ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > المواضيع المتشابهة للاقسام العامة
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
المواضيع المتشابهة للاقسام العامة ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة....... يوجد هنا ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة....... هنا توضع المواضيع المتشابهة


 
قديم   #51

زائرة الدنيا


رد: ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......


( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......

تتمه

لحظتها.. تمنيت لو أتحوّل إلى جدار ، يكون أكثر نفعا مني .. كأي جدار عانقته و تشبثت به.. كأي جدار ربما، و مع كونه جمادا لا روح فيه و لا حياة، أشعرها بالدفء و العطف و الأمان... أما أنا.. و أنا واقف أمامها كالشبح الميت، الغير مجدي .. فلم يكن مني إلا أن أحنيت رأسي للأمام في عجز عن فعل شيء أكثر أهمية و حرارة و نفعا من الجدران ...

لن أسامح نفسي ما حييت، على خذلاني لصغيرتي في لحظة كهذه...

بعد ذلك ، و رغم أنني كنت مصرا على المغادرة فورا، إلا أن رغد كانت مصرّة على دخول غرفتها و تفقّد أشيائها...

السرير كان محروقا، و لا زلت أشكر الله ألف مرة لأن رغد ليلتها كانت نائمة في بيت خالتها..
ألف حمد لك يا رب..

الأثاث، في موضعه السابق، لكنه مكتس باللون الأسود المتفحم.. و مغطى بذرات الرماد و فتات المحروقات...

لم أشأ دخول الغرفة، وقفت عن الباب أراقب رغد و هي تتحسس أشياءها المحروقة... حتى إذا ما انتهت إلى مجموعة لوحاتها الكبيرة ، جعلت تتفقدها بسرعة و وله ، و تهتف بألم :

" لا ، لا .. لا ... "

ثم نظرت إلي و قالت بين دموعها :

" وليد .. لقد احترقت َ ! "

و أخذت تحضن الرماد... و البقايا... أخيرا قررت الدخول، و حين صرت قربها مباشرة قالت و هي تنثر الرماد من حولها :

" أنظر.. لقد احترقت حتى الصورة ! لماذا ؟ يا إلهي ماذا تبقى لي ؟ ماذا تبقى لي ؟؟ "


" دعونا نغادر المكان و نختصر الألم أرجوكما "

كان ذلك صوت أروى التي كانت واقفة عند الباب.. قالت رغد

" ارحلوا و اتركوني.. أريد الموت هنا.. آه يا رب.. لماذا عشت أنا و ماتا هما ؟ حتى الصورة احترقت ! ماذا تبقى لي ؟؟ "

أروى تقدمت نحونا و أمسكت بيد رغد محاولة مواساتها و تشجيعها، إلا أن رغد نهرتها بقوة، و رمتها ببعض الكلمات الجارحة، ربما من شدة حزنها ...

و لم تسمح لنا رغد بمغادرة المنزل حتى تفقدته غرفة غرفة و ممرا ممرا و زاوية زاوية...
حتى المطبخ جلست فيه فترة طويلة تستعيد الذكرى و تقلّب المواجع ، و تكرر

" هنا كانت أمي تطهو الطعام ، و هنا كان أبي يدوّن ملاحظاته في المفكرة ! ، و هناك كانت دانة تزين كعكاتها بالشيكولا ! ... و سامر يقف هناك، يتحدّث عبر الهاتف، و عند هذه الطاولة كنت أنا أجلس لأقشر البطاطا !
ليت ذلك يعود...
و لو يوما واحدا فقط..
أعيش فيه وسط عائلتي .. بين أمي و أبي، و أختي و أخي.. يوما واحدا فقط.. عسى أن يكون آخر أيام حياتي... "

بل إن هذا سيكون آخر أيام حياتي أنا، ما لم تتوقفي عن ذلك يا رغد ... ارحميني...

حملت رغد معها تذكارا من كل مكان و عن كل شخص.. حتى سامر...كما أخذت حليها و حلي دانة، بل و ما بقي من فستان زفافها المحروق أيضا !

" سأعطيه لأختي حين تعود ! كانت مهووسة به .. و تعتبره كنزها الثمين ! مسكينة يا دانة ! "


خرجنا من ذلك الحطام الكئيب بعدما أغرقناه بالدموع و ملأناه بالألم... إن كنت، الشخص الذي لم يعش في هذا المنزل فترة طويلة، و لم يحمل معه سوى القليل من الذكريات، و أنا أكاد أنصهر من حرارة ما بداخلي، فكيف برغد ...؟؟

ابتعدنا عنه و قلوبنا معلقة عنده، و أنظارنا متشبثة به حتى اللحظة الأخيرة...و أخذنا معنا ما غلا مما نجا، و ما نجا مما غلا

لم تتوقف سيل الدموع حتى بعدما وصلنا إلى منزل أبي حسام، و كان الآخر محترقا ، إلا انه أحسن حالا من بيتنا المدمّر...

حين قرعنا الباب، فُتح و ظهر من خلفه أفراد العائلة أجمعون، و الذين كانوا في انتظارنا منذ ساعات...

ما إن رأت رغد خالتها حتى صرخت.. و انهارت في حضنها بحرارة ...

اللقاء كان من أقسى اللقاءات التي مررت بها في حياتي.. لا يضاهيه أي لقاء، عدا لقائي بأهلي بعد خروجي من السجن، مع فارق ضخم، هو أنه لا أهل أمامي لأعود إليهم و أعانقهم و أبكي فوق صدورهم...

استهلكنا كمية كبيرة من الدموع حتى أوشكنا على الجفاف، صعدت رغد بعد ذلك مع ابنة خالتها إلى الطابق العلوي، و ذهبت النساء إلى غرفة أخرى، و بقينا نحن الرجال في غرفة المعيشة نقلّب الأحزان و نتجرّع الآهات و نتبادل التعازي...

حينما حل الظلام، أردت أخذ عائلتي إلى فندق لقضاء الليلة قبل متابعة السير غدا، مع أنني لست واثقا من العثور على مكان مناسب، و طلبت من حسام استدعاء الثلاث...

ذهب حسام و عاد بعد قليل مع أمه و أروى و أمها ، فسألت عن رغد ، فأخبرتني أم حسام أنها أرسلت ابنتها الصغرى لاستدعائها...

لحظات و إذا بالفتاة الصغيرة ( سارة ) تأتي نحونا و تقول :

" تقول رغد إنها ستبقى معنا و لن ترحل مع وليد و خطيبته الشقراء الدخيلة و أمها ! "

تبادلنا جميعا النظرات المتعجبة، و حملقنا في الفتاة الصغيرة ... ثم سألتها أمها :

" سارة ! هل هذا ما قالته ؟؟ و هل طلبت منك نقل هذا إلينا ؟؟ "

و هنا أقبلت الآنسة نهلة، و نظرت إلى أختها بغضب، ثم إلينا أنا و أروى و قالت :

" رغد ستبات معي الليلة "

شعرت بالضيق الشديد من ذلك، فقلت :

" أين هي ؟ أود ا لتحدّث معها فهلا ّ استدعيتها ؟ "

قالت :

" إنها لا تريد الخروج الآن... "

ضقت أكثر و قلت :

" أرجوك آنستي، هلا استدعيتها "

و ما كدت أنهي الجملة حتى طارت الصغيرة سارة لاستدعائها !

ثوان و إذا بها تعود قائلة :

" لن تذهب معك ! ارحل و اتركها و شأنها "

هتفت الآنسة نهلة :

" سارة ! تبا لك ! لا تتدخلي أنت و ابقي في مكانك "

قلت :

" هل أخبرتها بأنني أريد التحدّث معها ؟؟ "

موجها الخطاب إلى الفتاة الصغيرة، فابتسمت الأخيرة و قالت :

" نعم ! و قالت إنها لا تريد التحدث معك، و إن علي إخبارك بأنها لن تذهب معكم فارحلوا ! "

أم حسام ذهبت الآن إلى غرفة ابنتها و عادت بعد قليل قائلة :

" دعها تنام هنا الليلة ، إنها في حالة سيئة "

و عبارة ( حالة سيئة ) أزعجتني و أقلقتني أكثر...

" أرجوك يا سيدتي ، استدعيها لأتحدّث معها الآن "


و ما إن أنهيت جملتي هذه حتى رأيت رغد تظهر أمامي، ثم تقول :

" سأبقى هنا في بيت خالتي ! لن أرحل معكم "

اجتاحني الهلع، فقلت :

" تعنين الليلة ؟ "

قالت :

" بل كل ليلة ، سوف أعيش هنا بقية عمري "

نظرت إليها، و إلى جميع من حولي في عدم تصديق .. ثم سألتها :

" ماذا تعنين يا رغد ؟ لا يمكنك ذلك ! "

قالت بصوت متحد ٍ :

" بلى ، يمكنني "

" رغد ! مستحيل ! "

قالت بتحد أكبر :

" بلى يا وليد، سأبقى أنا مع عائلتي الحقيقية، و ارحل أنت مع عائلتك الجديدة.. و في أمان الله "

 
قديم   #52

زائرة الدنيا


رد: ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......


( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......

الحلقةالرابعةوالثلاثون
*********






لأنني كنت أريد أن أبتعد عنه، و عن أروى التي تقترب منه أكثر يوما بعد يوم، و لأنني أصبحت بإحباط شديد بعد نزول الثروة المفاجئة على أروى، و تعلّقها أكثر و أكثر بوليد، رفضت متابعة سفري معه...

لم أعد أحتمل المزيد، إن الذي ينبض بداخلي هو قلب و ليس محرك سيارات! لا أحتمل رؤية أروى معه، أختنق كلما أبصرتها عيني، أريدها أن تتحول إلى خربشة مرسومة بقلم الرصاص، حتى أمحوها من الوجود تماما بممحاة فتّاكة!

وليد ، و أروى و أمها، و أفراد عائلة خالتي ، كانوا جميعا يقفون ناظرين إلي، و أنا أكرر :

" سأبقى هنا بقية عمري "

وليد وقف أولا صامتا، ذلك الصمت الذي يستلزمه استيعاب الأمور، ثم قال :

" مستحيل ! "

نشبت مشادة فيما بيننا، وتدخلت خالتي، و حسام و نهلة، واقفين إلى صفي، يطلبون من وليد تركي معهم..إلا أن وليد قال بغضب :

" هيا يا رغد فأنا متعب ما يكفي و أريد أن أرتاح "

بدأت العبرات تتناثر من مقلتي على مرأى من الجميع، و رقت قلوب أقاربي لي، و ساورتهم الشكوك بأنني غير مرتاحة مع ، أو لا ألقى معاملة حسنة من قبل وليد !

قالت خالتي :

" دعها تبات عندنا الليلة على الأقل، و غدا نناقش الأمر "

قال وليد :

" رجاء ً يا خالتي أم حسام، إنه أمر مفروغ منه "

قالت خالتي :

" و لكنها تريد البقاء هنا ! هل ستأخذها قهرا ؟ "

قال وليد :

" نعم إذا لزم الأمر "

و هي جملة رنت في الأجواء و أخرست الجميع، و أقلقتهم !

حتى أنا، ( ابتلعت ) دموعي و حملقت فيه بدهشة منها !

يأخذني معه رغما عني ؟ يمسك بي قهرا و يشدني بالقوة، أو يحملني على ذراعيه عنوة، و يحبسني في السيارة !

