فتاوي الوقوف بعرفه
1- حكم من حج ولم يستطع صعود جبل عرفه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...
فيقول الأستاذ الدكتور عبد الرازق فضل الأستاذ بجامعة الأزهر :
إن الحجَّ ركنٌ مِن أركان الإسلام لقوله تعالى: (وأتِمُّوا الحجَّ والعُمرةَ للهِ) ولقوله تعالى : (وللهِ على الناسِ حجُّ البيتِ مَنِ استطاعَ إليهِ سَبيلًا) .
وعن أبي هريرة قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " . رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة " .
وحيث انتقل الحاج إلى عرفة، ووقَفَ بها جزءًا من الزمن الذي يبدأ بظُهر يومِ التاسِع من ذي الحجَّة، سواء كان وقوفه فوق جبل الرحمة أو بجانبه أو في أيِّ موضعٍ من عرَفة، والموضِع هو المكان الذي تُنصب فيه الخيام هذه الأيام عدا وادي عرنة ، فحجُّه كاملٌ لا نقْصَ فيه من هذه الناحية، وعلى الله القبول ومنه الإثابة.
والله أعلم .
2- حكم الحائض يوم عرفه
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد:
يقول الدكتور أحمد الشرباصي " رحمه الله " الأستاذ بجامعة الأزهر :
الوقوف على عَرَفَة في اليوم التاسع من شهر ذِي الحِجة هو أهم ركنٌ في أعمال الحجِّ؛ ولذلك قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "الحَجُّ عَرَفَة". وعَرَفَة جَبَلٌ في وَسَطه وادٍ يقع بين المُزْدَلِفَة والطائِف على مسافة من مكة المُكرمة، ويتحقق الوقوف بعَرَفَة إذَا وُجِد الإنسان في أيِّ جُزء من أجزاء هذا الوادي: مُحْرِمًا، واقفًا أو رَاكِبًا أو قَاعِدًا أو مُضطجعًا، وإذا لم يقف الحاجُّ بَعَرَفة أو لَمْ يُوجَد فيه، فإنه يكون قَدْ فاَته الحجُّ، ويجب عليه أن يُعيده في موسم لاحق.
ويُسَنُّ للوقوف عَلَى عَرَفَة الاغتسال ـ وهو الاستحمام ـ ولكنَّ تستطيع إذا كانت في حالة الحيْض أو النفاس أو الولادة أن تقف على عَرَفَات بلا أدنى حرج ؛ لأن الطهارة من الحَدَث لَيْسَتْ شَرْطًا للوقوف على عَرَفَات، ويمكن للحائض أو النفساء أن تُؤَدِّي كُلَّ أَعْمَالِ الحَجِّ، إِلَّا الطواف حول الكعبة، ثم تطوف بعد أن تنتهي حالتها وتتطهر.
ويمكن للمرأة الحاجّة ـ وهي في حالتها الخاصة هذه ـ أن تدعو وهي فوق عَرَفات باي دعاء ماثور أو أي دعاء لله عزوجل .
ولقد أجمع العلماء على جواز الوقوف على عَرَفَات لِغَيْرِ الطاهر كالجُنُب، وهو المُحْدِث حَدَثًا أَكْبَرَ، أي عليه جَنَابَة، والحائض والنفساء وحديثة الولادة.
ويسن للمرأة ولكل من حضر بعرفة أن يقف في المكان الذي وقف فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند الصخرات الكبار التي في أسفل جبل الرحمة إن كان ذلك مُتيسرًا له وسهلًا عليه، وأن يستقبل الْقِبْلَة، ويُكْثِر من الدعاء والاستغفار والتَّضرُّع إِلَى اللهِ، وأن يتجرَّد لربِّهِ عزَّ وجلَّ.
ومن هذه السُّنن أيضًا أن يكون مُتطهِّرًا من الْحَدَث والخبَث. ولكن لا حيلةَ لها فيما يَعرض لها من حالتها الشهرية الخاصة بها؛ ولذلك لا تُؤَاخَذُ علَيها إذا وقفت على عرفات وهي حائض أو نَفْساء، والسُّنة لها في هذا الوقوف أن تجلس في أي مكان من عَرَفَة، وأن تتجنَّبَ مُزَاحَمَة الرِّجَال.
