رد: أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ..
أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ..
عائشة الراوية:
ولقدْ رَوتْ أُمُّنا السيِّدةُ عائشةُ - رضي الله عنها - عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ألْفًا ومائتين وعشرة أحاديث، اتَّفق البخاريُّ ومسلم منها على مائةٍ وأربعة وسبعين حديثًا، ورَوى عنها عددٌ كبير من الصحابة والتابعين، لقد كانتْ تُشكِّل - رضي الله عنها - مدرسةً عِلميَّة لها منهجُها المتميِّز في التعامُل مع القرآن والسُّنَّة.
تكريمها بنزول الوحي في بيتها:
ولقدْ كان يَنزِل الوحيُ على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في حُجْرتها، فلا تكتفي بسَماع الآية، ولكنَّها كثيرًا ما كانتْ تُثير التساؤلاتِ والنِّقاشَ حوْلَ ما لا تفهمه مِن معاني الآيات، ولقدْ روي عن ابن أبي مُلَيكة أنَّه قال: "ولقدْ كانتْ عائشةُ لا تَسْمَع شيئًا لا تَعرِفه إلا راجعتْ فيه حتى تعرِفَه[3]"، بل كانتْ تحثُّ الناس على السُّؤال فقالتْ تُثْني على نِساء الأنصار: "نِعمَ النِّساءُ نِساءُ الأنصار؛ لَمْ يمنعهنَّ الحياءُ أن يتفقهْنَ في الدِّين"؛ رواه البخاري.
ولقد عُرِفتْ بتساؤلاتها فقالت: سألتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون: 60]: أهُم الذين يَشْرَبون الخمْرَ ويَسْرِقون؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يا بنتَ الصِّدِّيق، ولكنَّهم الذين يَصومون ويُصلُّون ويتصدَّقون، وهم يخافون ألا يُقبَل منهم، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون: 61]))؛ رواه ابن ماجه والترمذي.
وقالتْ أيضًا: سألتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن قوله - تعالى -: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم: 48]، فأين يكون الناسُ يومئذٍ يا رسولَ الله؟ فقال: ((على الصِّراط))؛ رواه مسلم.
ورُوي أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن حُوسِب عُذِّب))، قالتْ عائشة: أوَلَيْس يقول - تعالى -: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: 8]، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما هذا العَرْض، ولكن مَن نُوقِش الحسابَ يَهلِك))؛ رواه البخاري.
وهكذا كانتْ عائشةُ - رضي الله عنها - تقرأ سُنَّةَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ضوْء تعاليمِ القرآن الكريم، ولا تتجاوزه، وكانتْ تَعْلَم أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان قرآنًا يمشي على الأرْض؛ ولذلك وصفتْه حين سُئِلتْ عن خُلُقه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "كان خُلُقه القرآن"، وهو وصْفُ القرآن الكريم له؛ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].
نموذج مِن تحليلها وقَبولها الأحاديث:
منهج عائشة - رضي الله عنها - في تحليل رِواية "البُكاء على الميِّت":
روَى البخاري عن هشامٍ، عن أبيه، قال: ذُكِر عندَ عائشة - رضي الله عنها - أنَّ ابن عمر رفَع إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الميِّتَ ليُعذَّب في قبْره بكاءِ أهله))، فقالت: وَهِلَ ابنُ عمر - رحمه الله - إنَّما قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّه ليُعذَّب بخطيئته وذَنْبه، وإنَّ أهله ليَبْكون عليه الآن)).
ولقدْ جاء في سُن الترمذي ما نُقِل عنِ ابن عمرَ، عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((الميِّت يُعذَّب بكاء أهْلِه عليه))، فقالت عائشة: يرْحَمُه الله، لم يَكْذِب، ولكنَّه وهِمَ، إنَّما قال رسولُ الله لرجل مات يهوديًّا: ((إنَّ الميِّت ليُعذَّب، وإنَّ أهله ليبكون عليه))، ثم قالت عائشةُ - رضي الله عنها - مُذكِّرة الحضور بالرُّجوع إلى القوْل الفَصْل في القرآن الكريم: حسبُكم القرآن؛ قال - تعالى -: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]؛ قال أبو عيسى: حديثُ عائشة حديثٌ حسنٌ صحيح، وقد رُوي من غيْر وجه عن عائشة، وقد ذَهَب أهلُ العلم إلى هذا، وتأولوا هذه الآية: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]، وهو قوْل الشافعي.
