ازياء, فساتين سهرة


العودة   ازياء - فساتين سهرة و مكياج و طبخ > أقسام عامة > منتدى اسلامي
تسريحات 2013 ذيل الحصان موضة و ازياءازياء فكتوريا بيكهام 2013متاجر ازياء فلانتينو في باريسمكياج العين ماكياج دخاني makeup
منتدى اسلامي لاتهجروه...ربيع قلبي يوجد هنا لاتهجروه...ربيع قلبي منتدى اسلامي, قران, خطب الجمعة, اذكار,

فساتين العيد


 
قديم   #226

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

فوائد وحكم من القصة الثانية في سورة الكهف :



1- من الجمال الملاحظ في الايات هو ارتباط القصة بما سبق واختيار الكلمة المناسبة للحدث ... وكيف لا وهو كلام احكم الحاكمين ...كلام رب العالمين

حيث يقول الشعراوي:


واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحفناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32")

ومازال الكلام موصولاً بالقوم الذين أرادوا أن يصرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وبذلك انقسم الناس إلى قسمين: قسم متكبر حريص على جاهه وسلطانه، وقسم ضعيف مستكين لا جاه له ولا سلطان، لكن الحق سبحانه يريد استطراق آياته استطراقاً يشمل الجميع، ويسوي بينهم.
لذلك؛ أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضرب لنا مثلاً موجوداً في الحياة، في الناس الكافر الغني والمؤمن الفقير، وعليك أن تتأمل موقف كل منهما. قوله تعالى:

{واضرب لهم مثلاً رجلين .. "32"}

قلنا: إن الضرب معناه أن تلمس شيئاً بشيء أقوى منه بقوة تؤلمه، ولابد أن يكون الضارب أقوى من المضروب، إلا فلو ضربت بيدك شيئاً أقوى منك فقد ضربت نفسك، ومن ذلك قول الشاعر:
ويا ضارباً بعصاه الحجر ضربت العصا أم ضربت الحجر؟
وضرب المثل يكون لإثارة الانتباه والإحساس، فيخرجك من حالة إلى أخرى، كذلك المثل: الشيء الغامض الذي لا تفهمه ولا تعيه، فيضرب الحق سبحانه له مثلاً يوضحه وينبهك إليه؛ لذلك قال:

والحق تبارك وتعالى قال:

{إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .. "26" } (سورة البقرة)

ثم يعطينا القرآن الكريم أمثالاً كثيرة لتوضيح قضايا معينة، كما في قوله تعالى:

{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون "41"}
(سورة العنكبوت)

وكذا قوله تعالى عن نقض الوعد وعدم الوفاء به:

{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً .. "92"}
(سورة النحل)



2- ارجاع النعم الى المنعم سبحانه وتعالى وشكره عليها والحذر من الإفتتان بالمال (هذه الفتنة الثانية في السورة بعد فتنة الفتوة )


رجلين .. "32"}

أي: هل محل المثل:

{جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحفناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32"}

هل هذا المثل كان موجوداً بالفعل، وكان للرجلين وجود فعلي في التاريخ؟
نعم، كانوا واقعاً عند بني إسرائيل وهما براكوس ويهوذا، وكان يهوذا مؤمنا راضياً، وبراكوس كان مستغنياً، وقد ورثا عن أبيهم ثمانية آلاف دينار لكل منهما، أخذ براكوس نصيبه واشترى به أرضاً يزرعها وقصراً يسكنه وتزوج فأصبح له ولدان وحاشية، أما يهوذا، فقد رأى أن يتصدق بنصيبه، وأن يشتري به أرضاً في الجنة وقصراً في الجنة وفضل الحور العين والولدان في جنة عدن على زوجة الدنيا ولدانها وبهجتها. وهكذا استغنى براكوس بما عنده واغتر به،

(هنا القصة اختلف فيه كما سبق واشرت في بداية تفسير القصة .... والإتفاق واضح وهو الذي يهمنا ان القصة وقعت سواء قبل زمن الرسول من ابني اسرائيل او في زمانه من العرب )

وأول الخيبة أن تشغلك النعمة عن المنعم، وتظن أن ما أنت فيه من نعيم ثمرة جهدك وعملك، ونتيجة سعيك ومهارتك، كما قال قارون:

{قال إنما أوتيته على علم عندي .. "78"}
(سورة القصص)

فتركه الله لعلمه ومهارته، فليحرص على ماله بما لديه من علم وقوة:

{فخسفنا به وبداره الأرض .. "81"}


ولم ينفعه ماله أو علمه. إذن: هاتان صورتان واقعيتان في المجتمع: كافر يستكبر ويستغني ويستعلي بغناه، ومؤمن قنوع بما قسم الله له. وانظر إلى الهندسة الزراعية في قوله تعالى:

{جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحفناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32"}

فقد علمنا الله تعالى أن نجعل حول الحدائق والبساتين سوراً من النخيل ليكون سياجاً يصد الهواء والعواصف، وذكر سبحانه النخيل والعنب وهي من الفاكهة قبل الزرع الذي منه القوت الضروري، كما ذكر من قبل الأساور من ذهب، وهي للزينة قبل الثياب، وهي من الضروريات. وقوله:

{جنتين .. "32"}

نراها إلى الآن فيمن يريد أن يحافظ على خصوصيات بيته؛ لأن للإنسا مسكناً خاصاً، وله عموميات أحباب، فيجعل لهم مسكناً آخر حتى لا يطلع أحد على حريمه؛

 
قديم   #227

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

3- على قدر العمل يثُمر الأجر والعطاء ...