والله أعلم .
3- فضل يوم عرفه
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله،وبعد.
ليوم عرفة فضل عظيم والدعاء فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإليك تفصيل ذلك
:
يوم عرفة يوم من أيام الله عزَّ وجلَّ، يتجلَّى فيه على عباده، ويُفيض عليهم من رحمته ومغفرته وبركاته، إنّه يوم يجتمع فيه خيار عباد الله المخلصين وخواصِّه المقرَّبين، وهو أعظم مجامع الدنيا.
والوقوف بعرفة هو أهمُّ أركان الحج، فعن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: أتيتُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بعرفة، فجاء ناسٌ أو نفرٌ من أهل نجد، فأمروا رجلاً فنادى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلاً فنادَى: الحجُّ يوم عرفة أي أهم أركان الحج الوقوف بعرفة.
وفيه يدنو الله تعالى من الخلق ويُباهِي بأهل عرفة الملائكةَ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يباهِي بأهل عرفات أهلَ السماءِ، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا من كل فَجٍّ، أُشهدكم أني قد غفرتُ لهم.
وواجب على الحاجِّ أن يجتهد فيه بذكر الله ـ عزَّ وجَلَّ ـ ودعائه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال خير الدُّعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنَّبِيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ، وينبغي للحاج أن يكثر من التضرُّع في هذا اليوم والخشوع، وإظهار الضَّعف والافتقار والذِّلّة، وهو يتوجّه إلى الله تعالى بالذكر والدعاء.
فعن ابن عباس قال: رأيتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو بعرفة ويداه إلى صدره كاستطعام المِسكين.
ويُستَحَبُّ للحاج أن يكثر من التلبية رافعًا بها صوته، ومن الصلاة والتسليم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يُستَحَبُّ أن يأتي بأنواع من الذِّكر والدُّعاء، فتارة يدعو، وتارة يهلِّل، وتارة يُكَبِّر، وتارة يلبِّي، وتارة يستغفر، ويدعو منفردًا ومع جماعة، وليدْعُ لنفسه ولولديه، ولأقاربه وشيوخه وأحبابِه وأصحابه، وسائر من أحسن إليه. وسائر المسلمين وينبغي أن يكون حاضر القلب فارغًا من الأمور التي تشغلُه عن الدُّعاء والذِّكْر والعبادة.
وبالله التوفيق.
فتاوي رمي الجمرات
1- الحسنات والسيئات بمكه
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فالأصل أن الحسنات والسيئات تضاعف بمكة لما لمكة من حرمة ومنزلة وإليك تفاصيل ذلك :
اتفق الفقهاء على أن الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد , لما ورد فيها من أحاديث : منها قوله صلى الله عليه وسلم : { صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } والمعنى أن الصلاة فيه تفضل على مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف صلاة , كل صلاة بعشر حسنات , فتكون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف حسنة , وتكون في المسجد الحرام بألف ألف حسنة.
ويَتَأَكَّدُ وُجُوبُ تَرْكِ الْمَعَاصِي فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَحَرَمِهَا ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَشَدُّ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا لقوله تعالى { : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قَالَ مُجَاهِدٌ : تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ .
وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ حَمْلِ السِّلَاحِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ } . وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ دُخُولِ الْكُفَّارِ . قَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }.
قال ابن مسعود: لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها , ولو أن رجلا هم بقتل مؤمن عند البيت وهو بعدن أبين أذاقه الله عز وجل في الدنيا من عذاب أليم .
وقال الضحاك : إن الرجل يهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى فتكتب عليه , وإن لم يعملها . وقال مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات . وسئل أحمد رضي الله عنه هل تكتب السيئة أكثر من واحدة ؟ فقال : لا إلا بمكة لتعظيم البلد , وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها . ( والثاني ) أن معنى { ومن يرد } من يعمل وقال أبو سليمان الدمشقي : هذا قول سائر من حفظنا عنه انتهى كلام ابن الجوزي .
وكره بعض العلماء الجوار بمكة لأنه لما كانت الذنوب بها تتضاعف عقوبتها آثروا السلامة في ترك الجوار بها مخافة مواقعة الذنوب التي تتضاعف عقوبتها.
