ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
منتدى اسلامي لاتهجروه...ربيع قلبي يوجد هنا لاتهجروه...ربيع قلبي منتدى اسلامي, قران, خطب الجمعة, اذكار,

فساتين العيد


 
قديم   #236

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

قصة ذي القرنين~

(ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83")

ذو القرنين: هذا لقبه؛ لأنه ربما كان في تكوينه ذا قرنين، أو يلبس تاجاً له اتجاهان؛ أو لأنه بلغ قرني الشمس في المشرق وفي المغرب.
وقد بحث العلماء في: من هو ذو القرنين؟ فمنهم من قال: هو الإسكندر الأكبر المقدوني الطواف في البلاد، لكن الإسكندر الأكبر كان في مقدونيا في الغرب، وذو القرنين جاب المشرق والمغرب مما دعا عالماً محققاً من علماء الهند هو: أبو الكلام آزاد وزير المعارف الهندي إلى القول بأنه ليس هو الإسكندر الأكبر، بل هو قورش الصالح، وهذه رحلته في الشرق والغرب وبين السدين، كما أن الإسكندر كان وثنياً، وكان تلميذاً لأرسطو، وذو القرنين رجل مؤمن كما سنعرف من قصته.
وعلى العموم، ليس من صالح القصة حصرها في شخص بعينه؛ لأن تشخيص حادثة القصة يضعف من تأثيرها، ويصبغها بصبغة شخصية لا تتعدى إلى الغير فنرى من يقول بأنها مسألة شخصية لا تت. [/COLR]SIZE
=3#0إذن: لو جاء العلم في ذاته سنقول: هذه الحادثة أو هذا العمل خاص بهذا الشخص، والحق سبحانه وتعالى يريد أن يضرب لنا مثلاً يعم أي شخص، ماذا سيكون مسلكه وتصرفه إن مكن الله له ومنحه الله قوة وسلطة؟

ولو حدد القرآن هذه الشخصية في الإسكندر أو قورش أو غيرهما لقلنا: إنه حدث فردي لا يتعدى هذا الشخص، وتنصرف النفس عن الأسوة به، وتفقد القصة مغزاها وتأثيرها. ولو كان في تعيينه فائدة لعينه الله لنا.
وسبق أن أوضحنا أن الحق سبحانه عندما ضرب مثلاً للذين كفروا، قال:

{امرأة نوحٍ وامرأة لوط .. "10"}
(سورة التحريم)

ولم يعينهما على التحديد؛ لأن الهدف من ضرب المثل هنا بيان الرسول المرسل من الله لهداية الناس لم يتمكن من هداية زوجته وأقرب الناس إليه؛ لأن الإيمان مسألة شخصية، لا سيطرة فيها لأحد على أحد. وكذلك لما ضرب الله مثلاً للذين آمنوا قال:

{امرأة فرعون .. "11"}
(سورة التحريم)

فرعون الذي أضل الناس وادعى الألوهية زوجته مؤمنة، وكأن الحق سبحانه يلمح للناس جميعاً أن رأيك في الدين وفي العقائد رأي ذاتي، لا يتأثر بأحد أياً كان، لا في الهداية بنبي، ولا في الغواية بأضل الضالين الذي ادعى الألوهية.
وهكذا يحفظ الإسلام للمرأة دورها وطاقتها ويحترم رأيها.
إذن: الحق سبحانه وتعالى أتى بهذه القصة غير مشخصة لتكون نموذجاً وأسوة يحتذي بها كل أحد، وإلا لو شخصت لارتبطت بهذا الشخص دون غيره، أما حينما تكلم الحق سبحانه عن مريم فنراه يحددها باسمها، بل واسم أبيها؛ ذلك لأن ما سيحدث لمريم مسألة خاصة بها، ولن تحدث بعدها أبداً في بنات آدم، لذلك عينها وشخصها؛ لأن التشخيص ضروري في مثل هذا الموقف.
أما حين يترك المثل أو القصة دون تشخيص، فهذا يعني أنها صالحة لأن تت في أي زمان أو في أي مكان، كما رأينا في قصة أهل الكهف، وكيف أن الحق سبحانه أبهمهم أسماءً، وأبهمهم مكاناً وأبهمهم زماناً، وأبهمهم عدداً، ليكونوا أسوة وقدوة للفتيان المؤمنين في أي زمان، وفي أي مكان، وبأي عدد.
وقوله:

{ويسألونك عن ذي القرنين .. "83"}
نلاحظ أن مادة السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن أخذت حيزاً كبيراً فيه، فقد ورد السؤال للنبي من القوم ست عشرة مرة، إحداها بصيغة الماضي في قوله تعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"}
(سورة البقرة)

وخمس عشرة مرة بصيغة المضارع، كما في:

{يسألونك عن الأهلة .. "189"}
(سورة البقرة)

وقوله:
{يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فلوالدين .. "215"}
(سورة البقرة)

{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .. "217"}
(سورة البقرة)

{يسألونك عن الخمر والميسر .. "219"}
(سورة البقرة)

{ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو .. "219"}
(سورة البقرة)

{ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير .. "220"}
(سورة البقرة)

{ويسألونك عن المحيض .. "222"}
(سورة البقرة)

{يسألونك ماذا أحل لهم .. "4"}
(سورة المائدة)

{يسألونك عن الساعة .. "187"}
(سورة الأعراف)

{يسألونك عن الأنفال .. "1"}
(سورة الأنفال)

{ويسألونك عن الروح .. "85"}
(سورة الإسراء)

{ويسألونك عن ذي القرنين .. "83" }
(سورة الكهف)

{ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً .. "105"}
(سورة طه)

خمسة عشر سؤالاً بالمضارع، إلا أن الجواب عليها مختلف، وكلها صادرة عن الله الحكيم، فلابد أن يكون اختلاف الجواب في كل سؤال له ملحظ، ومن هذه الأسئلة ما جاء من الخصوم، ومنها ما سأله المؤمنون، السؤال من المؤمنين لرسول الله وقد نهاهم أن يسألوه حتى يهدأوا إلحاح منهم في معرفة تصرفاتهم وإن كانت في الجاهلية، إلا أنهم يريدون أن يعرفوا رأي الإسلام فيها، فكأنهم نسوا عادات الجاهلية ويرغبون في أن تشرع كل أمورهم على وفق الإسلام.
وبتأمل الإجابة على هذه الأسئلة تجد منها واحدة يأتي الجواب مباشرة دون (قل) وهي في قوله تعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"}
(سورة البقرة)

واحدة وردت مقرونة بالفاء (فقل) وهي قوله تعالى:

{ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً .. "105"}
(سورة طه)

وباقي الأسئلة وردت الإجابة عليها بالفعل (قل)، فما الحكمة في اقتران الفعل بالفاء في هذه الآية دون غيرها؟

قالوا: حين يقول الحق سبحانه في الجواب (قل) فهذه إجابة على سؤال سأله رسول الله بالفعل، أي: حدث فعلاً منهم، أما الفاء فقد أت في الجواب على سؤال لم يسأله، ولكنه سيسأله مستقبلاً.
فقوله تعالى:

{ويسألونك عن الجبال .. "105"}
(سورة طه)

سؤال لم يحدث بعد، فالمعنى: إذا سألوك فقل، وكأنه احتياط لجواب عن سؤال سيقع. فإذا قلت: فما الحكمة في أن يأتي الجواب في قوله تعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"}
(سورة البقرة)

خالياً من: قل أو فقل: مع أن (إذا) تقتضي الفاء في جوابها؟
نقول: لأن السؤال هنا عن الله تعالى، ويريد سبحانه وتعالى أن يجيبهم عليه بانتفاء الواسطة من أحد؛ لذلك تأتي الإجابة مباشرة دون واسطة:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع .. "186"}
(سورة البقرة)

قوله تعالى:

{ويسألونك عن ذي القرنين .. "83"}
(سورة الكهف)

أي: عن تاريخه وعن خبره والمهمة التي قام بها:

{قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83"}
(سورة الكهف)


نعود مرة اخرى للأية :

(ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83")
وأي شرف بعد هذا الشرف، إن الحق تبارك وتعالى يتولى التأريخ لهذا الرجل، ويؤرخ له في قرآنه الكريم الذي يتلى ويتعبد به إلى يوم القيامة والذي يتحدى به، ليظل ذكره باقياً بقاء القرآن، خالداً بخلوده، يظل أثره فيما عمل أسوة وقدوة لمن يعمل مثله. إن دل على شيء فإنما يدل على أن العمل الصالح مذكور عند الله قبل أن يذكر عند الخلق.
فأي ذكر أبقى من ذكر الله لخبر ذي القرنين وتاريخه؟
و(منه) أي: بعضاً من ذكره وتاريخه، لا تاريخه كله.
وكلمة (ذكر) وردت في القرآن الكريم بمعان متعددة، تلتقي جميعها في الشرف والرفعة، وفي التذكر والاعتبار. وإن كانت إذا أطلقت تنصرف انصرافاً أولياً إلى القرآن، كما في قوله تعالى:

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"}
(سورة الحجر)

وبعد ذلك تستعمل في أي كتاب أنزله الله تعالى من الكتب السابقة، كما جاء في قوله تعالى:

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "43"}
(سورة النحل)

ويطلق الذكر على ما يتبع هذا من الصيت والشرف والرفعة وتخليد الاسم، كما في قوله تعالى:

{لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم .. "10"}
(سورة الأنبياء)

وقوله تعالى:

{وإنه لذكر لك ولقومك .. "44"}
(سورة الزخرف)

أي: صيت حسن وشرف ورفعة كون القرآن يذكر هذا الاسم؛ لأن الاسم إذا ذكر في القرآن ذاع صيته ودوي الآفاق.