(كلتا الجنتين آت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهراً "33")
أي: أعطت الثمرة المطلوبة منها، والأكل: هو ما يؤكل، ونعرف أن الزراعات تتلاحق ثمارها فتعطيك شيئاً اليوم، وشيئاً غداً، وشيئاً بعد غد وهكذا.

{ولم تظلم منه شيئاً .. "33"}


كلمة (تظلم) تعطينا إشارة إلى عمل الخير في الدنيا، فالأرض وهي جماد لا تظلم، ولا تمنعك حقاً، ولا تهدر لك تعباً، فإن أعطيتها جهدك وعملك جادت عليك، تبذر فيها كيلة تعطيك إردباً، وتضع فيها البذرة الواحدة فتغل عليك الآلاف.
إذن: فهي كريمة جوادة شريطة أن تعمل ما عليك من حرثٍ وبذر ورعاية وسقيا، وقد تريحك السماء، فتسقى لك. لذلك، لما أراد الحق سبحانه أن يضرب لنا المثل في مضاعفة الأجر، قال:

{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ .. "261"}
(سورة البقرة)


فإذا كانت الأرض تعطيك بالحبة سبعمائة حبة، فما بالك بخالق الأرض؟ لاشك أن عطاءه سيكون أعظم؛ لذلك قال بعدها:

{والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"}
(سورة البقرة)


إذن: فالأرض لا تظلم، ومن عدل الأرض أن تعطيك على قدر تعبك وكدك فيها، والحق سبحانه أيضاً يقدر لك هذا التعب، ويشكر لك هذا المجهود،

<والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى أحد الصحابة وقد تشققت يداه من العمل قال: "هذه يد يحبها الله ورسوله">

يحبها الله ورسوله؛ لأنها تعبت وعملت لا على قدر حاجتها، بل على أكثر من حاجتها، عملت لها وللآخرين، وإلا لو عمل كل عامل على قدر حاجته، فكيف يعيش الذي لا يقدر على العمل؟
إذن: فعلى أصحاب القدرة والطاقة أن يعملوا لما يكفيهم، ويكفي العاجزين عن العمل، وهب أنك لن تتصدق بشيء للمحتاج، لكنك ستبيع الفائض عنك، وهذا في حد ذاته نوع من التيسير على الناس والتعاون معهم.
وما أشبه الأرض في عطائها وسخائها بالأم التي تجزل لك العطاء إن بررت بها، وكذلك الأرض، بل إن الأم بطبيعتها قد تعطيك دون مقابل وتحنو عليك وإن كنت جاحداً، وكذلك الأرض ألا تراها تخرج لك من النبات ما لم تزرعه أو تتعب فيه؟ فكيف إذا أنت أكرمتها بالبر؟ لاشك ستزيد لك العطاء.
والحقيقة أن الأرض ليست أمنا على وجه التشبيه، بل هي أمنا على وجه الحقيقة؛ لأننا من ترابها وجزء منها، فالإنسان إذا مرض مثلاً يصير ثقيلاً على كل الناس لا تتحمله وتحنو عليه وتزيل عنه الأذى مثل أمه، وكذلك إن مات وصار جيفة يأنف منه كل أخر محب وكل قريب، في حين تحتضنه الأرض، وتمتص كل ما فيه، وتستره في يوم هو أحوج ما يكون إلى الستر. ثم يقول تعالى:

{وفجرنا خلالهما نهراً "33"}


ذلك لأن الماء هو أصل الزرع، فجعل الله للجنتي ماءً مخصوصاً يخرج منهما ويتفجر من خلالهما لا يأتيهما من الخارج، فيحجبه أحد عنهما.


(وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً "34")

أي: لم يقتصر الأمر على أن كان له جنتان فيهما النخيل والأعناب والزرع الذي يؤتي أكله، بل كان له فوق ذلك ثمر أي: موارد أخرى من ذهب وفضة وأولاد؛ لأن الولد ثمرة أبيه، وسوف يقول لأخيه بعد قليل: أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً. ثم تدور بينهما هذه المحاورة:

{فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً "34"}


دليل على أن ما تقدم ذكره من أمر الجنتين وما فيهما من نعم دعته إلى الاستعلاء هو سبب القول (لصاحبه)، والصاحب هو: من يصاحبك ولو لم تكن تحبه (يحاوره) أي: يجادله بأن يقول أحدهما فيرد عليه الآخر حتى يصلوا إلى نتيجة.