تبدو فكرة مضحكة ! و مثيرة أيضا !
و لكن يا لسخافتي ! كيف تتسلل فكرة غبية كهذه إلى رأسي في لحظة كهذه !

حسام قال منفعلا :

" ماذا تعني ؟؟كيف تجرؤ !؟ "

رمقه وليد بنظرة غاضبة و قال بحدة :

" لا تتدخّل أنت "

قال حسام مستاء :

" كيف لا ؟ أ نسيت أنها ابنة خالتي ؟ نحن أولى برعايتها منك فأمي لا تزال حية أطال الله في عمرها "

تدخّل أبو حسام قائلا :

" ليس هذا وقت التحدّث بهذا الشأن "

التفت إليه حسام و قال :

" بلى يا والدي، كان يجب أن تحضر إلى هنا منذ شهور ، لولا الحظر الذي أعاق تحركنا "

وليد تحدّث بنفاذ صبر قائلا :

" هل تعتقد أنني سأقبل بهذا ؟ "

حسام قال حانقا :

" ليست مسألة تقبل أم لا تقبل ! هذا ما يجب أن يحدث شئت أم أبيت، كما و أنها رغبة رغد "

و التفت إلي، طالبا التأييد، كما التفت إلي وليد و الجميع !
قلت بتحد:

" نعم، أريد العيش هنا مع خالتي "

وجه وليد تحوّل إلى كتلة من النار... الأوداج التي تجانب عنقه و جبينه انتفخت لحد يخيل للمرء إنها على وشك الانفجار !
عيناه تقذفان حمما بركانية حامية !
رباه !
كم هو مرعب ! يكاد شعر رأسي يخترق حجابي و يشع من رأسي كالشمس السوداء !

قال :

" و أنا، لن أبتعد عن هذا المكان خطوة واحدة إلا و أنت معي "

في لحظة حاسمة مرعبة هذه، يتسلل تعليق غبي من ابنة خالتي الصغرى، حين تقول :

" إذن .. نم معنا ! "

جميعنا نظرنا إلى سارة نظرة مستهجنة، تلتها نظرة تفكير، تلتها نظرة استحسان !
قال خالتي :

" تبدو فكرة جيّدة ! لم لا تقضون هذه الليلة معنا ؟ "

وليد اعترض مباشرة، و كذلك أروى ... و بعد نقاش قصير، نظر إلي وليد و قال :

" لهذه الليلة فقط "

معلنا بذلك موافقته على المبيت في بيت خالتي، و إصراره على عدم الخروج من الباب إلا و أنا معه !

يا لهذا الوليد ! من يظن نفسه ؟؟ أبي ؟ أمي ؟ خطيبي ؟؟
لو كان كذلك، ما تركني تائهة وسط دموعي في بيتنا المحروق، بحاجة لحضن يضمني و يد تربّت على كتفي، و وقف كالجبل الجليدي، يتفرّج علي ...

أخرجت لنهلة كل ما كبته في صدري طوال تلك الشهور...حتى أثقلت صدرها و رأسها، و نامت و تركتني أخاطب نفسي!

كذلك نام الجميع، و مضى الوقت... و أنا في عجز كلي عن النوم، و وليد يلعب فوق جفني ّ ، لذا نهضت عن السرير، و ذهبت إلى الطابق السفلي، بحثا عن وليد !
كنت أدرك أنني لن أتمكن من النوم و لن يهدأ لي بال حتى أراه...

لمحته جالسا في نفس المكان الذي كان يجلس فيه أثناء ( شجارنا ) و كان يبدو غارقا في التفكير العميق...

انسحبت بحذر، إذ إنني لم أكن أريد الظهور أمامه.. فظهوري سيفتح باب للمشادة !
لكني، بعدما رأيته، أستطيع أن أنام قريرة العين !
( نوما هنيئا..يا وليد قلبي ! )
جملة أكررها كل ليلة قبيل نومي , مخاطبة بها صورة وليد المحفورة في جفنيّ...
و التي أعجز عن محوها و لو اقتلعت جفني من جذورهما...





~ ~ ~ ~





وافقت كارها على قضاء الليلة في بيت أبي حسام، و لم أنم غير ساعتين، لأن أفكاري كانت تعبث بدماغي طوال الوقت.

ماذا إن قررت صغيرتي البقاء هنا ؟
أتعتقد هي أنني سأسمح بهذا ؟؟
مطلقا يا رغد مطلقا .. و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أدعك تبتعدين عني...
ما كدت أصدّق، أنك ِ تحررت ِ من أخي... الطيور.. يجب أن تعود إلى أعشاشها...
مهما ابتعدت، و مهما حلّقت...
مهما حدث و مهما يحدث يا رغد.. أنت ِ فتاتي أنا...

تناولنا فطورنا في وقت متأخر، الرجال في مكان و النساء في مكان آخر... و حين فرغنا منه، طلبت أم حسام أن تتحدّث معي حديثا مطوّلا، فجلسنا أنا و هي، و ابنتها الصغيرة في غرفة المجلس... و كنت أعلم مسبقا عن أي شيء سيدور الحديث !

" وليد يا بني.. إن ما مرّت به رغد لهي تجربة عنيفة، احترق بيتها، و تشردت ، ثم مات والداها، ثم انفصلت عن خطيبها، و عاشت في مكان غريب مع أناس غرباء ! هذا كثير على فتاة صغيرة يا بني ! "

التزمت الصمت في انتظار التتمة

" إنه لمن الخطأ جعلها تستمر في العيش هناك، إنها بحاجة إلى رعاية (أمومية و أبوية).. لذلك يجب أن تبقى معنا "

هزت رأسي اعتراضا مباشرة... فقالت أم حسام :

" لم لا ؟ "

" لا يمكنني تركها هنا "

" و لكن لماذا ؟ إنه المكان الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه بعدما فقدت والديك، مع خالتها و عائلة خالتها، التي تربت بينهم منذ طفولتها"

قلت مستنكرا :

" لا يمكن ذلك يا أم حسام، الموضوع منته "

استاءت أم حسام و قالت :

" لماذا ؟ أترى تصرّفك حكيما ؟؟ تعيش معك أنت، ابن عمّها الغريب، و زوجته و أمها الأجنبيتين، و تترك خالتها و ابنتي خالتها !؟ "

وقفت من شدة الانزعاج من كلامها ... كيف تصفني بالغريب ؟؟

" أنا ابن عمّها و لست بالرجل الغريب "

" و ابن عمّها ماذا يعني ؟ لو كان سامر لكان الأمر مختلفا .. بل إنه حتى مع سامر لا يمكنها العيش بعدما انفصلا . أنت لست محرما لها يا وليد "

استفزّتني الجملة، فقلت بغضب:

" و لا حسام و لا أباه ! "

أم حسام ابتسمت ابتسامة خفيفة و هي تقول :

" لكنني هنا ! "

" و إن ْ ؟ ... أروى و أمها أيضا هناك "

" لا مجال للمقارنة ! إنهما شخصان غريبان ، و أنا خالة رغد ، يعني أمها "

قلت بنفاذ صبر :

" لكنك لست ( المحرم ) هنا ! لن يغيّر وجودك و ابنتيك شيئا ! "

أم حسا صمتت برهة ثم قالت :

" إن كانت المشكلة في ذلك، فحلّها موجود، و إن كان سابقا لأوانه "

الجملة دقّت نواقيس الخطر في رأسي، فقلت بحذر و بطء :

" ماذا ... تقصدين ؟ "

أم حسام قالت :

" كان يحلم بالزواج منها منذ سنين، فإن هي وافقت على ذلك، أصبح حسام و رغد زوجين يعيشان معا في بيت واحد ! "

كنت أتوقع أن تقول ذلك ، و أخشاه.. اضطربت و تبدّلت تعبيرات وجهي ، و استدرت فورا مغادرا الغرفة

حين بلغت الباب سمعتها تناديني :

" وليد ! إلى أين ! ؟ "

استدرت إليها و النار مشتعلة من عيني و صدري، لم أكن أريد أن أفقد أعصابي لحظتها و أمام أم حسام.. لكنني صرخت :

" سآخذها و نغادر فورا "

و تابعت طريقي دون الاستجابة إلى نداءاتها من خلفي

و من أمامي، رأيت حسام، واقفا على مقربة، ينتظر نتاج اللقاء الودي بيني و بين أمه

لما رآني في حال يوحي للناظر بشدة انفعالي، و رأى أمه مقبلة من بعدي تناديني ، سأل بقلق :

" ماذا حصل ؟ "

لم يجب أينا، الجواب الذي كان بحوزتي لحظتها هي لكمة عنيفة توشك على الانطلاق من يدي رغما عني، كبتها عنوة حتى لا أزيد الموقف سوء ً

التفت ّ الآن إلى الصغيرة سارة و طلبت منها استدعاء رغد و أروى و الخالة ليندا

" اخبريهن بأننا سنغادر الآن "

و ركضت الفتاة إلى حيث كن ّ يجلسن .. في إحدى الغرف .

أم حسام قالت :

" وليد ! يهديك الله يا بني ، ما أنت فاعل ؟ "

أجبت بحنق :

" راحل مع عائلتي ، و شكرا لكم على استضافتنا و جزيتم خيرا "

حسام خاطب أمّه :

" هل أخبرتِه ؟ "

أجابت :

" نعم ، و لكن ... "

و نظرت إلي، فحذا هو حذوها ، و قال :

" هل أخبرتك أمي عني و عن رغد ؟ "

اكتفيت هذه المرّة بنظرة حادة فقأت بها عينيه...

بدا مترددا، لكنه قال :

" منذ زمن كنت أفكّر في ... "

و هذه المرّة صرخت في وجهه بشدّة :

" لا تفكّر في شيء و ابق حيث أنت "

الاثنان تبادلا النظرات المتعجّبة ... و المستنكرة

ثم نطق حسام :

" و لتبق رغد معي أيضا، فأنا أرغب في الزواج منها بأسرع ما يمكن، و بما أنك هنا.. يمكننا أن ... "

و في هذه المرة، و بأسرع ما يمكن ، و بعد انفلات أعصابي تماما، تفجرت اللكمة الدفينة في يدي، نحو وجه حسام ، بعنف و قسوة...

ربما الصدمة مما فعلتـُه فاجأت حسام أكثر من الضربة نفسها، فوقف متسمرا محملقا في ّ في دهشة و ذهول !

كنت لا أزال أشعر بشحنة في يدي بحاجة إلى التفريغ ! و ليتني أفرغتها فورا في أي شي.. حسام، الجدار، الأرض ، الشجر، الحجر ، الحديد ... أي شيء.. و لا أن أكبتها لذلك الوقت... ...

عادت سارة، و معها أروى و أمها
نقلت نظري بين الثلاث و لم أكد أسأل ، إذ أن الصغيرة قالت :

" رغد تقول : ارحلوا ، فهي لن تأتي معكم أبدا ! "

تحدّثت أروى الآن قائلة :

" إنها مصرّة على البقاء هنا و اعتقد، أنها تشعر بالراحة و السعادة مع خالتها و ابنتيها ! "

و استدارت إلى أمها متممة :

" أليس كذلك أمي ؟ "

قالت خالتي ليندا :

" بلى، مسكينة ، لقد مرّت بظروف صعبة جدا، لم لا تتركها هنا لبعض الوقت يا وليد ؟ "

عند هذا الحد، و ثار البركان...
الجميع من حولي يقفون إلى صفها ضدّي، الكل يطلب مني ترك رغد هنا.. و يرى أنه التصرف السليم، و قد يكون كذلك، و قد يصدر من إنسان عاقل ، أما أنا..في هذه اللحظة فمجنون، و حين يتعلّق الأمر برغد فأنا أجن المجانين...

