لاتهجروه...ربيع قلبي
فوائد وحكم من القصة الثانية في سورة الكهف :
1- من الجمال الملاحظ في الايات هو ارتباط القصة بما سبق واختيار الكلمة المناسبة للحدث ... وكيف لا وهو كلام احكم الحاكمين ...كلام رب العالمين
حيث يقول الشعراوي:
واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحفناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32")
ومازال الكلام موصولاً بالقوم الذين أرادوا أن يصرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وبذلك انقسم الناس إلى قسمين: قسم متكبر حريص على جاهه وسلطانه، وقسم ضعيف مستكين لا جاه له ولا سلطان، لكن الحق سبحانه يريد استطراق آياته استطراقاً يشمل الجميع، ويسوي بينهم.
لذلك؛ أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضرب لنا مثلاً موجوداً في الحياة، في الناس الكافر الغني والمؤمن الفقير، وعليك أن تتأمل موقف كل منهما. قوله تعالى:
{واضرب لهم مثلاً رجلين .. "32"}
قلنا: إن الضرب معناه أن تلمس شيئاً بشيء أقوى منه بقوة تؤلمه، ولابد أن يكون الضارب أقوى من المضروب، إلا فلو ضربت بيدك شيئاً أقوى منك فقد ضربت نفسك، ومن ذلك قول الشاعر:
ويا ضارباً بعصاه الحجر ضربت العصا أم ضربت الحجر؟
وضرب المثل يكون لإثارة الانتباه والإحساس، فيخرجك من حالة إلى أخرى، كذلك المثل: الشيء الغامض الذي لا تفهمه ولا تعيه، فيضرب الحق سبحانه له مثلاً يوضحه وينبهك إليه؛ لذلك قال:
والحق تبارك وتعالى قال:
{إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .. "26" } (سورة البقرة)
ثم يعطينا القرآن الكريم أمثالاً كثيرة لتوضيح قضايا معينة، كما في قوله تعالى:
{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون "41"}
(سورة العنكبوت)
وكذا قوله تعالى عن نقض الوعد وعدم الوفاء به:
{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً .. "92"}
(سورة النحل)
2- ارجاع النعم الى المنعم سبحانه وتعالى وشكره عليها والحذر من الإفتتان بالمال (هذه الفتنة الثانية في السورة بعد فتنة الفتوة )
رجلين .. "32"}
أي: هل محل المثل:
{جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحفناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32"}
هل هذا المثل كان موجوداً بالفعل، وكان للرجلين وجود فعلي في التاريخ؟
نعم، كانوا واقعاً عند بني إسرائيل وهما براكوس ويهوذا، وكان يهوذا مؤمنا راضياً، وبراكوس كان مستغنياً، وقد ورثا عن أبيهم ثمانية آلاف دينار لكل منهما، أخذ براكوس نصيبه واشترى به أرضاً يزرعها وقصراً يسكنه وتزوج فأصبح له ولدان وحاشية، أما يهوذا، فقد رأى أن يتصدق بنصيبه، وأن يشتري به أرضاً في الجنة وقصراً في الجنة وفضل الحور العين والولدان في جنة عدن على زوجة الدنيا ولدانها وبهجتها. وهكذا استغنى براكوس بما عنده واغتر به،
(هنا القصة اختلف فيه كما سبق واشرت في بداية تفسير القصة .... والإتفاق واضح وهو الذي يهمنا ان القصة وقعت سواء قبل زمن الرسول من ابني اسرائيل او في زمانه من العرب )
وأول الخيبة أن تشغلك النعمة عن المنعم، وتظن أن ما أنت فيه من نعيم ثمرة جهدك وعملك، ونتيجة سعيك ومهارتك، كما قال قارون:
{قال إنما أوتيته على علم عندي .. "78"}
(سورة القصص)
فتركه الله لعلمه ومهارته، فليحرص على ماله بما لديه من علم وقوة:
{فخسفنا به وبداره الأرض .. "81"}
ولم ينفعه ماله أو علمه. إذن: هاتان صورتان واقعيتان في المجتمع: كافر يستكبر ويستغني ويستعلي بغناه، ومؤمن قنوع بما قسم الله له. وانظر إلى الهندسة الزراعية في قوله تعالى:
{جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحفناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32"}
فقد علمنا الله تعالى أن نجعل حول الحدائق والبساتين سوراً من النخيل ليكون سياجاً يصد الهواء والعواصف، وذكر سبحانه النخيل والعنب وهي من الفاكهة قبل الزرع الذي منه القوت الضروري، كما ذكر من قبل الأساور من ذهب، وهي للزينة قبل الثياب، وهي من الضروريات. وقوله:
{جنتين .. "32"}
نراها إلى الآن فيمن يريد أن يحافظ على خصوصيات بيته؛ لأن للإنسا مسكناً خاصاً، وله عموميات أحباب، فيجعل لهم مسكناً آخر حتى لا يطلع أحد على حريمه؛
|