إذن: فذكر ذي القرنين في كتاب الله شرف كبير، وفي إشارة إلى أن فاعل الخير له مكانته ومنزلته عند الله، ومجازى بأن يخلد ذكره ويبقى صيته بين الناس في الدنيا.



(إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً "84") التمكين: أي أننا أعطيناه إمكانات يستطيع بها أن يصرف كل أموره التي يريدها؛ لأنه مأمون على تصريف الأمور على حسب منهج الله، كما قال تعالى في آية أخرى عن يوسف عليه السلام:

{وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء .. "56"}
(سورة يوسف)

فالتمكين يعني إعطاءه إمكانات لكل غرض يريده فيصرف به الأمور، لكن لماذا مكناه؟ مكناه لأنه مأمون على تصريف الأمور وفق منهج الله، ومأمون على ما أعطاه الله من إمكانات. وقوله:

{وآتيناه من كل شيء سبباً "84"}
(سورة الكهف)

أي: أعطيناه أسباباً يصل بها إلى ما يريد، فما من شيء يريده إلا ويجعل الله له وسيلة موصلة إليه. فماذا صنع هو؟




(فأتبع سبباً "85")

أتبع السبب، أي: لا يذهب لغاية إلا بالوسيلة التي جعلها الله له، فلقدمكن الحق لذي القرنين في الأرض، وأعطاه من كل شيء سبباً، ومع ذلك لم يركن ذو القرنين إلى ما أعطى، فلم يتقاعس، ولم يكسل، بل أخذ من عطاء الله له بشيء من كل سبب.



(حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة وجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً"86")

وبلوغه مغرب الشمس دليل على أنه لم يكن بهذا المكان، بل كان قادماً إليه من المشرق. ومعنى (مغرب الشمس) هل الشمس تغرب؟
هي تغرب في عين الرائي في مكان واحد، فلو لاحظت الشمس ساعة الغروب لوجدتها تغرب
إذن: غروبها بمعنى غيابها من مرأى عينك أنت؛ لأن الشمس لا تغيب أبداً، فهي دائماً شارقة غاربة، بمعنى أنها حين تغرب على قوم تشرق على آخرين؛ لذلك تت المشرق والمغارب.
وهذه أعطتنا دوام ذكر الله ودورانه على الألسنة في كل الأوقات، فحين نصلي نحن الظهر مثلاً يصلي غيرنا العصر، ويصلي غيرهم المغرب، وهكذا فالحق سبحانه مذكور في كل وقت بكل وقت، فلا ينتهي الظهر لله، ولا ينتهي العصر لله، ولا ينتهي المغرب لله، بل لا ينتهي الإعلام بواحدة منها طوال الوقت، وعلى مر الزمن.
ثم يقول تعالى:

{وجدها تغرب في عينٍ حمئةٍ .. "86"}
(سورة الكهف)

أي: في عين فيها ماء. وقلنا: إن الحمأ المسنون هو الطين الذي اسود لكثرة وجوده في الماء. وفي تحقيق هذه المسألة قال عالم الهند أبو الكلام آزاد، وافقه فضيلة المرحوم الشيخ عبد الجليل عيسى، قال: عند موضع يسمى (أزمير).
وقوله:

{وجدها عندها قوماً .. "86"}
(سورة الكهف)

أي: عند هذه العين.

{قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً "86"}
(سورة الكهف)

إذن: فهذا تفويض له من الله، ولا يفوض إلا المأمون على التصرف

{إما أن تعذب .. "86"}
(سورة الكهف)

ولابد أنهم كانوا كفرة أو وثنين لا يؤمنون بإله، فإما أن تأخذهم بكفرهم، وإما أن تتخذ فيهم حسناً.
لكن ما وجه الحسن الذي يريد الله أن يتخذه؟ يعني أنهم قد يكونون من أهل الغفلة الذين لم تصلهم الدعوة، فبين لهم وجه الصواب ودلهم على دين الله، فمن آمن منهم فأحسن إليه، ومن أصر على كفره فعذبه، إذن: عليك أن تأخذهم أولاً بالعظة الحسنة والبيان الواضح، ثم تحكم بعد ذلك على تصرفاتهم.



(قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً "87")
قوله:

{فسوف نعذبه .. "87"}
يعطينا إشارة إلى المهلة التي سيعطيها لهؤلاء، مهلة تمكنه أن يعظهم ويذكرهم ويفهمهم مطلوبات دين الله. وسبق أن قلنا: إن الظلم أنواع، أفظعها وأعلاها الشرك بالله، كما قال تعالى:

{إن الشرك لظلم عظيم "13"}
(سورة لقمان)

ثم يقول تعالى:

{ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً "87"}
فلن نعذبه على قدر ما فعل، بل نعذبه عقوبة دنيوية فقط؛ لأن العقوبات الدنيوية شرعت لحفظ توازن المجتمع، وردع من لا يرتدع بالموعظة، وإلا فما فائدة الموعظة في غير المؤمن؟ لذلك نرى الأمم التي لا تؤمن بإله، ولا بالقيامة والآخرة تشرع هذه العقوبات الدنيوية لتستقيم أوضاعها.
وبعد عذاب الدنيا عقوبتها هنا عذاب أشد في الآخرة

{عذاباً نكراً "87"}
والشيء النكر: هو الذي لا نعرفه، ولا عهد لنا به أو ألفة؛ لأننا حينما نعذب في الدنيا نعذب بفطرتنا وطاقتنا، أما عذاب الله في الآخرة فهو شيء لا نعرفه، وفوق مداركنا وإمكاناتنا.



(وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً "88")
قوله:

{فله جزاء الحسنى .. "88"}
(سورة الكهف)

أي: نعطيه الجزاء الحسن

{وسنقول له من أمرنا يسراً "88"}
(سورة الكهف)

نقول له الكلام الطيب الذي يشجعه ويحفزه، وإن كلفناه كلفناه بالأمر اليسير غير الشاق. وهذه الآية تضع لنا أساس عملية الجزاء التي هي ميزان المجتمع وسبب نهضته، فمجتمع بلا جزاءات تثيب المجد وتعاقب المقصر مجتمع ينتهي إلى الفوضى والتسيب، فإن أمن الناس العقاب تكاسلوا، وربما ما تعانيه مصر الآن من سوء الإدارة راجع إلى ما في المجتمع من أشخاص فوق القانون لا نستطيع معاقبتهم فيتسيب الآخرون.
وكذلك نرى المراتب والجوائز يظفر بها من لا يعمل، ويظفر بها من يتقرب ويتود ويتملق وينافق، ولهؤلاء أساليبهم الملتوية التي يجيدونها، أما الذي يجد ويعمل ويخلص فهو منهك القوى مشغول بإجادة عمله وإتقانه، لا وقت لديه لهذه الأساليب الملتوية، فهو يتقرب بعمله وإتقانه، وهذا الذي يستحق التكريم ويستحق الجائزة. ولك أن تتصور مدى الفساد والتسيب الذي تسببه هذه الصورة المقلوبة المعوجة. إذن: فميزان المجتمع وأساس نهضته:

{أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً "87" وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً "88"}
(سورة الكهف)

فما أجمل أن نرصد المكافآت التشجيعية والجوائز، ونقيم حفلات التكريم للمتيزن والمثالين، شريطة أن يقوم ميزان الاختيار على الحق والعدل.
والحسنى: أفعل التفضيل المؤنث لحسن، فإذا أعطيناه الحسنى فالحسن من باب أولى، ومن هذا قوله تعالى:

{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .. "26"}
(سورة يونس)




(ثم أتبع سبباً"89")
أي: ذهب إلى مكان آخر.


