رد: أفلا يتدبرون القرآن متجدد بإذن الله
أفلا يتدبرون القرآن متجدد بإذن الله
الفصل الأول
تدبر القرآن الكريم
فيه ثلاثة مباحث:
أولاً : معنى التدبر.
ثانياً : حكم تدبر القرآن .
ثالثاً : فوائد تدبر القرآن وثمراته .
أولاً : معنى التدبر
التدبر لغةً:
كلمة التدبر في اللغة : مصدر فعله الماضي ( تَدَبَّر ) وهو فعل مزيد اشتق من الفعل الماضي ( دَبَر ) ، ومضارعه ( يَدْبُر ) ، والمصدر ( دَبْراً ، ودُبُوراً )( ).
( الدُّبر ) و ( الدَّبُر ) مخفاً ومثقلاً .
و( التدبير ) في الأمر: النظر إلى ما تؤول إليه عاقبته.( )
و( تدبر الأمر ): رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } (68) سورة المؤمنون، أي: ألم يتفهموا ما خوطبوا به في القرآن( ).
تدبر القرآن اصطلاحاً:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -:
(وهو - أي تدبر القرآن - : التأمل في معانيه ، وتحديق الفكر فيه ، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك) ( ).
ثانيا ً : حكم التدبر
إن تدبر القرآن الكريم من أجل الطاعات ، وأفضل القربات ، وأسمى العبادات؛ لأنه من خلاله يفهم الإنسان مراد الله - سبحانه وتعالى - ؛ ولهذا قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص .
قال العلامة السعدي - رحمه الله - :
( أي هذه الحكمة من إنزاله ؛ ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها ، ويتأملوا أسرارها وحكمها ... وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة القراءة التي لا تحصل هذا المقصود)( ).
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -:
( وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن ، ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ( ) ، إذ لا يصح التدبر مع الهذ ، قال الحسن : تدبر آيات الله اتباعها)( ) .
قال الإمام الزركشي - رحمه الله -: ( كراهة قراءة القرآن بلا تدبر).تكره قراءة القرآن بلا تدبر، وعليه حُمِل حديث عبدالله بن عمرو: "لا يفقه مَنْ قرأ القرآن في أقل من ثلاث " ( ) .
وقول ابن مسعود لمن أخبره أنه يقوم بالقرآن في ليلة : أهذاً كهذ الشعر( ). وكذلك قوله في صفة الخوارج: " يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولا حناجرهم" ( ) ذمهم بإحكام لفظه ، وترك التفهم لمعانيه )( ).
قارئ القرآن الجاهل بمعانيه مأجور
أداوم على قراءة القرآن لكني لا أفهم معانيه .. فهل أثاب من الله على ذلك؟
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - :
( القرآن الكريم مبارك كما قال الله – تعالى - : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. فالإنسان مأجور على قراءته سواءً أفهم معناه أم لم يفهم … لكن لا ينبغي للمؤن أن يقرأ قرآناً مكلفاً بالعمل به دون أن يفهم معناه ، فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ودرس كتب الطب فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يفهم معناها وتُشرح له، بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها ، فما بالك بكتاب الله - سبحانه وتعالى - الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه … ولهذا كان الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء أفهم معناه أم لم يفهم، ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه ، وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين، مثل : تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير ، وغيرهما... )( ) .
ثالثاً : فوائد تدبر القرآن وثمراته
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في فوائد تدبر القرآن الكريم:
( فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل ، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل ، وتحثه على التخف من عناء اليوم الثقيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل، وتسهل عليه الأمور الصعاب، والعقبات الشاقة غاية التسهيل ، وتنادي عليه كلما فترت عزماته، ونى في سيره: تقدم الركب وفاتك الدليل. فاللحاق اللحاق ، والرحيل الرحيل ، وتحدو به، وتسير أمامه سير الدليل. وكلما خرج عليه كمين من كمائن العدو أو قاطع من قطاع الطريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل حسبي الله ونعم الوكيل . وفي تأمل القرآن وتدبره، وتفهمه أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد).( )
قال العلامة السعدي - رحمه الله - : ( فإن في تدبر القرآن :
1- مفتاحاً للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم.
2 - وبه يزداد الإيمان في القلب ، وترسخ شجرته .
3 - فإنه يُعَرِّفُ بالرب المعبود ، وما له من صفات الكمال ، وما يتنزه عنه من سمات النقص .
4 - وبه يُعْرَفُ الطريق الموصلة إليه ، وصفة أهلها ، وما لهم عند القدوم عليه.
5 - وبه يُعْرَفُ العدو الذي هو العدو على الحقيقة ، والطريق الموصلة إلى العذاب ، وصفة أهلها ، وما لهم عند وجود أسباب العقاب .
6 - وكلما ازداد العبد تأملاً في القرآن ازداد علماً ، وعملاً،
وبصيرة .
ومن فوائد التدبر لكتاب الله: أنه يصل به العبد إلى درجة اليقين، والعلم بأنه كلام الله، لأنه يراه يصدق بعضه بعضاً، ويوافق بعضه بعضاً، فترى الحكم والقصة والأخبار تعاد في القرآن في عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، لا ينقض بعضها بعضاً؛ وبذلك يُعْلًمُ كمال القرآن، وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور. فذلك قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء. أي: فلما كان من عند الله؛ لم يكن فيه اختلاف أصلاً) ( ).
قال سيد قطب – رحمه الله -: (تدبر القرآن يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ، ويسكب النور، ويحرك المشاعر، ويستجيش القلوب ، ويخلص الضمير، وينشئ حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير)( ) .
( ومن فوائد تدبر القرآن :
•معرفة الرب - عز وجل - ومعرفة عظيم سلطانه وقدرته والتلذ بالنظر إليه يوم القيامة.
• تحقيق العبودية لله - تعالى -.
•فيه تربية للعقول .
• فيه شفاء لما في الصدور .
• الأجر الكثير والربح الوفير .
• الهداية والتوفيق والنور ، والراحة والطمأنينة .
• ذكر الله للمتدبر ، وغشيان الملائكة ، ونزول السكينة والرحمة .
• حصن من الشيطان ) ( ).
فهذه بعض فوائد تدبر القرآن الكريم ، وثمراته الزكية ، فأين أنت منها؟ (فسبحان الله ! ماذا حُرم المعرضون عن نصوص الوحي ، واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر ؟! وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر ؟! قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فِكْراً ، وتقطعوا أمرهم بينهم لأجلها زُبَراً ، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ؛ فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجوراً).( )
|