رد: موسوعة الادباء العالميين
موسوعة الادباء العالميين
معلومات خاصة بالشاعر:
التولد: قرية جيكور عام 1925
آخر مدرسة كان فيها قبل دخوله المحمودية مدرسة باب سليمان
تاريخ دخوله المدرسة 1- 10 - 1936
الصف الذي قبل فيه الصف الخامس أكمل الدراسة الابتدائية
وقد فصل من المدرسة بتاريخ 1- 10 - 1938
وسبب الانفصال أنه رسب في الصف السادس سنة 1937
ونجح من السادس سنة 1938
صفاته :
ابيض الوجه
- أسود العينين
أحواله الصحية جيدة
سيرته في المدرسة
درجات الصف السادس - البكالورية
العربي :76
الإنكليزي :88
الحساب:51
الهندسة:75
الجغرافية:83
التاريخ:65
الإنشاء و الصحة:85
المعلومات المدنية:85
أشعاره
ـــــــــــــــــــــ
أنشودة المطر
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
.أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجه المجداف وهنا ساعة السحر
... كأنما تنبض في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءبي المساء و الغيوم ما تزال
.تسح ما تسح من دموعها الثقال
:كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال
قالوا له : " بعد غد تعود" -
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
،تسف من ترابها و تشربي المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
،بلا انتهاء_ كالدم المراق، كالجياع
كالحب كالأطفال كالموتى - هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهم بالبروق
.فيسحب الليل عليها من دم دثار
اصح بالخيلج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
".. يا واهب المحار و الردى
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
.في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن ، و المهاجرين
،يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
:عواصف الخليج و الرعود ، منشدين
مطر"
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحى تدور في الحقول … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
،و يهطل المطر
وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
.حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
".. سيعشب العراق بالمطر
أصيح بالخليج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
" يا واهب المحار و الردى
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوه الاجاج ، و المحار
و ما تبقى ن عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
. من زهرة يربها الرفات بالندى
و اسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر"
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي ، واهب الحياة "
ويهطل المطر
المسيح بعد الصلب
النهر و الموت
1
بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قارة البحر
الماء في الجرار، و الغروب في الشجر
وتنضج الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
" بويب .. يا بويب"
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و اسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
و السمك الساهر هل ينام في السحر؟
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلاف من الإبر ؟
و أنت يا بويب
أود لو غرقت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك يا بويب
2
بويب .. يا بويب
عشرون قد مضين كالدهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و استقر في السرير دون أن أنام
و ارهف الضمير دوحة إلى السحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحس بالدماء و الدموع كالمطر
ينضحهن العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزؤام
أعماق ، كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
اشد قبضتي ثم أصفع القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
.و أبعث الحياة ، إن موتي انتصار
غريب على الخليج
الريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار
.من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج
: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه و من الضجيج"
، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
.كالمد يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق
.. بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكور لي زمانه
.في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
، وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب
،من الدروب وهي المفلية العجوز وما توشوش عن (حزام) 1
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة
.فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
.كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
. بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
،حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
.كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء ؟
،أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
.و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيه) 2
(و الموت أهون من (خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيه
،فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
.بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود
ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكن و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكن من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
،كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثوباء بقيا من نعاسي كالحجاب
:من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
.عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشك في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع
.وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
الكويت 1953
آراء أقرانه به:
بدر شاكر السياب ذكريات الشعر والألم
(السياب - ع. الشيخلي)
عبد الوهاب الشيخلي
في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن العشرين بدأ اسم الشاعر بدر شاكر السياب يتردد في المحافل الأدبية والفنية في بغداد. وشاءت الصدف أن نعمل معا في النهار بمديرية الأموال المستوردة ومساءً في جريدة الشعب ومجلة الأسبوع. وفي عام1957وعلى أثر عودته من لبنان أجريت معه حواراً نشر في مجلة الأسبوع قبل أن يعين سكرتيرًا لها ببضعة شهور جاء فيه: إذا قدر لك أن تلتقي الشاعر بدر شاكر السياب دون أن تعرفه من قبل, فستحسبه كاتباً بسيطاً في إحدى الدوائر, أو معلمًا خاب أمله في الترقية منذ زمن بعيد. جسم نحيل هزيل, بسيط في ملبسه, يسير بصورة مستعجلة متأبطًا كتابه. اكثر قراءاته بالإنجليزية. يكره الزيف والادعاء والعظمة.