 
قديم   #237

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

(حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً"90")

قوله تعالى:

{مطلع الشمس .. "90"}
(سورة الكهف)

كما قلنا في مغربها، فهي دائماً طالعة؛ لأنها لا تطلع من مكان واحد، بل كل واحد له مطلع، وكل واحد له مغرب حسب اتساع الأفق.
ثم يقول تعالى:

{وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً "90"}
(سورة الكهف)

الستر: هو الحاجز بين شيئين، وهو إما ليقيني الحر أو ليقيني البرد، فقد ذهب ذو القرنين إلى قوم من المتبدين الذين يعيشون عراة كبعض القبائل في وسط أفريقيا مثلاً، أو ليس عندهم ما يسترهم من الشمس مثل البيوت يسكنونها، أو الأشجار يستظلون بها.
وهؤلاء قوم نسميهم "ضاحون" أي: ليس لهم ما يأويهم من حر الصيف أو برد الشتاء، وهم أناس متأخرون بدائيون غير متحضرين. ومثل هؤلاء يعطيهم الله تعالى في جلودهم ما يعوضهم عن هذه الأشياء التي يفتقدونها، فترى في جلودهم ما يمنحهم الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف.
وهذا نلاحظه في البيئات العادية، حيث وجه الإنسان وهو مكشوف للحر وللبرد، ولتقلبات الجو، لذلك جعله الله على طبيعة معينة تتحمل هذه التقلبات، على خلاف باقي الجسم المستور بالملابس، فإذا انكشف منه جزء كان شديد الحساسية للحر أو للبرد، وكذلك من الحيوانات ما منحها اله خاصية في جلودها تستطيع أن تعيش في القطب المتجمد دون أن تتأثر برودته.
وهؤلاء البدائيون يعيشون هكذا، ويتكيفون مع بيئتهم، ولا تشغلهم مسألة الملابس هذه، ولا يفكرون فيها، حتى يذهب إليهم المتحضرون ويرون الملابس، وكيف أنها زينة وستر للعورة فيستخدمونها.
ونلاحظ هنا أن القرآن لم يذكر لنا عن هؤلاء القوم شيئاً وماذا فعل ذو القرنين معهم، وإن قسنا الأمر على القوم السابقين الذين قابلهم عند مغرب الشمس نقول: ربما حضرهم وفر لهم أسباب الرقي.
وبعض المفسرين يرون أن ذا القرنين ذهب إلى موضع يومه ثلاثة أشهر، أو نهاره ستة أشهر، فصادف وصوله وجود الشمس فلم ير لها غروباً في هذا المكان طيلة وجوده به، ولم ير لها ستراً يسترها عنهم، ويبدو أنه ذهب في أقصى الشمال.



(كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً "91")

كذلك: يعني ذهب كذلك، كما ذهب للمغرب ذهب للمشرق



(ثم أتبع سبباً "92") ذهب إلى مكان آخر




(حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً "93")

السد: هو الحاجز بين شيئين، والحاجز قد يكون أمراً معنوياً، وقد يكون طبيعياً محسوساً كالجبال، فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجوة، ومادام قد قال: (بين السدين) فالبين هنا يقتضي وجود فجوة بين السدين يأتي منها العدو.

{وجد من دونهما .. "93"}
(سورة الكهف)

أي: تحتهما.

{قوماً لا يكادون يفقهون قولاً "93"}
(سورة الكهف)

أي: لا يعرفون الكلام، ولا يفقهون القول؛ لأن الذي يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم، وهؤلاء لا يقولون كلاماً، ولا يفهمون ما يقال لهم، ومعنى:

{لا يكادون .. "93"}
(سورة الكهف)

لا يقربون من أن يفهموا، فلا ينفي عنهم الفهم، بل مجرد القرب من الفهم، وكأنه لا أمل في أن يفهمهم. لكن، يكف نفى عنهم الكلام، ثم قال بعدها مباشرة:

{قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا "94"}
(سورة الكهف)

فأثبت لهم القول؟
يبدو أنه خاطبهم بلغة الإشارة، واحتال على أن يجعل من حركاتهم كلاماً يفهمه وينفذ لهم ما يريدون، ولاشك أن هذه العملية احتاجت منه جهداً وصبراً حتى يفهمهم ويفهم منهم، وإلا فقد كان في وسعه أن ينصرف عنهم بحجة أنهم لا يتكلمون ولا يتفاهمون. فهو مثال للرجل المؤمن الحريص على عمل الخير، والذي لا يألو جهداً في نفع القوم وهدايتهم.
والإشارة أصبحت الآن لغة مشهورة ومعروفة، ولها قواعد ودارسون يتفاهمون بها، كما نتفاهم نحن الآن مع الأخرس.


( إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا )
..فاشتكوا عليه من الضر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج وطلبوا منه ان يقيم بينهم

سدا يمنعهم عنهم وعرضوا عليه مالا كثيرا يجمعونه له ...فاستجاب لطلبهم رافضا اموالهم ومتعفا عنها



(قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً "95")

والقول هنا أيضاً قول دلالة وإشارة تفهمهم أنه في غنى عن الأجر، فعنده الكثير من الخير الذي أعطاه الله، إنما هو في حاجة إلى قوة بشرية عاملة تعينه، وتقوم معه بتنفيذ هذا العمل.
ونفهم من الآية أن المعونة من الممكن في الأرض المالك للشيء يجب أن تكون حسبة لله، وأن تعين معونة لا تحوج الذي تعينه إلى أن تعينه كل وقت، بل أعنه إعانة تغنيه أن يحتاج إلى المعونة فيما بعد، كأن تعلمه أن يعمل بنفسه بدل أن تعطيه مثلاً مالاً ينفقه في يومه وساعته ثم يعود محتاجاً؛ لذلك يقولون: لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد، وهكذا تكون الإعانة مستمرة دائمة، لها نفس، ولها عمر.
ولما كان ذو القرنين ممكناً في الأرض، وفي يده الكثير من الخيرات والأموال، فهوليس في حاجة إلى مال بل إلى الطاقة البشرية العاملة، فقال:

{فأعينوني بقوةٍ .. "95"}
(سورة الكهف)

أي: قوة وطاقة بشرية قوية مخلصة

{أجعل بينكم وبينهم ردماً "95"}
(سورة الكهف)

ولم يقل: سداً؛ لأن السد الأصم يعيبه أنه إذا حصلت رجة مثلاً في ناحية منه ترج الناحية الأخرى؛ لذلك أقام لهم ردماً أي: يبني حائطاً من الأمام وآخر من الخلف، ثم يجعل بينهما ردماً من التراب ليكون السد مرناً لا يتأثر إذا ما طرأت عليه هزة أرضية مثلاً، فيكون به التراب مثل "السوست" التي تمتص الصدمات.
والردم أن تضع طبقات التراب فوق بعضها، حتى تردم حفرة مثلاً وتسويها بالأرض، ومن ذلك ما نسمعه عندما يعاتب أحدهم صاحبه، وهو لا يريد أن يسمع، فيقول له: اردم على هذا الموضوع



(آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطراً "96")

لم يكن ذو القرنين رجلاً رحالة، يسير هكذا بمفرده، بل مكنه الله من أسباب كل شيء، ومعنى ذلك أنه لم يكن وحده، بل معه جيش وقوة وعدد وآلات، معه رجال وعمال، معه القوت ولوازم الرحلة، وكان بمقدوره أن يأمر رجاله بعمل هذا السد، لكنه أمر القوم وأشركهم معه في العمل ليدربهم ويعلمهم ماداموا قادرين، ولديهم الطاقة البشرية اللازمة لهذا العمل.
والحق تبارك وتعالى يقول:

{لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها .. "7"}
(سورة الطلاق)

فمادام ربك قد أعطاك القوة فاعمل، ولا تعتمد على الآخرين؛ لذلك تجد هنا أوامر ثلاثة: أعينوني بقوة، آتوني زبر الحديد، آتوني أفرغ عليه قطراً.
زبر الحديد: أي قطع الحديد الكبيرة ومفردها زبرة، والقطر: هو النحاس المذاب، لكن، كيف بنى ذو القرنين هذا السد من الحديد والنحاس؟
هذا البناء يشبه ما يفعله الآن المهندسون في المعمار بالحديد والخرسانة؛ لكنه استخدم الحديد، وسد ما بينه من فجوات بالنحاس المذاب ليكون أكثر صلابة، فلا يتمكن الأعداء من خرقه، وليكون أملس ناعماً فلا يتسلقونه، ويعلون عليه. فقوله:

{حتى إذا ساوى بين الصدفين .. "96"}
(سورة الكهف)

الصدف: الجانب، ومنه قوله تعالى:

{فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها .. "157"}
(سورة الأنعام)

أي: مال عنها جانباً. فمعنى: ساوى بين الصدفين. أي: ساوى الحائطين الأمامي والخلفي بالجبلين:

{قال انفخوا .. "96"}
(سورة الكهف)

أي: في الحديد الذي أشعل فيه، حتى إذا التهب الحديد نادى بالنحاس المذاب:

{قال آتوني أفرغ عليه قطراً "96"}
(سورة الكهف)

وهكذا أنسبك الحديد الملتهب مع النحاس المذاب، فأصبح لدينا حائط صلب عالٍ أملس.



(فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً"97")
(أن يظهروه) أي: ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن يعلوا السد أو يتسلقوه وينفذوا من أعلاه؛ لأنه ناعم أملس، ليس به ما يمكن الإمساك به:

{وما استطاعوا له نقباً "97"}
(سورة الكهف)

لأنه صلب.




(قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً"98")
لم يفت ذا القرنين وهو الرجل الصالح أن يسند النعمة إلى المنعم الأول، وأن يعترف بأنه مجرد واسطة وأداة لتنفيذ أمر الله:

{قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دعاء وكان وعد ربي حقاً "98"}
(سورة الكهف)

لأني أخذت المقومات التي منحني الله إياها، واستعملتها في خدمة عباده. الفكر مخلوق لله، والطاقة والقوة مخلوقة لله، المواد والعناصر في الطبيعة مخلوقة لله، إذن: فما لي أن أقول: أنا عملت كذا وكذا؟
ثم يقول تعالى:

{فإذا جاء وعد ربي .. "98"}
(سورة الكهف)

أي: الآخرة.

{جعله دكاء .. "98"}
(سورة الكهف)

فإياكم أن تظنوا أن صلابة هذا السد ومتانته باقية خالدة، إنما هذا عمل للدنيا فحسب، فإذا أتى وعد اله بالآخرة والقيامة جعله الله دكاً وسواه بالأرض، ذلك لكي لا يغترون به ولا يتمردون على غيرهم بعد أن كانوا مستذلين مستضعفين ليأجوج ومأجوج. وكأنه يعطيهم رصيداً ومناعة تقيهم الطغيان بعد الاستغناء.

{وكان وعد ربي حقاً "98"}
(سورة الكهف)

واقعاً لاشك فيه. والتحقيق الأخير في مسألة ذي القرنين وبناء السد أنه واقع بمكان يسمى الآن (بلخ) والجبلان من جبال القوقاز، وهما موجودان فعلاً، وبينهما فجوة مبني فيها، ويقولون: إن صاحب هذا البناء هو قورش، وهذا المكان الآن بين بحر قزوين والبحر الأسود.

 
قديم   #238

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

يأجوج ومأجوج:





ياجوج وماجوج اسمان لمنطقتين وشعبيهما ذكرا بالقرآن الكريم.وقد ورد اسم ماجوج بالتوراة

وقد يدل الاسمان (يأجوج ومأجوج) على بوادي وسهول قارة آسيه برمتها

وقد تبدو كلمة مغول قريبة لفظياً من الصيغة القرآنية ماجوج ،التي قد تكون متعلّقة بالماء (موج ) وبالقاموس [ مُجاجُ المُزْنِ: المَطَرُ] ،لعله نسبة لسكنهم الشمال والشرق عند الثلوج والجليد بسيبيريه ومنشوريه وشمال غرب الصين،أو نحو المحيطين الهادي والقطبي

فماجوج قد تكون بادية الصين الشمالية وشمالها الغربي وسط وشرق سيبريه
وياجوج قد تكون بادية الصين الغربية وأواسط آسيه وسط وغرب سيبريه والسهول الشمالية خاصة لبحر قزوين والبحر الأسود حتى جنوب وشرق روسيه


وقد استعان بذي القرنين شعب يقطن منطقة ما بين السدين [(لعل السدين هما سلسلة جبال الهملايا ، وأحد جبال هندوكوش أو جبال تيان شان أو كون لون أو آلتاي) ، ولعل تلك المنطقة (بين السدّين) تقع قرب أو عند منابع نهري جيحون وسيحون ونهر السند ونحو حوض تاريم وعقدة البامير التي منها تتشعب تلك السلاسل الجبلية لبناء ردم حديدي مفروغ عليه القطر (لعله النحاس) ساوى به مابين الصدفين وسدّ على تلك الشعوب الأعرابية الآسيوية التي تأتي من مناطق ما وراء السدين (ياجوج وماجوج) منفذها ومعبرها.وقد تمكّن ذو القرنين من ***** ذلك الردم الحديدي الذي كان رحمة من الله لذلك الشعب القاطن في تلك النواحي (وهناك بتلك النواحي إقليم مزار شريف بأفغانستان وهو غني جداً بالحديد والنحاس).

قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا {98} وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا {99} الكهف

وقد عانت الصين من هجمات أعرابها من نحو الشمال خاصة ،فشرعوا منذ بضع مئات من السنين قبل الميلاد (حوالي القرن 7 ق.م) بناء حوائط وأسوار ضخمة لصد غزوات تلك الشعوب الهمجية عنهم ، ولعل ردم ذي القرنين قد كثّف غزو الأعراب على الصين، فشيّد أهل الصين السور الأعظم منذ 200 ق.م (بني أكثره من التراب وبلغ طوله 1900 كم) ،مما وجّه غزو الأعراب نحو أوروبه،واستمر البناء والزيادة بعد ذلك عبر القرون،وبعد طرد المغول من الصين في عام 1370م أعيد البناء أشدّ من سابقه (الذي كان قد انهار معظمه) باستعمال الحجارة (وهو أكثر الموجود الآن،ويمتد حوالي 2400 كم وقيل 6000 كم) ،ويُعدّ البناء البشري الوحيد الذي يمكن رؤيته من الفضاء.

والإمبراطوريات القديمة كالروم وفارس والصين وغيرها لم تفتح تلك المناطق تقريباً

فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا {97}‏ الكهف

من هذه الآية الكريمة يتبين أن يأجوج ومأجوج قد حاولوا الغزو من ناحية الردم بعد بنائه ، ولكن الردم حال دون عبورهم من بين تلك الجبال،لذلك شحّت تسرباتهم من تلك النواحي (ما وراء النهر) ، رغم كثرة حروبهم وتناحرهم فيما بينهم في أراضي أواسط آسيه وشمالها،سواء بين الأعراب أنفسهم أو نحو الصين ونحو أوروبه، ولم تتضح إلاّ قبيل الإسلام أو بُعيده،لعله بعد أن تداعى الردم. فلمّا لم تستطع تلك الشعوب الهمجية اختراق الردم الحديدي،وقذف بعضها من نحو تلك الجهات، اشتدّ اختلاط الشعبين بينهما اشد الاختلاط حرباً وسلماً ، واستطاعت بعض القبائل الأعرابية الهيمنة على الأخرى بل وتكوين إمبراطوريات بدوية شاسعة ،وكثرت الغزوات على الصين وأوروبه، حتى تمكن الخان الأعظم جنكيزخان من قهر أعراب آسيه وتوحيدهم جميعاً،بعد نحو ما يقارب الألفي عام من بناء ردم ذي القرنين

حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ {96} وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ {97} الأنبياء

فالآية الكريمة قد تتضمن أو ترجّح معنى أن ياجوج وماجوج في آخر الأرض وأقصاها (العالم القديم خاصة)،وأن بلوغها يُعدّ غاية ونهاية الفتوحات العسكرية،التي لا يكون بعدها بلاد نائية بكر غير مفتوحة،والله أعلم. وقد حذّر خاتم الرسل النبي العربي عليه أفضل الصلاة والسلام، من قرب انبعاثهم: [(لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)،صحيح البخاري ومسلم].



وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه ( إذا أوحى الله على عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أولئك على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف( دود يكون في أنوف الإبل والغنم ) في رقابهم فيصبحون فرسى ( أي قتلى ) كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ) رواه مسلم وزاد في رواية – بعد قوله ( لقد كان بهذه مرة ماء ) – ( ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر ، وهو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض ، هلم فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما )ه

وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها ( يأجوج ومأجوج ) رواه مسلم



وَ الصحيح ان ياجوج وماجوج هم قومان وماداموا بهذا اللفظ قومان اذن هم من البشر وغير انه حين خروجهم يوحي الله لعيسى اني اخرجت عبادا لي لاطاقة لكم عليهم او فيما معنى هذا الحديث

اذن من ذلك هم عباد ... من بنو ادم

وهم موجودين منذ القدم وكانوا يتعايشون مع القبائل والاقوام الاخرى غير انهم قوما سوء يهلكون الحرث والنسل ويظلمون الناس والله اعلم

فاشتكى اهل القرية حينما حلّ عليهم ذي القرنين ... فأعانهم على ماأقالوه له من اقتراح دون مقابل .... ابتغاء الاجر من الله

وهم بحول الله وقوته سيظهرون عند قرب الساعة ....

وأحب ان اذكر لك نقطة لم اذكرها تفضلي:

ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا وفعل تسطع وتستطع في سورة الكهف؟

قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث.

