شهر القرآن

وعن واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان, وأُنزلت التوراة لست مضت من رمضان, وأُنزل الإنجِيل لثلاث عشر مضت من رمضان, وأُنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان, وأنُزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان"([1]).
قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...}(البقرة من الآية (185)).وقال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(سورة القدر الآية (1). وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ...}(الدخان من الآية (3)).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"أنزل القرآن جملة من الذكر"في ليلة أربع وعشرين من رمضان فجعل في بيت العزة"([2]).
وعنه أيضاً قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا, جملة واحدة, ثم فُرَّق في السنين بعد, قال: وتلا ابن عباس هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}(الواقعة الآية (75)). قال: نزل مفرقاً ([3]).
وعن سعيد بن جبير – رحمه الله –"نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان, فجعل في السماء الدنيا".
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -"نزل القرآن من الوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه"([4]).
وقال سفيان بن عينة – رحمه الله – أنزل في فضله – أي رمضان – القرآن ([5]).
منزلة القرآن ومكانته
أخي الكريم:
القرآن:"كتاب هذه الأمة الخالد, الذي أخرجها من الظلمات إلى النور, فأنشأها النشأة, وبدلها من خوفها أمناً, ومكن لها في الأرض, وهبها مقوماتها التي بها صارت أمة, ولم تكن من قبل شيئاً, وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض, ولا ذكر في السماء, فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي أنزل فيه القرآن"([6]).
نعم:
"ولكن ستظل هناك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل فيه حسناً, ونستحضر أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية ذات وجود حقيقي, وجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة, وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشربة, وفي رقعة من الأرض كذلك"([7]).
فالقرآن نور يضيء لنا الطريق في الدنيا والآخرة, والقرآن فيه الهدى والصلاح, فبه تطمئن القلوب, وتزكو النفوس, وتعلو الهمم وترتقي, وتُشفى الصدور من عللها, وتسلم الأرواح والأبدان من أسقامها.
من قال به حكم, ومن حكم به عدل, ومن سار على نهجه هُدي إلى صراط مستقيم, ومن أعرض عنه قٌيًّض له شيطاناً فهو له قرين, قال تعالى:{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين} (الزخرف الآية (36)).
"وأسوأ ما يصنعه قرين بقرين أن يصده عن السبيل الواحدة القاصرة ثم لا يدعه يفيق, أويتبين الضلال فيتوب, إنما يوهمه أنه سائر في الطريق القاصد القويم, حتى تفاجئهم النهاية وهم سادرون, هنا يفيقون كما يفيق المخمور, ويفتحون أعينهم بعد العشى والكلال, والعذاب كامل لا تخفه الشركة, ولا يتقاسمه الشريكان فيهون"([8]).
قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (سورة طه الآية (124)).
"إن الحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع, إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه, ضنك الحيرة والقلق.. ضنك الحرص والحذر: الحرص على ما في اليد, والحذر من الفوت.. ضنك الجري وراء بارق المطالع, والحسرة على كل ما يفوت.
لقد أسرف وخسر كل من أعرض عن ذكر الله, فألقى بالهدى من بين يديه, وهو أنفس ثراء وذخر"([9]).
فيا أخي الحبيب أختي الفاضلة ليكن لك نصيباً مع القرآن في هذا الشهر الذي أُنزل فيه, وليكن لك في رسولك صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة, في الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال"كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن, وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" ([10]).
حالف السلف مع القرآن في رمضان
قال ابن رجب:"دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك, وعرض القرآن على من هو أحفظ له, وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان"([11]).
قال ابن رجب:"كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة في كل ست ليال"([12]).
"كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين, وكان يختم في غير رمضان في كل ست ليال"([13]).
"كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة, فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة, فإذا جاء العشر الأواخر منه ختم في كل ليلة مرة"([14]).
وكان النخعي يفعل مثل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة, وفي بقية الشهر في ثلاث ليال([15]).
قال ربيع بن سليمان"كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة, ما منها شيء إلا في صلاة"([16]).
وأخبار القوم كثيرة لكن فيما ذكر كفاية لمن أراد الرشاد والهداية.
فيا أخي الكريم أختي الفاضلة: لا تكن من الغافلين في هذا الشهر عن قراءة القرآن فكن من الذاكرين له آناء اليل وأطراف النهار.
واعلم أخي المبارك, أختي الفاضلة : أن الصيام والقرآن يشفعان لك يوم القيامة كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه, ويقول القرآن: رب منعته النوم باليل فشفعني فيه, فيشفعان"([17]).
فيا من فرط في شهره وأضاعه, يا من بضاعته التسويف والتفريط بئست البضاعة, يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان, كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟!([18]).
ويل لمن شفاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا, ونور أبصارنا, وزوال همنا وغمنا, واجعله الوارث منا, اللهم ذكرنا منه ما نُسينا, وعلمنا منه ما جهلنا, وارزقنا تلاوته آناء اليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا, اللهم اجعلنا نقيم حروفه وحدوده, ولا تجعلنا مما يقيم حروفه ويضيع حدوده, اللهم اجعلنا نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه, اللهم اجعله رفيقاً لنا في الحياة, ومؤنساً لنا في القبر, وشافعاً لنا يوم القيامة, وشاهداً لنا يوم الحساب, وقائداً لنا على الصراط, إلى جناتك جنات النعيم, مع النبين, والصديقين, والشهداء, والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً, اللهم آمين.
ولمزيد ارجع إلى كتابي واحات الإيمان في ظلال شهر رمضان (1/86-91).