سألت الصغيرة سارة :

" أين هي ؟ "

أشارت إلى الغرفة التي كانت النساء يجلسن فيها

قلت :

" أ أستطيع الدخول ؟ "

فنظرت إلي الصغيرة سارة ببلاهة ، أشحت بأنظاري عنها و نظرت إلى أروى محوّلا السؤال إليها ، و كررت :

" أ أستطيع الدخول ؟ "

قالت أروى :

" أجل ... "

و سرت ُ نحو الغرفة ، و أنا أنادى بصوت عال مسموع :

" رغد ... رغد "

حتى أنبهها و ابنة خالتها إلى قدومي..
طرقت الباب، ثم فتحته بنفسي، و أنا مستمر في النداء...
الجميع تبعني، و رموني بنظرات مختلفة المعاني، لا تهمني، كما لا يهمكم سردها هنا
وجدت صغيرتي واقفة و إلى جانبها ابنة خالتها، و على وجهيهما بدا التوتر و القلق...

قلت :

" رغد، هيا بنا ... "

هزّت رأسها اعتراضا و ممانعة ، فقلت بصوت جعلته أكثر حدّة و خشونة :

" رغد ، هيا بنا، سنرحل فورا "

رغد تكلّمت قائلة :

" لن أرحل معكم ، اذهبوا و اتركوني و شأني "

رفعت صوتي أكثر و قلت بلهجة الإنذار الأخير :

" رغد، أقول هيا بنا ، لأنه حان وقت الرحيل، و أنا لن أخرج من هنا إلا و أنت معي "

قالت رغد بتحد ٍ :

" لن أذهب ! "

في هذه اللحظة، استخدمت بقايا الشحنة المكبوتة في يدي ..التي حدّثتكم عنها.. على حبيبة قلبي ، رغد
أسرعت نحوها، و أمسكت بذراعها بعنف، و شددتها رغما عنها و أجبرتها على السير معي نحو الباب ...
من حولي كان الجميع يهتف و يستنكر و يعترض ، و لكنني أبعدت ُ كل من حاول اعتراض طريقي بعنف، و دفعت حسام دفعة قوية صفعته بالجدار
أم حسام حاولت استيقافي و صرخت في وجهي ، و مدّت رغد ذراعها الأخرى و تشبثت بخالتها، و بابنة خالتها ، و بكل شيء...إلا أنني سحبتها من بين أيديهم بقسوة
أروى و أمها حاولتا ثنيي عما أقدمت عليه فكان نصيبها زجرة قوية مرعبة فجّرتها في وجهيهما كالقنبلة...
نحو المخرج سرت و لحق بي حسام و البقية من بعده فأنذرته :

" عن طريقي ابتعد لأنني لا أريد أن تصيبك كسور أنت في غنى عنها "

" من تظن نفسك !؟ اترك ابنة خالتي و إلا .. "

استخرجت المفتاح من جيبي و فتحت باب السيارة المجاور لمقعد السائق، و دفعت رغد عنوة إلى الداخل ، و أقفلته من بعدها .

و الآن.. علي ّ أن ألقّن حسام درسا ، ليعرف جزاء من يتجرّأ على خطبة حبيبتي منّي ...

كنت أنوي إيساعه ضربا، إلا أن تدخّل من حولي جعلني أكتفي ببعض اللكمات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، و لا تخمد بركانا جنونيا ثار في داخلي بلا هوادة .
وسط المعمة و البلبلة و الصراخ و الهتاف، و استغاثة رغد و ضرباتها المتتالية لنافذة السيارة ، و الفوضى التي عمّت الأجواء، التفت أنا إلى أروى و الخالة ليندا و هتفت بقوة :

" ماذا تنتظران ؟ هيا إلى السيارة "

و توجّهت إليها باندفاع، فركبتها و فتحت الأقفال لتركب الاثنتان، و أوصدها مجددا، و أنطلقت بسرعة ...

قطعنا مسافة طويلة، و نحن في صمت يشوبه صوت محرّك السيارة، و صوت الهواء المتدفق من فتحة نافذتي الضيقة، و صوت بكاء رغد المتواصل...

لم يتجرّأ أحد على النطق بكلمة واحدة... فقد كنا جميعا في ذهول مما حصل..

لم أتخيّل نفسي... أقسو على صغيرتي بهذا الشكل..ولكن .. جن جنوني لفكرة أنها باقية مع حسام، أو صائرة إليه...

و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أسمح لأحد بأخذ رغد منّي مهما كان..و مهما كانت الظروف.. و مصيرك يا رغد لي أنا...


" أما اكتفيت ِ بكاء ً ؟ هيا توقّفي فلا جدوى من هذر الدموع ... "

قلت ذلك بأسلوب جاف ، جعل أروى تمد يدها من خلفي، و تلامس كتفي قاصدة أن أصمت و أدع رغد و شأنها...
صمت ّ فترة لا بأس بها، بعدها فقدت أي قدرة لي على التركيز في القيادة، و أنا أرى رغد مستمرة في البكاء إلى جانبي...
أوقفت السيارة على جانب الطريق، و التفت إليها ...
كانت تسند رأسها إلى النافذة، في وضع تخشع له قلوب الجبابرة..فكيف بقلب وليد ؟؟

" صغيرتي ... "

ألقت علي نظرة إحباط و خيبة أمل أوشكت معها أن أستدير و أعود أدراجي و أوصلها إلى بيت خالتها ... إلا أنني تمالكت نفسي ...

" رغد ... أنا آسف ... "

لم تعر جملتي أية أهمية، و ظلت على ما كانت عليه...

" أرجوك يا رغد.. قدّري موقفي، لا أستطيع تركك في مدينة و أسافر أنا إلى أخرى ! إنك تحت مسؤوليتي و لا يمكنني الابتعاد عنك ليلة واحدة "

لم أر منها أي تجاوب، مددت يدي بعد تردد و أمسكت ُ بيدها ، فسحبت يدها بقوة و غضب :

" اتركني ... "

قلت :

" لا أستطيع أن أتركك في أي مكان ... "

رغد أجابت بانفعال :

" و أنا لا أريد الذهاب معك ! أهو جبر ؟ أهو تسلّط ؟ لا أريد السفر معك ... أعدني إلى خالتي .. أعدني إلى خالتي .. "

و أجهشت بكاء قويا ...

قلت أنا :

" سنعود لزيارتها حين ننهي مهمتنا ، و سنبقى هناك القدر الذي تريدين "

صرخت رغد :

" أريد العيش معهم مدى الحياة ! ألا تفهم ذلك ؟ "

اشتط غضبي من هذه الجملة، فأمسكت بيدها مجددا و شددت قبضتي عليها و قلت بحدة و أنا أضغط على أسناني كأني أمزّق حقيقة أكرهها بين نابي ّ :

" لن أدع لك الفرصة لتحقيق ما يدور برأسك.. و أقسم يا رغد.. أقسم بأنه ستمضي سنون خمس على الأقل، قبل أن أسمح لأي رجل بالزواج منك .. و إن كان ابن خالتك يطمع بك، فلينتظر هو بالذات عشر سنوات حتى أسمح له بطرح الفكرة ، و إن تجرأ على إعادة عرضه ثانية قبل ذلك .. فوالذي لم يخلق في داخلي قلبين اثنين، لأقننه درسا يُنسيه حروف اسمه ... و دون ذلك، لن يبعدك شيء عني ّ غير الموت.. الموت و الموت فقط "