أما عدم الحذف في قوله تعالى (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {78}) وحذف التاء في الآية (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82}) لأن المقام في الآية الأولى مقام شرح وإيضاح وتبيين فلم يحذف من الفعل أما في الآية الثانية فهي في مقام مفارقة ولم يتكلم بعدها الخضر بكلمة وفارق موسى عليه السلام فاقتضى الحذف من الفعل.

 
قديم   #239

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

(وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً "99")

فإذا كانت القيامة تركناهم يموج بعضهم في بعض، كموج الماء لا تستطيع أن تفرق بعضهم من بعض، كما أنك لا تستطيع فصل ذرات الماء في الأمواج، يختلط فيهم الحابل بالنابل، والقوي بالضعيف، والخائف بالمخيف، فهم الآن في موقف القيامة، وقد انتهت العداوات الدنيوية، وشغل كل إنسان بنفسه.
وقوله تعالى:

{ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً "99"}
(سورة الكهف)

وهذه هي النفخة الثانية؛ لأن الأولى نفخة الصعق، كما قال تعالى:

{ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون "68"}
(سورة الزمر)

فالنفخة الأولى نفخة الصعق ، والثانية نفخة البعث والقيامة ، والصعق قد يكون مميتاً، وقد يكون مغمياً لفترة ثم يفيق صاحبه، فالصعق المميت كما في قوله تعالى:

{وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين "43" فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون "44"}
(سورة الذاريات)

أما الصعقة التي تسبب الإغماء فهي مثل التي حدثت لموسى عليه السلام حينما قال:

{قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين "143"}
(سورة الأعراف)

فالجبل الأشم الراسي الصلب اندك لما تجلى له الله، وخر موسى مصعوقاً مغمى عليه، وإذا كان موسى قد صعق من رؤية المتجلي عليه، فكيف برؤية المتجلي سبحانه؟
وكأن الحق سبحانه أعطى مثلاً لموسى عليه السلام فقال له: ليست ضنيناً عليك بالرؤية، ولكن قبل أن تراني انظر إلى الجبل أولاً ليكون لك مثالاً، إذن: لا يمنع القرآن أن يتجلى الله على الخلق، لكن هل نتحمل نحن تجلي الله؟
فمن رحمة الله بنا ألا يتجلى لنا على الحالة التي نحن عليها في الدنيا. أما في الآخرة، فإن الخالق سبحانه سيعدنا إعداداً آخر، وسيخلقنا خلقة تناسب تجليه سبحانه على المؤمنين في الآخرة؛ لأنه سبحانه القائل:

{وجوه يومئذٍ ناضرة "22" إلى ربها ناظرة "23"}
(سورة القيامة)

وسوف نلحظ هذا الإعداد الجديد في كل أمور الآخرة، فيها مثلاً تقتاتون ولا تتغوطن؛ لأن طبيعتكم في الآخرة غير طبيعتكم في الدنيا.
لذلك جاء السؤال من موسى عليه السلام سؤالاً علمياً دقيقاً:

{رب أرني أنظر .. "143"}
(سورة الأعراف)

أي: أرني كيفية النظر إليك؛ لأني بطبيعتي وتكويني لا أراك، إنما إن أريتني أنت أرى. وفي ضوء هذه الحادثة لموسى عليه السلام

<نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقة الأولى">

قالوا: لأنه صعق مرة في الدنيا، ولا يجمع الله تعالى على عبده صعقتين.



(وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً"100")
أي: تعرض عليهم ليروها ويشاهدوها، وهذا العرض أيضاً للمؤني، كما جاء في قوله تعالى:

{وإن منكم إلا واردها .. "71"}
(سورة مريم)

والبعض يظن أن (واردها) يعني: داخلها، لا بل واردها بمعنى: يراها ويمر بها، فقد ترد الماء بمعنى: يراها ويمر بها، فقد ترد الماء بمعنى تصل إليه دون أن تشرب منه؛ ذلك لأن الصراط الذي سيمر على الجميع مضروب على ظهر جهنم ليراها المؤمن والكافر.
أما المؤمن فرؤيته للنار قبل أن يدخل الجنة تريه مدى نعمة الله عليه ورحمته به، حيث نجاه من هذا العذاب، ويعلم فضل الإيمان عليه، وكيف أنه أخذ بيده حتى مر من هذا المكان سالماً. لذلك يذكرنا الحق سبحانه بهذه المسألة فيقول:

{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز .. "185"}
(سورة آل عمران)

أما الكافر فسيعرض على النار ويراها أولاً، فتكون رؤيته لها قبل أن يدخلها رؤية الحسرة والندامة والفزع؛ لأنه يعلم أنه داخلها، ولن يفلت منها. وقد وردت هذه المسألة في سورة التكاثر حيث يقول تعالى:

{ألهاكم التكاثر "1" حتى زرتم المقابر "2" كلا سوف تعلمون "3" ثم كلا سوف تعلمون "4" كلا لو تعلمون علم اليقين "5" لترون الجحيم "6" ثم لترونها عين اليقين "7" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "8"}
(سورة التكاثر)

والمراد: لو أنكم تأخذون عني العلم اليقيني فيما أخبركم به عن النار وعذابها لكنتم كمن رآها، لأني أنقل لكم الصورة العلمية الصادقة لها، وهذا ما نسميه علم اليقين، أما في الآخرة فسوف ترون النار عينها. وهذا هو عين اليقين أي: الصورة العينية التي ستتحق يوم القيامة حين تمرون على الصراط.
وبرحمة الله بالمؤمنين وبفضله وكرمه تنتهي علاقة المؤمن بالنار عند هذا الحد، وتكتب له النجاة؛ لذلك قال تعالى بعدها:

{ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "8"}
(سورة التكاثر)

أما الكافر والعياذ بالله فله مع النار مرحلة ثالثة هي حق اليقين، يوم يدخلها ويباشر حرها، كما قال تعالى:

{وأما إن كان من المكذبين الضالين "92" فنزل من حميم "93" وتصلية جحيم "94" إن هذا لهو حق اليقين "95" فسبح باسم ربك العظيم "96"}
(سورة الواقعة)

إذن: عندنا علم اليقين، وهو الصورة العلمية للنار، والتي أخبرنا بها الحق سبحانه وتعالى، وأن من صفات النار كذا وكذا وحذرنا منها، ونحن في بحبوحة الدنيا وسعتها. وعين اليقين: في الآخرة عندما نمر على الصراط، ونرى النار رؤيا العين. ثم حق اليقين: وهذه للكفار حين يلقون فيها ويباشرونها فعلاً.
وقد ضربنا لذلك مثلاً: لو قلت لك: توجد مدينة اسمها نيويورك وبها ناطحات سحاب، وأنها تقع على سبع جزر، ومن صفاتها كذا وكذا فأعطيك عنها صورة علمية صادقة، فإن صدقتني فهذا علم يقين. فإن مررنا عليها بالطائرة ورأيتها رأى العين فهذا عين اليقين، فإن نزلت بها وتجولت خلالها فهذا حق اليقين.
إذن: فقوله تعالى:

{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً "100"}
(سورة الكهف)

ليس كعرضها على المؤمنين، بل هو عرض يتحقق فيه حق اليقين بدخولها ومباشرتها.




(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعاً"101")
أي: على أبصارهم غشاوة تمنعهم إدراك الرؤية، ليس هذا وفقط، بل:

{وكانوا لا يستطيعون سمعاً "101"}
(سورة الكهف)

والمراد هنا السمع الذي يستفيد منه السامع، سمع العبرة والعظة، وإلا فآذانهم موجودة وصالحة للسمع، ويسمعون بها، لكنه سماع لا فائدة منه؛ لأنهم ينفرون من سماع الحق ومن سماع الموعظة ويسدون دونها آذانهم، فهم في الخير أذن من طين، وأذن من عجين كما نقول.
أما المؤمنون فيقول الحق تبارك وتعالى فيهم:

{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق "83"}
(سورة المائدة)

إذن: فكراهية أولئك للمسوع جعلتهم كأنهم لا سمع لهم، كما نقول نحن في لغتنا العامية: (أنت مطنش عني)، يعني لا تريد أن تسمع، ومن أقوال أهل الفكاهة: قال الرجل لصاحبه: فيك من يكتم السر؟ قال: نعم، قال: أعطني مائة جنيه، قال: كأني لم أسمع. ولذلك حكى القرآن عن كفار مكة قولهم:

{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون "26"}
(سورة فصلت)

يعني: شوشوا عليه، ولا تعطوا الناس فرصة لسماعه، ولو أنهم علموا أن القرآن لا يؤثر في سامعه ما قالوا هذا، لكنهم بأذنهم العربية وملكتهم الفصيحة يعلمون جيداً أن القرآن له تأثير في سامعه تأثيراً يملك جوانب نفسه، ولابد أنه سيعرف أنه معجز، وأنه غير قول البشر، وحتماً سيدعوه هذا إلى الإيمان بأن هذا الكلام كلام الله، وأن محمداً رسول الله؛ لذلك قال بعضهم لبعض محذراً:

{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه .. "26"}
(سورة فصلت)

وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى:

{ويل لكل أفاك أثيم "7" يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم "8"}
(سورة الجاثية)

وقد يتعدى الأمر مجرد السماع إلى منع الكلام كما جاء في قوله تعالى:

{ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم .. "9"}
(سورة إبراهيم)

فليس الأمر منع الاستماع، بل أيضاً منع الكلام، فربما تصل كلمة إلى آذانهم وهم في حالة انتباه فتؤثر فيهم، أي منعوهم الكلام كما يقال: اسكت، أو أغلق فمك.



(أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلاً"102")
قوله تعالى:

{أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء .."102"}
(سورة الكهف)

يعني: أعموا عن الحق فظنوا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء؟ وسبق أن تحدثنا عن كلمة (عبادي) وقلنا: إنهم المؤمنون بي المحبون لي، الذين اختاروا مرادات الله على اختيارات نفوسهم، وفرقنا بين عبيد وعباد.
والكلام هنا عن الذين كفروا الذين اتخذوا عباد الله المقربين إليه المحبين له أولياء من دون الله، كما قال تعالى:

{لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون .."172"}
(سورة النساء)

فكيف تتخذونهم أولياء من دوني وتعاندوني بهم وهم أحبتي؟ يقول تعالى:

{وقالت النصارى المسيح ابن الله .."30"}
(سورة التوبة)

ومنهم من قال: الملائكة بنات الله، فكيف تتخذونهم أولياء من دون الله وهم لا يستنكفون أن يكونوا عباداً لله، ويرون شرفهم وعزتهم في عبوديتهم له سبحانه، فإذا بكم تتخذونهم أولياء من دوني، ويا ليتكم جعلتم ذلك في أعدائي، فهذا منهم تغفيل حتى في اتخاذ الشركاء؛ لذلك كان جزاءهم أن نعد لهم جهنم:

{إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلاً "102"}
(سورة الكهف)

والنزل: ما يعد لإكرام الضيف كالفنادق مثلاً، فهذا من التهكم بهم والسخرية منهم.




(قل هل نبئكم بالأخسرين أعمالاً "103")
(قل) أي: يا محمد

{هل نبئكم بالأخسرين أعمالاً "102"}
(سورة الكهف)

الأخسر: اسم تفضيل من خاسر، فأخسر يعني أكثر خسارة (أعمالاً) أي: خسارتهم بسبب أعمالهم.



(الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً "104")
وقد ضل سعي هؤلاء؛ لأنهم يفعلون الشر، ويظنون أنه خير فهم ضالون من حيث يظنون الهداية. ومن ذلك ما نراه من أعمال الكفار حيث يبنون المستشفيات والمدارس وجمعيات الخير والبر، وينادون بالمساواة وغيرها من القيم الطيبة، ويحسبون بذلك أنهم أحسنوا صنعاً وقدموا خيراً، لكن هل أعمالهم هذه كانت لله؟
الواقع أنهم يعملونها للناس وللشهرة وللتاريخ، فليأخذوا أجورهم من الناس ومن التاريخ تعظيماً وتكريماً وتخليداً لذكراهم.
ومعنى:

{ضل سعيهم .. "104"}
(سورة الكهف)

أي: بطل وذهب وكأنه لا شيء، مثل السراب كما صورهم الحق سبحانه في قوله:

{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .. "39"}
(سورة النور)

وهؤلاء لا يبخسهم الله حقوقهم، ولا يمنعهم الأجر؛ لأنهم أحسنوا الأسباب، لكن هذا الجزاء يكون في الدنيا؛ لأنهم لما عملوا وأحسنوا الأسباب عملوا للدنيا، ولا نصيب لهم في جزاء الآخرة. وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة في قوله تعالى:

{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب "20"}
(سورة الشورى)

ومع ذلك يبقى للكافر حقه، فلا يجوز لأحد من المؤمنين أن يظلمه أو يعتدي عليه، وفي حديث سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت أن محدثاً حدث عن رسول الله بحديث أحبت ألا أموت، أو يموت هو حتى أسمعه منه، فسألت عنه فقيل: إنه ذهب إلى الشام، قال: فاشتريت ناقة ورحلتها، وسرت شهراً إلى أن وصلت إلى الشام، فسألت عنه فقيل: إنه عبد الله بن أنيس، فلما ذهبت قال له خادمه: إن جابر بن عبد الله بالباب، قال جابر: فخرج ابن أنيس وقد وطئ ثيابه من سرعته. قال عبد الله: واعتنقا.

<قال جابر: حدثت أنك حدثت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينادي يوم القيامة: يا ملائكتي، أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى أقصه منه، حتى اللطمة">

فانظر إلى دقة الميزان وعدالة السماء التي تراعي حق الكافر، فتقتص له قبل أن يدخل النار، حتى ولو كان ظالمه مؤمناً. وفي قوله تعالى:

{ضل سعيهم في الحياة الدنيا .. "104"}
(سورة الكهف)

جاءت كلمة الضلال في القرآن الكريم في عدة استعمالات يحددها السياق الذي وردت فيه. فقد يأتي الضلال بمعنى الكفر، وهو قمة الضلال وقمة المعاصي، كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى:

{أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل "108"}
(سورة البقرة)


ويطلق الضلال، ويراد به المعصية حتى من المؤمن، كما جاء في قوله تعالى:

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً "36"}
(سورة الأحزاب)

ويطلق الضلال، ويراد به أن يغيب في الأرض، كما في قوله تعالى:

{أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديدٍ .. "10"}
(سورة السجدة)

يعني: غبنا فيها واختفينا. ويطلق الضلال ويراد به النسيان، كما في قوله تعالى:

{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .. "282"}
(سورة البقرة)

ويأتي الضلال بمعنى الغفلة التي تصيب الإنسان فيقع في الذنب دون قصد. كما جاء في قصة موسى وفرعون حينما وكز موسى الرجل فقضى عليه، فلما كلمه فرعون قال:

{فعلتها إذاً وأنا من الضالين "20"}
(سورة الشعراء)

أي: قتلته حال غفلة ودون قصد، ومن يعرف أن الوكزة تقتل؟ والحقيقة أن الرجل جاء مع الوكزة لا بها. ويحدث كثيراً أن واحداً تدهسه سيارة وبتشريح الجثة يتبين أنه مات بالسكتة القلبية التي صادفت حادثة السيارة.
ويأتي الضلال بمعنى: ألا تعرف تفصيل الشيء، كما في قوله تعالى:

{وجدك ضالاً فهدى "7"}
(سورة الضحى)

أي: لا يعرف ما هذا الذي يفعله قومه من الكفر.




(أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105")
{كفروا بآيات ربهم .. "105"}
(سورة الكهف)

والآيات تطلق ثلاثة إطلاقات، وقد كفروا بها جميعاً وكذبوا، كفروا بآيات الكون الدالة على قدرة الله، فلم ينظروا فيها ولم يعتبروا بها، وكفروا بآيات الأحكام والقرآن والبلاغ من رسول الله، وكذلك كفروا بآيات المعجزات التي أنزلها الله لتأيد الرسل فلم يصدقوها. إذن: كلمة:

{كفروا بآيات ربهم .. "105"}
(سورة الكهف)

هنا عامة في كل هذه الأنواع. (ولقائه) أي: وكفروا أيضاً بلقاء الله يوم القيامة، وكذبوا به، فمنهم من أنكره كلية فقال:

{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون "82"}
(سورة المؤمنون)

ومنهم من اعترف بعث على هواه، فقال:

{ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً "36"}
(سورة الكهف)

ومن من قال: إن البعث بالروح دون الجسد وقالوا في ذلك كلاماً طويلاً، إذن: إما ينكرون البعث، وإما يصورونه بصورة ليست هي الحقيقة. ثم يقول تعالى:

{فحبطت أعمالهم .. "105"}
(سورة الكهف)

أي: بطلت وذهب نفعها

{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105"}
(سورة الكهف)

وقد اعترض المستشرقون على هذه الآية

{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105"}
(سورة الكهف)

وقالوا: كيف نوفق بينها وبين الآيات التي تثبت الميزان، كما في قوله تعالى:

{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين "47"}
(سورة الأنبياء)

وقوله تعالى:

{فهو في عيشة راضية "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"}
(سورة القارعة)

ونقول: إن العلماء في التوفيق بين هذه الآيات قالوا: المراد بقوله تعالى:

{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105"}
(سورة الكهف)

جاءت على سبيل الاحتقار وعدم الاعتبار، فالمراد لا وزن لهم عندنا أي: لا اعتبار لهم، وهذه نستعملها الآن في نفس هذا المعنى نقول: فلان لا وزن له عندي. أي: لا قيمة له.
وبالبحث في هذه الآية وتدبرها تجد أن القرآن الكريم يقول:

{فلا نقيم لهم .. "105"}
(سورة الكهف)

ولم يقل: عليهم، إذن: الميزان موجود، ولكنه ليس في صالحهم، فالمعنى: لا نقيم لهم ميزاناً لهم، بل نقيم لهم ميزاناً عليهم.



(ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً "106")
(ذلك) أي: ما كان من إحباط أعمالهم، وعدم إقامتنا لهم وزناً ليس تجنباً منا عليهم أو ظلماً لهم، بل جزاءً لهم على كفرهم فقوله

{بما كفروا .. "106"}
(سورة الكهف)

أي: بسبب كفرهم.

{واتخذا آياتي ورسلي هزواً "106"}
(سورة الكهف)

فقد استهزءوا بآيات الله، وكلما سمعوا آية قالوا: أساطير الأولين:

{إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين "15"}
(سورة القلم)

وكذلك لم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سخريتهم واستهزائهم، والقرآن يحكي عنهم قولهم لرسول الله:

{يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون "6"}
(سورة الحجر)

فقولهم

{نزل عليه الذكر .. "6"}
(سورة الحجر)

أي: القرآن وهم لا يؤمنون به سخرية واستهزاءً. وفي سورة "المنافقون" يقول القرآن عنهم:

{هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا .. "7"}
(سورة المنافقون)

فقولهم:

{رسول الله .. "7"}
(سورة المنافقون)

ليس إيماناً به، ولكن إما غفلة منهم عن الكذب الذي يمارسونه، وإما سخرية واستهزاءً كما لو كنت في مجلس، ورأيت أحدهم يدعي العلم ويتظاهر به فتقول: اسألوا هذا العالم.
وفي آية أخرى يقول سبحانه عن استهزائهم برسول الله:

{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون "51"}
(سورة القلم)

 
قديم   #240

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً "107")
قوله:

{إن الذين آمنوا .. "107"}
(سورة الكهف)

سبق أن قلنا: إن الإيمان هو تصحيح الينبوع الوجداني العقدي لتصدر الأفعال مناسبة لإيمانك بمن شرع، ومن هنا كان الإيمان أولاً وشرطاً لقبول العمل، وإلا فهناك من يعمل الخير لا من منطلق إيماني بل لاعتبارات أخرى، والنية شرط لازم في قبول العمل.
لذلك يعاقب الله تعالى من يعمل لغير الله، يعاقبه بأن ينكره صاحبه ويجحده ويكرهه بسببه، بدل أن يعترف له بالجميل. ومن هنا قالوا: (اتق شر من أحسنت إليه)؛ وهذا قول صحيح لأنك حين تحسن إلى شخص تدك كبرياءه، وتكون يدك العليا عليه، فإذا ما أخذ حظاً من الحياة وأصبح ذا مكانة بين الناس فإن كان غير سوي النفس فإنه لا يحب من تفضل عليه في يوم من الأيام ودك كبرياءه؛ لذلك تراه يكره وجوده، ولا يحب أن يراه وربما دبر لك المكائد لتختفي من طريقه، وتخلي له الساحة؛ لأنك الوحيد الذي يحرجه حضورك.
لذلك، من عمل عملاً لغير الله أسلمه الله لمن عمل له، فليأخذ منه الجزاء، وإذا بالجزاء يأتي على خلاف ما تنتظر، فقد فعلت له ليكرمك فإذا به يهينك، فعلت له ليحترمك فإذا به يحقرك، فعلت له ليواليك فإذا به عدو لك؛ لذلك يقولون: العمل لله عاجل الجزاء، أما العمل لغير الله فغير مضمون العواقب، فقد يوفي لك وقد لا يوفي.
ثم أردف الحق سبحانه وتعالى الإيمان بالعمل الصالح؛ لأن العمل الصالح لابد له أن ينطلق من الإيمان ويصدر عنه، فقال تعالى:

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. "107"}
(سورة الكهف)

{وعملوا الصالحات .. "107"}
(سورة الكهف)

يعني: عمل الشيء الصالح، فإن كان الشيء صالحاً بنفسه فليتركه على صلاحه لا يفسده، أو يزيده صلاحاً، كبئر الماء الذي يشرب منه الناس، فإما أن تتركه على حال صلاحه لا تلقي فيه ما يسده أو يفسده فتخرج الصالح عن صلاحه، وإما أن تزيده صلاحاً فتضيف إليه ما يحسن من أدائه ويزيد من كفاءته كأن تبني حوله سوراً يحميه أو غطاءً يحفظه، أو آلة رفع تيسر على الناس استعماله.
والفرد حين يعمل الصالحات تكون حصيلته من صلاح غيره أكثر من حصيلته من عمله هو؛ لأنه فرد واحد، ويستفيد بصلاح المجتمع كله، ومن هنا لا ينبغي أن تستثقل أوامر الشارع تكليفاته؛ لأنه يأخذ منك ليعطيك وليؤمن حياتك وقت الحاجة والعوز، وحينما يتوفر لك هذا التكافل الاجتماعي تستقبل الحياة بنفس راضية حال اليسر مطمئنة حال العسر.
وساعة أن يأمرك الشرع بكافلة اليتيم وإكرامه، فإنه يطمئنك على أولادك من بعدك، فلا تحزن إن أصابك مكروه؛ لأنك في مجتمع متعاون، سيكفل أولادك، بل قد يكون اليتيم في ظل الإسلام وتعاليمه أسعد حظاً من حياته في رعاية أبيه؛ لأنه بموت أبيه يجد المؤمنين جميعاً آباء له، وربما كان أبوه مشغولاً عنه في حياته لا يفيده بشيء، بل ويصد عنه الخير حيث يقول الناس: أبوه موجود وهو يتكفل به.
لذلك يقول احمد شوقي:

ليس اليتيم من انتهى أبواه إن اليتيم هو الذي تلقى له من هم الحياة وخلفاه ذليلا أما تخلت أو أباً مشغولا
وقوله تعالى:

{كانت لهم جنات الفردوس نزلاً "107"}
(سورة الكهف)

الفردوس: هو أعلى الجنة، والنزل: ما يعده الإنسان لإكرام ضيفه من الإقامة ومقومات الحياة وترفها، والإنسان حينما يعد النزل لضيفه يعده على حسب قدراته وإمكانياته وعلمه بالأشياء، فما بالك إن كان المعد للنزل هو الله تبارك وتعالى؟



(خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً"108")
وخلود النعيم في الآخرة يميزه عن نعيم الدنيا مهما سما، كما أن نعيم الدنيا يأتي على قدر تصورنا في النعيم وعلى حسب قدراتنا، وحتى إن بلغنا القمة في التنعم في الدنيا فإننا على خوف دائم من زواله، فإما أن يتركك النعيم، وإما أن تتركه، وأما في الجنة فالنعمة خالدة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وأنت مخلد فيها فلن تت النعمة ولن تتركها.
لذلك يقول تعالى بعدها:

{لا يبغون عنها حولاً "108"}
(سورة الكهف)

أي: لا يطلبون تحولهم عنها إلى غيرها، لأنه لا يتصور في النعيم أعلى من ذلك.
ومعلوم أن الإنسان لديه طموحات ترفيهية، فكلما نال خيراً تطلع إلى أعلى منه، وكلما حاز متعة ابتغى أكثر منها، هذا في الدنيا أما في الآخرة فالأمر مختلف، وإلا فكيف يطلب نعيماً أعلى من الجنة الذي قال الله عنه:

{كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً .. "25"}
(سورة البقرة)

أي: كلما رزقهم الله ثمرة أتهم أخرى فقالوا: لقد رزقنا مثلهم من قبل، وظنوها كسابقتها، لكنها ليست كسابقتها بل بطعم جديد مختلف، وإن كانت نفس الثمرة، ذلك لأن قدرة الأسباب محدودة، أما قدرة المسبب فليست محدودة.
والحق سبحانه وتعالى قادر على أن يخرج لك الفاكهة الواحدة على ألف لون وألف طعم؛ لأن كمالاته تعالى لا تتناهى في قدرتها؛ لذلك يقول تعالى:

{وأتوا به متشابهاً .. "25"}
(سورة البقرة)

