رد: بائعة الإيدز ........... والسبب الزوج
بائعة الإيدز ........... والسبب الزوج
بعد أخذي العنوان من حورية، حاولت بطريقتي أن أتاكد إن كانت أم عبدالله لا تزال تقيم في نفس العنوان أم أنها في العزل الطبي، ....... فعلمت فورا أنها لازالت بخير ولم تصب بالمرض وتقيم في نفس العنوان،
كان قد مضى على حادثة زوجها السنة أو يزيد قليلا، لا أذكر بالضبط،
اتصلت بها أولا وشرحت لها أني باحثة اجتماعية وأريد أن أتحدث معها عن الأمر إن كان هذا لا يضايقها، فرحبت بي بشدة، شعرت أنها ترغب فعلا في أن تتحدث مع أحد، وقررت زيارتها في موعد اتفقت معها عليه،
كان المنزل قديما نوعا ما، لكنه يبدوا جميلا من الخارج والداخل، وذا فناء واسع من الجهة الأمامية، ينما من الجهة الخلفية كان الفناء مقطوع بجدار فهمت أنه الجزء الذي كانت تقيم فيه حورية، أي المخصص للإيجار،
فتحت لي الباب بنفسها، لكنها لم تمد يديها لتسلم علي أبدا، وأخذتني نحو مجلس نسائي خارجي، وقدمت لي العصير في علبته، والماء في علبته، ... فهمت أنها تفعل ذلك مع الجميع لكي تشعرهم بالإرتياح بعد ما شاع عن سمعة زوجها،
ابتسمت لها، لكنها بادلتني بنظرات تفحص، ثم سألتني: من أين أبدأ.؟؟ أحسست أنها اعتادت على كثرة الأخصائيات وربما الصحفين، وأنها اعتادت هذه اللقاءات والمقابلات،
زرتها في الفترة الصباحية، ليكون كل أولادها في المدارس، ......... استرخيت في جلستي لأزيل عنها التوتر، وبدأت أشرب العصير، ....... ثم قلت لها: كنت البارحة أتحدث مع حورية...؟؟ أصيبت بالصدمة وقالت: لا تنطقي هذا الأسم،,, يارب ........ ياربي، ثم ابتلعت ريقها وقاومت دموعها ونظرت لي بغضب :أنا لا أكاد أنسى، ....... شوفي شوفي بنفسك ( وهي تشير إلى وجهها الذابل) ....... آه أأأأأأأأأأأأأأأأه، وصارت تبكي قبل أن نبدأ الحديث، ....!!!!!
وبعد أن هدأت فهمت أنها الآن ستحكي لي كل التفاصيل الصغيرة التي لم تذكرها لأحد قبلي،......
هلا ذكرت لي ماحدث في ذلك اليوم...؟؟؟
وبدأت تحكي:
كان يوما عاديا كل يوم،...... كنت أعد الغداء ثم جلست أطعم طفلتي وعمرها ثلاث سنوات، بعض الرز بالزبادي، ....... وأذكر أني كنت أجلس على ( الدجة) مقدمة مدخل المنزل، ... بيجاما، .. وفجأة سمعت جرس الباب، خرجت الخادمة لتفتح، فإذا بثلاث سيدات يرتدين زي الشرطة يدخلن بلا استئذان، وعلى وجوههن الكمامات، وفي كفوفهن القفازات، وخلفهن مجموعة من الممرضات لا أعلم كم عددهن، كنت متفاجئة، قالت لي إحداهن إلبسي حجابك، ... فقلت: من أنتن؟؟ قالت: نحن الشرطة سنفتش البيت، ... صعقت تماما، تخيلي، أن يدخل أحدهم بيتك بهذه الصورة ليخبروك أنك قيد الأعتقال وأن منزلك سيخضع للتفيش،, إحدى الممرضات اقتربت مني، وقالت: اسمعي ما يطلب منك ولا تسألي، ستكون الأمور على مايرام، ........ مئة سؤال وسؤال دار في عقلي وجريت نحو الهاتف، واتصلت بزوجي الذي لم يرد، لم يرد ولم يرد ......... لم يرد علي أبدا حتى هذا اليوم تخيلي لم أسمع صوته حتى هذا اليوم...... ( وطبعا بكت وبكيت معها)