4- بيان حقيقة النفس الإنسانية وفطرتها

(ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً"35")

نقول: لأن الإنسان إن كان له جنتان فلن يدخلهما معاً في وقت واحد، بل حال دخوله سوف يواجه جنة واحدة، ثم بعد ذلك يدخل الأخرى. وقوله:

{وهو ظالم لنفسه .. "35"}

قد يظلم الإنسان غيره، لكن كيف يظلم نفسه هو؟ يظلم الإنسان نفسه حينما يرخي لها عنان الشهوات، فيحرمها من مشتهيات أخرى، ويفوت عليها ما هو أبقى وأعظم، وظلم الإنسان يقع على نفسه؛ لأن النفس لها جانبان: نفس تشتهي، وجدان يردع بالفطرة.
فالمسألة إذن جدل بين هذه العناصر؛ لذلك يقولون: أعدي أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبته، فإن قلت: كيف وأنا ونفسي شيء واحد؟ لو تأملت لوجدت أنك ساعة تحدث نفسك بشيء ثم تلوم نفسك عليه؛ لأن بداخلك شخصيتين: شخصية فطرية، وشخصية أخرى استحوازية شهوانية، فإن مالت النفس الشهوانية أو انحرفت قومتها النفس الفطرية وعدلت من سلوكها.
لذلك قلنا: إن المنهج الإلهي في جميع الديانات كان إذا عمت المعصية في الناس، ولم يعد هناك من ينصح ويرشد أنزل الله فيهم رسولاً يرشدهم ويذكرهم، إلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سبحان حملهم رسالة نبيهم، وجعل هدايتهم بأيديهم، وأخرج منهم من يحملون راية الدعوة إلى الله؛ لذلك لن يحتاجوا إلى رسول آخر وكان صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل.
وكأنه سبحانه يطمئننا إلى أن الفساد لن يعم، فإن وجد من بين هذه الأمة العاصون، فيها أيضاً الطائعون الذين يحملون راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه مسألة ضرورية، وأساس يقوم عليه المجتمع الإسلامي. ثم يقول تعالى:

{قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً "35"}


فهل معنى هذا أنه ظالم لنفسه بالدخول؟ لا، لأنها جنته يدخلها كما يشاء، إنما المراد بالظلم هنا ما دار في خاطره، وما حدث نفسه به حال دخوله، فقد ظلم نفسه عندما خطر باله الاستعلاء بالغنى، والغرور بالنعمة، فقال: ما أظن أن تبيد هذه النعمة، أو تزول هذه الجنة الوارفة أو تهلك، لقد غره واقع ملموس أمام عينيه استبعد معه أن يزول عنه كل هذا النعيم، ليس هذا وفقط، بل دعاه غروره إلى أكثر فقال:

(وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلباً "36") هكذا أطلق لغروره العنان،
لذلك ما أنكر قيام الساعة هزته الأوامر الوجدانية، فاستدرك قائلا:

{ولئن رددت إلى ربي .. "36"}
أي: على كل حال إن رددت إلى ربي في القيامة، فسوف يكون لي أكثر من هذا وأعظم وكأنه ضمن أن الله تعالى أعد له ما هو افضل من هذا. ونقف لنتأمل قول هذا الجاحد المستعلي بنعمة الله عليه المفتون بها:

{ولئن رددت إلى ربي .. "36"}
حيث يعرف أن له رباً سيرجع إليه، فإن كنت كذوباً فكن ذكوراً، لا تناقض نفسك، فما حدث منك من استعلاء وغرور وشك في قيام الساعة يتنافى وقولك (ربي) ولا يناسبه.

5- الحرص على ابداء الحقيقة والنصح للاخرين والتقريع اللطيف ان لزم الامر مع اجلاء الحقائق

(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً"37")

هنا يرد عليه صاحبه المؤمن محاوراً ومجادلاً ليجلي له وجه الصواب:

{أكفرت بالذي خلقك من ترابٍ .. "37"}

أي: كلامك السابق أنا أنا، وما أنت فيه من استعلاء وإنكار، أتذكر هذا كله ولا تذكر بدايتك ومنشأك من تراب الذي هو أصل خلقك

{ثم من نطفةٍ .. "37"}

وهي أصل التناسل

{ثم سواك رجلاً "37"}

أي: كاملاً مستوياً و

{سواك .. "37"}
(سورة الكهف)

التسوية: هي إعداد الشيء إعداداً يناسب مهمته في الحياة، وقلنا: إن العود الحديد السوي مستقيم، والخطاف في نهايته أعوج، والاعوجاج في الخطاف هو عين استقامته واستواء مهمته؛ لأن مهمته أن نخطف به الشيء، ولو كان الخطاف هذا مستقيماً لما أدى مهمته المرادة. والهزة في

{أكفرت .. "37"}
(سورة الكهف)

ليست للاستفهام، بل هي استنكار لما يقوله صاحبه، وما بدر منه من كفر ونسيان لحقيقة أمره وبداية خلقه.
والتراب هو أصل الإنسان، وهو أيضاً مرحلة من مراحل خلقه؛ لأن الله تعالى ذكر في خلق الإنسان مرة (من ماء) ومرة (من تراب) ومرة (من حمأ مسنون) ومرة (من صلصال كالفخار).
لذلك يعترض البعض على هذه الأشياء المختلفة في خلق الإنسان، والحقيقة أنها شيء واحد، له مراحل متعددة انتقالية، فإن أضفت الماء للتراب صار طيناً، فإذا ما خلطت الطين بعضه بعض صار حمأ مسنوناً، فإذا تركته حتى يجف ويتماسك صار صلصالاً، إذن: فهي مرحليات لشيء واحد. ثم يقول الحق سبحانه أن هذا المؤمن

*******

 
قديم   #228

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

(لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً "38") قوله:

{لكنا .. "38"}

أي: أنا، فحذفت الهمزة وأدغمت النون في النون. ولكن للاستدراك، المؤمن يستدرك على ما قاله صاحبه: أنا لست مثلك فيما تذهب إليه، فإن كنت قد كفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة. ثم سواك رجلاً، فأنا لم أكفر بمن خلقني، فقولي واعتقادي الذي أومن به:

{هو الله ربي .. "38"}
(سورة الكهف)

وتلاحظ أن الكافر لم يقل: الله ربي، إنما جاءت ربي على لسانه في معرض الحديث، والفرق كبير بين القولين؛ لأن الرب هو الخالق المتولي للتربية، وهذا أمر لا يشك فيه أحد، ولا اعتراض عليه، إنما الشك في الإله المعبود المطاع، فالربوبية عطاء، ولكن الألوهية تكليف؛ لذلك اعترف الكافر بالربوبية، وأنكر الألوهية والتكليف.
ثم يؤكد المؤمن إيمانه فيقول:

{ولا أشرك بربي أحداً "38"}

ولم يكتف المؤمن بأن أبان لصاحبه ما هو فيه من الكفر، بل أراد أن يعدي إيمانه إلى الغير، فهذه طبيعة المؤمن أن يكون حريصاً على هداية غيره، لذلك بعد أن أوضح إيمانه بالله تعالى أراد أن يعلم صاحبه كيف يكون مؤمناً، ولا يكمل إيمان المؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأيضاً من العقل للمؤن أن يحاول أن يهدي الكافر؛ لأن المؤمن صحيح سلوكه بالنسبة للآخرين، ومن الخير للمؤن أيضاً أن يصح سلوك الكافر بالإيمان.
لذلك من الخير بدل أن تدعو على عدوك أن تدعو له بالهداية؛ لأن دعاءك عليه سيزيد من شقائك به، وهاهو يدعو صاحبه،

*******

(ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا ولداً"39")
يريد أن يعلمه سبيل الإيمان في استقبال النعمة، بأن يرد النعم إلى المنعم؛ لأن النعمة التي يتقلب فيها الإنسان لا فضل له فيها، فكلها موهوبة من الله، فهذه الحدائق والبساتين كيف آت أكلها؟ إنها الأرض التي خلقها الله لك، وعندما حرثتها حرثتها بآلة من الخشب أو الحديد، وهو موهوب من الله لا دخل لك فيه، والقوة التي أعانتك على العمل موهوبة لك يمكن أن تسلب منك في أي وقت، فتصير ضعيفاً لا تقدر على شيء.
إذن: حينما تنظر إلى كل هذه المسائل تجدها منتهية إلى العطاء الأعلى من الله سبحانه. خذ هذا المقعد الذي تجلس عليه مستريحاً وهو في غاية الأناقة وإبداع الصنعة، من أين أتى الصناع بمادته؟ لو تتبعت هذا لوجدته قطعة خشب من إحدى الغابات، ولو سألت الغابة: من أين لك هذا الخشب لأجابتك من الله.

إذن: لو حللت أي نعمة من النعم التي لك فيها عمل لوجدت أن نصيبك فيها راجع إلى الله، وموهوب منه سبحانه. وحتى بعد أن ينمو الزرع ويزهر أو يثمر لا تأمن أن تأتيه آفة أو تحل به جائحة فتهلكه




6- الحرص على عدم الحسد للاخرين او للنفس بل حفظها بذكر الله وارجاع النعم للمنعBR colr=dakivegnولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. "39"}


(لولا) بمعنى: هلا وهي للحث التحضيض، وعلى الإنسان إذا رأى ما يعجبه في مال أو ولد حتى لو أعجبه وجهه في المرآة عليه أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

<وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قيل عند نعمة: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، إلا ولا ترى فيها آفة إلا الموت">

فساعة أن تطالع نعمة الله كان من الواجب عليك ألا تلهيك النعمة عن المنعم، كان عليك أن تقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أي: أن هذا كله ليس بقوتي وحيلتي، بل فضل من الله فترد النعمة إلى خالقها ومسديها، ومادمت قد رددت النعمة إلى خالقها فقد استأمنته عليها واستحفظته إياها، وضمنت بذلك بقاءها.

فإن قلتها على نعمتك حفظت ونمت، وإن قلتها على نعمة الغير أعطاك الله فوقها. والعجيب أن المؤمن الفقير الذي لا يملك من متاع الدنيا شيئاً يدل صاحبه الكافر على مفتاح الخير الذي يزيده من خير الدنيا، رغم ما يتقلب فيه من نعيمها، فمفتاح زيادة الخير في الدنيا ودوام النعمة فيها أن تقول:

{ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. "39"}


ويستطرد المؤمن، فيبين لصاحبه ما عيره به من أنه فقير وهو غني، وما استعلى عليه بماله ولده:

{إن ترن أنا أقل منك مالاً ولداً "39"}
(سورة الكهف)

ثم ذكره بأن الله تعالى قادر على أن يبدل هذا الحال،

********

فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقاً"40")

وعسى للرجاء، فإن كان الرجاء من الله فهو واقع لاشك فيه؛ لذلك حينما تقول عند نعمة الغير: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) يعطيك الله خيراً مما قلت عليه: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، وإن اعترفت بنعمة الله عليك ورددت الفضل إليه سبحانه زادك، كما جاء في قوله تعالى:

{لئن شكرتم لأزيدنكم "7"}
(سورة إبراهيم)


فقوله:

{فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك .. "40"}
(سورة الكهف)

