|
رد: ♥ ●• وقـفه مع أسمـاء الله الحسنى♥ ●•
♥ ●• وقـفه مع أسمـاء الله الحسنى♥ ●•
" العظيم "
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم تسع مرات
كما في قوله تعالى : { وهُوَ العليُّ العظيمُ } [البقرة:255]
و العظمة و العظموت : الكبرياء
و العِظَم خلاف الصِّغَر, فهو الكبير الذي لا يحدُّه حد, ولا يحيط بعلمه بشر, ولا يَقْدِرُ قدره إلا هو سبحانه, فهو عظيم في ذاته, عظيم في صفاته
" العظيم " بمعنى : المُعَظَّم , أي : يُعَظِّمه خلقه و ملائكته و أنبياؤه ورسله و الفاقهون من عباده
و يعظمه كونه و سماؤه و أرضه : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء:44]
وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم عند الكرب يقول : " لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السماوات ورب العرش الكريم " _أخرجه البخاري و مسلم
" العظيم " الواسع في ذاته, الكامل في صفاته, العزيز المجيد, الكبير الخبير
* من تعظيم الله سبحانه و تعالى : الوقوف عند حد الإيمان, والخضوع لعظمته؛ حتى يسجد العقل و يتحير, و يسكن القلب و يستسلم, وتلين الجوارح, و تنساق الأبدان لمراده
* ومن تعظيمه : تعظيم كتابه وكلامه, و رسله و مقدساته, وشرائعه و مناسكه
فلا تكون محلا للسخرية, ولا ميدانا للاقتحام و الابتداع
* ومن تعظيمه : طاعة أمره, ومباعدة نهيه, و الاستغفار عن التقصير, والاعتراف بالجميل
* ومن تعظيمه : التألُّه له حبا و خوفا و رجاءً, واستحضارا دائما لمجده وكبريائه, واستعدادا للقائه, وحسن الظن به جل و تعالى
"الحليم" لا يعجل ، بل يتجاوز عن الزلات ، ويعفو عن السيئات ، فهو سبحانه وتعالى يمهل عباده الطائعين ليزدادوا في الطاعة والثواب ، ويمهل عباده العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب ، ولو أنه عجّل لعباده الجزاء ما نجا من العقاب أحد ، ولكن الله جلّ جلاله هو "الحليم" ذو الصفح والأناة ، استخلف الإنسان في أرضه ، واسترعاه في ملكه ، واستبقاه إلى يوم الموعود وأجل محدود ، فأجّل بحلمه عقاب الكافرين ، وعجّل بفضله ثواب المؤمنين .
" الحليم "
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة
كقوله تعالى : { واللهُ غفورٌ حليمٌ } [البقرة:225]
وقوله : { واللهُ غنيٌ حليمٌ } [البقرة263]
" الحليم " مأخوذ من الحلم, وهو ألا يتعاجل الإنسان بالعقاب, بل يتأنى به ..
والله تعالى يتأنى بعباده ويصبر عليهم, ولا يعاجلهم أو يؤاخذهم أو يعاقبهم, كما قال سبحانه : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } [فاطر:45]
ولا يوصف بالحلم إلا من عنده القدرة
فنقول عن إنسان ما أنه حليم إذا كان لا يغضب و يملك نفسه و يحافظ على هدوئه وكف يده عن معاقبة الآخرين مع قدرته على ذلك
أما لو كان عاجزا مقهورا ذليلا ثم يتحمل الأذى و الظلم و القهر ثم لا يدفعه؛ فهذا لا يسمى حليما
لأنه عاجز ذليل, وإنما الحلم مع القدرة
ولو تأملت لحظة, و تخيلت امتداد الدنيا كلها وامتداد البشر فيها من الشرق إلى الغرب, وتصورت كم معصية تقع الآن في الدقيقة, من غش و ظلم و كذب, لأدركت جانبا من حلم الله تعالى وصبره على عباده
* قال صلى الله عليه وسلم " لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل " _أخرجه البخاري و مسلم
فالله سبحانه و تعالى يصبر على الأذى الذي يسمعه من عباده, فهو يرزقهم و يعافيهم, وهم يحاربونه و يبارزونه بالمعاصي, و يزعمون أن له صاحبة و ولدا !!