ثم صمت من جديد وهدأت وهي تجر الأنفاس، ......... ثم اتصلت بوالدي وإخوتي أخبرهم بما يحدث، فطلبوا مني أن لا أتحرك حتى يأتوا، ... وبقيت جاثمة على الأرض وطفلتي في حضني، ... أسألهم ماذا يحدث لكنهم لا يجيبون، ثم حضر أبي وإخوتي، ويبدوا أنه تم منعهم من الدخول عند الباب إذ كان البيت محاصر بالشرطة، ثم اتصل بي والدي وقال: أخرجي معهم، كان حزينا، وفي صوته غصة وبكاء، ... قلت له ماذا هناك يا والدي أخبرني ....... قال: خير إن شاء الله أخرجي معهم، ونحن هنا نتظرك، خرجت بعد أن ارتديت عباءتي ... لأجد أطفالي في سيارة الإسعاف، كلهم أخذوهم أمام زملائهم من المدارس......... تخيلي......... وعادت للبكاء، ......... فقلت لها: كان يجب ان يفعلوا ذلك، هذه إجراءات أمنية، ... إنها حياة مئات الأطفال في المدارس........ لكنها بقيت تبكي..... حتى عادت وهدأت،
ذهبنا كلنا للمستشفى تحت حراسة أمنية مشدة ولم يسمح لأهلي، أمي وأبي وإخوتي بأن يتحدثوا معنا، أبنائي يسألوني ماذا حدث يا أمي ماذا فعلنا لتحجزنا الشرطة؟؟؟!!!! ....... بقينا في الحجر الصحي مدة أسبوع، كنت فيها على أعصابي،
طبعا بعد عدة ساعات من دخولنا المستشفى، بدأت أفهم، فقد أخبرتني إحدى الممرضات بأن زوجي مصاب بالإيدز، وإنه في العزل.......... وصمت أم عبد الله ، وأطرقت برأسها وكأنها تتذكر وكأن شريط الذكريات يمر أمام عينيها، تنهدت وقالت: لم أكن أتوقع........ ثم ضحكت باستهزاء، كان مثلي الأعلى، ... أبو عبدالله يزني، لا يمكن، إنه لا يترك المسجد، ... كيف حدث ذلك ..... لا أعلم، .... ومر أسبوع كامل، بلا أجوبة، لا أحد يحدثني، ........
أبنائي وأنا في انتظار إعلان براءتنا من تهمة المرض، أو أن نتهي هاهنا، ......... نسيت ابو عبدالله وكنت أفكر في أولادي، كنت أقول لا بأس إن كنت مصابة، لكن يا ربي نجي أولادي، ..... وكنت أفكر فيهم واحدا واحدا، وأتذكرهم وأتذكر طموحاتهم، وأحلامهم، ياه كم كانت أياما قاسية،
وفي ذلك اليوم، لأول مرة تدخل علي الممرضات بلا قفازات، ولا كمامات، ليزفوا لي خبر براءتي، وبراءة أولادي من المرض، وصرت كالطفل أقفز من الفرح، وأجري في الممرات بحثا عن أبنائي الذين عزلوا عني طوال تلك الفترة، أخذتهم في حضني جميعا، وصرت أقبلهم، وأحمد ربي الذي من علينا بهذه النعمة، وخرجت من هذه التجربة بشخصية مختلفة تماما.......... تماما.
ماذا عن أبو عبدالله........؟؟؟ وللحديث شأن آخر.