لم أدرك تماما خطورة ما تفوّهت به ، إلا بعد أن رأيت رغد تحملق بي بذهول شديد، و قد تبخّرت الدموع التي كانت تجري على وجنتيها.. و ألجم حديثي لسانها و منعها حتى عن التأوّه من شدة قبضي على يدها...
ربما أكون قد كسرت أحد عظامها أو حرّكت أحد مفاصلها .. لقد كنت أضغط بقوة شديدة... أصابت عضلات يدي أنا بالإعياء...
سكون تام خيّم علينا، ما عاد هناك صوت للمحرك، و لا للهواء ، و لا لرغد، و لا لأي شيء آخر..
حررت يد رغد من قبضتي، فرأيتها محمرّة.. و بالتأكيد مؤلمة...
إلا أن رغد لم يظهر عليها الألم، و لم تسحب يدها بعيدا عني ، كما لم ترفع عينيها المذهولتين عن عيني ...






~~~~~~~~






طوال الأشهر الماضية، كنت أنظر إلى خطيبي وليد نظرة إعجاب شديد، أكاد معها أجزم بأنه أفضل رجل على وجه الأرض، و لا أرى منه أو فيه أي عيب أو نقص...
و كانت جميع خصاله و طباعه تعجبني، و سلوكه و تصرفاته كلها مثار إنبهاري ..
و في هذا اليوم، رأيت شيئا أذهلني و فاجأني...
لم أتصوّر أن يكون وليد بهذا التسلّط أو هذه القسوة ! لم أتوقع أن يصدر منه أي تصرّف وحشي.. كنت أراه إنسانا هادئ الطباع و مسالما... و عظيم الخلق...

الطريقة التي سحب بها رغد رغما عنها، و الطريقة التي زجرنا بها حين حاولنا ثنيه عما كان مقبلا عليه، و الطريقة التي لكم بها حسام بوحشية، و الطريقة التي خاطب بها رغد و نحن في طريقنا الطويل إلى المدينة الساحلية، كلها أثارت في قلبي الخوف و الحذر...
و ذكّرتني، بأن خطيبي هذا قد قتل شخصا ما ذات يوم ... !

كان الطريق إلى المدينة الساحلية طويلا جدا، و مملا جدا ... و قد سيطر الصمت الموحش علينا نحن الأربعة ...
والدتي سرعان ما نامت، و بقيت أنا أراقب الطريق، و أحاول النظر إلى وليد ، إلا أنه كان مركزا على الطريق تركيزا تاما، و كان يسير بسرعة مخيفة !

" هللا خففت السرعة يا وليد ! "

طلبت منه ذلك، فقد شعرت بالخوف من انفعاله ... لكنه لم يخففها بل قال :

" طريقنا طويل جدا ... أجدر بي زيادتها "

ثم التفت إلى رغد، و التي كانت مشيحة بوجهها نحو النافذة و مسندة رأسها إليها ، و خاطبها قائلا :

" اربطي حزام الأمان "

لم أر من رغد أي حركة ، أهي نائمة ؟ أم لم تسمع ؟ أم ماذا ؟؟

عاد وليد يقول :

" رغد .. اربطي حزام الأمان "

رأيتها تتحرك، ثم سمعتها تقول :

" لماذا ؟ هل تنوي أن تصدمنا بشاحنة أو جبل ؟ "

بدا على وليد ، من نبرة صوته ، نفاذ الصبر و الاستياء، إذ قال :

" لا قدّر الله ، فقط اربطيه للسلامة "

قالت رغد :

" لا تخش على سلامتي ! مرحبا بالموت في أي وقت .. أنا انتظره بشوق "

الجملة هذه أربكت وليد فانحرف في مسيره قليلا و أفزعنا ! ثم خفف السرعة تدريجيا، حتى أوقف السيارة... و التفت إلى رغد قائلا :

" توقّفي عن ذكر الموت يا رغد.. تجرّعت منه ما يكفي.. إياك و تكرار ذلك ثانية "

لم تعقّب رغد، بل أسندت رأسها إلى النافذة من جديد...

قال وليد :

" اربطي الحزام "

قالت :

" لن أفعل ! "

" رغد ! هيا ! "

" لن أربطه ! "

" إذن، أنا سأربطه ! "

و رأيت وليد يمد يده باتجاه الحزام، ثم رأيتها ترتد بسرعة إليه! أظن أن رغد دفعتها بعيدا ، ثم سمعت صوت اصطكاك لسان الحزام بفكّه !
لقد ربطته بنفسها !
ثم سمعت وليد يقول :

" فتاة مطيعة "

و يعاود الانطلاق بالسيارة بأقصى سرعة !

بعد فترة، توقّف وليد عند إحدى محطّات الوقود، من أجل الوقود، و الطعام، و الصلاة...

خاطبنا مشيرا إلى مبنى على جانبنا :

" يوجد هنا مصلى للسيدات، حينما تفرغن عدن إلى السيارة ، ثم نذهب إلى المطعم "

أنا و والدتي فتحنا البابين الخلفيين، و نزلنا...
وليد فتح بابه.. ثم التفت إلى رغد... و التي كانت لا تزال جالسة مكانها لا تصدر منها أي حركة تشير إلى عزمها على النهوض ! ..

" ألن تنزلي ؟ "

سألها ، فسمعتها ترد بسؤال :

" إلى أين ستذهب أنت ؟ "

قال وليد :

" إلى المسجد "

و أشار بيده إلى نفس البناية، و التي تحوي مصلى صغيرا خاصا بالرجال، و آخر بالنساء ، يفصلهما جدار، و يقع باباهما في الطرفين المتضادين ..
يظهر أن الفكرة لم ترق لرغد ( هذه المدللة المدلّعة ) و أبت إلا أن يقف وليد عند مدخل المصلى النسائي، حارسا على الباب !

بعد ذلك، اقترح وليد أن ندخل إلى المطعم المجاور لتناول الطعام، فلم يعجبها الاقتراح، فاقترح أن يذهب هو لإحضاره و نبقى نحن في السيارة، و أيضا لم يعجبها الاقتراح ! يا لهذه الفتاة ... لقد بدأت أشعر بالضيق من تصرفاتها ! إنها بالفعل مجرد طفلة كبيرة !

أتدرون ما فعلت في النهاية ؟
أصرّت على الذهاب معه، و تركتنا أنا و أمي نعود للسيارة !
ركبت أنا المقعد الأمامي، و أمي خلفي مباشرة، و قلت مستاءة :

" إنه يدللها بشكل يثير سخطي يا أمي .. أستغرب.. لم َ لم ْ يتركها في بيت خالتها كما أرادت و أصرّت ! إنه ينفذ جميع رغباتها بلا استثناء! فلم عارض هذه الرغبة ؟؟ "

قالت والدتي :

" هذا لأنه يشعر بالمسؤولية الكاملة تجاهها، لا تنسي يا ابنتي أنها يتيمة و وحيدة "

قلت :

" هل سمعت ِ ما قاله ؟ يبدو أن ابن خالتها يخطط للزواج منها، بعدما انفصلت عن خطيبها السابق ! أظنه حلا ممتازا لمثل وضعها ! لم يعارضه وليد ؟ "

قالت :

" هو الأدرى بالمصلحة يا أروى، لا تتدخلي في الموضوع بنيّتي "

و في الواقع، الموضوع كان يشغل تفكيري طوال الساعات الماضية...

لقد قال وليد و هو في قمّة الثورة و العصبية ، مخاطبا رغد أنه لن يسمح لها بالزواج من أي رجل قبل مرور سنين ! ... هذه الجملة تثير في داخلي شكوكا و أفكارا خطيرة ...

بعد قليل، أقبل وليد يحمل كيسا حاويا للطعام، و إلى جانبه تسير مدللته الصغيرة ..
من خلال النافذة، ألقت رغد علي نظرة غيظ حادة لم أفهم لها سببا، ثم ركبت السيارة إلى جوار والدتي...
وليد بعدما جلس، أخذ يوزّع علينا حصصنا من الطعام، و الذي كان عبارة عن ( هامبرجر ) و بعض العصير...

و حين جاء دور (المدللة) ، التفت إليها مادا يده، مقدّما علبة البطاطا المقلية ...

" تفضلي رغد.. طبقك "

الفتاة التي تجلس خلف وليد مباشرة قالت ببساطة :

" لا أريد ! كله أنت ! "

وليد بدا مستغربا ! و قال :

" ألم تطلبي بطاطا مقلية !؟ "

قالت :

" بلى، غيّرت رأيي، احتفظ به "

وليد مدّ إليها بعلبة ( الهامبرجر ) الخاصة به...

" خذي هذه إذن "

قالت :

" لا أريد ! شكرا "

" و لكن هل ستبقين دون طعام ؟ ماذا تريدين أن أحضر لك ؟؟ "

" لا شيء ! لا أشتهي شيئا و لا أريد شيئا ! "

" و هذه البطاطا ؟؟ "

" كلها ! أو ... أطعمها مخطوبتك ! "

و أسندت رأسها إلى النافذة، معلنة نهاية الحوار !

وليد أعاد علبتي البطاطا و الهامبرجر إلى داخل الكيس، و انطلق بالسيارة ...
باختصار، أنا و أمي كنا الشخصين اللذين تناولا وجبتيهما !

عدّة مواقف حصلت أثناء الرحلة الطويلة الشاقة، و رغد إذا خاطبتني ، تخاطبني بطريقة جافة و خشنة، كأنها تصب جم غضبها علي أنا !
بعد مرور ساعات أخرى، و وسط الظلام، استسلمت أنا للنوم..
حينما أفقت بعد مدة لم أحسبها، وجدت السيارة موقفة، و وجدت وليد و رغد يجلسان في الخارج، على الرمال، و أمي نائمة خلفي، و يتحدّثان فيما لا يعلم به إلا الله ...






~ ~ ~ ~ ~ ~





لأن النعاس غلبني، كما غلب جميع من معي، أوقفت السيارة و في نيتي الخروج و الاسترخاء قليلا ، و تجديد نشاطي...

استدرت للخلف، فرأيت رغد تنظر إلي مباشرة !

" لماذا توقّفت ! ؟ "

" ألم تنامي ؟ أشعر بالتعب، سأمشي قليلا ... "

و ما إن سرت بضع خطوات، حتى تبعتني صغيرتي ...
لم نتحدّث، و أخذت أسير ببطء... على الرمال مبتعدا عن السيارة عدّة أمتار... و أشعر بها تسير خلفي، دون أن ألتفت إليها...
بعد مسافة قصيرة، استدرت قاصدا العودة، فوقعت عيناي على عينيها مباشرة...

أعتقد أن الزمن توقّف عن السير تلك اللحظة... لو تعرفون ما الذي تفعله، نظرة واحدة إلى عيني رغد بي ... لربما بررتم التصرفات الغريبة التي تصدر مني !
إنها ترسلني إلى الجنون... فهل يلام مجنون على ما يفعل ؟؟

بعد أن تابع الزمن سيره، تقدّمت نحوها... عائدا إلى حيث السيارة... رغد بقيت واقفة مكانها، إلى أن تجاوزتها ببضع خطوات، ثم أحسست بها تسير خلفي...

مشاعر كثيرة شعرت بها و أنا أغرس حذائي في الرمال..خطوة بعد خطوة...
الشعور بالقلق..لما يخبئه القدر لي، الشعور بالغيظ من رغبة رغد في البقاء مع خالتها.. و ابن خالتها، و بالندم من قسوتي معها.. بالرغبة في الاعتذار.. و بالشوق لأن أواسيها و أعيد إلى نفسها الطمأنينة و الأمان و الثقة بي.. و بالحزن مما قد يكون الآن دائرا في رأسها حولي.. و برغبة جنونية ، في أن أستدير إليها الآن و أهتف في وجهها :
( أنا أحبك ! ) ...
ماذا سيحدث حينها ؟؟
و أخيرا.. بشعور ٍ مسيطر...إن تمكّنت من السيطرة على جميع مشاعري و كبتها ، لا يمكنني الصمود في وجه هذا الشعور بالذات !
إنه قارس و قارص !
أنا جائع !

صدر نداء استغاثة من معدتي، سألت الله عشر مرات ألا يكون قد وصل إلى مسامع رغد !

حينما وصلت إلى السيارة، أسرعت الخطى إلى ( نافذتي ) المفتوحة فمددت يدي و استخرجت كيس الطعام، قبل أن تصل رغد ...