أي: ينقل مسألة الغنى والفقر ويحولها، فأنت لا قدرة لك على حفظ هذه النعمة، كما أنك لا قدرة لك على جلبها من البداية. إذن: يمكن أن يعطيني ربي نعمة مثل نعمتك، في حين تظل نعمتك كما هي، لكن إرادة الله تعالى أن يقلب نعمتك ويزيلها:

{ويرسل عليها حسبانا من السماء .. "40"}
(سورة الكهف)

هذه النعمة التي تعتز بها وتفخر بزهرتها وتعالى بها على خلق الله يمكن أن يرسل الله عليها حسباناً.
والحسبان: الشيء المحسوب المقدر بدقة وبحساب، كما جاء في قوله تعالى:

{الشمس والقمر بحسبانٍ "40"}
(سورة الرحمن)

والخالق سبحانه وتعالى جعل الشمس والقمر لمعرفة الوقت:

{لتع
وحسب حسباناً مثل غفر غفراناً، وقد أرس الله على هذه الجنة التي اغتر بها صاحبها صاعقة محسوبة مقدرة على قدر هذه الجنة لا تتعداه إلى غيرها، حتى لا يقول: إنها آية كونية عامة أصابتني كما أصابت غيري .. لا. إنها صاعقة مخصوصة محسوبة لهذه الجنة دون غيرها.
ثم يقول تعالى:

{فتصبح صعيدا زلقا "40"}
(سورة الكهف)

أي: أن هذه الجنة العامرة بالزروع والثمار، المليئة بالنخيل والأعناب بعد أن أصابتها الصاعقة
أصبحت صعيداً أي: جدباء يعلوها التراب،
أي: تراباً مبللاً تنزلق عليه الأقدام، فلا يصلح لشيء، حتى المشي عليه

******

 
قديم   #229

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

(أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلباً"41")
(غوراً) أي: غائراً في الأرض، فإن قلت: يمكن أن يكون الماء غائراً، ونستطيع إخراجه بالآلات مثلاً، لذلك يقطع أمله في أي حيلة يفكر فيها:
فلن تستطيع له طلباً
أي: لن تصل إليه بأي وسيلة من وسائلك، ومن ذلك قوله تعالى في آية أخرى:

{قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين "30"}
(سورة الملك)


لاحظ أن هذا الكلام من المؤمن لصاحبه الكافر مجرد رجاء يخاطبه به:

{فعسى ربي .. "40"}
(سورة الكهف)

رجاء لم يحدث بعد، ولم يصل إلى إيقاعيات القدر.



7- الإيضاح بجزاء الإشراك بالله والغرور والكبرياء بمحق البركة وعقاب الله سبحانه وتعالى

(وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً "42")
هكذا انتقل الرجاء إلى التنفيذ، وكأن الله تعالى استجاب للرجل المؤمن ولم يكذب توقعه

{وأحيط بثمره "42"}
(سورة الكهف)

أحيط: كأن جعل حول الثمر سوراً يحيط به، فلا يكون له منفذ،
ولم يقل مثلاً: أحيط بزرعه أو بنخله؛ لأن الإحاطة قد تكون بالشيء، ثم يثمر بعد ذلك، لكن الإحاطة هنا جاءت على الثمر ذاته، وهو قريب الجني قريب التناول، وبذلك تكون الفاجعة فيه أشد، والثمر هو الغاية والمحصلة النهائية للزرع.

ثم يصور الحق سبحانه ندم صاحب الجنة وأسفه عليها:

{فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها "42"}
(سورة الكهف)

أي: يضرب كفاً بكف، كما يفعل الإنسان حينما يفاجئه أمر لا يتوقعه، فيقف مبهوتاً لا يدري ما يقول، فيضرب كفاً بكف لا يتكلم إلا بعد أن يفيق من هول هذه المفاجأة ودهشتها. ويقلب كفيه على أي شيء؟ يقلب كفيه ندماً على ما أنفق فيها

{وهي خاوية على عروشها "42"}
(سورة الكهف)

خاوية: أي خربة جرداء جدباء،

{ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً "42"}


بعد أن ألجمته الدهشة عن الكلام، فراح يضرب كفاً بكف، أفاق من دهشته، ونزع هذا النزوع القولي الفوري:

{يا ليتني لم أشرك بربي أحداً "42"}


يتمنى أنه لم يشرك بالله أحداً؛ لأن الشركاء الذين اتخذهم من دون الله لم ينفعوه،

*********

(ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً "43")
أي: ليس لديه أعوان ونصراء يدفعون عنه هذا الذي حل به، ويمنعون عنه الخراب الذي حاق بجنته

{وما كان منتصراً "43"}
(سورة الكهف)

أي: ما كان ينبغي له أن ينتصر، ولا يجوز له الانتصار، لماذا؟

***********

هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا

هنالك: أي في وقت الحالة هذه، وقت أن نزلت الصاعقة من السماء فأت على الجنة، وجعلتها خاوية على عروشها، هناك تذكر المنعم وتمنى لو لم يشرك بالله، فقوله: (هنالك) أي: في الوقت الدقيق وقت القمة، قمة النكد والكدر.
و(هنالك) جاءت في القرآن في الأمر العجيب، ويدعو إلى الأمر الأعجب،

و(الولاية) أن يكون لك ولي ينصرك، فالولي هو الذي يليك، ويدافع عنك وقت الشدة، وفي قراءة أخرى: (هناك الولاية) بكسر الواو يعني الملك، كما في قوله:

{هو خير ثواباً "44"}
(سورة الكهف)

