ,,
فأخبرنا أن ابنته ذات الاثني عشر سنة طلبت منه أن تتحجب ,, كان يخبرنا بذلك وهو سعيد بقرارها و بأنها طلبت ذلك دون تأثير مباشر من والديها و دون طلبهما ,,
طبعا ,, بالنسبة لنا ,, أغلبنا ولا أقول كلنا ,, اندهش و استغرب و تفاجأ و منهم من استنكر هاته الجريمة التي يريد خالي أن يفعلها بابنته ,,
و فعلا تحجبت الصغيرة و كان نور الايمان ينبعث من وجهها الذي ارتسمت عليه ابتسامة الرضا حتى لاتكاد تفراقها و لا اخوتها ماشاء الله ,,
*****
مع مرور السنين و الاشهر و الايام ,,
كنا دائما نسأل أمنا " هل سنراه يوما؟ "
كنا نحلم بلقائه ,,
كنا اٍذا سئلنا عن ما نتمنى ذكرناه ,,
لعل القارئ لن يستطيع أن يتصور جيدا مدى حبنا لخالي ,, ولكن دعوني أقول أن حبنا لخالي لم يكن مجرد حب لخال مميز بين الاخوال ,, خال لم نسمع عنه الا كل خير ,, خال أعطانا من الأهتمام ما لم نلقاه من غيره ,, بالدعوة و بالمهاتفة الخاصة و بالهمس في الاذن " يا فلانة لا تفعلي كذا ,, ان الله لا يحب كذا " ,, كان يهمس على أمل ما يدريك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ,, لا . بل كان حبنا له أكبر من ذلك ,, كان حبا في الله و لله و بالله ,,
قد لا أبالغ لو قلت ,, و صلنا أو وصلت ولأتكلم هنا عن شخصي لاني لا استطيع أن احكم عن مشاعر الاخرين ولو كانوا أقريبن ,, كنت أحبه لأيام و اشهر و سنوات ,, حبي للصحابة و أخاف أن أقول و يزيد ,,
كنت اذا استرجعت اِيمانياتي ,, أو ذكرت الله ,, أو ذكرت دين الله ,, غالبا ما تتجسد أمامي صورة خالي و أهله ,,
كانوا نعم القدوة ,, كنت أراهم و كأنهم يعيشون في الاخرة ,, بل يعيشون في الجنة ,, و الله كأنهم يعيشون في جنة الدنيا على امل الوصول الى جنة الاخرة ,,
كنت هكذا أنظر اليهم ,,
و كنت كثيرا جدا جدا ما أراهم في رؤى و بأنهم عادوا ,, لدرجة لا يتصورها العقل ,, حتى أني كلما رأيتهم في رؤيا قد رجعوا ثم أفقت ولم أجد للرؤيا حقيقة انزعجت وعدت نفسي أني في المرة القادمة لو رأيتهم يجب أن أنبه نفسي أني في رؤيا ,,
ورب الكعبة كأنه حصل ,, حيث لا أتذكر مرة أو أكثر كنت في وسط الرؤيا أذكر نفسي انها رؤيا لكن حسن هاته الاخيرة يغرّني حيث اصدقها و اقول هي حقيقة.... و بالتالي أقوم على نفس الاحباط ,,
الحمد لله رب العالمين ,,
كنت اٍذا ذهب بي الخيال ذهب بي اٍلى هنالك ,, و اذا أفقت أسرعت الى أمي أكرر سؤالا طُرح لعله مئات المرات ,,
"أمي ,, متى ,, متى سيأتون ,, هل من أمل لرؤيتهم ,, هل من جديد "
و كان قلب امي المسكينة يتقلب بين شوق مؤلم ,, و بين الم ابنتها و بناتها اللاتي اصبحن يكررن اسئلة موقنين باجابتها ولكن ... و لكن الامل لا ينقطع ,,
كان الامل في عدم لقائهم وارد جدا جدا ,,
فكانت تصبرنا امي و تقول عسى القاء في الجنة ,,
الحمد لله الكريم الحليم,
*****
كان مما يشغل خالي في تلك الفترة من أمر الدنيا ان تأتيه "الاقامة" ,, حتى يكون مطمئنا اكثر على مصيره في تلك البلاد و صير أهله ,, و أيضا حتى تتيسر بعض الامور المعيشية لهم ,,
جاهد طويلا في هاته المسألة و لكن الله يقدر متى يشاء,
في الاثناء ,, هنا ,, في بلادنا ,, كان الاهل يجاهدون على أن تسافر جدتي لرؤيته بعد سنين حزن و فراق ,,
الامر أخذ من الوقت ما أخذ و أخذ من المحاولات و الاتصالات ما أخذ ,,
و الحمد لله , قدر الله بعد مدة و لعلها سنين ,,أن تتسير لها كل اٍجراءات السفر ,, و الحمد لله ,,
كان الحدث ,, حدث التجهيز لسفر جدتي ليس عاديا أبدا ,, كيف لا ,, و أخيرا الأم سترى ابنها بعد ,, بعد اثني عشر سنة ,,
اِثنا عشر لم تر فيها الام ابنها الا من خلا ل الصور القليلة جدا في السنوات الاخيرة ,,
اِثنا عشر سنة ,, الجدة لم تر أحفادها و لم تحضنهم و لم تعطف عليهم و كانوا أول الاحفاد من الاولاد ,,
اِثنا عشر سنة لم ير خالي أمه و لم ير أهله و لم ير صحبته ,, اِشتاق الى أن يعود اٍلى بيته و اٍلى اركانه ,,
اِشتاق الى وطنه رغم كل شيئ ,,
اِثنا عشر سنة و الاطفال يكبرون و يسمعون عن بلدهم و لا يعرفونه ,,
يسمعون عن بلدهم من خلال الغرب أما هم فبالكاد يقولون نحن نحن نتمي الى تلك البلاد ,,
اِثنا عشر سنة اختارت فيها تلك المرأة أن تكون بجانب زوجها و في مكان تطبق فيه دينها دون تقيد ,,
و قد فارقت الاحباب ,, منهم من فارقتهم اٍلى ,, حين و منهم من فارقتهم الى الابد ,, شب الصغار و تزوج الشباب و أنجبوا ,,
أصبحا غرباء في أهليهما ,, لا يميزان بين اٍبن الأخ من اٍبن الأخت ,, فمابالك بالاقارب الأبعد صلة ,,
تم تجهيز جدتي و الحمد لله ,, أعدت العدة من أوراق و حقائب ,, مما تكاد تتذكر من أكلات يحبها اِبنها ,, وهي لا تسعها الدنيا من السعادة ,
أوصلها الاقارب الى المطار و تيسرت بعض الاجراءات التي دائما يُتخوف منها و انطلقت الطائرة بفضل الله ,,
كان اليوم مفرح و مبكي ,, كانت أمي و اٍخوتها يبكي ,, يتصورن تلك الحظة ,,
بعد سويعات ,, تتصل زوجة خالي لتقول قد وصلت و الحمد لله ,,
"وصلت "خالتي" و الحمد لله" ,,
لم أكن اعرف كيف كانت حالتها وهي تتكلم و لكني لا اتذكر الا انها قالت ..." من غير الممكن أن تتكلموا الآن مع فلان " - ألا هو خالي - ,,
كان قد وضع رأسه على ساقي أمه و لم يعرف شيئا غير الاجهاش بالبكاء ,, وطبعا البكاء كان هو الابلغ بالنسبة للجميع ,,
يتبع اٍن شاء الله
|