--------------------------------------------------------------------------------

[1]. رواه أحمد (4/107) في مسنده وابن عساكر في تاريخه (2/167) وعبد الغني المقدسي في فضائل رمضان (1/53) وحسنه الإمام الألباني في صحيح الجامع (1497).
[2] أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (496) والطبراني في تفسيره (2812) والحاكم في المستدرك (2881) وقال صحيح ولم يخرجاه وافقه الذهبي والطبراني في المعجم الكبير (12213) وغيرهم.
[3]. أخرجه الحاكم في المستدرك (3781) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وافقه الذهبي, والبيهقي في شعب الإيمان(2054) والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5897).
[4]. تفسير الطبري (2/114-115).
[5]. التبصرة لابن الجوزي (2/73).
[6] . الظلال : (171-172).
[7]. من وحي القلم .
[8]. الظلال (5/3189-3190).
[9]. الظلال (4/2355).
[10]. متفق عليه أخرجه البخاري ( 6 ) ومسلم ( 2308 )من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[11]. لطائف المعارف: (189) قلت: وفي الحديث دليل أيضاً على استحباب الصدقة في رمضان وزيادة البذل والعطاء والجود والكرم في ذلك لشرف الزمان, والله أعلم.
[12]. لطائف المعارف (191).
[13].حلية الأولياء (2/163).
[14].حلية الأولياء (2/338) و ( لطائف المعارف) (191).
[15]. لطائف المعارف (191).
[16]. لطائف المعارف (191).
[17]. صحيح:رواه أحمد (6626) والبيهقي في شعب الإيمان (1839) والحاكم في المستدرك (2036) وغيرهم وصحه الألباني في صحيح الجامع رقم (3882).
[18]. لطائف المعارف (194).

جزاك الله الف خير

بارك الله فيك ..ودمتي متابعه مهتمه في المواضيع الاسلاميه ...

مشكوره

شكرلكم

	#2
&جروح الاكابر&	رد: شهر القرآن شهر القرآن *جزاك الله الف خير*

	#3
الأوركيده	رد: شهر القرآن شهر القرآن بارك الله فيك ..ودمتي متابعه مهتمه في المواضيع الاسلاميه ...

	#4
اصعب دمعه	رد: شهر القرآن شهر القرآن مشكوره

	#5
مهجة الفؤاد	رد: شهر القرآن شهر القرآن شكرلكم