وقال أبو بكر بن العربي في (كتابه أحكام القرآن): في قوله تعالى : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم }المعنى : ومن يهم فيه بميل يكون ذلك الميل ظلما ; لأن الإلحاد هو الميل في اللغة , إلا أنه قد صار في عرف الشريعة ميلا مذموما , فرفع الله الإشكال , وبين أن الميل بالظلم هو المراد هاهنا , والظلم في الحقيقة لغة وشرعا وضع الشيء في غير موضعه , وذلك يكون بالذنوب المطلقة بين العبد ونفسه , وبالذنوب المتعدية إلى الخلق , وهو أعظم .
ولذلك كان ابن عمر له فسطاطان : أحدهما في الحل , والآخر في الحرم ; فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم , وإذا أراد الأمر لبعض شأنه دخل فسطاط الحل , صيانة للحرم عن قولهم : كلا والله , وبلى والله , حين عظم الله الذنب فيه , وبين أن الجنايات تعظم على قدر عظم الزمان , كالأشهر الحرم , وعلى قدر عظم المكان , كالبلد الحرام , فتكون المعصية معصيتين : إحداهما بنفس المخالفة , والثانية بإسقاط حرمة الشهر الحرام , أو البلد الحرام فإن أشرك فيه أحد فقد أعظم الذنب , ومن استحله متعمدا فقد أعظم الذنب , ومن استحله متأولا فقد أعظم الذنب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن مكة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض , فهي حرام بحرمة الله لم تحل لأحد قبلي , ولا تحل لأحد بعدي , فإن أحد ترخص فيها بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله أذن لرسوله , ولم يأذن لكم } .
والله أعلم .
2- مراتب شهداء رمي الجمرات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
1. فصِفة الشهيد تُتاحُ لأصناف عِدَّة بيَّنها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما قال: "الشهداءُ خمسةٌ: الشهيدُ في سبيل الله أي المُقاتل في سبيل الله والمَطعون والمَبْطون والغَريق وصاحبِ الهدْم" (رواه مسلم) ويدخل في صفة الشهيد أيضًا المَسمومُ، ومَن قُتل دون ماله، ومَن قتل دون عِرْضه، ويُقاس عليهم مَن قُتل أثناء رمْي الجمرات في الحج.
2 ـ أعلى مَراتب الشهادة هي القتْل في سبيل إعلاءِ كلمة لا إله إلا الله.
3 ـ مَن زجَّ بنفسه في الزحام قاصِدًا بذلك أن يَنالَ أجر الشهيد، وكان بإمكانه تَجنُّب الزحام، يُعامل بنَقيض قصْده ولا يُعتبر بهذا شهيدًا.
4 ـ إذا كان قصْدُه إتْمامَ مناسك الحجِّ ورمْيَ الجمرات، ولكن زُجَّ به في الزحام وخرَّ صريعًا، فيُعدُّ من الشهداء وينال أجر الشهيد بحسب درجات الشهادة.
5 ـ نصَّ الفقهاء على أن الشهيد الكامل هو شهيد الدنيا والآخرة، وهو المسلم الذي قتَله أهل الحرب أو البغْي ولم تَجب بقَتله الدِّية، وهذه هي أعلَى مراتب الشهادة.
وهناك شهيد الآخرة فقط، وهو الغريق والحريق ومَن مات في سبيل طلَب العلم ومَن مات في الزحام أثناء رمْي الجِمار.
وهناك شهيد الدنيا فقط وهو مَن كان غير قاصِدٍ الحربَ، ولم يَكن مِن الجنود على خطّ النار، ولكنه قُتل، فهو شهيد الدنيا فقط.
وإليك ذلك وغيره بالتفصيل في فتوى فضيلة الدكتور ـ نصر فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية سابقاً :
مما لا شك فيه أن مَن تَوفَّاهم الله ـ تعالى ـ في حادِث رمْي الجمرات في مواسم الحج لهم ثَوابهم الجزيل عند ربِّهم؛ لأنهم ماتوا بعد أن وَقفوا بعَرفات وتَطهّروا مِن الذنوب والآثام، وأدَّوا فريضةَ الحج، وانعقدتْ نِيَّاتُهم على تنفيذ الأوامر الإلهية إليهم بإتمام أعمال الحج فاختارهم الله إلى جِواره وهمْ يُلبُّونَ ويُهلِّلونَ ويُكبِّرونَ، فما أعظمَ ثوابَهم وأجزلَ عطاءَهم، وسيُبعثون يومَ القيامة مُلبِّينَ على الحالة التي ماتوا عليها؛ حيث إن أحد الصحابة مات في حَجة الوداع في عرفات فأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يُدفن في مَلابسه قائلًا: "إنه يُبعث يومَ القيامةِ مُلبِّيًا ".