إن مريض الإيدز يعتبر كالقنبلة القابلة للإنفجار في أية لحظة، خاصة إذا كان مصابا وليس حاملا للمرض، لذلك تتصرف الشرطة مع المرض بهذا الحذر،
مع تحفظي الشخصي على طريقة المداهمة التي كانت نوعا ما عنيفة، ..... أو فيها جرح للمشاعر، لكن معظم المصابين بالإيدز يهربون عندما تعلم الشرطة عن أمرهم، وربما أعتقدت الشرطة أن أم عبدالله، مصابة وتعلم أنها مصابة وقد تهرب إن حاولت الشرطة القبض عليها،
هذه إجراءات أمنية، وتأكدن بأن كل إجراء تتبعه الشرطة هو إجراء مدروس جدا، ونابع من تجارب مع حالات سابقة قد تكون فاشلة، فتم استبدال الإجراء بهذه الطريقة، ... أما عن لبس القفازات فكثيرا ما نسمع أن مصاب الإيدز عندما يرغب في الهرب من الشرطة يقوم بجرح جسده بأي شيء حاد ويهددهم بالعدوى إن اقتربوا منه، فبعض المصابين لا يتقبلون فكرة العزل أبدا، ويرفضونها تماما، ويعتبرونها سجنا بمعنى آخر، والبعض الآخر يصابون بحالة من الهوس المرضي، فيحاولون إبعاد فكرة المرض نهائيا ويأذون أي شخص يحاول أن يقنعهم بأنهم مرضى ويحتاجون العلاج،
بينما هناك من لطف الله به، بمجرد أن يعلم عن مرضه يسلم نفسه للعزل، ويبدأ رحلة العلاج،
قبل عام تقريبا كنا نعمل على برنامج خاص بالمشاكل الإجتماعية الصحية، فاتصل رجل ردت عليه الموظفة المكلفة، وقال أنا من الطب الوقائي، في العزل الصحي، سألته: لماذا..؟؟ قال إنه مصاب بالإيدز، سألته: ما السبب، هل كان بسبب نقل دم ...؟؟ قال: لا، كنت صاحب علاقات متعددة هنا في الدولة، ..... وعندما أصبت شعرت بالندم وسلمت نفسي بنفسي للعزل، ..... لكنه يقول إنه يشعر بالندم، فقد شعر بقيمة الحرية الآن ويتمنى لو يستطيع الهرب، .... وعلل ذلك بعدم وجود أية أنشطة اجتماعية مسلية أو مرفهة في العزل، .....!!!!!!
إن مريض الإيدز إنسان، يحكم عليه بالموت، وهو على قيد الحياة، فكيف تتخيلن أن تكون حالته النفسية..؟؟؟ لذلك كانت الإجراءات نوعا ما حاسمة،
في هذا السياق أحبت أن أرد على إحدى الأخوات التي سألتني : لماذا وصفت الرجال بأنهم جميعا خونة أو عفوا( كلا....ب)
والحقيقة أني لا أتجرأ على وصف الرجال بهذه الكلمات نهائيا، فأنا أولا وأخيرا ابنة رجل، وإخوتي رجال، وعمي وخالي وجدي وزوجي وأبنائي وكلهم ليسوا سوى بشرا أعتز بهم،
كما أني لا أصف أي إنسان كرمه ربي بالإنسانية بأنه عفوا ( كل......ب)
إن ثقافتي في الحياة وتجربتي أعلى بكثير من أن أصدر أحكاما جائرة أو حتى شاملة، ...
إن النماذج المذكورة في الحكاية هي هكذا، لكن إن أردت أن أسرد لك نماذج رجالية مشرفة فسأسرد لكن ..لكن ما الجدوى؟؟؟ نحن نركز في القصص على مشاكل وحل المشاكل، وفي ملف الإستشارات لن تجدي سوى النماذج السيئة غالبا،
بعد أن حدثتني أم عبدالله عن تجربتها تلك، ودت أن أتطرق إلى علاقة زوجها بحورية، ولكن بحذر شديد، لما لمسته لديها من تحسس شديد نحو الموضوع، ......