لأنه سيجازي على العمل الصالح بثواب، هو خير من الدنيا وما فيها

{وخير عقباً "44"}
(سورة الكهف)

أي: خير العاقبة بالرزق الطيب في جنة الخلد.
هكذا ضرب الله تعالى لنا مثلاً، وأوضح لنا عاقبة الغني الكافر، والفقير المؤمن، وبين لنا أن الإنسان يجب ألا تخدعه النعمة ولا يغره النعيم؛ لأنه موهوب من الله، فاجعل الواهب المنعم سبحانه دائماً على بالك، كي يحافظ لك على نعمتك وإلا لكنت مثل هذا الجاحد الذي استعلى واغتر بنعمة الله فكانت عاقبته كما رأيت.
وهذا مثل في الأمر الجزئي الذي يتعلق بالمكلف الواحد، ولو نظرت إليه لوجدته يعم الدنيا كلها؛ فهو مثال مصغر لحال الحياة الدنيا

هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا

 
قديم   #230

!!*ميوس*!!


رد: لاتهجروه...ربيع قلبي


لاتهجروه...ربيع قلبي

واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً"45")

الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يوضح المجهول لنا بما علم لدينا. وأهل البلاغة يقولون: في هذه الآية تشبيه تمثيل؛ لأنه سبحانه شبه حال الدنيا في قصرها وسرعة زوالها بالماء الذي نزل من السماء، فارتوت به الأرض، وأنبت ألواناً من الزروع والثمار، ولكن سرعان ما يذبل هذا النبات ويصير هشيماً متفتتاً تذهب به الريح.

وهكذا الدنيا تبدو جميلة مزهرة مثمرة حلوة نضرة، وفجأة لا تجد في يديك منها شيئاً؛ لذلك سماها القرآن دنيا وهو اسم يوحي بالحقارة، وإلا فأي وصف أقل من هذا يمكن أن يصفها به؟ لنعرف أن ما يقابلها حياة عليا.
وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: كما ضربت لهم مثل الرجلين وما آل إليه أمرهما اضرب لهم مثل الحياة الدنيا وأنها تتقلب بأهلها، وتبدل بهم، واضرب لهم مثلاً للدنيا من واقع الدنيا نفسها. ومعنى

{فاختلط به نبات الأرض "45"}


أي: اختلط بسببه نبات الأرض، وتداخل بعضه في بعض، وتشابكت أغصانه وفروعه، وهذه صورة النبات في الأرض الخصبة، أما إن كانت الأرض مالحة غير خصبة فإنها تخرج النبات مفرداً، عود هنا وعود هناك.
لكن، هل ظل النبات على حال خضرته ونضارته؟ لا، بل سرعان ما جف وتكسر وصار هشيماً تطيح به الريح وتذروه

ثم يقول تعالى:
{وكان الله على كل شيء مقتدراً "45"}

لأنه سبحانه القادر دائماً على إخراج الشيء إلى ضده،
فقد اقتدر سبحانه على الإيجاد، واقتدر على الإعدام، فلا تنفك عنه صفة القدرة أبداً، أحيا وأمات، وأعز وأذل، وقبض وبسط، وضر ونفع .. ولما كان الكلام السابق عن صاحب الجنة الذي اغتر ب
ماله ولده فناسب الحديث عن المال والولد



(المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملاً "46")
تلك هي العناصر الأساسية في فتنة الناس في الدنيا: المال والبنون، لكن لماذا قدم المال؟ أهو أغلى عند الناس من البنين؟ نقول: قدم الحق سبحانه المال على البنين، ليس لأنه أعز أو أغلى؛ إنما لأن المال عام في المخاطب على خلاف البنين، فكل إنسان لديه المال وإن قل، أما البنون فهذه خصوصية، ومن الناس من حرم منها.
كما أن البنين لا تأتي إلا بالمال؛ لأنه يحتاج إلى الزواج والنفقة لكي يتناسل وينجب، إذن: كل واحد له مال، وليس لكل واحد بنون، والحكم هنا قضية عامة، وهي:

{المال والبنون زينة الحياة الدنيا .. "46"}

كلمة (زينة) أي: ليست من ضروريات الحياة، فهو مجرد شكل وزخرف؛ لأن المؤمن الراضي بما قسم له يعيش حياته سعيداً بدون مال، وبدون أولاد؛ لأن الإنسان قد يشقى بماله، أو يشقى بولده، لدرجة أنه يتمنى لو مات قبل أن يرزق هذا المال أو هذا الولد.
وقد بات مسألة الإنجاب عقدة مشكلة عند كثير من الناس، فترى الرجل كدراً مهموماً؛ لأنه يريد الولد ليكون له عزوة وعزة، وربما يزرق الولد ويرى الذل على يديه، وكم من المشاكل تثار في البيوت؛ لأن الزوجة لا تنجب.
ولو أيقن الناس أن الإيجاد من الله نعمة، وأن السلب من الله أيضاً نعمة لاستراح الجميع

<وقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا، فقال: "من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه أي: لا يهدد أمنه أحد وعنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها">

فما زاد عن ذلك فهو من الزينة، فالإنسان إذن يستطيع أن يعيش دون مال أو ولد، يعيش بقيم تعطي له الخير، ورضاً يرضيه عن خالقه تعالى. ثم يقول تعالى:

{والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملاً "46"}


لأن المال والبنين لن يدخلا معك القبر، ولن يمنعاك من العذاب، ولن ينفعك إلا الباقيات الصالحات.

<والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أهديت إليه شاة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تعرف أن رسول الله يحب من الشاة الكتف؛ لأنه لحم رقيق خفيف؛ لذلك احتفظت لرسول الله بالكتف وتصدقت بالباقي، فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال: "ماذا صنعت في الشاة"؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: "بل بقيت كلها إلا كتفها">

<وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: "هل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت">

{والباقيات .. "46"}
مادام قال (والباقيات) فمعنى هذا أن ما قبلها لم يكن من الباقيات بل هو زائل بزوال الدنيا، ثم وصفها بالصالحات ليفرق بينها وبين الباقيات السيئات التي يخلدون بها في النار.

{والباقيات الصالحات خير .. "46"}

خير عند من؟ لأن كل مضاف إليه يأتي على قوة المضاف إليه، فخيرك غير خير من هو أغنى منك، غير خير الحاكم، فما بالك بخير عند الله؟

{خير عند ربك ثوابا وخير أملاً "46"}

والأمل: ما يتطلع إليه الإنسان مما لم تكن به حالته، فإن كان عنده خير تطلع إلى أعلى منه، فالأمل الأعلى عند الله تبارك وتعالى، كل هذا يبين لنا أن هذه الدنيا زائلة، وأننا ذاهبون إلى يوم باقٍ؛ لذلك أردف الحق سبحانه بعد الباقيات الصالحات ما يناسبها




(ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً"47")

أي: اذكر جيداً يوم نسير الجبال وتنتهي هذه الدنيا، واعمل الباقيات الصالحات لأننا سنسير الجبال التي تراها ثابتة راسخة تتوارث الأجيال حجمها وجرمها، وقوتها وصلابتها، وهي باقية على حالها.
ومعنى تسير الجبال: إزالتها عن أماكنها
ونلحظ أن الحق سبحانه ذكر أقوى مظهر ثابت في الحياة الدنيا، وإلا في الأرض أشياء أخرى قوية وثابتة كالعمائر ناطحات السحاب، والشجر الكبير الضخم المعمر وغيرها كثير. فإذا كان الحق سبحانه سينسف هذه للجبال ويزيلها عن أماكنها، فغيرها مما على وجه الأرض زائل من باب أولى.
ثم يقول سبحانه:
{وترى الأرض بارزة "47"}
(سورة الكهف)

الأرض: كل ما أقلك من هذه البسيطة التي نعيش عليها، وكل ما يعلوك ويظلك فهو سماء، ومعنى: (بارزة) البراز: هو الفضاء، أي: وترى الأرض فضاءً خالية مما كان عليها من أشكال الجبال والمباني والأشجار، حتى البحر الذي يغطي جزءاً كبيراً من الأرض.
كل هذه الأشكال ذهبت لا وجود لها، فكأن الأرض برزت بعد أن كانت مختبئة: بعضها تحت الجبال، وبعضها تحت الأشجار، وبعضها تحت المباني، وبعضها تحت الماء، فأصبحت فضاء واسعاً، ليس فيه معلم لشيء.

{وحشرناهم "47"}


أي: جمعناهم ليوم الحساب؛ لأنهم فارقوا الدنيا على مراحل من لدن آدم عليه السلام، والموت يحصد الأرواح، وقد جاء اليوم الذي يجمع فيه هؤلاء.
{فلم نغادر منهم أحداً "47"}


أي: لم نترك منهم واحداً، الكل معرض على الله، وكلمة (نغادر) ومادة (غدر) تؤدي جميعها معنى الترك، فالغدر مثلاً ترك الوفاء وخيانة الأمانة، حتى غدير وهو جدول الماء الصغير سمي غديراً؛ لأن المطر حينما ينزل على الأرض يذهب ويترك شيئاً قليلاً في المواطئ.



(وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً"48")

العرض: أن يستقبل العارض المعروض استقبالاً منظماً يدل على كل هيئاته، كما يستعرض القائد الجنود في العرض العسكري مثلاً، فيرى كل واحد من جنوده (صفاً) أي: صفوفاً منتظمة، حتى الملائكة تأتي صفوفاً،

أي: أنها عملية منظمة لا يستطيع فيها أحد التخفي، ولن يكون لأحد منها مفر، وهي صفوف متداخلة بطريقة لا يخفي فيها صف الصف الذي يليه، فالجميع واضح بكل أحواله.
ثم يقول تعالى:

{لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرةٍ "48"}
(سورة الكهف)
أي: على الحال التي نزلت عليها من بطن أمك عرياناً، لا تملك شيئاً حتى ما يستر عورتك
وقوله تعالى:
{بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً "48"}
(سورة الكهف)

والخطاب هنا موجه للكفار الذين أنكروا البعث والحساب (زعمتم) والزعم مطية الكذب.



(وضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحداً"49")
قوله تعالى:

{وضع الكتاب "49"}
أي: وضعته الملائكة بأمر من الله تعالى، فيعطون كل واحد كتابه، فهي إذن صور متعددة، فمن أخذ كتابه بيمينه فرح وقال:

{هاؤم اقرءوا كتابيه "19"}
(سورة الحاقة)
يعرضه على ناس، وهو فخور بما فيه؛ لأنه كتاب مشرف ليس فيه ما يخجل؛ لذلك يتباهى به ويدعو الناس إلى قراءته
وهذا بخلاف من أوتي كتابه بشماله فإنه يقول:

{يا ليتني لم أوت كتابيه "25" ولم أدر ما حسابيه "26" يا ليتها كانت القاضية "27" ما أغنى عني ماليه "28" هلك عني سلطانيه "29"}
(سورة الحاقة)
إنه الخزي والانكسار والندم على صحيفة مخجلة.