والسؤال: هل يُعتبَرُ هؤلاءِ شهداء؟
والشهيد شرعًا: مَن قتَله أهلُ الحرب أو البغْي أو قُطاع الطريق، أو وُجد في المعركة وبه أثَرٌ، أو قُتِلَ ظُلمًا، ولم تَجب بقَتله دِيةٌ.
ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما سُئلَ: يا رسول الله، الرجلُ يُقاتل من أجل الذكْر، ويُقاتل مِن أجل المَغْنَم، ويُقاتل من أجل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله" فمَن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "مَن قاتَلَ لتَكونَ كلمةُ اللهِ هيَ العُليَا فهو في سبيلِ اللهِ ".
وصفة الشهيد تُتاحُ لأصنافٍ عدَّةٍ بيَّنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما قال: "الشهداءُ خمسة: الشهيد في سبيل الله أي المُقاتل في سبيل الله والمَطعون والمَبْطون والغَريق وصاحبِ الهدْمِ" (رواه مسلم( ويدخل في صفة الشهيد أيضًا المَسمومُ، ومَن قُتل دُون مالهُ، ومَن قُتل دون عِرْضه، ويُقاس عليهم مَن قُتل أثناء رمْي الجمرات في الحج.
ولكن أعلى مَراتب الشهادة وهي القتْل في سبيل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله" وهم الذين عنَاهم الله تعالى بقوله: (ولا تَحْسَبَنَّ الذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أمْواتًا بل أحياءٌ عندَ ربِّهمْ يُرزَقُونَ) آل عمران: 169.
أما باقي أصناف الشهداء، ومنهم الذينَ ماتوا في حادثةِ رمْي الجمَرات، فهم وإنْ كانُوا شهداء إلا أنهم لا يَصلونَ إلى مَرتبة شهداء المَعارك في سبيل الله، وأجْرُهم لا يُماثل أجرَ شهداء المعركة.
أما بالنسبة لمَن زَجَّ بنفسه في الزحام قاصدًا بذلك أن يَنالَ أجرَ الشهيد، وكان بإمْكانِه تَجنُّب الزحام، فالأعمال بنِيَّاتِ أصحابها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى ".
فما دامَ أنه قصَد بزَجِّ نفسِه في الزحام الحُصولَ على أن يكون شهيدًا مُخالفًا قوله تعالى: (ولا تُلْقُوا بأيدِيكمْ إلى التَّهْلُكةِ) وقوله تعالى: (ولا تَقْتُلُوا أنفسَكمْ إنَّ اللهَ كانَ بكمْ رَحِيمًا) فيعامَل بنَقيضِ قصْده ولا يُعتَبر بهذا شهيدًا.
أما إذا كان قصْدُه إتمامَ مناسِك الحجِّ ورَمْي الجمرات، ولكن زُجَّ به في الزحام وخَرَّ صريعًا، فيُعدُّ من الشهداء ويَنال أجر الشهداء بحسب درجات الشهادة.
وأما عن نوعيات الشهداء ومَراتبهم ومنازلهم عند الله تعالى، فقد نصَّ الفقهاء على أن الشهيد الكامل هو شهيد الدنيا والآخرة، وهو المسلم المُكلَّف الطاهر الذي قتَله أهل الحرب أو البغْي، ولم تَجب بقَتله الدية، وكان موْتُه فورَ إصابته، ومن أجل إعلاء كلمة الله، وهذه هي أعلَى مراتب الشهادة.
وهناك شهيدُ الآخرة فقط، وهو الغريق والحريق والغريب ومَن مات في سبيل طلَب العلْم، وكذلك مَن مات في الزحام أثناء رمْي الجمرات ولم يكن قاصدًا الزجَّ بنفسه في الزحام للحصول على درجة الشهادة.