وبعد أن التقطت له بعض الصور بالكاميرا التي كنت أحملها معي دائماً لأغراض صحفية سألته عن المهمة التي ذهب من أجلها إلى لبنان والأهداف التي حققها هناك فأجاب: اعتادت مجلة (شعر) اللبنانية تقديم أمسية شعرية مساء كل خميس يحضرها شعراء لبنانيون - وقد شاءت هذه المرة أن يشارك فيها شاعر من العراق فوقع الاختيار علي فذهبت وألقيت شيئًا من أشعاري. وفي تلك الجلسة قررت الجامعة الأمريكية (قسم اللغة العربية) الاعتراف بالشعر الحر و إدخاله في مناهج الدراسة للسنوات المقبلة. وقد استغرق إلقاء الشعر من قبلي ساعة من الزمن إلا أن الجمهور طالب المزيد فألقيت قصيدة أخرى. لكنهم لم يكتفوا بذلك وطلب أحدهم قصيدة (المومس العمياء) ولما أخبرتهم أن هذه القصيدة تستغرق ساعة من الزمن أجابوا جميعًا أنهم مستعدون لذلك! وهنا سألت الشاعر السياب - هل كنت تكتفي بإلقاء القصائد دون شرحها? فأجاب: كنت أشرح لهم الجو العام للقصيدة, وهذه طريقة جديدة لتذوق الشعر الحر وتقريبه إلى أذهان الجماهير. وهل خرج أحدهم برأي جديد خلال تلك الجلسة? - نعم. لقد صرح جورج صيدح الشاعر المهجري الكبير برأي جديد حيث صار يعتقد بوجود شعر جيد بغض النظر عن أسلوبه في التعبير.
الشعراء في مرآته
سألت السياب عن رأيه في بعض الشعراء الذين يزاولون نظم الشعر الحر في لبنان فأجاب قائلاً: هناك يوسف الخال وخليل حاوي والشاعر السوري (أدونيس) - ما النتائج التي توصلت إليها من خلال اشتراكك في تلك الأمسية? لقد ثبت لي أن الشعر العراقي الحر متقدم على الشعر الحر في الوطن العربي من حيث الكمية والجودة. وبعد أن انتهينا من الأسئلة والأجوبة الخاصة بسفره إلى لبنان, سألته عن رأيه بديوان (قرارة الموجة) للشاعرة نازك الملائكة فقال بعد أن أشعل سيجارة جديدة: نازك الملائكة أكبر من ديوانها!! ثم أردف قائلاً: لاحظت أن الشاعرة نازك الملائكة لم تدخل بعض قصائدها التي نشرت في الصحف والمجلات, في ذلك الديوان, مثل: النهر العاشر وشجرة القمر وسواهما. ومع ذلك فأنا أعتقد بأن القارئ لن يفهم بعض القصائد في ديوانها الأخير إلا بعد القراءة الثانية أو الثالثة! وهنا سألته عن أنواع الشعر المتداول في الوطن العربي فقال: هناك شعر تعجب به لأول وهله ويزداد إعجابك به على مر الزمن. وهذا هو أرفع أنواع الشعر وهو نادر الوجود. والنوع الثاني من الشعر هو الذي لا يعجبك للمرة الأولى ولكنك تعجب به عندما تقرأه في المرة الثانية أو الثالثة.. وشعر نازك الملائكة من هذا النوع, وهو الشعر المتوسط الجودة. وأردف قائلاً: وهناك نوع آخر من الشعر الذي يبهرك عند قراءته لأول مرة ثم يفقد بريقه وقيمته بمرور الزمن. وهذا هو الشعر المزوق البراق الفارغ الذي لا معنى له.. وبناء على طلب مني راح يستعرض بعض الشعراء المعروفين فقال عن عبد الوهاب البياتي: بعد أن قرأت ديوانه الأخير (المجد للأطفال والزيتون) وجدته يميل إلى التكرار ويلاحظ أن الكثير من قصائده عبارة عن شعارات سياسية تصلح مقالات افتتاحية للجرائد اليومية. ووجدت في عدد من قصائد الشاعر بلند الحيدري ما أثار في الرغبة لإعادة قراءتها. أما سعدي يوسف فيعجبني منه الطابع الريفي في شعره وأتوقع له الكثير من النجاح. أما الشاعر موسى النقدي فإنني أتوقع له بعد شئ من التوجيه أن يكون في طليعة الشعراء في العراق. وقال السياب عن الشاعر العظيم أحمد شوقي إنه أحيا الديباجة العربية المشرقة. ووضع الشاعر محمد مهدي الجواهري في مرتبة المتنبي وأبي تمام. واتهم بدر شاكر السياب الشاعر كاظم جواد بالهياج والتقليد فما كان من هذا الشاعر إلا الرد عليه بقسوة واتهمه بالعمالة والتذبذب فرد عليه السياب رداً مناسباً ورسمه بأسلوب كاريكاتوري وأجاد في رسمه . وبعد سنوات من رحيل السياب حظي بمكانة مرموقة في ميدان الشعر الحر. ووضعت عنه دراسات وكتب عديدة في كثير من أرجاء الوطن العربي ولكن تلك الدراسات لم تتمكن من الوصول إلى الحقيقة التي تقول إنه كان أول من كتب في الشعر الحر وأنه كان من اكتشافه. وهو شخصياً وفي حديث عن تجربته فشل في إثبات أنه المكتشف الأول للشعر الحر في الوطن العربي. وقد توفي بدر شاكر السياب في المستشفى الأميري بالكويت وكان فقيراً معدماً في سنواته الأخيرة. كما كان فاشلاً في حبه دائماً وأبداً. وفي عام 1958 عين مسئولاً عن مجلة الأسبوع التابعة لجريدة الشعب لصاحبها يحيى قاسم فصار يفحص ما نكتبه أسبوعياً بأسلوب رقيق حتى أنه لم يكن يعطينا أي ملاحظات سواء في اختيار المواضيع الصحفية أو الأسلوب الذي نتبعه في الكتابة.