_ هل كنت تعلمين أنه على علاقة بها..؟؟
أجابت بسرعة وحماسة: أبدا، لم يخطر في بالي هذا الأمر نهائيا،.. لم أتصور أن يكون على علاقة محرمة بأية امرأة، لقد كان رجلا ذا سمعة طيبة بين كل الناس.
_ ألم تلاحظي أبدا أي تغير على مشاعره نحوك أو على سلوكه في تلك الفترة..؟؟
فكرت وسرحت ثم حامت على جبينها نظرة استنكار وكأنها تذكرت شيء ما: بلى، أذكر ذات مرة قال لي ابني أنه رأى سيارة والده أمام بيت حورية، وكانت الساعة قد تجاوزت التاسعة، كان ابني في ذلك الوقت عائدا من بيت الجيران، ...... قد ناقشت أبو عبدالله في الأمر، فقال لي إنه كان هناك مع عمال الصيانة و لم يكن وحده، وأنه كان يصلح لها شيء........ لا أذكر ماذا قال، لكني صدقته فقد كنت أثق به كثيرا،
_ لكنه كان يسهر عندها كل ليلة تقريبا فكيف لم تلاحظي السيارة والبيت وراءك مباشرة.
ردت بغيض: لم يكن يترك السيارة أمام البيت، كان يتركها عند المسجد، ...... نعم بعد ذلك استوعبت، أو يتركها عند المقهى على الشارع العام ويعود سيرا على الأقدام.. كل هذا علمت به فيما بعد عندما صرت أفكر وأراجع نفسي لكن بعد فوات الأوان.
ومعاملته لك هل اختلفت في تلك الفترة...؟؟
نظرت لي بتفحص وسألتني: مالذي تريدين الوصول إليه، جاوبيني بصراحة هل أخبرتك هي عن شيء..؟؟
أجبتها بحرص: نعم، فقد أخبرها أن علاقتكما الجنسية متوقفة منذ عام قبل أن يلتقي بها، فهل هذا صحيح..؟؟
أحرجت كثيرا كثيرا، وخنقتها الغصة والغيظ ثم قالت: هذا غير صحيح، أقصد أنه لم يكن بسببي لقد قال لي إنه يعاني من مرض أصابه بالعجز الجنسي أو الضعف لم أعد أذكر، ... وكان يأكل بعض الأدوية أمامي ويقول إنها للعلاج، .......
_ ألم تحاولي معه طوال تلك السنة ..أعني إثارته..؟؟
ترددت قبل أن تجيب: بصراحة لا، ليس كثيرا، ... كنت أفكر أني لو أغريته فقد أحرجه، ثم إني كنت متعبة و........ لا أعلم، كنت .......... وبكت، وضعت كفها على وجهها، ...... لقد كنت كسولة غبية صدقيني أشعر بأني السبب، أشعر أني رميت به للتهلكة، لا تظني أني لا ألوم نفسي، إني أموت يوميا أموت كلما تذكرت ما كنت عليه، انظري لي ......... آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه، إهيء، وصارت تبكي بصوت عالي، لم تستطع أن تكتم نحيبها، ....... ثم أكملت وهي لا زالت تبكي، أحبه والله العظيم أحبه، حتى بعد مافعله، أشفق عليه، كل يوم أفكر كيف يعيش ماذا يأكل...؟؟ هذا لم يكن زوجي فقط كان كل أهلي، في حياته لم يجرحني بكلمة، لم يؤذي مشاعري، ...... أأأأأأأأاه أنا السبب خسرته بيدي، بكسلي والله العظيم لو يرجع الزمن لورا.................. ياريته يرجع ثم استندت برأسها على ظهر الكنبة وصارت تبكي من جديد........
وعندما هدأت قالت: كل شيء ممكن يتصلح، إلا أن يحكم عليه بالموت، .... منذ أن خرج ذلك الصباح لم أره حتى اليوم، تخيلي، يرفض رؤيتي تماما، يرفض رؤية أي أحد، لم يره حتى الآن سوى والده، ..........وعادت تبكي.
|