" الحليم " الذي يحب الحلم و يثيب عليه, و يأمر به, و يحب أهل الحلم, لهذا جعل الله تعالى الحلم صفة لكثير من أنبيائه عليهم الصلاة و السلام
فهذا محمد صلى الله عليه و سلم لما أخرجه المشركون و سبُّوه و ردّوه ردا سيئا
فجاءه ملك الجبال و قال له : " إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين " ,
فقال صلى الله عليه و سلم و هو في موقف من الحزن العظيم : "بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده, لا يشرك به شيئا " _صحيح البخاري و صحيح مسلم
" اللطيف "
ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم سبع مرات
كقوله تعالى : { إنَّ اللهَ لطيفٌ خبيرٌ } [الحج:63]
و قوله : { إنَّ ربي لطيفٌ لِما يشاءُ } [يوسف:100]
من معاني اللطف :
أولا : الرفق , فهو سبحانه يرفق بعباده ولا يعاجلهم بالمؤاخذة بالذنب
ثانيا : تسخير الخلق بعضهم لبعض, فسخر الأبوين للأولاد, و الأولاد للأبوين, بل سخر لهم الملائكة
قال تعالى : { الذينَ يحملونَ العرشَ و مَن حَولَه يُسبِّحونَ بِحَمدِ ربِّهِم و يؤمنونَ بِهِ و يستغفرونَ للذين آمنوا } [غافر:7]
ثالثا : الخفاء فهو سبحانه لا تدركه الحواس و لا تراه الأبصار؛ ولذلك قال عز و جل :
{ لا تُدرِكُهُ الأبصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصارَ وَهُوَ اللطيفُ الخبيرُ } [الأنعام:103]
ومع ذلك فهو واضح في أدلة العقل و النقل و لكن الأبصار لا تستطيع أن تدركه في هذه الحياة الدنيا.
رابعا : الذي لا تخفى عليه الأشياء و لا تغيب عنه مهما تناهت في الدقة و بلغت في الصغر
لهذا كان من وصية لقمان لابنه : { يابُنيَّ إنها إن تكُ مِثْقالَ حبةٍ من خردلٍ فتكُن في صخرةٍ أو في السمواتِ أو في الأرضِ يأتِ بها اللهُ إنَّ اللهَ لطيفً خبيرٌ } [لقمان:16]
خامسا : العلم بدقائق المصالح و خفيها , فإنه يخلق هذه المصالح الدقيقة الخفية و ييسرها للعباد من حيث يعرفون أو لا يعرفون, و من حيث يحتسبون أو لا يحتسبون .
,
" الخبير "
ورد اسم الله " الخبير " في القرآن الكريم في خمسة و أربعين موضعا
كقوله تعالى : { نبَّأنِيَ العليمُ الخبيرُ } [التحريم:3]
{ واللهُ بِما تعملونَ خبيرٌ } [البقرة:234]
" الخبير " من الخَبَر, و الخِبرَة, بمعنى العلم, فهو العالم بكل شيء, و يُطلق على العلم بالخفايا و السرائر
قال تعالى : { ولا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خبيرٍ } [فاطر:14]
* تدخل في هذا الباب النصوص الواردة في علم الله و سَعته و إحاطته بالعوالم العلوية و السفلية, و الدنيوية و الأخروية
الظاهرة و الباطنة, الحاضرة و الغائبة, المادية و المعنوية
لا يخلو عن علمه مكان, ولا يندُّ عنه زمان
لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر
لا يغفل ولا ينسى , علوم الخلق كلها على تنوعها و تكاثرها لو قورنت بعلم الله اضمحلت و تلاشت
" الخبير " الذي يعلم أحوال عباده فيجازيهم عليها في الدنيا و الآخرة و يطِّلِعُ على دخائل نفوسهم و أسرار قلوبهم
فيوافيهم بها يوم تبلى السرائر : { أفلا يعلَمُ إذا بُعثِرَ ما في القبورِ * وحُصِّل ما في الصدورِ * إنَّ ربَّهُم بِهِم يومئذٍ لخبيرٌ } [العاديات:9-11]
* قال عز و جل : { الرحمنُ فَسْئَلْ بهِ خبيراً } ؛ أي : اسأل عنه خبيرا
و قيل : هو محمد صلى الله عليه و سلم , فهو أخبر الخلق بربه وربهم عز وجل
البصيرُ :
الذي أحاط بصره بجميع المُبصِرات في أقطار الأرض والسموات، حتى أخفى ما يكون فيها، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصّماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها، وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقَّتها، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك .
" السميع "
* ورد اسم السميع في الكتاب الكريم في خمسة و أربعين موضعا
قال تعالى : { ربَّنا تقبَّل مِنَّا إنك أنت السميعُ العليمُ } [البقرة : 127]
و قال عز وجل : { إنه سميعٌ قريبٌ } [سبأ : 50]
* قال سبحانه و تعالى : { قد سمِعَ اللهُ قولَ التي تجادِلُكَ في زوجِها و تشتكي إلى اللهِ واللهُ يسمعُ تحاوُرَكُما إن اللهَ سميعٌ بصيرٌ } [المجادلة:1]
تقول عائشة رضي الله عنها : الحمدلله الذي وسع سمعه الأصوات, لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه و سلم _ وأنا في ناحية البيت _ تشكو زوجها , وما أسمع ما تقول , فأنزل الله : { قد سمِعَ اللهُ قولَ التي تجادِلُكَ في زوجِها }._ أخرجه أحمد و البخاري والنسائي وابن ماجه
" السميع " السامع للأصوات كلها, سرها و علانيتها, فالأصوات عنده كلها سواء, و السر عنده علانية, و النجوى إليه مفضية, بل حديث الإنسان في نفسه فالله تبارك و تعالى مُطّلع عليه, فكل الأشياء ظاهرة له عز و تعالى.
" السميع " الذي يستجيب دعاء عباده إذا سألوه ودعوه و تضرعوا إليه فإنه سبحانه يسمع و يجيب
ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يستعيذ من دعاء لا يُسمع , أي : لا يُستجاب له
* يقول المصلي اذا رفع من الركوع " سمع الله لمن حمده " , ومعناها : أن الله استجاب لمن حمده و ذكره و دعاه
ولهذا يشرع للعبد أن يدعو في صلاته في مواضع :
بعد تكبيرة الاحرام – و قبل الركوع أحيانا – و في الركوع – و بعد مايرفع من الركوع – و في السجود – و بين السجدتين – و في آخر الصلاة قبل السلام
* إن الله سبحانه و تعالى يسمع كل المسموعات, و في ذلك إثارة للخشية و تجنب السوء في القول و العمل
,
" البصير "
* ذكر في القرآن الكريم في اثنين و اربعين موضعا كما في قوله : { والله بصير بالعِباد } [آل عمران: 15]
وقوله : { وهُوَ معَكُمْ أينما كنتُم والله بما تعملونَ بصير } [الحديد:4]
" البصير " الذي يبصر الأشياء كلها ويراها, فهو بكل شيء بصير.
" البصير " العالم بالأحوال كلها فهو إذ يخلق أو يرزق, أو يحيي أو يميت, أو يهدي أو يُضِل , أو ينصر أو يخذُل فأن هذا وِفقَ حكمة و بصر و علم تام لا يغادر قليلا و لا كثيرا
* إن العبد بمرأى و مسمع من الله عز وجل في كل حال
قال تعالى : { وما تكونُ في شأنٍ وما تَتْلُوا منهُ من قرآنٍ ولا تعملونَ من عملٍ إلا كُنّا عليكم شهودا إذ تُفِيضونَ فيهِ وما يعزُبُ عن ربِّك من مِثقَالِ ذرةٍ في الأرضِ ولا في السماءِ ولا أصغَرَ من ذلكَ ولا أكبَرَ إلا في كتابٍ مبينٍ } [يونس:61]
فالله تعالى هو السميع البصير و في هذا عزاء للمؤمنين و قد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : { الذي يراكَ حينَ تقومُ * وتقلُّبِكَ في الساجِدِين } [الشعراء:218-219]
فهذه الرؤية و هذا السمع يجعل المؤمن طيب البال مرتاح النفس هادئا راضيا؛ لأنه يعلم أن الله تعالى يسمعه و يراه,
وفي ذلك تصبير للداعين كما قال سبحانه لموسى و هارون لما أمرهما بالذهاب إلى فرعون : { إنّنِي مَعَكُما أسمَعُ و أرَى } [طه:46]
فيقع لقلب المؤمن من جراء ذلك الرضا بالله تعالى و الصبر و اليقين
* في ذلك أيضا تهديد للكافرين و المجرمين و المتمادين في طغيانهم و عدوانهم كما قال تعالى :
{ إنَّ الذينَ يُلحِدونَ في آياتِنا لا يَخفَونَ علينا } [الطور:48]
هو القابض و الباسط للأرواح .. قابضها بالموت و النوم .. و باسطها بالحياة و اليقظة .. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون».