عدت ُ إلى الرمال، و جلست عليها.. و فتحت الكيس و استخرجت العلب الثلاث المتبقية فيه، علبة البطاطا المقلية، و الهامبرجر، و العصير !
رغد وقفت على مقربة تنظر إلي ! لابد أنها متعجبة مني ! رفعت رأسي إليها و قلت :

" تعالي و شاركيني ! "

و قمت بتقسيم الشطيرة ( الهامبرجر) إلى نصفين... و مددت ُ يدي بأحدهما إليها..

كانت لا تزال تنظر إلي باستغراب... قلت :

" صحيح باردة ، و لكنها تبقى طيبة المذاق "

ترددت رغد، ثم جاءت، و جلست إلى جانبي... و تناولت ( نصف الشطيرة ) من يدي...
قرّبت منها علبة البطاطا، و كذلك العصير، فرفضتهما...
بدأت أقضم حصتي من الشطيرة، و أبتلع أصابع البطاطا الباردة، و أشرب العصير، و أتلذذ بوجبتي هذه !
إنه الجوع ، يصيّر الرديء لذيذا !

قلت و أنا أمضغ إصبع بطاطا :

" لذيذ ! جرّبيه ! "

و أمسكت أحدها و قرّبته منها... كنت أنتظر أن تمد يدها لتمسكه بأصابعها، إلا أنها مدّت رأسها و أمسكته بأسنانها ! و بدأت تمضغه، و يبدو أنه أعجبها لذلك ابتسمت !
أن أراها تبتسم، و إن كانت ابتسامة خفيفة باهتة سطحية، بعد كل الذي حصل، لهو أمر يكفي لأن يجعلني أنسى عمري الماضي...
الماضي... آه ... الماضي...
في الماضي، كنت أطعمها أصابع البطاطا بهذه اليد... نفس اليد كانت تمد إليها بإصبع البطاطا قبل ثوان...
نفس اليد، التي تتوق لأن تمسح على رأسها و تطبطب على كتفيها و تضمها إلى صدري...
نفس اليد، التي شدّتها بعنف وقسوة، و أجبرتها على ركوب السيارة رغم مقاومتها...
إنها نفس اليد التي قتلت بها عمّار... و ضربت بها سامر ... و لكمت بها حسام... و سأذبح بها أي رجل يحاول الاقتراب منك يا رغد...
و بهذه اليد ذاتها، سأبقى ممسكا و متمسكا بك لآخر نسمة هواء تدخل إلى صدري، أو تخرج منه...
يا رغد... ليتك تعلمين...

" رغد ... "

نظرت إلي، فبقيت صامتا برهة، بينما عيناي تتحدثان بإسهاب... ألا ليتك تفهمين...

" نعم ؟؟! "

" سامحيني..."

جاء دورها الآن لتنظر إلي نظرة مليئة بالكلام... إلا أنني عجزت ُ عن ترجمته...

قلت :

" سامحيني.. أرجوك "

لم ترد إيجابا و لا سلبا، لكنها مدّت يدها إلى علبة البطاطا، و تابعت أكلها... على الأقل، هي إشارة حسنة و مطمئنة...

انهينا وجبتنا الباردة ، و في داخلي شعور غريب بالسعادة و الرضا، و الاسترخاء ، و الشبع أيضا !

و عوضا عن تجديد نشاطي، تملّكتني رغبة عارمة في النوم !

( فرشت ) الكيس على الرمال، و تمددت واضعا رأسي فوقه.. و أغمضت عيني..

أنا متأكد من أنني لو بقيت على هذا الوضع دقيقتين اثنتين، لدخلت في سبات عميق و فوري...

الذي حصل هو أن صغيرتي و بمجرد أن أغمضت عيني نادتني بقلق :

" هل ستنام وليد ؟؟ "

قلت و أنا أتثاءب :

" أنا نعسان بالفعل ! سوف أسترخي لدقائق "

" وليـــد ! اجلس ! "

صدر هذا الأمر من صاحبة الدلال و السيادة ، جعلني انهض فورا ، و أصحو تماما !
التفت إليها فوجدتها تنظر إلي بقلق...

" دعنا نعود إلى السيارة و نم هناك "

" حسنا... إذن هيا بنا "

و نهضنا و عدنا إلى مقعدينا...

" هل يضايقك أن أزيح مسند مقعدي للوراء يا رغد ؟ "

" كلا .. خذ راحتك "

" شكرا "

صمت برهة ثم عدت أقول :

" أنا متعب بالفعل، قد أنام طويلا ! إذا نهضت ِ و وجدت ِ الشمس توشك على الشروق، فلتوقظيني "

" حسنا "

" نوما هنيئا، صغيرتي "

" لك أيضا "





~ ~ ~ ~ ~





لم ينته الأمر هنا...

صحيح أن وليد قد نام بسرعة، إلا أن رغد ظلت تتحرك، و أشعر بحركتها لفترة...

كنت أتظاهر بالنوم.. و من حين لآخر أفتح عيني ّ قليلا ، خصوصا إذا أحسست بحركة ما...
هذه المرّة فتحتها فتحة صغيرة، فرأيت يد رغد تمتد إلى مقعد وليد، و رأسها يستند عليه...
هذا لا شيء...!
فالشيء.. الذي أيقظ كل الخلايا الحسية و العصبية و الوجدانية في جسدي، في ساعة كنت فيها في غاية التعب و النعاس، و أرسل أفكاري إلى الجحيم ...هو جملتها الهامسة التالية :

" ( نوما هنيئا... يا وليد قلبي ...) "

 
قديم   #53

زائرة الدنيا


رد: ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......


( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......

الحلقةالسادسةوالثلاثون










وقفت غير مصدّق لما أرى... متوهما أنه الحلم الذي لطالما راودني منذ سنين...

لكن... بالتأكيد فإن الشيء الذي يقف أمامي هذه اللحظة ... يضم ذراعيه إلى بعضهما البعض ... و يقشعر بدنه إن خوفا و بردا ... هذا الشيء
الملفوف في السواد ... هو بالتأكيد كائن بشري ...
و ليس أي كائن ...
تحديدا هي رغد !


" وليد ... أنا خائفة ! أبقني معك "


لا أعرف من الذي حرّك يدي ، نحو مكبس المصباح ، و أناره ...
هل يمكن أن أكون قد فعلت ذلك بلا وعي ؟؟

الإنارة القوية المفاجئة أزعجت بؤبؤي عيني ، فأغمضت جفوني بسرعة

و من ثم فتحتها ببطء...

رأيت وجه رغد بعينيها المتورمتين الحمراوين ، و اللتين تدلان على طول البكاء و مرارته ...



" رغد ... أأنت على ما يرام صغيرتي ؟؟ "

" أنا أشعر بالخوف ... وليد ... المكان موحش و ... ويثير الذكريات ... المؤلمة ! "

و سرعان ما انخرطت رغد في بكاء أجش بصوت مبحوح ...

" حسنا... عزيزتي يكفي ... لا تبكي صغيرتي ... تعالي اجلسي هنا "


و أشرت إلى مقعد بالجوار ، فجلست رغد عليه ... و بقيت واقفا برهة ... ثم جلست على طرف سريري ...

كنت في منتهى التعب و الإرهاق و أشعر برغبة ملحة جدا في النوم... لابد أن رأسي سيهوي على السرير فجأة و أغط في النوم دون شعور !


نظرت إلى الفتاة الجالسة على مقربة جاهلا ما يتوجب علي فعله !

سألتها :

" صغيرتي ... ألا تشعرين بالنعاس ؟ ألست ِ متعبة ؟ "

" بلى ... لكن ... لا أشعر بالطمأنينة ! لا أستطيع النوم ... أنا خائفة ! "

و رفعت يدها إلى صدرها كمن يريد تهدئة أنفاسه المرعوبة

قلت :

" لا تخشي شيئا صغيرتي ... ما دمت ُ معك "

و لا أدري من أين و لا كيف خرجت هذه الجملة في مثل هذا الوقت و الحال !
و هل كنت أعنيها أم لا ... و هل كنت جديرا بها أم لا !

لكن فتاتي ابتسمت !

ثم تنهدت تنهيدة عميقة جدا

ثم أسندت رأسها إلى المقعد و أرخت ذراعيها إلى جانبيها ...ا و أغمضت عينيها !


و أظن ... و الله الأعلم ... أنها نامت !


" رغد ! ... رغد ؟ "


فتحت رغد عينيها ببطء و نظرت إلي ...


" إنك بحاجة للنوم ! "


ردت ، بشيء لا يتوافق و سؤالي البسيط :


" غرفتك لم تتغير أبدا وليد ! كم أنا سعيدة بالعودة إليها ! "

و أخذت تدور بعينيها في الغرفة ...

كان الهدوء الشديد يسيطر على الأجواء ... فالوقت متأخر ... و العالم يغط في الظلام و السبات ...

قالت و هي تشير إلى موضع في الغرفة :


" كان سريري هنا سابقا ! هل تذكر يا وليد ؟ "


ثم وقفت و سارت نحو الموضع الذي كان سرير رغد الصغير يستلقي فيه لسنين ... قبل زمن ...

قالت :

" و أنت كنت تقرأ القصص الجميلة لي ! كم كنت أحب قصصك كثيرا جدا يا وليد ! ليت الزمن يعود للوراء ... و لو لحظة ! "


عندها وقفت أنا ... و قد استفقت فجأة من نعاسي الثقيل ... و قفزت إلى قمة اليقظة و الصحوة ... و كأن نهرا من الماء البارد قد صب فوق رأسي ...


التفتت إلي ّ صغيرتي و قالت :


" كنت ... كنت أحتفظ بالقصص التي اشتريتها لي في بيتنا الثاني ... لكن ... أحرقتها النيران ! "

و آلمتني ... جملتها كثيرا ...

رجعت بي الذكرى إلى البيت المحترق ... فإذا بالنار تشتعل في معدتي ...

أضافت رغد بصوت أخف و أشجى :

" تماما كما احترقت الصورة ... "

" رغد ... "



إنه ليس بالوقت المناسب لاسترجاع ذكريات كهذه ... أرجوك ... كفى !

نظرت من حولها ثم قالت :

" لا تزال كتبك منثورة ! أتذكر ... ؟ كنت تستعد للذهاب إلى الجامعة لإجراء امتحان ما ! أليس كذلك ؟؟ أليس هذا ما أخبرتني به ؟؟ أتذكر ؟؟ "


لا أريد أن أتذكّر !

أرجوك أيتها الذكرى .. توقفي عند هذا الحد ..

أرجوك ...

لا تعودي إلى ذلك اليوم المشؤوم ...

لو كان باستطاعتي حذفه نهائيا ... لو كنت ُ ... ؟؟؟


كنت ُ أريد الهروب السريع من تلك الذكرى اللعينة ... لكنها كانت تقترب ... و تقترب أكثر فأكثر ... حتى صارت أمامي مباشرة ...

عينان تحدّقان بعيني بقوة ... تقيّدان أنظاري رغم عني ...

عينان أستطيع اختراقهما إلى ما بعدهما ...

خلف تينك العينين ، تختبئ أمر الذكريات و أبشعها ...

أرجوك يا رغد ...

لا تنظري إلي هكذا ...

لا ترمني بهذه السهام الموجعة ...

لم لا تعودين للنوم ؟؟


" وليد ... "

" إه ... نعم ... صـ ... غيرتي ؟؟ "

" لماذا ... لم تخبرني بالحقيقة ؟ "

قلت بصوت متهدرج :

" أي ... أي حقيقة ؟ "

" إنك ... قتلته ! "




آه ...

آه ...

إنه فأس يقع على هامتي ...

لقد فلقتها يا رغد ...

ما عدت قادرا على الوقوف ...

نصفاي سينهاران ...

أرجوك كفى ...



" وليد ... لماذا لم تخبرني ؟؟ أنا يا وليد ... أنا... لم أدرك شيئا ... كنت ُ صغيرة ... و خائفة حد الموت ... لا أذكر ما فعلتَ به ... و لا ...
و لا أذكر ... ما فعله بي ! "