تجربة السياب الشعرية
كان السياب يحمل كتاباً باللغة الإنجليزية للشاعر (ت. س. اليوت) فقلت له: ما هذا? فقال: هذا الكتاب يعود لشاعر عظيم تعلمنا منه الكثير في مجال الشعر الحر وقد حاول بعض الشعراء العرب تقليده ففشلوا لضعف في اللغة العربية أو الإنجليزية. وهنا طلبت من الشاعر بدر السياب أن يتحدث عن تجربته الشعرية فقال: كان الحافز الأول لكتابة الشعر الحر بعد أن قرأت الشعر في اللغة الإنجليزية فلاحظت تعدد التفعيلات في أبيات الشعر وعدم انقطاع المعاني من بيت لآخر كما هو الحال في القصيدة العربية. فبدأت الكتابة وفق نسق ٍ جديد من التفعيلات مع أجواء وأفكار جديدة تنسجم مع روح العصر. وأضاف السياب قائلاً: وللحقيقة والتاريخ لاحظت أيضا ً أن الموشحات الأندلسية تتسم بطابع خاص تجد في بعضه ملامح الشعر الحر. وفي عام 1940 وفي مجلة الرسالة المصرية قرأت للشاعر خليل شيبوب قصيدة عنوانها (القصر والحديقة المهجورة) وكانت في معانيها وألفاظها وتفعيلاتها قريبة من الشعر الحر. وفي عام 1947 وفي قصيدة (روميو وجولييت) للشاعر علي أحمد باكثير تجد هذا اللون من الشعر بشكل ملحوظ. وكنت قد كتبت في الشعر الحر عام 1946 قصيدة عنوانها (هل كان حبًا) وألقيتها أمام طلاب دار المعلمين العالية ببغداد فلاقت استحسانًا كبيرًا وكان عبد الوهاب البياتي وشاذل طاقة بين الحاضرين أما قصيدة (الكوليرا) للشاعرة نازك الملائكة فكانت أقرب ما تكون إلى الموشح. ولكنها أصدرت عام 1948 ديوان (عاشقة الليل) وفيه عدد لا يستهان به من الشعر الحر مع شرح وتحليل, أما أنا فقد أصدرت ديوان (أساطير) عام 1950 وقد تضمن عددًا من القصائد التي نشرتها في مجلة البيان والعقيدة عام 1948. وأعود فأكرر أنه كان لقراءتي للشعر الإنجليزي الأثر الكبير في التوجه نحو الشعر الحر.
وكان السياب قد بدأ العمل في الصحافة مترجمًا باعتباره يجيد اللغتين الانجليزية والعربية. وقبل غلق مجلة الأسبوع بسنة تقريباً عين سكرتيراً لها. ومن هنا بدأ يكتب القصص القصيرة وكان بعضها يدور حول أشخاص التقى بهم في قرية جيكور أو البصرة. ولم أقرأ حتى يومنا هذا من تناول هذه القصص بالنقد أو الدراسة وفيما إذا كان السياب يمكن أن يكون قصصيًا بمستوى تشيخوف الروسي أو موبا سان الفرنسي. ولا أستطيع الادعاء بأنني أتمكن من تقييم تلك القصص القصيرة. أما شعره فقد انتشر في أنحاء الوطن العربي وأصبح السياب من الأسماء المعروفة وكان النقاد إلى جانبه دائماً.. ومع ذلك فإن أحد العلماء الراحلين وعضو المجامع العلمية في العراق وبعض أقطار الوطن العربي أجاب عن سؤال وجهته له في لقاء إذاعي عن رأيه بالشعر الحر وبدر شاكر السياب فكانت إجابته وهو الشاعر التقليدي المحب للشاعر أحمد شوقي: إن الشعر الحر مؤامرة كبيرة على الشعر العمودي واللغة العربية!
|