و قال تعالى {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
الخافض الرافع: الخافض: الواضع والمنزل من شأن أقدار الخلق، والرافع المعلي للأقدار.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قول الله تبارك وتعالى: "(كل يومٍ هو في شأن)
قال: من شأنه أن يغفرَ ذنباً، ويُفَرِّج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين"
" القابض و الباسط "
القبض خلاف البسط, والانقباض خلاف الانبساط,
وقبضت الشيء : اذا أخذته بجميع الكف, وتناولته تناولا
والبَسْط : نقيض القبض, وهو النشر والسَّعَة
ويقال : فلان بسيط الجسم؛ أي : فيه سعة وامتداد وزيادة
وقد ورد ذكر الاسمين الجليلين " القابض " و " الباسط " في حديث أنس رضي الله عنه قال :
غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله ! لو سَّعرت ؟
فقال : " إن الله هو الخالق القابض الباسط, المُسعِّر, وإني لأرجو أن ألقى الله, ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه من دم أو مال " _أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه
ووردا في القرآن على قبيل الفعل, كما في قوله تعالى : { وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة:245]
ومعناها أن الله سبحانه وتعالى يُضيِّقُ على من يشاء, ويُوسِّع على من يشاء
" الباسط " سبحانه هو الناشر فضله على عباده, يرزق ويوسِّع, ويجود, ويمكِّن, ويخوِّل
و " القابض " سبحانه هو الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على عباده
و " الباسط " الذي بسط الأرواح في الأجساد
وهو سبحانه يقبض الصدقات من الأغنياء, ويبسطها للضعفاء
ويبسط الرزق على الأغنياء ويُفيضه و يوسِّعه, ويقبضه على الفقراء فيقدر عليهم أقواتهم وأرزاقهم
ويبسط القلوب بما يُفِيضه من بِرِّه ولُطفه و إنعامه, ويَقبضها فيُضَيٍّقها حتى تضيق على أصحابها أنفسهم, وتضيق عليهم الأرض بما رحبت .
" العليم - العالِم - العلَّام "
ورد اسم الله " العليم " في مائة و سبعة و خمسين موضعا من القرآن الكريم
كقوله سبحانه : { ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ } [الأنعام:96]
و ورد بلفظ " العالم " ثلاث عشرة مرة, كقوله : { عَالِمُ الغَيبِ وَ الشَّهَادَةِ } [الأنعام:73]
و ورد بلفظ " العلام " وهي صيغة مبالغة تدل على كمال العلم و سعته, في أربعة مواضع
منها قوله : { إنَّكَ أنتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ } [المائدة:109]
والعلم يقتضي نفي الجهل, وعلمه سبحانه علم شامل محيط بالماضي و الحاضر والمستقبل, وعلم مطابق للواقع ..
ولهذا يسمى علما ولا يسمى معرفة لأن المعرفة يسبقها جهل بخلاف العلم
و كما أن علمه سبحانه لا يسبقه جهل فلا يلحقه نسيان : { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَ لَا يَنسَى } [طه:52]
* قال تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام:59]
فهو سبحانه يعلم الدقائق و التفاصيل, والظواهر والبواطن, والكليات و الجزئيات, و المعاني والماديات
وقد كتب مقادير كل شيء في كتاب عنده
فهذا العلم يوجب الخشية منه و تعظيمه, ولذا قيل : " من كان بالله أعرف كان منه أخوف "
كما يوجب مراقبته سبحانه؛ لأن كل شيء بعلمه و سمعه و بصره و تحت سلطانه
ويوجب محبته؛ لأن كمال العلم محبوب للنفوس الشريفة التوَّاقة
ويوجب محبة العلم و السعي في تحصيله والتلذذ به؛ لأن الله عليم يحب العلم والعلماء, ويكره الجهل والجهلاء
* إن علم الدنيا و الكون و الإنسان, و ألوان المعارف الإنسانية هي محبوبة؛ لأنها تزيد العبد بصيرة بخلق الله و قدرته وحكمته و عظمته
وتُيَسِّر الانتفاع بهذا الكون { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } [الجاثية:13]
فليس العلم البشري معاندا للعلم الإلهي, ولا الدين جاء يحجب الناس عن العلوم
بل أول ما نزل من القرآن هذه الآية : { اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق } [العلق:1]