وهناك شهداء الدنيا فقط، وهو مَن كان غير قاصدٍ الحربَ، ولم يكن من الجنود الواقفين على خطِّ النار للدفاع عن الوطن ولا لإعلاء كلمة الله، ولكن قُتل، فهو شهيد الدنيا . فتاوى الإمام عبد الحليم محمود 2 / 108 والفتاوى الإسلامية لدار الإفتاء المصرية المجلد السابع 2629 ونوعيات الشهداء ذُكرت تحديدًا، ولكن يُقاس عليها حيثُ إن القياس مصدر من مصادر التشريع الإسلاميِّ، تأسيسًا على ذلك فإن الحرب قد تغيَّرت صورتُها في هذه الأيام عن حرب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته، لقد كانت الحرب فيما مضَى تَستلزم تصادم المُحاربِينَ وجهًا لوجهٍ وتَصادمهم بالسلاح، ولذلك كان الشهيد عبارةً عن جنديٍّ قُتل في ميدان القتال أو في الطريق إلى ميدان القتال.
أما الآن فقد تحوَّلتِ الحروب إلى حُروب شاملة تَشمل بنِيرانها وآثارها المُدمرة الجنديَّ وغير الجندي، فاتَّسع بذلك مجال الشهادة وتَنوَّعت أصناف الشهداء.
ومِن هنا فإن كل مَن يُصيبه سلاح الأعداء مُباشرةً أو بالواسطة، كهَدْم البيت عليه ونحو ذلك، فهو في نظَر الإسلام شهيدٌ، شريطةَ أن يُقابِلَ الموتَ بنفسٍ مُطمئنة قويَّ الإيمان ثابتَ القلب.
أما إذا أصابه الهلَع والجزَع والسخَط فإن ذلك يَبعُد بصاحبه عن درجة الشهيد الكامل.
وأما بالنسبة لمَن قُتل في خلاف دُنيويٍّ، فإن كان مَقتولًا ظلمًا وعُدوانًا ولم يكن حريصًا على قتْلِ صاحبه، أو كان مُدافعًا عن نفسه أو ماله أو عِرْضه أو أهله، فهو شهيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن قُتلَ دون نفسِه فهو شهيدٌ، ومَن قُتل دونَ أهلِه فهو شهيدٌ، ومَن قُتل دون ماله فهو شهيد ".
أما إذا كان المَقتول مُستعدًّا لقتْل صاحبه وحريصًا على قتْله فهو كالقاتل في الإثْمِ، ولا يُعدُّ شهيدًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا الْتَقَى المُسلمانِ بسَيْفَيهِما فالقاتلُ والمَقتولُ في النار" قالوا: يا رسول الله هذا القاتلُ، فما بال المقتول؟ قال: "لأنه كانَ حريصًا على قتْل صاحِبه" (فتاوى الإمام عبد الحليم محمود 3 / 108 )
وأما عن معنى قوله تعالى: (أحياءٌ عندَ ربِّهمْ يُرزَقُونَ( فقد قال القرطبيُّ في تفسير هذه الآية ما نصُّه:
"أخبر الله ـ تعالى ـ في هذه الآية عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يُرزقون، ولا مَحالةَ أنهم ماتوا، وأنَّ أجسادَهم في التراب، وأرواحهم حيَّة كأرواح سائر المُؤمنينَ، وفُضِّلوا بالرِّزق في الجنة مِن وقت القتْلِ، حتى كأن حياة الدنيا دائمةٌ لهم. ثم قال:
وقد اختلفَ العلماء في هذا المعنى، والذي عليه المعظم أن حياة الشهداء محققة، فمن العلماء مَن يَقول: تُردُّ إليهم الأرواح في قبورهم فيُنعَّمون كما يَحيا الكفار في قبورهم فيُعذَّبون. وقال مجاهد: يُرزَقونَ مِن ثمر الجنة. أيْ يَجدونَ رِيحَها وليسوا فيها. وصار قومٌ إلى أن هذا مجاز والمعنى أنهم في حُكم الله مُستحقُّونَ للنعيم في الجنة، وأنهم يُرزقون الثناء الجميل. وقال آخرون: أرواحهم في أجوافِ طَيرٍ خُضْرٍ وأنهم يُرزقون في الجنة ويأكلون ويَتنعَّمون. وهذا هو الصحيح .تفسير القرطبيِّ 2/ 1613.