{فترى المجرمين مشفقين مما فيه "49"}
أي: خائفين يرتعدون، والحق سبحانه وتعالى يصور لنا حالة الخوف هذه ليفزع عباده ويحذرهم ويضخم لهم العقوبة، وهم ما يزالون في وقت التدارك والتعديل من السلوك، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده.
فحالتهم الأولى الإشفاق، وهو عملية هبوط القلب ولجلجته، ثم يأتي نزوع القول:

{ويقولون يا ويلتنا "49"}
يا: أداة للنداء، كأنهم يقولون: يا حسرتنا يا هلاكنا، هذا أوانك فاحضري.
قوله تعالى:
{ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها "49"}
أي: لا يترك كبيرة أو صغيرة إلا عدها وحسبها.

{وجدوا ما عملوا حاضرا "49"}
فكل ما فعلوه مسجل مسطر في كتبهم

{ولا يظلم ربك أحداً "49"}
لأنه سبحانه وتعالى عادل لا يؤاخذهم إلا بما عملوه.



(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن فسق عن أمر ربه أفتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً"50")

تكررت قصة سجود الملائكة لآدم عليه السلام كثيراً في القرآن الكريم، وفي كل مرة تعطينا الآيات لقطة معينة، والحق سبحانه في هذه الآية يقول لنا: يجب عليكم أن تذكروا جيداً عداوة إبليس لأبيكم آدم، وتذكروا جيداً أنه أخذ العهد على نفسه أمام الله تعالى أن يغويكم أجمعين، فكان يجب عليكم أن تتنبهوا لهذا العداوة، فإذا حدثكم بشيء فاذكروا عداوته لكم.
والحق سبحانه وتعالى حينما يحذرنا من إبليس فإنه يربي فينا المناعة التي نقاومه بها، والمناعة أن تأتي بالشيء الذي يضر مستقبلاً حين يفاجئك وتضعه في الجسم في صورة مكروب خامد، وهذا هو التطعيم الذي يعود الجسم على مدافعة المرض وتغلب عليه إذا أصابه.

فانتبهوا مادمنا سنسير الجبال، ونسوي الأرض، ونحصر لكل كتابه، فاحذروا أن تقفوا موقفاً حرجاً يوم القيامة، ثم تفاجأوا بكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وهاأنا أذكركم من الآن في وقت السعة والتدارك، فحاولوا التوبة إلى الله، وأن تصلحوا ما بينكم وبين ربكم.
والأمر هنا جاء للملائكة:

{وإذ قلنا للملائكة .. "50"}

لأنهم أشرف المخلوقات، حيث لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. وحين يأمر الله تعالى الملائكة الذين هذه صفاتهم بالسجود لآدم، فهذا يعني الخضوع، وأن هذا هو الخليفة الذي آمركم أن تكونوا في خدمته. لذلك سماهم: المدبرات أمراً، وقال تعالى عنهم:

{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


فكأن مهمة هؤلاء الملائكة أن يكونوا مع البشر وفي خدمتهم.
فإذا كان الحق سبحانه قد جند هؤلاء الملائكة وهم أشرف المخلوقات لخدمة الإنسان، وأمرهم بالسجود له إعلاناً للخضوع للإنسا، فمن باب أولى أن يخضع له الكون كله بسمائه وأرضه، وأن يجعله في خدمته، إنما ذكر أشرف المخلوقات لينسحب الحكم على من دونهم.
وقلنا: إن العلماء اختلفوا كثيراً على ماهية إبليس: أهو من الجن أم من الملائكة، وقد قطعت هذه الآية هذا الخلاف وحسمته، فقال تعالى:

{إلا إبليس كان من الجن .. "50"}
وطالما جاء القرآن بالنص الصريح الذي يوضح جنسيته، فليس لأحد أن يقول: إنه من الملائكة. ومادام كان من الجن، وهم جنس مختار في أن يفعل أو لا يفعل، فقد اختار ألا يفعل:
{فسق عن أمر ربه .. "50"}
أي: رجع إلى أصله، وخرج عن الأمر. وقوله تعالى:

{أفتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو .. "50"}
فهذا أمر عجيب، فكيف بعد ما حدث منه تجعلونه ولياً من دون الله الذي خلقكم ورزقكم، فكان أولى بهذه الولاية.

{وذريته .. "50"}
تدل على تناسل إبليس، وأن له أولاداً، وأنهم يتزاوجون، ويمكن أن نقول: ذريته: كل من كان على طريقته في الضلال والإغواء، ولو كان من الإنس

{بئس للظالمين بدلاً "50"}
أي: بئس البدل أن تتخذوا إبليس الذي أبى واستكبر أن يسجد لأبيكم ولياً، وتركوا ولاية الله الذي أمر الملائكة أن تسجد لأبيكم.

 




الساعة الآن توقيت السعودية الرياض و الدمام و القصيم و جدة 07:47 PM.


 
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,
vBulletin Optimisation provided by vB Optimise (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0