* إن هذا الاسم الشريف العظيم يولد في النفس تسليما لما يفعله الله في كونه
وأنه بعلمه و إرادته و حكمته, فالحكمة هي من العلم { وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ } [التحريم:2]
والقدرة هي قرين العلم : { وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ } [الروم:54]
فكل شيء بقَدَر, وكل قَدَر بحكمة
" الفتَّاح "
من أسماء الله سبحانه و تعالى " الفتاح " وهو " خير الفاتحين "
وقد ورد في قوله تعالى : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [سبأ:26]
وقوله تعالى : { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } [الأعراف:89]
" الفتاح " الذي يفتح مغاليق القلوب بالهدى و الإيمان, فتلين و تُذعِن و يسهل انقيادها بعدما عارضت و شاكست و رفضت و تمنَّعت
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, الرجل الشديد القوي, كان يؤذي المؤمنين الأولين بمكة, ثم سمع شيئا من القرآن
فأقبل الله بقلبه إليه, وجاء النبي صلى الله عليه و سلم, يطرق باب الأرقم, وفي قلبه عزيمة على أن يتبع الحق, ويؤمن بالله عز وجل
ويخِرَّ ساجدا من ساعته, مُخبِتاً لرب العالمين, ويعلن إيمانه على الملأ من غير تردد, ولا تلجلج, ولا ضعف ولا عجز
" الفتاح " الذي يكشف الغمة عن عباده, و يسرع بالفرج و يرفع الكرب, و يجلي العماية و يزيل الضراء, ويفيض الرحمة و يفتح أبواب الرزق
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : " اللهم افتح لي أبواب رحمتك " _أخرجه مسلم وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه نحوه
إشارة إلى أن أبواب الرحمة عند الله تعالى, والمساجد من مظان الرحمة؛ ولهذا ناسب هذا الدعاء عند دخول المسجد
" الفتاح " الذي يفتح لعباده أبواب العلم و الحكمة و المعرفة و البصيرة في شؤون دينهم
ولهذا تجد العلماء يتفاوتون في منازلهم و درجاتهم
" الفتاح " الذي يفتح لعباده في شؤون دنياهم ما يصلح به عيشهم, وتستقيم به حياتهم
فليست المعرفة مجرد حجرا محجورا, ولا حرزا مخبأ عن العباد, و إنما الله يحفز عباده على الابداع و الاكتشاف و الاطلاع و العلم ويثيبهم على ذلك
كما قرر في كتابه قانون التسخير : { وِسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [الجاثية:13]
ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم اذا خرج من المسجد يقول : " اللهم اغفر لي ذنوبي, وافتح لي أبواب فضلك " _أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه
إشارة إلى أنه قد خرج من المسجد الذي هو مكان العبادة, إلى السوق, أو المنزل, أو طلب الرزق و طلب فضل الله
" الفتاح " الذي يفتح على عباده اكتشاف قوانين المادة, وما يُسَهِّل تسخيرها, و ألوان التقدم المادي, و التقنية الحديثة التي ينتفع بها عباده
ولو أنك قرأت تاريخ العلوم و الثورات العلمية, لطال عجبك مما تضج به الحياة من حولك من المنجزات و المبتكرات من المعارف الهائلة المتراكمة
ولعل هذا من أسرار ربط اسم " الفتاح " بـ " العليم " في غير ما موضع ..
فالعلم مفتاح للكثير من المشكلات و المعضلات
وفي ذلك دعوة للانسان أن تعلم؛ ليحصل على مفاتيح الحياة
" الفتاح " الذي يفتح الممالك و الأمصار لعباده الصالحين المؤمنين
كما قال سبحانه : { إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف:128]
وقوله لنبيه : { إنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتْحَاً مُّبِينَاً } [الفتح:1]
" الفتاح " الذي يفتح و يحكم بين عباده بالحق في اللآخرة
فمهما طال الليل وادْلَهَمَّ الخَطْب, فإن الله يفتح بين عباده و يحكم بينهم
كما قال تعالى حكاية عن نبيه شعيب عليه السلام : { رّبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وّ أَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ } [الأعراف:89]
وهو الفتاح الذي ينتصر للمظلوم من الظالم
|