عند هذه اللحظة ... و فجأة ... و دون شعور مني و لا إدراك ... مددت يدي بعنف نحو رغد و انقضضت على ذراعيها بقوّة ... بكل قوّة ...


انتفضت فتاتي بين يدي هلعا ... و حملقت بي بفزع ...

لابد أن قبضتي كانتا مؤلمتين جدا آنذاك ، و لابد أنها كانت خائفة ...

خرجت هذه الجملة من لساني كالصاروخ في قوّة اندفاعها ... مخلفة خلفها سحابة غبار هائلة تسد الأنوف و تكتم الأنفاس ... و تخنق الأفئدة ...


كررت ُ بجنون :

" ماذا فعل بك يا رغد ؟؟ ...
حتى... حتى لو كان قد ... لامس طرف حزامك فقط ... بأطراف أظافره القذرة ... كنت سأقتله بكل تأكيد ... بكل تأكيد ..."


فجأة رفعت رغد يديها و غطّت وجهها ... و هي تطلق صيحة قصيرة ...

كانت قبضتا يدي ّ لا تزالان تطبقان على ذراعيها بعنف ... و بنفس العنف انقضتا فجأة على يديها ... و أبعدتهما بسرعة عن وجهها ، فيما عيناي تحملقان بعينيها بقوة ....



صرخت ُ :

" ماذا فعل بك ؟؟ "



كانت رغد تنظر إلي ّ بذعر ...

نعم إنه الذعر ...

أشبه بالذعر الذي قرأته في عينيها ذلك اليوم ...


تملّصت رغد من بين يدي و ابتعدت بسرعة ، و اتجهت نحو المقعد الذي كانت تجلس عليه قبل قليل ... و ارتمت عليه ... و هتفت :

" لا أريد أن أذكر ذلك ... لا أريد ... لا أريد "

و عادت لإخفاء وجهها خلف كفيّها .

دارت بي الدنيا آنذاك و شعرت برغبة شديدة في تمزيق أي شيء ... أي أي شيء !

التفت يمنة و يسرة في اضطراب باحثا عن ضحية تمزيقي ... و بعض زخات العرق تنحدر من جبيني بينما أشعر باختناق ... و كأن تجويف حنجرتي لم يعد يكفي لتلقي كمية الهواء المهولة و الممزوجة بذلك الغبار و التي يرغمها صدري الشاهق على الاندفاع إليه ...


تحركت خطوة في كل اتجاه ... و بلا اتجاه ...

بعثرت نظراتي في كل صوب ... و بلا هدف ...

و أخيرا وقع بصري على شيء مختبئ عند إحدى زوايا الغرفة ...
يصلح للتمزيق !


توجهت إلى ذلك الشيء ، و التقطته عن الأرض ... تأمّلته برهة ... و استدرت نحو رغد ...


إنه صندوق الأماني القديم ... الذي جمع أمنيات صغرنا منذ 13 عاما !

ها قد آن أخيرا ... أوان استخراج الأماني ...

و لم علينا الاحتفاظ بها مخبأة أطول ما دامت الأقدار ... أبت تحقيقها ؟

على الأقل ... أمنياتي أنا ...

يجب أن يتمزّق أخيرا ....

و الآن يا رغد ... جاء دورك !


" رغد "

ناديتها فلم تستجب مباشرة . اقتربت منها أكثر فأكثر حتى صرت ُ أمامها مباشرة

هي جالسة على المقعد مطأطئة الرأس ... تداري الدموع

و أنا واقف كشجرة بلا جذور في انتظار اللحظة التي تهب فيها الرياح ، فتقلعها ...

" رغد ... أتذكرين هذا ؟ "

و ازدردت ريقي ...

إنها اللحظة التي لطالما انتظرتها ... سنين و سنين و سنين ، و أنا أتوق شوقا و أحترق لهفة لمعرفة أمنيتك يا رغد ...

رفعت رغد رأسها و أخذت تنظر إلى الشيء المحمول بين يدي ...

نظرت إليه نظرة مطوّلة ... ثم اتسعت حدقتا عينيها و انفغر فاها و شهقت شهقة مذهولة !

إذن ، فأنت تذكرينه ؟؟

إنه صندوق أمانيك يا رغد ... أيتها الطفلة العزيزة ... أنا صنعته لك منذ 13 عاما ... في ذلك اليوم الجميل ... حين قدمت ِ إلي ّ منفعلة و أنت ِ تحملين كتابك الصغير و تهتفين :

" وليد ... وليد اصنع لي صندوقا "

تحركت عينا رغد من على الصندوق إلى عيني ّ ...

كانت آخر دمعة لا تزال معلقة على رموشها ، في حيرة .... أ تنحدر أم تتراجع ؟؟

شفتاها الآن تحركتا و رسمتا ما يشبه الابتسامة المترددة ...

و أخيرا نطق لسانها :


" صندوقي !! "

ثم هتفت متفاجئة :

" صندوقي ! أوه ... إنه صندوقي ! "

و هبّت واقفة و التقطته من بين يدي !


" يا إلهي ! "

قلت :

" أتذكرينه ؟ "

رفعت عينيها عن الصندوق مجددا و قالت بانفعال :

" نعم ! أذكره ! إنه صندوق الأماني "

قالت ذلك و هي تؤشر بإصبعها على كلمة (( صندوق الأماني )) المكتوبة على الصندوق الورقي ...

ثم أخذت تقلّبه ، و من ثم عبس وجهها فجأة و نظرت إلي ّ بحدّة و وجس :


" هل ... فتحته ؟؟ "

" ماذا ؟ "

" فتحتَه ؟؟ "


إنه سؤال بسيط ! و عادي جدا ! أليس كذلك ؟؟

و لكن ... لم لم أستوعبه ؟؟ و لم تطلّب مني الأمر كل هذا التركيز و الجهد البليغين حتى أفهمه ؟؟

هل فتحته ؟؟

أوتسألين ؟؟

رغد !

ألم أقطع لك العهد بألا أفتحه دون علمك ؟؟

أتشكين في أنني ... قد أخون عهدي معك ذات يوم ؟

ألا تعرفين ما سببه لي و ما زال يسببه لي صندوق أمانيك هذا مذ صنعته و حتى اليوم ؟؟

هل تعتقدين إنه اختفى من حياتي بمجرّد أن علّقته هناك فوق رف المكتبة ؟؟

إنه لم يكن في الحياة ... صندوق أهم من صندوقك !


قلت :

" لا ... مستحيل ! "

أخذت تقلّبه في يدها ثم نظرت إلي بتساؤل :

" ماذا حدث له إذن ؟ "


إن كنتم قد نسيتم فأذكركم بأنني ذات مرّة و من فرط يأسي و حزني جعّدت الصندوق في قبضتي ...

قلت :

" إنه الزمن ! "

من الصندوق ، إلى عيني ّ إلى أنفي ، ثم إلى عيني ، انتقلت نظرات الصغيرة قبل أن تقول :

" إذن الزمن ... لا يحب أن تبقى الأشياء مستقيمة ! "

" عفوا ؟؟ "

ابتسمت رغد و قالت :

" أليس الزمن هو أيضا من عقف أنفك ؟ "

رفعتُ سبابتي اليمنى و لامست أنفي المعقوف ... و عندها تذكّرت ُ أنني عندما التقيت برغد أول مرّة بعد خروجي من السجن ، سألتني عما حدث لأنفي فأجبتها :

( إنه الزمن ! )

" نعم ! إنه الزمن ... "

و صمتّ قليلا ثم واصلت :

" ألن تفتحيه ؟ "

و كنت في قمة الشوق لأن أستخرج سر رغد الدفين و أعرف ... من هو ذلك ( الصبي ) الذي كانت تتمنى الزواج منه عندما تكبر ؟؟

نظرت إليها بنفاذ صبر ... هيا يا رغد ! افتحيه أرجوك ! أو اسمحي لي و أنا سأمزقه فورا ... و افضح مكنونه !

لكن رغد أومأت برأسها سلبا ...

كررت ُ السؤال :

" ألن تفتحيه ؟ "

" لا ! "

" لم ؟ ألا تتوقين لمعرفة ما بالداخل ؟ بعد كل هذه السنين ؟؟ "

" لا ! "

و طأطأت برأسها ... و قد علت خديها حمرة مفاجئة ... ما زادني فضولا فوق فضول لمعرفة ما تحويه !

قلت :

" هل ... تذكرين ... أمنيتك ؟ "

لم ترفع رأسها بل أجابت بإيماءة بسيطة موجبة .

" مادام الأمر كذلك ... فما الجدوى في إبقائها داخل الصندوق ؟ "

رفعت رغد أخيرا نظرها إلي و قالت :

" لأنها لم تتحقق بعد "

شعرت بنبضات قلبي تتوقف برهة ، ثم تندفع بسرعة جنونية ...و تخترق قدمي ّ و تصطدم بالأرض !

و استطردت ْ، و قد بدا الجد و الإصرار على ملامح وجهها فجأة :


" و سأعمل على تحقيقها من كل بد ... و بأي وسيلة ... و مهما كان الثمن "


و أضافت و هي تلوح بسبابتها نحوي و تحد من صوتها أكثر :


" ... و لن أسمح لأي شيء باعتراض طريقي "




الكلمات التي خرجت بحدّة من لسان رغد ، مقرونة بالنظرة القوية و اللهجة الجدية ، و المليئة بمعاني التحدّي ، جعلت تلك النبضات تقفز من باطن الأرض ، و تعود أدراجها متخللة قدمي ّ المرتجفتين ، و تضرب قلبي بعنف ... محدثة تصدّع خطير ...


اعتقد ... أنني أنا ( الشيء ) الذي لن تسمح له باعتراض طريقها ... و أعتقد أن اسم ( حسام ) مكتوب على قصاصة قديمة مختبئة داخل هذا الصندوق ... و اعتقد أنني أتلقى الآن تهديدا من حبيبة قلبي ... بألا أعترض طريق زواجها من الرجل الذي تمنت الارتباط به منذ الصغر ...

غضبي ثار ... نعم ثار ...

لازالت تنظر إلي ّ بتحد ...

حسنا يا رغد ...

قبلت ُ التحدي ...

قلت :

" و أنا أيضا لم أحقق أمنيتي بعد "

و بحدّة أضفت :

" و سأعمل على تحقيقها مهما كلّفني ذلك ... و أي شيء يعترض طريقي ... "

و صمت ّ برهة ، ثم أضفت :

" سأقتله ! "


و سحبت الصندوق من يدها بغتة ، و أكّدت :

" إنه حلمي ... و الموت وحده ما قد يحول دون نيله ... عدا عن هذا يا رغد ... عدا عن الموت ... فإنني لن أسمح لأي شيء بأن يبعده عنّي ... لن أتخلى عن حلمي أبدا ... إنه دائما أمامي ... و قريبا ... سيصبح بين يدي ... و لي وحدي ... "


لم أشعر بمدى قوة الضغط الذي كنت أمارسه على ذلك الصندوق الورقي المخنوق في قبضتي ، حتى أطلقت رغد صيحة اعتراض

كانت تنظر إلى الصندوق برثاء ... و مدّت يدها لتخلّصه منّي ... إلا أنني سحبت يدي بعيدا عنها ... ثم سرت ُ مبتعدا ... و اتجهت إلى مكتبتي و وضعت الصندوق المخنوق في نفس الموضع الذي كان يقف فيه قبل سنين ...


و حين استدرت ُ إلى رغد رأيتها تراقبني بنظرات اعتراض غاضبة .

قلت بتحدٍَ أكبر :


" سنرى من منّا سيحقق أمنيته ! "






..........................





لم أفهم معنى تلك النظرة القوية التي رمقني بها وليد !

كانت أشبه بنظرة تحد و إصرار ... و كانت مرعبة !

و ... في الحقيقة ... جذّابة !

أكاد أجن من هذا الـ وليد ! إن به مغناطيسا قويا جدا يجعل أي شيء يصدر منه ... نظرة ، إشارة ، إيماءة ، حركة ... ضحكة أو حتى صرخة ، أو ربما ركلة ، أي شيء يصدر منه يجذبني !

لا تسخروا منّي !

إنه وسط الليل و أنا شديدة التعب أكثر مما تعتقدون ، لكن الخوف جعلني أطرق باب وليد...



كان واقفا قرب المكتبة ، استدار إلي :

" بعد إذنك "

و ذهب إلى دورة المياه