إنَّ العمليَّة النقديَّة التي تبنتْها أُمُّنا عائشة لهذه الرِّواية، تضمَّنتْ معالجة عدَّة قضايا في المتْن؛ منها مناقشة حفْظ الرَّاوي الذي لم يتقن نقْل الرِّواية بالفْظ، ممَّا أدَّى إلى خَلَل في المعنى، مع تأكيدها على ذِكْر مناسبة الرواية، فرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يقول قولاً، ما لم يكن هناك سببٌ؛ كسؤال، أو حادِثة، أو نحوها، وإنَّ اقتطاع قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعزْلَه عن مناسبته، يؤدِّي إلى خَلَل في المعنى والتدليل والاستنباط، وهذا ممَّا جعَل عائشةَ - رضي الله عنها - تؤكِّد في الكثير مِن استدراكاتها على ذِكْر مناسبة الحديث وأسبابه، كأداةٍ منهجيَّة تُقوِّم المعنى، وتُساعد في توضيحِ مواطِنِ الاستدلال به، كما تُساعِد على اختبارِ المتْن وتقييمه.
أمَّا المؤشِّر المنهجي الآخَر الذي اقترحتْه أمُّنا عائشة - رضي الله عنها - في هذه الرِّوايات كمنهجٍ عِلمي قادرٍ على التقييم، فهو دراسةُ الرِّواية وتحليلها ضِمنَ إطار تعاليم القرآن الكريم، واستحضار قِيَمه العليا ومقاصده.
ولقدْ توصَّلت عائشة - رضي الله عنها - في تحليلها لهذه الرِّوايةِ عندَ عَرْضها على منظومة القِيَم القرآنية، أنَّها تُخالِف قِيمةَ العدالة القرآنية المطلَقة، في أنَّ سعيَ الإنسان وعَمَلَه هو الميزانُ الذي يُحاسَب عليه الإنسان حيًّا أو ميتًا، ولا يُؤاخَذ إنسانٌ بعملِ آخَر، ولو كان مِن أقرب المقرَّبين، وهذا ما جاء في مواضعَ كثيرةٍ في القرآن الكريم؛ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الَّهِ الْمَصِيرُ [فاطر: 18]، أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم: 38 - 41]، قُلْ أَغَيْرَ الَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام: 164]، مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]، فرِواية: ((إنَّ الميِّتَ يُعذَّب بكاءِ أهْله عليه))، تُحمِّل الميت أوزارَ أعمال الآخرين، وهذا ممَّا يخالف قِيمةَ العدالة القرآنية، فالمرء يُحاسَب على فِعْله، وليس على أفعال غيرِه؛ ولذلك فقد بيَّنتِ السيدة عائشة - رضي الله عنها - في روايتها: ((إنَّه ليُعذَّبُ بخطيئته وذَنبِه، وإنَّ أهله ليبكون عليه الآن))، فهو يُعذَّب بذَنْبه لا بذنوبِ غيره.
هذا غيْض مِن فيْض في الحديث عن مناقِبِ أمِّنا عائشة - رضي الله عنها - فماذا قدَّم الكلبُ العاوي، العميلُ الخبيث ياسر الحبيب، ماذا قدَّمَ هو ودولةُ إيران الفارسيَّة؛ دُعاة العصبية والشعوبية، عملاء اليهود والصهاينة، المتواطِئون مع أعداء الإسلام، الذين حَرَّفوا كتابَ الله - عزَّ وجلَّ - وسَخِروا من سُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
ألاَ لَعنةُ الله على الظالمين.
وآخِر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
|