فالثمر واحد متشابه، أما الطعم فمختلف.
والإنسان منا ليشق طريقه في الحياة يظل يتعلم، ليأخذ شهادة مثلاً أو يتعلم مهنة، ويظل في تعب ومشقة ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً من عمره أملاً في أن يعيش باقي حياته المظنونة مرتاحاً هانئاً، وهب أنك ستعيش باقي حياتك في راحة، فكم سيكون الباقي منها؟
أما الراحة الأبدية في الآخرة فهي زمن لا نهاية له، ونعيم خالد لا ينتهي، في أي شيء يطمع الإنسان بعد هذا كله؟ وإلى أي شيء يطمح؟



(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مداً "109")
لأن قدرته تعالى لا حدود لها، ومادامت قدرته لا حدود لها فالمقدورات أيضاً لا حدود لها؛ لذلك لو كان البحر مداداً أي: حبراً يكتب به كلمات الله التي هي (كن) التي تبرز المقدورات ما كان كافياً لكلمات الله

{ولو جئنا بمثله مداً "109"}
(سورة الكهف)

ونحن نقول مثلاً عن السلعة الجيدة: لا يستطيع المصنع أن يخرج أحسن من هذه، أما صنعة الله فلا تقف عند حد؛ لأن المصنع يعالج الأشياء، أما الحق تبارك وتعالى فيصنعها بكلمة كن؛ لذلك نجد في أرقى فنادق الدنيا أقصى ما توصل إليه العلم في خدمة البشر أن تضغط على زر معين، فيخرج لك ما تريد من طعام أو شراب.
وهذه الأشياء بلا شك معدة ومجهزة مسبقاً، فقط يتم استدعاؤها بالضغط على زر خاص بكل نوع، لكن هل يوجد نعيم في الدنيا يحضر لك ما تريد بمجرد أن يخطر على بالك؟ إذن: فنعيم الدنيا له حدود ينتهي عندها. لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون "24"}
(سورة يونس)

وكأن الحق سبحانه يقول لنا: لقد استنفدتم وسائلكم في الدنيا وبلغتم أقصى ما يمكن من متعها وزينتها، فتعالوا إلى ما أعددته أنا لكم، اتركوا ما كنتم فيه من أسباب الله، وتعالوا عيشوا بالله، كنتم في عالم الأسباب فتعالوا إلى المسبب.
وإن كان الحق سبحانه قد تكلم في هذه الآية عن المداد الذي تكتب به كلمات الله، فقد تكلم عن الأقلام التي يكتب بها في آية أخرى أكثر تفصيلاً لهذه المسألة، فقال تعالى:

{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله .. "27"}
(سورة لقمان)

ونقف هنا عند دقة البيان القرآني، فلو تصورنا ما في الأرض من شجر أقلام، مع ما يتميز به الشجر من تجدد مستمر، وتكرر دائم يجعل من الأشجار ثروة لا حصر لها ولا تنتهي، وتصورنا ماء البحر مداداً يكتب به إلا أن ماء البحر منذ خلقه الله تعالى محدود ثابت لا يزيد ولا ينقص.
لذلك لما كان الشجر يتجدد ويتكرر، والبحر ماؤه ثابت لا يزيد. قال سبحانه:

{والبحر يمده من بعده سبعة أبحرٍ.. "27"}
(سورة لقمان)

ليتناسب تزايد الماء مع تزايد الشجر، والمراد سبعة أمثاله، واختار هذا العدد بالذات؛ لأنه منتهى العدد عند العرب.
وقد أوضح لنا العلم دورة الماء في الطبيعة، ومنها نعلم أن كمية الماء في الأرض ثابتة لا تزيد؛ لأن ما يتم استهلاكه من الماء يتبخر ويعود من جديد فالإنسان مثلاً لو شرب طيلة عمره مائة طن من الماء، فاحسب ما يخرج منه من بول وعرق وفضلات في عملية الإخراج تجدها نفس الكمية التي شربها، وقد تبخرت وأخذت دورتها من جديد؛ لذلك يقولون: رب شربة ماء شربها من آدم الملاين.






(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً "110")
(قل) أي: يا محمد، وهذا كلام جديد

{قل إنما أنا بشر مثلكم .. "110"}
(سورة الكهف)

يعني: خذوني أسوة، فأنا لست ملكاً إنما أنا بشر مثلكم، وحملت نفسي على المنهج الذي أطالبكم به، فأنا لا آمركم بشيء وأنا عنه بنجوى. بل بالعكس كان صلى الله عليه وسلم أقل الناس حظاً من متع الحياة وزينتها.
فكان في المؤمنين به الأغنياء الذين يتمتعون بأطايب الطعام ويرتدون أغلى الثياب في حين كان صلى الله عليه وسلم يمر عليه الشهر والشهران دون أن يوقد في بيته نار لطعام، وكان يرتدي المرقع من الثياب، كما أن أولاده لا يرثونه، كما يرث باقي الناس، ولا تحل لهم الزكاة كغيرهم، فحرموا من حق تمتع به الآخرون.
لذلك كان صلى الله عليه وسلم أدنى الأسوات أي: أقل الموجودين في متع الحياة وزخرفها، وهذا يلفتنا إلى أن الرسالة لم تجر لمحمد نفعاً دنيوياً، ولم تميزه عن غيره في زهرة الدنيا الفانية، إنما ميزته في القيم والفضائل.

<ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول: "يرد علي يعني من الأعلى فأقول: أنا لست مثلكم، ويؤخذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم">

والآية هنا لا تميزه صلى الله عليه وسلم عن البشر إلا في أنه:

{يوحى إلي .. "110"}
(سورة الكهف)

فما زاد محمد عن البشر إلا أنه يوحى إليه. ثم يقول تعالى:

{أنما إلهكم إله واحد .. "110"}
(سورة الكهف)

أنما: أداة قصر

{إلهكم إله واحد .. "110"}
(سورة الكهف)

أي: لا إله غيره، وهذه قمة المسائل، فلا تلتفتوا إلى إله غيره، ومن أعظم نعم الله على الإنسان أن يكون له إله واحد، وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً ليوضح لنا هذه المسألة فقال تعالى:

{ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلاً .. "29"}
(سورة الزمر)

فلا يستوي عبد مملوك لعدة أسياد يتجاذبونه؛ لأنهم متشاكسون مختلفون يحار فيما بينهم، إن أرضى هذا سخط ذاك. هل يستوي وعبد مملوك لسيد واحد؟ إذن: فمما يحمد الله عليه أنه إله واحد.

{فمن كان يرجو لقاء ربه .. "110"}
(سورة الكهف)

الناس يعملون الخير لغايات رسمها الله لهم في الجزاء، ومن هذه الغايات الجنة ونعيمها، لكن هذه الآية توضح لنا غاية أسمى من الجنة ونعيمها، هي لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم، فقوله تعالى:

{يرجو لقاء ربه .. "110"}
(سورة الكهف)

تصرف النظر عن النعمة إلى المنعم تبارك وتعالى. فمن أراد لقاء ربه لا مجرد جزائه في الآخرة:

{فليعمل عملاً صالحاً .. "110"}
(سورة الكهف)

فهذه هي الوسيلة إلى لقاء الله؛ لأن العمل الصالح دليل على أنك احترمت أمر الآخر بالعمل، وثقت من حكمته ومن حبه لك فارتاحت نفسك في ظل طاعته، فإذا بك إذا أويت إلى فراشك تستعرض شريط أعمالك، فلا تجد إلا خيراً تسعد به نفسك، وينشرح له صدرك، ولا تتوجس شراً من أحد، ولا تخاف عاقبة أمر لا تحمد عقباه، فمن الذي أنعم عليك بكل هذه النعم وفقك لها؟ ثم:

{ولا يشرك بعبادة ربه أحداً "110"}
(سورة الكهف)

وسبق أن قلنا: إن الجنة أحد، فلا تشرك بعبادة الله شيئاً، ولو كان هذا الشيء هو الجنة، فعليك أن تسمو بغاياتك، لا إلى الجنة بل إلى لقاء ربها وخالقها والمنعم بها عليك.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالرجل الذي أعد وليمة عظيمة فيها أطايب الطعام والشراب، ودعا إليها أحبابه فلما دخلوا شغلهم الطعام إلا وأحداً لم يهتم بالطعام والشراب، وسأل عن صاحب الوليمة ليسلم عليه ويأنس به.
وما أصدق ما قالته رابعة العدوية:

كلهم يعبدون من خوف أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا ليس لي بالجنان والنار حظ نارٍ ويرون النجاة حظاً جزيلاً بقصور ويشربوا سلسبيلا أنا لا ابتغي بحبي بديلا
وهذا يشرح لنا الحديث القدسي: "لو لم أخلق جنة وناراً، أما كنت أهلاً لأن أعبد؟".
فلا ينبغي للعبد أن يكون نفعياً حتى في العبادة، والحق سبحانه وتعالى أهل بذاته أن يعبد، لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، فاللهم ارزقنا هذه المنزلة، واجعلنا برحمتك من أهلها

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 04:47 PM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0