جلست ُ أنا على المقعد الذي كنت أقف أمامه ، و أسندت رأسي إليه و شعرت بموجة قوية من النعاس تجتاحني ... انتظرت وليد ... لكن تأخر ...


في المرة التالية التي فتحت فيها عيني ّ ... كانت أشعة الشمس تتسلل عبر النافذة و الستار و جفوني !

شعرت بانزعاج شديد فأنا لازلت راغبة في النوم ... لكنني تذكرت فجأة أنني في غرفة وليد في بيتنا القديم ...

فتحت عيني ّ أوسعهما سامحة للضوء باختراق بؤبؤي و استثارة دماغي و إيقاظه بعنف !


مباشرة جلست و نظرت من حولي ...


وليد كان نائما في فراشه !


باب الغرفة كان مفتوحا كما تركته ليلة الأمس ...

نهضت عن مقعدي و شعرت بإعياء في مفاصلي ... ألقيت نظرة على وليد ، و كان يغلف جسده الضخم بالشرشف و بالكاد تظهر إحدى يديه !


عندما خرجت من الغرفة ، توجهت لإلقاء نظرة سريعة على الصالة ، حيث كانت الشقراء و أمها تنامان ...

ما إن ظهرت ُ في الصورة حتى رأين أعين أربع تحدّق بي !

لقد كانتا هناك تجلسان قرب بعضهما البعض ... و تنظران إلي !


" ص... صباح الخير ! "

قلت ذلك ثم ألقيت نظرة على ساعة يدي ، و عدّلت الجملة :

" أو ... مساء الخير "



لم تجب أي منهما مباشرة ... لكن الخالة قالت بعدها :

" مساء الخير . نوم الهناء "


لم أرتح للطريقة التي ردّت بها علي ، و شعرت أن في الأمر شيء ...

قالت أروى :

" مساء الخير. هل نهض ابن عمّك ؟؟ "


تعجّبت من الطريقة التي كلّمتني بها ، و من كلمة ( ابن عمّك ) هذه !

و لم تبد لي نظرتها طبيعية ...

قلت :

" لا ! إنه ... لا يزال نائما ! "



تبادلت الاثنتان النظرات ... وعادتا للصمت...


ذهبت بعدها إلى غرفتي الملاصقة لغرفة وليد ... و عندما خرجت للصالة بعد قرابة النصف ساعة أو يزيد ، رأيت الثلاثة ، وليد و الشقراء و أمها يجلسون سوية في الصالة ...


لا أعرف في أي شيء كانوا يتحدثون ... و بمجرّد أن لمحوني لاذوا بالصمت !

ألا يشعركم ذلك بأنني أنا موضوع حديثهم ؟؟؟

إلى وليد وجهت نظراتي و كلماتي ، بل و حتى خطواتي :

" مساء الخير "

" مساء النور ... "

و جلست ُ على مقربة .

نظرت ُ إلى الأشياء من حولي ، فأنا لم أتأملها البارحة ... الصالة كما تركناها قبل 9 سنين ... حسبما أذكر ، و الغبار يغطي أجزاءها !
قلت :

" سنحتاج وقتا طويلا و جهدا مكثفا لتنظيف كل هذا ! "

أروى قالت معترضة :

" و هل سيكون علينا تنظيف هذا ؟ إننا لن نسكن هنا على أية حال "

استغربت ، و نظرت إلى وليد متسائلة ... و هذا الأخير لم يعقّب !

قلت :

" وليد ... ألن نسكن هنا ؟ "

أجاب :

" سنبقى هنا في الوقت الراهن . لا نعرف كم من الوقت ستستغرق مسألة استلام الإرث . سأستعين بوالد صديقي سيف . آمل أن تسير الأمور بسرعة"

قلت :

" أتعني ... أننا بعد إتمام هذه المهمّة سنعود إلى المزرعة ؟؟ "

تولت الشقراء الرد بسرعة :

" بالطبع ! ماذا تعتقدين إذن ؟؟ سنعود للمزرعة و نجري بعض التعديلات في المنزل ... ثم ... "

و نظرت إلى وليد و قالت مبتسمة :

" نتزوّج ! "

تخيلوا كيف يكون شعور فتاة تسمع أي امرأة أخرى تقول لها :

( سأتزوج حبيبك ) ؟؟

رميت سهام نظراتي الحارقة نحو الشقراء البغيضة ، ثم نحو وليد ... و اجتاحتني رغبة عارمة في تمزيقهما سوية !

أهذا ما يخططان له ؟؟

يستلمان الإرث الضخم ، و يذهبان للمزرعة ليعدا عشهما و يتزوجان !

ماذا عنّي أنا ؟؟

مجرّد هامش زائد لا أهمية له و لا معنى لوجوده ؟

كنت أريد أن أسمع من وليد أي تعليق ، لكنه ظل صامتا شاردا ... ما أثار جنوني ...

مازالت الابتسامة معلقة على شفتي الحسناء الدخيلة ، و هاهي تحرّكهما من جديد و تقول بصوت شديد النعومة :

" فيم شردت ... عزيزي ؟ "

مخاطبة بذلك الرجل الوحيد معنا في الصالة ، و الذي يجلس على مقربة منّي ، و الذي يجري حبّه في عروقي تماما كما تجري دماء قرابتنا ...

وليد قال :

" كنت أفكّر في أن ذهب إلى أحد المطاعم ! لابد أننا جائعون الآن ! "



....................







في الحقيقة كان الطعام هو آخر ما أفكر به ، و لكنه أول ما قفز إلى ذهني عندما تلقيت سؤال أروى و أنا شارد ذلك الوقت ...

و ما حدث هو أننا ذهبنا إلى المطعم ثم إلى السوق و اشترينا بعض الحاجيات و من ثم عدنا إلى المنزل ...

كما و اتصلنا بالعم إلياس و كذلك بأم حسام – تحت إصرار من رغد – و طمأنا الجميع على وصولنا سالمين .

بعدها اتصلت بصديقي القديم و رفيق دراستي و محنتي ... سيف و اتفقت معه على أن يحضر إلى منزلي ليلا .

تعاونا نحن الأربعة في تنظيف غرفة الضيوف قدر الإمكان من أجل استقبال سيف .

حاولت جاهدا أن أتجاهل أي ذكرى تحاول التسلل إلى مخيلتي من جراء رؤيتي لأجزاء المنزل من حولي ... إلا إن هذه الذكرى الأليمة اخترقتني بكل إصرار !

كان ذلك عندما قمنا بنقل بعض قطع السجاد إلى الخارج ... إلى مؤخرة المنزل ، حيث تقع الحديقة الميتة و التي أصبحت مقبرة للحشائش الجافة و مأوى للرمال الصفراء ...

عند إحدى الزوايا ... كانت عدّة الشواء القديمة تجلس بكل صمود ... متحدية الزمن !

لا أعرف لماذا يقشعر بدني كلما رأيت هذه بالذات !
و لم أكن أعرف أن لها نفس التأثير على أي مخلوق إلى أن رأيت رغد ... و التي كانت تحمل السجادة معي تقف فجأة ، و تسند طرف السجادة إلى الأرض ... و تمد يدها اليمنى لتلامس ذراعها الأيسر !


صحيح أنها كانت صغيرة آنذاك ، و لكن حادثة السقوط على الجمر المتقد هي حادثة أقسى على قلب الطفل من أن ينسى آثارها ...

إن أثر الحرق ظل محفورا في ذراعها الأيسر ... و كنت أراه كل يوم فيما مضى !

ترى ...

ألا يزال كما هو ؟؟

وضعنا السجادة الملفوفة قرب أدوات الشواء تلك ، ثم جلسنا فوقها نلتقط أنفاسنا !


" ثقيلة جدا ! أراهن أنهما لن تتمكنا من حمل الأخرى ! "

قالت رغد ذلك ... و كانت أروى الخالة تحملان سجادة ملفوفة أصغر حجما و في طريقهما إلينا

قلت :

" بل ستفعلان ! لا تعرفين كم هما قويتان ! "

و أنا أعرف كيف كانتا تعملان الأعمال الشاقة في المزرعة !

قالت :

" إنهما متشابهتان جدا "

" نعم ... صحيح "

" و جميلتان جدا ! "

استغربت ... لكنني قلت :

" نعم ! صحيح ! "

واصلت رغد :

" و أنت محظوظ جدا ! "

صمت ، و علتني الريبة ! ما الذي تعنيه صغيرتي ؟؟

رمقتها بنظرة استفسار فتطوّعت هي بالإيضاح مباشرة :

" لديك خطيبة جميلة جدا ... و ثرية جدا ! ... سوف تعيشان سعيدين جدا "

و صمتت ثوان ثم استطردت :

" أما أنا ... "

ظهرت أروى و الخالة في مرآنا فالتفتنا إليهما ...

كانتا تجران السجادة بتثاقل ... و سرعان ما هببت ُ أنا لمساعدتهما .

 
قديم   #54

زائرة الدنيا


رد: ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......


( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......

تتمه


و في الليل حضر صديقي العزيز سيف و كان لقاؤنا حميما جدا ...

تبادلنا الأخبار ... فعلمت منه أنه رزق طفلا صغيرا !

" دورك يا رجل ! و بما أن أمورك قد استقرت ... فهيا عجّل بالزواج ! "

ابتسمت ُ لدى تعليقه المتفائل ... إن أموري لم تستقر و لم تحل ... بل هي آخذة في التعقد مرة لعد أخرى ... و الآن أنا في حيرة شديدة ... ماذا علي َ أن أفعل ؟؟

شرحت له تفاصيل إرث أبي عمّار ... عم أروى التي هي خطيبتي ، و ابنة صاحبي الذي تعرفت علي في السجن ، بعد قتلي لعمّار ... فبدا الأمر أشبه بخرافة من خرافات الجدات العجائز !

" سبحان الله ! أي قدرة إلهية عجيبة أودت بك إلى هذا الوادي يا وليد ! "

" إنها الأقدار يا صديقي ! "

" إذن ... ستصبح زوج سيدة من أثرى سيدات المنطقة ! سبحان الله ! ها قد ابتسمت ، بل ضحكت لك الدنيا أخيرا يا وليد ! "

و لأن أي من علامات السرور لم تظهر علي ، فإن سيف لاذ بالصمت المفاجئ المتعجّب ...

كانت في صدري عشرات الهموم إلا أنني لم أشأ أن أنفثها في وجه صديقي مذ أول لقاء يجمعنا بعد طول فراق ...

بعد ذلك ، اتفقت مع سيف على ترتيب زيارة رسمية لمكتب المحاماة الذي يملكه والده غدا باكرا ، و اتخاذه محاميا قانونيا لتولي الإجراءات اللازمة بشأن الإرث.

بعد انصرافه ، ذهبت إلى الصالة العلوية حيث يفترض أن يكون الجميع ، فوجدت أروى تتصفح مجلة كانت قد اشترتها عصر اليوم أثناء تسوقنا ، و قد نفشت شعرها الذهبي الطويل على كتفيها بحرية ... بينما الخالة ليندا نائمة على المقعد ، و رغد غير موجودة ...


بادرتني أروى بالسؤال :

" كيف كان اللقاء ؟ "

" حميما و مثمرا ! سأذهب غدا مع سيف إلى مكتب أبيه و هو محام معروف و ماهر ، و سننطلق من هناك ! "

" آمل ألا يطول الأمر ... "

" إنها أمور تطول في العادة يا أروى ! علينا بالصبر "

قالت و هي تضع يدها على صدرها :

" أشعر بالحنين إلى المزرعة ... و إلى خالي ! الجو هنا مغبر و كاتم ... و كئيب جدا يا وليد "

تحركت الخالة ليندا قليلا ... فالتفتنا إليها ثم قالت أروى :

" دعنا نذهب إلى غرفتك كي لا نزعجها "

و هناك ، في غرفتي واصلنا الحديث ... أخبرتها بتفاصيل لقائي بسيف و ما خططنا له . و تشعبت أحاديثنا إلى أمور كثيرة و مر الوقت سريعا دون أن نشعر به !

فجأة ، سمعت طرقا على الباب ...