وأما عن دية الشهيد، فالذي عليه أهل العلم أن شهيد الدنيا والآخرة، وهو الذي قُتل في ميدان المعركة، لا دية له؛ حيثُ إنه قُتل في سبيل الله دفاعًا عن دِينه ووَطنه.
وإن كان شهيدَ آخرةٍ فقط، بأن قُتلَ غريقًا أو حريقًا، فإمَّا أن يُعلم قاتلُه أوْ لا، فإنْ عُلم قاتلُه وكان قاصدًا وعامدًا قتْلَه ففيه القِصاص إلا عند العَفْوِ عن القِصاص، وتَجِبُ الدِّية في مال القاتل. وإنْ كان قاتله مُخطئًا، بأن قتَله خطأً، ففيه الدية، ومقدارها 4250 جرامًا من الذهب أو قيمتها بسِعرها وقت الأداء أو الاقتضاء، يَتحمَّلها القاتل أو عاقلتُه، أيْ عائلته.
أما إذا قُتل ولم يَحصل على صِفة الشهيد، ولم يُعلم قاتلُه، وكان مَجهولًا، فدِيتُه على أهل البلد الذي قُتل فيه، يَتحمَّلها جميعُ أفراده حتى لا يَضيع دمُه هدرًا، على ما ذهب إليه بعض العلماء.
وفي هذه الحالة لا يكون هناك فرق بين دِية الشهيد المَقتول المعروفِ قاتلُه ومَن يُقتل خطأ؛ لأن صفة الشهيد لا تَأثيرَ لها في دفْع الدية نَظير القتْل الخطأ.
والذي تجدر الإشارة إليه في هذه الحالة أن حياةَ الشهداء حياةُ أرواح فقط إلا أنها أرقَى من حياة غيرها، بدليل قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أرواحُ الشهداء في حَواصِلِ طيْرٍ خُضرٍ في رياض الجنة، ثم تَأوي إلى قناديلَ مُعلَّقةٍ تحت العرْش". وللشهداء خاصية أخرى بالنسبة لأجسادهم، فإنها تَبقى بحالها حتى تُبعث أرواحُ أصحابها فتَتَّصل بها، تلك الخاصية ليست لأحد سواهم إلا الأنبياء والصدِّيقِينَ والعلماء العاملين حتى وُجدَتْ بعض أجساد المشهود لهم بالصلاح والتُّقَى باقيةً في قُبورها بحالها لم يُصبْها شيءٌ مِن البِلَى.
والله أعلم
3-مواقيت الرمي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
أفتى بهذا في الحقيقة ثلاثة من أئمة التابعين المشاهير أفتى بذلك عطاء بن رباح وهو كان يسمى فقيه المناسك لأنه فقيه مكة وأفتى بذلك طاووس أيضاً فقيه اليمن وهؤلاء من أصحاب ابن عباس، وأفتى بذلك أبو جعفر الباقر من أئمة آل البيت وأفتى بذلك عدد من فقهاء المذاهب منهم الإمام الرافعي في مذهب الشافعية وغيرهم فهذا أمر ليس جديداً والشيخ عبد الله بن زيد المحمود ألَّف رسالته الشهيرة "يسر الإسلام" مما يقارب 45 سنة وذكر فيها من الأدلة العقلية والنقلية والشرعية والأصولية ما يجعل هذا أمراً جائزاً.
لكن كون أن نصل إلى إجماع في هذا، لا .. هيهات أن نصل إلى إجماع، إنما بحسبنا أن يوجد من العلماء المعتبرين من أمثال الشيخ ابن محمود ومن أمثال الشيخ مصطفى الزرقا وغيرهما من أفتى بهذا، فللمسلم أن يأخذ بهذا ولا حرج عليه.
والناس الآن يبدءون من بعد صلاة الفجر وطول النهار ولا ينتهي الوقت ولو أخذناها من الناحية الحسابية الرياضية لو حسبت مليونين على هذه المساحة المكانية وهذا الزمن لا يمكن إلا أنك توسع ما استطعت من الزمن حتى تسع هذا العدد الهائل من البشر.
والله أعلم