استنتاجكم صحيح !

العينان الواسعتان ذاتا النظرات الشجية ، حلقتا بعيدا عن عيني ّ و حطّتا على الفتاة الجالسة على السرير داخل الغرفة تعبث بخصلات شعرها الذهبية ...
ابتسمت ُ لصغيرتي ... و قلت :

" مرحبا رغد ! "

رغد لم تنظر إلي ّ، كما لم ترد علي ّ... و رأيت ُ وجهها يحمر !

قلت :

" تفضَلي "

رفعت بصرها إلي و رمتني بسهم ثاقب !

قلت :

" أهناك شيء ؟؟ "

ردّت رغد بجملة مضطربة :

" كنت ... أريد ...
أريد الهاتف ! "

و كررت بنبرة أكثر ثقة :

" أريد هاتفك لبعض الوقت ! هل تعيرني إياه ؟ "

كنت متشككا ، لكنني قلت :

" بكل تأكيد ! "

و أحضرت لها هاتفي المحمول ... و هو وسيلتنا الوحيدة للاتصال ...

تناولته رغد و شكرتني و انصرفت بسرعة ...

عندما استدرت ُ للخلف ، و جدت ُ أروى و قد مدّت رجليها على السرير و استندت على إحدى ذراعيها بينما استخدمت الأخرى في العبث بخصلات شعرها الطويل الأملس !


" حان وقت النوم ! سأنهض غدا باكرا و أريد أن آخذ قسطا كافيا من الراحة "

قلت ذلك معلنا نهاية الجلسة ... فاسحا المجال لأروى للذهاب من حيث أتت.


ساعتان و نصف من التقلب على السرير ... دون أن يجد النوم طريقه إلى إي من جفوني الأربعة ...

ليس ما يقلقني هو إجراءات الإرث تلك ... و لا خططي المستقبلية ... و لا المفاجآت التي يمكن أن تخبئها القدر لي ...

بل هو مخلوق بشري عزيز على نفسي ... يحتل حجرات قلبي الأربعة ... و يتدفق منها مع تدفق الدم ... و يسري في عروقي مع سريانها و ينتشر في خلايا جسدي أجمع ... ثم يعود ليقطن الحجرات الأربع من جديد ...

كائن صغير جدا ... و ضعيف جدا ... و خواف جدا !

و هو لا يشعر بالطمأنينة إذا ما ابتعد عني ... و جاء طلبا لبعض الأمان بقربي ...

لكنه اكتفى بأخذ هاتفي المحمول ... و اختفى خلف هذا الجدار المشترك بين غرفتي و غرفته ...

إنني لو اخترقت الجدار ... سأجده نائما على السرير ... بأمان

أو ربما باكيا خلف الجدار ... في خوف ...

أو جاثيا على الأرض ... في حزن ...

أو ربما ذارعا الغرفة جيئة و ذهابا ... في ألم ...



إنني لا أستطيع أن أنام دون أن أطمئن عليها ! و ستبوء كل محاولاتي بالفشل حتما !

استسلم !

لا تكابر يا وليد !




تسللت من غرفتي بهدوء و أنا أتلفت ذات اليمين و ذات الشمال ... مخافة أن يشعر بي أحد ... و وقفت عند باب غرفة صغيرتي و أمسكت بالمقبض !


كنت على وشك أن أفتحه لو أن عقلي لم يستيقظ و يزجرني بعنف ! أي جنون هذا ؟؟ من تظن نفسك يا وليد ؟؟ كيف تجرؤ ؟؟


عدت مسرعا ...أجر أذيال الخيبة ... و رميت بجسدي المثقل على مرارة الواقع ... و استسلمت لحدود الله....




لم يكن الأمر بالصعوبة التي توقعتها لكنه لم يكن سهلا ! الكثير من الأوراق و الوثائق و التواقيع استغرقت منا ساعات طويلة . و كان يتوجب علي أخذ أروى إلى المحكمة ...


منتصف الظهيرة ، هو الوقت الذي عدت ُ فيه إلى المنزل بعد جهودي السابقة و أنا أحمل وثائق في غاية الأهمية في يد ، و طعام الغذاء في اليد الأخرى !


كيف وجدت أروى و الخالة ؟

وجدتهما منهمكتين في تنظيف المطبخ !


" أوه ! لم تتعبان نفسيكما ! إنه مليء بالغبار ! "

ردّت الخالة :

" و نحن لا نحتمل الغبار و لا نحبه يا ولدي . اعتدنا الجو النقي في المزرعة . على الأقل هكذا سيغدو أفضل "

وضعت كيس الطعام على المائدة المحتلة قلب المطبخ . و نظرت من حولي
كل شيء نظيف و مرتب ! كما كانت والدتي رحمها الله تفعل . شعرت بامتنان شديد لأروى و الخالة و قلت :

" جزاكما الله خيرا . أحسنتما . أنتما بارعيتن ! "

أقبلت أروى نحوي و هي تبتسم و تقول :

" هذا لتعرف أي نوع من النساء قد تزوّجت ! "

فضحكت الخالة و ضحكنا معها ...

في هذه اللحظة دخلت رغد إلى المطبخ .

كان وجهها مكفهرا حزينا ... و بعض الشرر يتطاير من بؤبؤيها !

وجهت حديثها إلي ، و كان صوتها حانقا حادا :

" هل عدت أخيرا ؟ تفضّل . نسيت أن تأخذ هذا "

و دفعت إلي بهاتفي المحمول و الذي كنت قد أعطيتها إياه ليلة الأمس ... و تركته معها فيما رافقت سيف إلى حيث ذهبنا صباحا .


و من ثم غادرت مسرعة و غاضبة ...

أنا و السيدتان الأخريان تبادلنا النظرات ... ثم سألت :

" ما بها ؟ "

فردت أروى بلا مبالاة :

" كالعادة ! غضبت حين علمت أنك خرجت و لم تخبرها ! كانت تنتظر أن توقظها من النوم لتستأذنها قبل الخروج ! "

و لم تعجبني لا الطريقة التي تحدّثت أروى بها ، و لا الحديث الذي قالته .

استدرت قاصدا الخروج و اللحاق برغد ... فنادتني أروى :

" إلى أين ؟ "

التفت إليها مجيبا :

" سأتحدث معها "

بدا استياء غريب و غير معهود على ملامح أروى ... ثم قالت :

" حسنا ... أسرع إلى مدللتك ! لابد أنها واقفة في انتظارك الآن "





...................







عندما أتى إلي ... كنت أشتعل غضبا ...

كنت واقفة في الصالة العلوية أضرب أخماسا بأسداس ...

وليد بدأ الحديث بـ :

" كيف أنت ِ ؟ "

رددت بعنف :

" كيف تراني ؟ "

صمت وليد قليلا ثم قال :

" أراك ... بخير ! "

قلت بعصبية :

" و هل يهمّك ذلك ؟ "

" بالطبع رغد ! أي سؤال هذا ؟؟ "

لم أتمالك نفسي و هتفت بقوّة :

" كذّاب "

تفاجأ وليد من كلمتي القاسية ... و امتقع وجهه ... ثم إنه قال :

" رغد ! ... هل لا أخبرتني ... ما بك ؟؟ "

اندفعت قائلة :

" لو كان يهمك أمري ... ما خرجت و تركتني وحيدة في مكان موحش ! "

" وحيدة ؟ بالله عليك ! لقد كانت أروى و الخالة معك ! "

" لا شأن لي بأي منهما . كيف تجرؤ على الخروج دون إعلامي ! كيف تتركني وحيدة هنا ؟ "

" و أين يمكنني تركك يا رغد إذن ؟؟ "

اشتططت غضبا و قلت :

" إن كان عليك تركي في مكان ما ، فكان أجدر بك تركي في بيت خالتي . مع من أحبهم و يحبونني و يهتمون لأمري ... لماذا أحضرتني معك إلى هنا ؟؟ ما دمت غير قادر على رعايتي كما يجب ؟؟ "



تنهّد وليد بنفاذ صبر ...

ثم قال :

" حسنا.. أنا آسف... لم أشأ أن أوقظك لأخبرك بأني سأخرج . لكن يا رغد ... هذا سيتكرر كثيرا ... ففي كل يوم سأذهب لمتابعة إجراءات استلام إرث أروى ... "


أروى ... أروى ... أروى ...

إنني بت أكره حتى حروف اسمها ...

حينما رأيتها البارحة في غرفة وليد ... و جالسة بذلك الوضع الحر ... على سريره ... و نافشة شعرها بكل أحقية ... و ربما كان وليد يجلس قربها مباشرة قبل أن أفسد عليهما خلوتهما ... حينما أتذكر ذلك ... أتعرفون كيف أشعر ؟؟؟


نفس شعور الليمونة الصغيرة حينما تعصر قهرا بين الأصابع !


أشحت بوجهي عن وليد ... و أوليته ظهري ... أردته أن ينصرف ... فأنا حانقة عليه جدا و سأنفجر فيما لو بقي معي دقيقة أخرى بعد ...

وليد للأسف لم ينصرف ... بل اقترب أكثر و قال مغيرا الحديث :

" لقد أحضرت طعام الغداء من أحد المطاعم . هلمّي بنا لنتناوله "

قلت بعصبية :

" لا أريد ! اذهب و استمتع بوجبتك مع خطيبتك الغالية و أمها "

" رغد ! "

التفت ّ إلى وليد الآن و صرخت :

" حل عنّي يا وليد الآن ... أرجوك "

و هنا شاهدت أروى مقبلة نحونا... عندما لمح وليد نظراتي تبتعد إلى ما ورائه ، استدار فشاهد أروى مقبلة ....

و أروى ، طبعا بكل بساطة تتجول في المنزل بحرية و بلا قيود ... أو حجاب مثلي !

قالت :

" رتبنا المائدة ! هيا للغداء "

التفت إلي وليد و قال :

" هيا صغيرتي ... أعدك بألا يتكرر ذلك ثانية "

صرخت بغضب :

" كذّاب "

حقيقة ... كنت منزعجة حد الجنون ... !

على غير توقّع ، فوجئنا بأروى تقول :

" كيف تجرؤين ! ألا تحترمين ولي أمرك ؟ كيف تصرخين بوجهه و تشتمينه هكذا ؟ أنت ِ فتاة سيئة الأخلاق "

صعقت للجملة التي تفوهت بها أروى ، بل إن وليد نفسه كان مصعوقا ...

قال بدهشة :

" أروى !! ما الذي تقولينه ؟؟ "

أروى نظرت إلى وليد بانزعاج و ضيق صدر و قالت :

" نعم يا وليد ألا ترى كيف تخاطبك ؟ إنها لا تحترمك رغم كل ما تفعل لأجلها ! و لا تحترم أحدا ... و لا أنا لا أسمح لأحد بأن يهين خطيبي العزيز مهما كان "

قالت هذا ... ثم التفتت إلي ّ أنا و تابعت :

" يجب أن تقفي عند حدّك يا رغد ... و تتخلي عن أفعالك المراهقة السخيفة هذه ... و تعرفي كيف تعاملين رجلا مسؤولا يكرّس جهوده ليكون أبا حنونا لفتاة متدللة لا تقدّر جهود الآخرين ! "

" أروى ! "

هتف وليد بانفعال ... و هو يحدّق بها ... فرّدت :

" الحقيقة يا عزيزي ... كما ندركها جميعا ... "

التفت وليد نحوي ... ربما ليقرأ ملامح وجهي بعد هذه الصدمة ... أو ربّما ... ليظهر أمام عيني هاتفه المحمول في يده ... و أنقض عليه بدون شعور ... و أرفعه في يدي لأقصى حد ... و أرميه بكل قوّتي و عنفي ... نحو ذلك الوجه الجميل الأشقر .... !

 
قديم   #55

انا البنوتة


رد: ( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......


( أنت لي ) رواية في غاية الروعة.......

صباح الخير الرواية جميلة اوى اتمنى ان تكملى لى الرواية
من فضلك يا زائرة الدنيا

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 09:17 PM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0